امرأة عراقية تحدّت الظروف من اجل عيشة أيتامها



بشرى العزاوي
2010 / 6 / 26

امرأة لم ارَ مثيلها في مجتمعنا العراقي ,قوية الإرادة, وجريئة بعملها ,بطلة تحدت كل مصاعب الحياة ,بنزولها الشارع العراقي ,وتقبلته بكل عيوبه ,وتحملت الكثير ولم تستسلم يوماً,كل ذلك لكسب لقمة العيش ومن اجل تربية أيتامها ,إن شجاعتها يفتقر إليها الكثير ,إذ إن سياقتها تمتاز بالهدوء أكثر من الرجال ,وأكثر انتباها ومتأنية أجدها,ولم أرها تخالف إشارات المرور,ونحن دائما نشد على يدها ,ونساعدها على تخطي مصاعب الشارع ,ومتساهلين معها بإعطائها حالة استثنائية في الوقوف بالأماكن الممنوع الوقوف فيها ,ذلك مساهمة منا في تسهيل أمرها ,لانها لو لم تكن محتاجة لما كانت تعمل في هذا المجال .
هذا ما قاله رجل المرور حسين عباس وهو برتبة مقدم بحق المواطنة رافده أم زينه التي أجرينا معها الحوار التالي :


ما الظروف التي أجبرتك للعمل في هذا المجال ؟
إن زوجي قتل في أحداث الطائفية ,وترك برقبتي سبعة أيتام ,وبسبب الظروف المعيشية الصعبة اضطررت إلى الاعتماد على نفسي لأوفر لقمة العيش لأطفالي , لأننا اصبحنا بلا معيل ,ففتحت أسواق ومحال للخضر لكني خسرت لان أغلبية الناس تأخذ بالدين ,وبعد محاولات عديدة التجأت إلى هذا العمل ,واشتريت الكيا بالإقساط ,فبدأت العمل بها ومكفية مصاريفي، فالذي يأتيني منها أسدد منه إقساطها كل شهر ,فعلي ان ادفع 600 ألف دينار , وأيضا للإيجار 350 ألف دينار, ولروضة أطفالي 75 ألف دينار,واشتراك المولدة 80 إلف دينار , وغير ذلك من متطلبات الحياة التي أثقلت كاهلنا .

كيف كان يومك الأول ؟
كان يومي الأول صعب جدا ,حيث انتابني الخجل كثيرا ,بسبب نظرات الناس القاسية ,وواجهت الكثير من المشاكل والمضايقات من بعض السواق ,الذين يعتبروني منافسة لهم إذ كانوا يسمعونني كلام لا يليق بمكانتي كامرأة ,لكن تحملت كل ذلك من اجل توفير لقمة العيش لأطفالي ,واستمريت بالعمل ليومي هذا والحمد لله على كل حال .
كيف كانت ردة فعل المقربين منك ؟
الكل بالبداية رفض ولم يشجعني احد لا من الأهل ولا من الأقارب ,وقتها حاججتهم وعرضت عليهم إن يكفلوني أنا و أطفالي بسد العيشة ,وأنا ألازم البيت ,والاعتناء بعائلتي , ولا اخرج للعمل ,لكن الكل بقي صامت ,ولم يتقبلوا ذلك, حينها تغير رأيهم واستسلموا للأمر الواقع ,وان هذا الزمن للآسف غيّر معنى الأخوة, وأصبح الكل يقول يا روحي في هذا
الزمن .

ماهي المواقف المحرجة التي مررت بها ؟
المواقف كثيرة: اذكر أول يوم نزلتُ فيه للعمل,احد العبرية جمع الكروة, وبالطريق أوقفني المرور, وأثناء حديثي معه نزل الرجل واخذ كروة التقبيطة كلها ,وموقف أخر يوم خلصت سيارتي بانزين ,وبقيتُ متحيرة بأمري, واسأل نفسي ماذا افعل ؟ فأخذت دبة البانزين الفارغة, وأردت أن أمد يدي ,واطلب بانزين من السواق المارة ,لكن ترددتُ عدة مرات, خجلا من الموقف , بعدها استجمعت شجاعتي وقواي, ومددت يدي فوقف الكثير لمساعدتي واستمريت بعدها بالعمل .

