لنضمن حق المرأة العراقية في جميع مناصب الدولة



مصطفى محمد غريب
2010 / 7 / 3


ليست الدعوة إلى تبوء المرأة المناصب السيادية بما فيها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس المجلس النيابي أو أي وظيفة سيادية في الدولة دعوة لغرض التمويه عن الهدف الذي يكمن خلف تحقيق مصالح ومكاسب ضيقة أو أنها ميكانيكية للتهريج الإعلامي الذي يحاول الصيد في المياه العكرة، بل أنها دعوة صريحة لتعديل الدستور ووضع رؤيا واضحة حول دور وحقوق المرأة العراقية وعدم تهميشها بوضع نسب مئوية لمشاركتها في السلطة التشريعية ( البرلمان ) بل فتح المجال لها لتأخذ حقها وحقوقها المتساوية مع الرجل في جميع مرافق الدولة والمجتمع، وقد يفهم المتربصون الذين يعتبرونها تابعاً يتلقى الأوامر بدون رأي معارض .
أننا عندما نطالب بالمساواة نعني عدم التفريق في الجنس بين الأنثى والذكر، ولهذا سنغلق باب التأويل ونؤكد على حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، فتحقيق ذلك يدل على مدى تقدم الدول والمجتمعات واحترامها للوائح حقوق الإنسان والاتفاقية الدولية ضد التمييز وتمتعها بمفاهيم الحضارة الإنسانية والعكس هو الصحيح، كلما انتهجت الدولة والأحزاب الحاكمة نهجاً يقلل من قيمة المرأة كإنسان وكعامل حيوي في المجتمع واعتبار وظيفتها الحياتية راحة الرجل وخدمته وإنجاب الأطفال فذلك يعني وقوفها مع التمييز واضطهاد المرأة، ولعل نضال المرأة في العالم وحصولها على البعض من حقوقها وليس بالكامل مثلما يصوره دعاة الرأسمالية وبخاصة في دولهم المتطورة صناعياً، فهناك العديد من المنظمات النسائية ومنظمات المجتمع المدني ومنظمات الدفاع عن النساء وحمايتهن تؤكد على وجود التمييز والخروقات والقوانين التي تقلل من حقوق المرأة ولاسيما في الاجور وفرص وأماكن العمل واستعمال العنف النفسي والجسدي ضدهن، وتطالب هذه المنظمات الدولة بضرورة المساواة في الكثير من مجالات العمل والحياة الاقتصادية ورفع الحيف عن النساء بما فيها قضايا العنف والاغتصاب.
لقد عانت المرأة العراقية وما زالت تعاني من النظرة اللاإنسانية والدونية لحقوقها المشروعة من قوى الإسلام السياسي التي تقف بالضد من بناء دولة المجتمع المدني ووجود منظماته المدنية المُراقِبة لعمل الدولة وبقيت مهمشة طوال عقود ما بعد تأسيس الدولة العراقية ولم تمنح البعض من حقوقها إلا بسب نضالها وتضحياتها، ولم تكتف المرأة العراقية بجانب آحادي في نضالها من اجل بعض الحقوق إنما كانت ومازالت تشارك الرجل في النضال الوطني السياسي ومن اجل الحريات العامة والخاصة وتحقيق الديمقراطية فضلاً عن نضالها الاقتصادي والاجتماعي الذي يرتبط اشد الارتباط بحياتها وحياة عائلتها الاقتصادية ولذلك انخرطت في الأحزاب وأسست منظماتها النسوية وفي مقدمتها رابطة المرأة العراقية وتعرضت إلى المطاردات والملاحقات البوليسية ودخلت المعتقلات والسجون ومورست ضدها أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي بما فيها الاغتصاب في عهد البعثفاشي بعد انقلاب 8 شباط الدموي ثم انقلاب 17/ تموز/ 1968 كما استشهدت العديد منهن جراء التعذيب أو الإعدام.
ولم تتأخر المرأة العراقية عن الكفاح المسلح فحملت السلاح بعد عام 1979 وقاتلت دفاعاً عن الشعب وعن نفسها وبالضد من الدكتاتورية وأجهزتها القمعية مما جعلها راية خفاقة تحمل سمات الوطنية والحرية والتضحية مثلما حال أخيها الرجل، واكتسبت بحق الموقع المميز في سوح النضال على مستوى العراق والحركة التحررية في العالم، ولم تتخلف المرأة العراقية بعد السقوط والاحتلال عن الركب بل ساهمت بكل ما تستطيع في البناء والمسؤولية وتحملت مثل غيرها إرهاب التكفيريين وقوى الظلام والمليشيات المسلحة الخاصة والعقلية الرجعية التي تختبئ بشعارات الدين وما أفرزته التقاليد المتخلفة التي كانت تقف حجر عثرة أمام تعليم وتقدم المرأة، وفي الجانب الثاني كافحت لتحقيق حقوقها المغتصبة ووفق قوانين تقدمية تعترف بها كشريك وليس كإمعة تملى عليها الأوامر والقرارات فتقوم بالتنفيذ دون معارضة ولا اعتراض، ولقد أثبتت السنوات السبعة المنصرمة مدى أهمية دور المرأة في العملية السياسية وفي المجتمع ونجحت بشكل ملفت للنظر في إدارة الوزارات التي كلفت بها كما أنها استطاعت الحصول على البعض من حقوقها بما فيها نسبة 25% في البرلمان لكن هذا التحديد قد يتراجع إلى الوراء إذا لم يكفلها الدستور بعد تعديله وخاصة النسبة في الحكومة العراقية وإصدار قوانين لا تحدد المناصب والمسؤوليات حسب رغبة الكتل المهيمنة على السلطة، فمن حق المرأة أن تتبوء أعلى المناصب بما فيها رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والبرلمان، من هذا المنطلق يجب أن يسن قانون الأحوال الشخصية بما يناسب ثقل المرأة في المجتمع لا على أساس العرف المتخلف كونها ناقصة عقل ودين، وعندما تمنح حقوقها المشروعة عند ذلك ستقوم بواجبها المقدس في إنتاج الأجيال القادمة والمساهمة في تربيتهم تربية صحيحة مبنية على حب الوطن والشعور بالمسؤولية تجاه قضايا الشعب، إضافة إلى عملها في المعمل و الدائرة أو التعليم بكل مواقعه وجميع الوظائف ذات الاختصاص العلمي والإنساني والمهني.
ولا بد لنا أن نضمن حقيقة بان التمييز ضد المرأة بسبب الجنس عبارة عن تخلف رجعي ترفضه القوانين ولوائح حقوق الإنسان وكذلك الاتفاقية الدولية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول 1979 وأصبحت نافذة في أيلول 1981 التي أكدت في بنودها رفض التمييز ضد المرأة بكل أشكاله الاستغلالية " الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر" وأكدت المادة ( 1 ) ضرورة تمتعها بهذه الحقوق وحقها في ممارستها بحرية تامة " بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل"
إن الدولة العراقية بسلطاتها الثلاث معنية في تطبيق اللوائح الدولية ليس لحقوق المرأة فحسب بل لجميع المواطنين العراقيين بغض النظر عن انتمائهم الديني والقومي والعرقي وعليها أن تٌشرع قوانين حضارية تكفل فيها التطابق مع لوائح حقوق الإنسان الإقليمية والدولية والاتفاقية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص عدم التمييز ضد المرأة العراقية وبدون ذلك لن يتقدم العراق وان تقدم كما يقال فسيكون على قدم واحدة وسوف يسقط ويتعثر إذا ما هبت عليه الريح .