قوامة الرجل بين التكليف والتشريف



دينا قدري
2010 / 7 / 31

قوامة الرجل بين التكليف و التشريف
من الموضوعات التي أثارت جدلا واسعا ولا تزال تثير الكثير من الجدل موضوع "قوامة الرجل ".....فنحن نسلم أولا بأنه لاسبيل في أي مؤسسة حتى يتسنى لها النجاح أن يكون القائم على إدارتها الأقوى علما والأكثر فهما والأكثر خبرة...
وبمعنى أكثر اختصارا "الأفضل" , والأسرة ليست إحدى هذه المؤسسات فحسب , بل أهمها على الأطلاق لذا ينطبق عليها ما أسلفنا ....فمن من الزوجين هو "الأفضل " ؟!
ونبدأ بفهوم أ- القوامة في اللغة:
نقول : "قام بالأمر" يقوم" به "قياما" فهو "قوام"
ب- القوامة في الاصطلاح:
المقصود بها قيام الزوج على زوجته بالحماية والرعاية والصيانة والتدبير.
وتنطوي كلمة "قوَّام" على أمرين هامين :
1-أن يأخذ الرجل على عاتقه توفير حاجات المرأة المادية والمعنوية، بصورة تكفل لها الإشباع المناسب لرغباتها وتشعرها بالطمأنينة والسكن.
2- أن يوفر لها الحماية والرعاية ويسوس الأسرة بالعدل.
ولأن الله هو العدل وهو الحق كانت الأية : {ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير} (الحجرات: 13).
قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية ما ملخصه: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) أي: إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى لا بالأحساب".
كما كانت الآية : قال تعالى
((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)) سورة النساء (34)
ويأتي الخلاف دائما في التفسير لأننا نعزل الآية عن السياق التي أتت فبالنظر الى :
أسباب نزول الآية
==
ذُكر أنّ هذه الآية نـزلت في رجل لطم امرأته، فخوصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقضَى لها بالقصاص.
إذن هي جاءت لتنصف هذه المرأة التي أهانها زوجها بلطمها على وجهها (حيث أن اللطم يكون على الوجه ) بل وعوقب الزوج واقتص منه .
وقيل في روايات اخرى أنه رفع عنه العقاب .
وعليه يكون التفسير المتسق مع المناسبة يؤكد أن الرجال يقومون على رعاية النساء و يقومون بالذب عنهن وهم أيضا يقومون ما يحتجن إليه من النفقة والكسوة والمسكن ، وقد استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على جواز فسخ النكاح إذا عجز الزوج عن نفقة زوجته وكسوتها ، "بما فضل الله بعضهم على بعض " بما فضل الله فضله عليها بنفقته وسعيه
( فتح القدير تفسير الشوكاني ).
"وننوه إلى دقة استخدام لفظ الرجال وليس الذكور ،وبالمقابل النساء وليس الأناث " فقد أراد الصفة ولم يرد الجنس
وإتما يدل ذلك على أن التمايز في المرتبة قد اقترن بالرجولة وليس الذكورة ، فالرجولة هي آداب وسلوكيات يتحمل الرجل في ظلها أمانة "القوامة"، وتظل التقوى في الميزان الإيماني هي معيار التفاضل.
أما التفسير بأن الرجل هو الأفضل لأنه بيولوجيًّا وعاطفيًّا - بل وعقليًّا - يتميز عن المرأة الأضعف في هذه الجوانب يربط الأمر بخصائص لم يتعداها الزمن فقط بل ينظر الى متبنيها على أنهم من عالم آخر خاصة وأن القوة البدنية لم تعد تلعب الدور المحوري كما كان في السالف .
كما أن هذا التفسير يحط من قدر المرأة ويقلل من كرامتها ويطعن أهليتها في الصميم ... تلك الأهلية التي حرصت عليها الشربعة دوما .
