ملامح جديدة في صورة المراة العربية



زياد خداش
2004 / 8 / 25


انوثة مثقفة ، وهموم كونية

لم تعد المراة ، رمزا في اغلب الكتابات الادبية العربية ، نسوية وغير نسوية ، شعرا ونثرا ، كانت في السابق ترمز للارض والوطن والحياة ، ولم تكن تعبر عن ذاتها ، في هذه الرمزية الظالمة ، صورة المراة في الادب طرأ عليها تغير واضح ، صارت امراة او انثى تتكلم عن الامها واحزانها و تنافضاتها ، ولكنها ايضا لم تعد تلك الانثى التي لا تقن سوى التشكي والتشفي والبكاء على الغيابات المتكررة لحبيب او زوج ، والتفجع على مصير مؤرق لحياتها ، لم تعد تلك الانثى التي تحب ان تستعرض مفاتنها ، وتمشي الخيلاء امام الرجال المذهولين لتصطادهم وتربكهم ، وقد ترافق مع ذلك انحسارات ملحوظة لمد مفهوم الادب النسوي لصالح الادب الانساني ، ان الاحتفاء الجديد بانوثة المراة في كتابات المراة العربية لم يعد احتفاء شكليا او سريعا وعابرا
صار احتفاء راقيا ومثقفا
، لم يعد ينظر الى ادب المراة العربية وكأنه ادب الضعيفة والمضطهدة والوحيدة والشهوانية ، صارت المراة تكتب عن هموم كونية ووطنية ، بعيدا عن اليومي الحزين لحياتها كانثى ، قد يعترض كثير من الاشخاص على هذا الرأي ، وقد يقول احدهم ان الكتابات النسوية العربية ما زالت تنضح بالماسي والفواجع النسوية والاحزان الجسدية ، صحيح ان هناك فواجع شخصية ونحيب ، وادب شكاوي في بعض الكتابات النسوية ، الا ان هناك تطورا مستمرا وانقلابا غريبا ، على هذه الاساليب والثيمات في كتابة المراة ، نلاحظه عند حنان الشيخ واحلام مستغانمي وسحر خليفة و سميحة خريس على سبيل المثال لا الحصر طبعا ، بطلات هؤلاء الكاتبات العربيات ، الروائيات لا يتفجعن او يشكين ،او يزوين في الغرف ، لاطمات الخدود ونادبات ، كما يؤخذ دائما على بطلة الروائية العربية ، ولا يندبن حظهن ، او تكسر حظوظهن امام حظوظ الرجل ، بالعكس ، البطلات هنا قويات ، ومقتحمات ، ويعشن هموم وطنية ، وارق كوني مدمر ، صحيح ان هناك بعض الاثار القديمة للصورة السابقة ، الا انها تبقى محض اثار ، وغير مركزية ، حتى في ادب المراة الفلسطينية الشابة ، نلاحظ غياب الشكوى الفارغة ، والحزن المجاني ، في رواية الشابة مايا ابو الحيات < حبات السكر > يختفي الالم السطحي النسوي لصالح الم من نوع اخر : الم وطن والم روح ، كذلك في رواية باسمة تكروري < مقعد للغريبة > تتجلى الهموم الشحصية بأفق كوني واسع وانساني ، واضح بعيدا عن الشعار النسوي البارد والسهل ،
لا ادري سببا لهذا التطور في نظرة المراة الى نفسها في كتابة المراة ، فانا لست بناقد ادبي ، وما مقالتي هذه سوى انطباعات وتساؤلات وتاملات ، غير خاضعة لمراقبة تاريخية ، وعلمية وقد اكون مخطئا وغير علمي في تفكيري ورؤيتي هذه ، لكني ساظل اتساءل الى ان يجيبني احد ما : ، كيف تخلصت او قاومت كثير من الكاتبات العربيات اغراء الشكوى العادي اللذيذ ، في الكتابة ؟؟
كيف خرجن جزئيا من ثوب الضحية ، الدائمة التي حشرها فيه تاريخ الاستبداد العربي ؟؟، انا لا اقول ان هذه الطواهر والثيمات قد اختفت نهائيا من بنية كتابات المراة العربية ، ابدا اقول ان ثمة كاتبات عربيات مهمات ، يشتغلن على نصوصهن بفطنة رائعة ،و يعدن النظر في منزلقات التكنيك القديم ، ويستفدن بذكاء من الاخطاء والجمود السابق والنظرة اليابسة للاشياء ،
ان المراة الكاتبة انسان قبل ان تكون انثى ، ولو لم يظلمها التاريخ والسماء والعادات ، لما تخلفت كتابتها عن كتابة الرجل ، ولما اختفت المراة الفيلسوفة ، والعالمة ، من تاريخنا الابداعي العربي ،
ان تطور نظرة المراة العربية الى نفسها ، في الكتابة والحياة يبهج الطبيعة والكون والله والانسان ، ويعد انتصارا للحق والجمال ، وانتقاما لدهور من الحصار والعذاب قبعت فيها المراة ، وحيدة وصابرة وصامتة ، هذا النصف الناعم والمسالم والرقيق ، هو صاحب الرؤية الاعمق والاشمل ، هو مالك لهب ، الاشياء وخازن سر العالم ، وهو صاحب الاقتراح الانضر والاجمل ، لحل مشاكل البشرية ، وانصاف المهمش ،