صانع التاريخ ومالك اللغة



هيفاء حيدر
2010 / 7 / 2

صانع التاريخ ومالك اللغة

كيف تصنع ثقافة التأنيث وتبنى أسسها ،وماذا تأخذ من سلسلة الحكايات و المخيال القديم من تصورات لتصبح أقوال مأثورة من الوهم الذي يغلف تأنيث الحكاية ويجعل منها حبكة لقصص متوالية تساعد ثقافة التأنيث على الاستمرار وتجبر المتلقي على أن تنغرس في ذهنه تصورات لا يجوز المساس بقدسيتها.
لقد أخذت اللغة وعبر تطور تاريخي طويل حيزها الأكبر في علاقتها بالمرأة وجيرت منجزات اللغة إلى تكريس ما سمي بتأنيث المفاهيم الخاصة بتفاصيل جسد المرأة وعلاقة الرجل به وبالتالي علاقته بالمرأة من خلاله . لتصبح اللغة هذا المنجز البشري الذي واكب تطور مسيرة الإنسان كحيوان أصبح ناطقا" عبر مجموعة الإيماءات و الأصوات التي نشأة وتطورت مع تقدم علاقة الإنسان بما حوله من الطبيعة والأشياء جاءت اللغة كمنجز تعبيري ترجم تارة بأصوات تدل، أو أصبحت ذو دلالة، وتارة بكلام كتب فيما بعد بما عرف بالكتابة .
لتمارس هي الأخرى دورها السلطوي وتأخذ حيزا" في تكريس السلطة الذكورية عبر ثقافة باتت متأصلة وذات جذور قديمة في اللعب على الكلمات ومعانيها وتأنيث الصفات الدالة على بعض من أجزاء الجسد ذو الدلالات الأنثوية والتي يكاد لم ينجو جسد أي منا في الوقوع بين براثن هذا التأنيث وما تطلب من دفاع بعد ذلك لجهة عدم تشييئه عبرتسليعه في خضم عولمة كل ما نعيش به من حولنا .
إن ثقافة التأنيث الواهمة بصفات متطلبات جسد المرأة ، قد أصبحت من الثقافات الأحادية النظرة و التطلع نحو الأخر، هذا إذا ما اعترفت بوجوده .
إنها لا تثق سوى بنفسها ووجدودها بالتالي ، لا ترى بهذا الأخر سوى تابع هش هزيل لا يمتلك مقومات الدفاع عن نفسه ، لأنه ببساطة ليس مساهما" بصنع موقعه ووجود مكانته ، إنه تابع مخنوق الصوت ساكن بلا حراك وعندما يدخل دائرة الحركة مضطرا" فعليه أن يتحرك بصمت السكون المتناهي،والمطبق ، لا مجال أن يصبح غير تابع ،ليسهل على الناس كثيرا" عبر هذه التبعية أن يستحوذ على مزاجها وعقليتها واتجاهات تفكيرها وبالتالي السيطرة المطلقة على أذهان هؤلاء التي ما عادت ترى بالنساء سوى صورة لجسد الأنثى كما رسمه العقل المثقف بالتأنيث و المفعم بذهنية الخيال عن أنثوية المرأة و أنوثة الجسد ، وبعد ذلك يتم تركيب هذه الصور وتستحضر حسب ما يخدم الفكرة التي يريدون.
يتم استحضار صور الماضي التي كتب وحكى بها شيوخ الطوائف وأئمتها، من أمثال الشيخ النفزاوي الذي لم يستطع أن ينتج عقله المنقوص علما" و المليء جهالة سوى كتاب بعنوان الروض العاطر الذي تفتحت قريحته به ليصف جسد المرأة ككل متكامل يوزع عليه تفاصيل جغرافيا خياله الملتهب فرأى هذا الجسد روضا" فواحا" بأطيب العطر و الزهور في نزهة الخاطر، و ما أدراك ما الخاطر ،هذا ،الذي يخطر على البال مشبعا" بالذكورة و الفحولة التي لم تعد تجدي نفعا" في وصف الرجولة اليوم .
إن تلك الصور التي يتم استحضارها للمرأة بهذه الأشكال تصبح مثار تصديق عند غالبية الناس إذا ما عرفنا إنها ترتبط بتلك القصص و الحكايا التي يستمرء المرء قصها في بعض المجالس و الجلسات التي تؤلف بها الحكايات عن صنوف النساء و طبائعهن وكيدهن ومقدار ما لهذا الكيد من عظمة وقوة . هذه المجالس التي كانت وربما ما زالت تتفق فيها قريحة الرجال في محاولات فك ألغاز الجسد المؤنث ليصبوا في نهاية المطاف في نفس مجرى النهر مع صاحب كتاب الروض العاطر. ليصبح الأمر وكأن هناك بورصة للتداول وبيع الأسهم لما يحتويه هذا الجسد ولفك طلاسم قوته السحرية. يسوق من خلال هذه البورصة مفاهيم ومفردات التأنيث وبالتالي التشويه للمرأة وكيانها ووجودها ويأخذ من خلال هذا التداول توارث ما قل شأنه في الثقافة وما على قدره من الكلمات والصور التي تكمل التداول ، بين الأجيال من موروثات تشيع ثقافة التجهيل والحط من القيمة وتغلق الأبواب وتوصدها في وجه أية محاولات فردية كانت أم جماعية في تغيير ما هو سائد وتبديل للصور والحكايات الموروثة عن المرأة وأحوالها ..