والتي أثبتها الواقع الفعلي نماما حينما نرى المرأة - وخاصة في مجتمعاتنا الشرقية -تحبس نفسها على أولادها بعد وفاة الأب وترفض الزواج وتقوم بتربية أولادها وتتحمل كافة مسؤليتهم باذلة أحيانا ما يعجز عنه الرجال ،وكذلك المرأة التي يلقي بها زوجها هي وأولادها الى قارعة الطريق أو التي يذهب عنها زوجها بلا رجعة هاربا بنفسه تاركا كوما من اللحم في رقبتها لم نخير في تحمل مشقة تربيتهم وإعاشتهم فتراها تنهض بهم وتقتحم بهم معترك الحياة .
وفي تفسير القرطبي : قوله تعالى : وبما أنفقوا من أموالهم أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواما عليها ، وإذا لم يكن قواما عليها كان لها فسخ العقد ؛ لزوال المقصود الذي شرع لأجله النكاح .
وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة ؛ وهو مذهب مالك والشافعي .
000نستخلص مما سبق:
1- الإسلام جعل للقوامة شرطين أولهما هو فضل الرجل على المرأة، بذلك لا يمكن اعتبار المجرم والفاسق والمتهرب من مسؤولياته التربوية والأدبية والمجتمعية أهلاً للقوامة.. أما الشرط الثاني يتمثل في الإنفاق على الأسرة، فلا قوامة للرجل على أهل بيته ما لم ينفق عليهم".
2- أن الأصل هو أن تقوم العلاقة بين الرجل والمرأة على الفضل قبل العدل، وعلى الحوار والتفاهم، وفي ذات الوقت يجب ألا تتحول القوامة إلى نوع من ممارسة السلطة المطلقة".
3- ضرورة التفريق بين الولاية والقوامة.. فالولاية في اصطلاح الفقهاء هي تدبير الكبير الراشد شئون القاصر الشخصية والمالية"، مع ملاحظة أن الولاية تنتهي على الأنثى إذا بلغت سن الرشد ,
4-قوامة الرجل وولايته منوطة بالمصلحة ورعايته بتطبيق شرع الله تعالى في أسرته، والرجل يستحق الولاية -كما أشار إلى ذلك الفقهاء- بثلاثة أمور هي: كمال العقل والتمييز، وكمال الدين، وبذل النفقة والقيام بما تحتاجه المرأة".
000ولن نحتاج الى كثير من الجدل لنقول بعد كل هذه الضوابط التي وضعها رب العالمين لقوامة الرجل أن مايدور على السنة العوام من رجالا ونساء - حينما يتقدم الرجال الطعام تاركين "للحريم "بقاياهم بدعوى قوامة الرجل - هو درب من الجهل وقلة الوعي
مع ملاحظة أننا أوردنا مثالا لايحمل الا مجرد الازدراء من الرجال لشأن النساء وانما يحمل من النساء أحساس عميق بالدونية ,وهتاك الكثير من الأمثلة التي تنوء وتضيق بها محاكم الاحوال الشخصية ومحاكم الأسرة تحمل ما هو أكثر من الازدراء وأخطر....
**** والفهم الصحيح للنص الديني لا يتوقف عند تغيير الخطاب الديني فحسب انما يقع على عاتق المؤسسات التعليمية والتربوية والاعلامية والمؤسسات المدنية بكل أطيافها أن تعمل على تعزيز الاهتمام بهذه النظرة الشمولية للنص الديني ,كما لايفوتنا في هذا المقام أن نشدد على أهمية تفعيل وتشديد العقوبات على من يتحللون من دورهم تجاه اولادهم يستوي في ذلك أب بلا ضمير أو أم بلا رحمة ؛فأ ننا لانجافي الحقيقة ولانبالغ لو قلنا أن الأسرة ستنعم حينئذ بجو أكثر هدوءا واستقرارا وأمنا ويصدق فيها قول الله تعالى : "وجعلنا بينكم مودة ورحمة ".