كونك امرأة هل يستغلونك الميكانيكيين؟
ان الميكانيكيين متعاونين كثيرا معي ,ولا يأخذون اجرة عمل أيدهم ,يقولون اعتبريه صدقة لأطفالك ,أما تكلفة المواد التي يضعوها للسيارة فيقسطوها لي ,واذكر أن سيارتي تعطلت بالطريق ,فاتصلت بالميكانيكي وبشهامة منه حضر ,واستأجر سيارة رافعة (كرين) وأخذها إلى محله, وأكمل تصليحها .إن بعض العطلات أحيانا لا تحتاج إلى مصلح ,فمن خلال عملي تعلمت بعض الأشياء عن السيارة ,واعتبر ذلك مهم ,مثل تغيير بوربرنات بالكلج وتبديل الدهن ,وفتح الكابريته, وتنظيفها وغير ذلك .


هل تشجعين المرأة على الاقتداء بك ؟
إني أحث المرأة على الاقتداء بهذا العمل ,فالعمل الشريف ليس بعيب ,لكن العيب عندما تمد يدها إلي الناس , أو تسلك طريقا يسئ إلى سمعتها ,فعلى المرأة إذا كانت أرملة, وبلا معيل ان تعمل من اجل أطفالها ,وإذا كان زوجها على قيد الحياة ,فلا مانع من إن تعمل وتسهل عليه الظروف المعيشية الصعبة .

ممن تتكون أفراد عائلتك ؟
إن لي أربع توائم ,زينه وسمر متزوجتان وبزواجهما قلت مسؤوليتي قليلا , وأيضا عندي مريم ومحمود أعمارهم ثلاثة عشر سنة ,إذ إن اتكالي يكون على مريم فهي تعينني وتهتم بإخوتها في غيابي ,أما محمود فيعمل مع أخي بالنجارة ,فرأيت إن اعلمه صنعة النجارة , أفضل له من السياقة والعمل بها ,لان تربية الشارع غير جيدة وفيها من السلبيات أكثر من الايجابيات .ولدي أيضا حسن وحسين هما بالروضة وعمرهم خمس سنوات ,وأخر العنقود رقية ,وعمرها ثلاث سنوات وتوأمها توفي ,هذه هي عائلتي واتركهم في البيت بمفردهم ,لكن رغم كل ذلك اشعر بقليل من الاطمئنان عليهم لان جيراني يعينوني ,وعينهم على بيتي وأطفالي, , فلولاهم لم اواصلت العمل, فانني اخرج منذ الصباح الباكر لحين مغيب الشمس, وأحيانا أتفقدهم وقت الظهيرة .


كيف يتعامل المرور ورجال الامن معك ؟
أن البعض منهم يرحبون بي كثيرا ,ويسمعوني كلام يشجعني على التواصل والاستمرار, مثلا يا أهلا بالبطلة, وبالعلم ,وبالمجاهدة وغير ذلك ,فهم متعاونين معي جدا, يمسهلين أمري ,ويتركوني اقف بالأماكن الممنوع لحمل الركاب,لكن البعض منهم يتقصدون مضايقتي, ويحرجوني أمام الجميع بطلبهم أن أقف على جناب , وابقي انتظر متى يقطع مزاجهم وياذنون لي بالسير , لكن للأسف يوجد مثل هكذا ناس في الشارع .

كلمة أخيرة تودين أن تضيفيها ؟
أناشد من خلال منبركم الإعلامي ,حكومتنا الموقرة بان تنظر لأمري وان تمد يد العون لي, والتخفيف من كاهل المعيشة بتخصيص راتب من وزارة الرعاية الاجتماعية ,لكوني أرملة علما إني قدمت عدة مرات ولم احصل على نتيجة ,فعسى ان تسمع الحكومة معاناتي وتخفف عن كاهل الحياة الصعبة .