هواجس



هيفاء حيدر
2010 / 6 / 28

هواجس

كان يمكن أن يكتب لجلسات الحديث عند بعض النساء أن ترى النور عند انتهاء كل جلسة ، والنور كان يمكن له أن يكون على شكل كتابات أو مذكرات أو لنسمها بعض الهواجس التي تعتلي الصدور وتأبى أن تغادرا لمنطقة لأي من الأسباب التي تورد أحياناٌ.
تتوالى كل الأفكار التي من الممكن استدعائها وطرحها بصيغة الجمع أو المفرد ،جمل وأشباه جمل، تأخذ مكانها في الحديث وعند أطرافه تكثر عند الأطراف حيناٌ وتقل حيناٌ أخر حسب درجة حرارة الحديث ، وغالباٌ تظل بعض من الكلمات عالقة لا هي قادرة بالنزول الى الطاولة للحديث بها ولا هي بقادرة على المكوث أكثر في مكانها مخبأة من الخوف المحتم لأشباهها من التلفظ بها أو التطرق لها .
تبقى عالقة ما دام الطوق مضروب عليها من كل الجهات حتى من صاحبتها نفسها فكثيراٌ ما ينخفض الصوت حتى يكاد يتلاشى عند البدء في الغوص في الأمور الشائكة التي تؤرق مسار حديثنا وتعكس صفحة غير واضحة للماء الراكد في بحيرات أنفسنا.
نتوهم أننا قادرات على التطرق لما يجول بدواخلنا من أسئلة لا نجد بد من البحث عن أجوبة لها ، ونتوهم أكثر عندما نقدر أن ما ندلي به من أراء في الحديث هو الصواب بعينه لنجد أنفسنا تائهات في نهاية المطاف بين أراء تشعبت فيها الفتاوى و الجدل ما زال مستمر حولها ،
هل يحق لنا أن نفتي نحن أيضاٌ بأسئلة من نوع :
لماذا يحدث هذا مع معشر النساء حصراٌ؟
ولماذا الصورة معكوسة لرؤية المجتمع لنا بأننا ما زلنا تلك الكائنات المسخرة أن ترى وتفكر عكس الواقع كوننا غير قادرات على رؤية الأمور بشكلها الصحيح لأننا غير مؤهلات لتلك الرؤية أصلاٌ ؟
وأن ما يصح لغيرنا محرم علينا تحت حجج و ذرائع عدة؟وكأن الأمر هو أننا نناقش أمور تخص شركاء لنا قد أتوا من كواكب أخرى ولم يتعرفوا على ما يجري على الأرض بعد أو كأن الأمر أن الشيء بالشيء يذكر إذاٌ إن الشيء بالشيء يفعل معادلات تقوم على الشك باليقين و التخمين المفترض مسبقاٌ.
انعكاسات مجتمع ما زال يرى من منظور أحادي الجهة ولو أن جهات عديدة تكون قد فتحت أمامه .في جلساتنا. نقر ونعترف أن أي من التقدم الذي يتم تناول الحديث عنه بشأن حقوق النساء وأوضاعهن يبقى بعيداٌ عن متناول الكثيرات إن لم يكن بعيداٌ عن مسامعهن، و يبقى هناك قابعاٌ في البعيد يسجل كإنجازات للبلد خارج حدودها، أما في الداخل فالبقاء في المكان حيث نحن نراوح بين شد وكر وفر و زيادة هنا في أعداد مقاعد الكوتا ومنصب شكلي هناك لوزيرة او مستشارة .و نوهم نحن النساء أنفسنا أن التقدم حاصل و الإنجاز يتم إنجازه على أكمل وجه ،ونحن في حقيقة الأمر لا نستطيع أن ننقل أوراق لطفل من أطفالنا من مدرسة إلى أخرى بدون موافقة الأب موجوداٌ كان أو غير موجود ,هذا في أبسط الأحوال التي لا تحتاج قوانين لإقرارها , فكيف الأمر بالسفر و التنقل بالأطفال أو إكسابهم جنسية أمهم.أشياء تبدو المطالبة بها مس من الجنون قد يصيب الأمن القومي بالخطر .
كثيرة هي المواضيع و الإشكاليات التي تعترض مجرى نقاشنا للقضايا الخاصة بنا في جلساتنا التي كانت تبدو هادئة ووديعة الجو و ما تلبث أن تتغير الأمور وتكفهر الأوجه عند سرد بعض القصص للمعاناة التي ما زلنا نرضخ تحتها مع معرفتنا المسبقة بأن لا قانون سيتغير إن لم يتغير العقل الذي سيفكر به ويقره.
وهنا تكمن مصيبتنا بالأشياء ،كيف لرجل أمي (لا يعرف الأبجدية) ولا تقتصر الأمية هنا على القراءة و الكتابة فحسب بل تتعدى ذلك إلى الأمية المعرفية و الثقافية ويضاف اليها ذاك الكم من العادات و التقاليد التي باتت ثقافة يتحدثون بامتلاك مهارات الحفاظ عليها وتأييدها بمئات من الأمثال من عهد الرسول وخلفائه الراشدين منهم و الأصحاب وكل من أتيح له أن يدلي بدلوه في أمور النساء والجنس والجن كذلك.
لقد باتت ألنظرة لأحوال النساء وما يدور حولهن من المكانة المتدنية لدرجة أن أقل وأبسط الحقوق تهان وتنتهك تحت مسميات لا يقبل بها العقل بحدوده الدنيا وتبقى الأسئلة تطرح غيرها وتتوالد كالفطر في يوم ماطر .
من هو ذاك الشخص الغائب الموجود الذي يعطي الحق ليسحبه و يمنعه و يتحكم به في السر والعلن وكي يبقى يقال المجتمع يريد هذا والدين قال بهذا ، عليكي بالصمت والتحمل هذا الذي تمرين به من ظروف وأحداث عاشته الأف النساء قبلك ,لا تحسبي نفسك أنتي الوحيدة التي غانيتي من خيانة زوج أو خداع أو مهانة أو عنف هذه سنة الحياة ,ويحدث في كل البيوت التي خلقا الله ،أصمتي حتى لا تخسري كل شيء وتشردي أطفالك , ستكونين أنتي السبب في ذلك , دعيه سيعود الى رشده ،نزوة وتمر. وطبعاٌ ستكون الأيام كفيلة بأن يمر كل شيء بعد ذلك بهدوء وتنسى معه المرأة كل الظلم و المهانة التي ما زالت تعاني منها فالمشكلة لا تكمن بالزمن والنسيان بمقدار ما لها علاقة بالحقوق التي باتت مكتسبة ومسلم بها دون أن تسن بقوانين لأنها ليست بحاجة الى ترسيم فقد ترسمت في العقول و المحيط و باتت مسلمات غير قابلة النقاش بها .
فكل كلمة من هذا القبيل تزيد الأسى و الإحساس بالظلم وبشاعته أكتر على المرأة وتشعر بأنها واللا شيء واحد . من أي رحم عاقر لمجتمع أصم ولدت كل هذه المفاهيم لدرجة أنها أصبحت مسلمات لا يحق لنا الحديث بها ؟ وبأي حق تهان النساء وتورث الأهانة تلو الأخرى تحت ذرائع السنن التي ما عادت تليق بوقتنا الراهن هذا إذا كانت فعلاٌ مقبولة حتى في غابر الأزمان تلك .