جسد سالب



هيفاء حيدر
2010 / 8 / 10

جسد سالب
قد لا يكون من المحبذ دائما" عندما نتحدث عن قضايا النساء وهمومهن أن نبدأ بطرح الأسئلة التي بدورها لا تستطيع أن تذهب بعيدا" عن تلك الأمور الخاصة بالنساء و تفاصيل علاقاتهن بالمحيط بهن و بأنفسهن أيضا" .
وأقول قد لا نستطيع الذهاب بعيدا" لأن تفاصيل العلاقة مع المرأة و حياتها بكل ما تحمل من تناقضات و مد وجزر مع ما يحيط بها من منظومات وليس منظومة واحدة ,بل أكثر من ذلك تجعل من الصعوبة بمكان علينا أن لا نتحدث أحياننا بشيء من التفصيل وبشيء من خرق التابو الذي ما زال يلف حياة المرأة بكاملها ويحدد لها تفاصيل الحركة وهامش المكان و الزمان ,فما زال الذي لا يقال عن المرأة أكثر بكثير عن كل ذاك الذي قيل وكتب .
صغيرة قد تبدو بعض القضايا ولكنها مع غيرها تشكل وحدة لا تنفصل عراها عن ذاك الكم الهائل من المسائل الخاصة و العامة . والتي ما زالت تتأرجح ما بين بين.
ما بين ما هو هام وأساسي من حقوق وقضايا وبين ما هو هامشي ولكنه ذو شأن كذلك.وبين من ما زال يرى أن قضية النساء ما زالت تتمحور حول الدور أو الأدوار فقط وبين من ما أمسى وأصبح يقول : أما أن الأوان كي ننتهي من هذا الحديث عن المرأة وقضاياه ،وعند كل وجهة نظر بإمكاننا أن نتحدث أيضا" لماذا ألت أمور النساء إلى كل هذا التبسيط ، أهو هروب من المسؤولية ؟أم نكران لحقوق النصف الآخر؟
ومن تلك الأمور التي نرى إنها ما زالت تشكل إشكالية في العلاقة مع المرأة و بالتالي كيفية النظر لقضاياها ومشكلاتها ، هي الجانب المتعلق بما يعتري علاقتنا بجسد المرأة من تناقض وغموض حينا" وانفتاح و تحرر حينا" أخر.
ليس علاقة الرجل بجسد المرأة وحسب بل علاقتها هي بهذا الإطار المرن والصلب والعصي على الاقتراب في ظروف كثيرة وكأن التابو قد مس كل حيز فيه على حدا لدرجة أننا عدنا أدراجنا منكسرين باتجاه حزام أو ثوب العفة الذي كان يقفل على وسط المرأة أيام وشهور إلى حين عودة الرجل التي قد لا تحدث.
هذه العودة الميمونة للوراء قد باتت وأصبحت لتمسي من جديد موضع الحوار و النقاش وبالقطعة كذلك أي قد قسموا الجسد الى مناطق و أجزاء ودارت الفتاوى حول وفي كل جزء منفصل عن الأخر ، اليوم ها قد حان موعد نقاش غطاء الرأس ما له وما عليه ، هذا إن كان هناك الكثير له وما عليه ،ومن يدري متى سيأتي الدور على تفاصيل أخرى للجسد سيتم الإفتاء بها والى أن يحين ذاك الموعد المنتظر لا بد لنا أن نتطرق ولو قليلا" عن هذا الجسد المنطوي و المنكفئ على ذاته في معظم الأوقات وخاصة تلك التي يكون فها عرضة للحديث و التداول كأي سلعة قابلة للعرض والطلب ربما .
ما زلنا نقرأ حول الجسد وبلغة الآخر الممتد الوجود و التأثير بأن هذا الجسد له وجود سلبي ، مفرع من الشحنات الايجابية مليء بدوائر من الوهم المصطنع تغلف كل جزئية فيه ، جسد سالب خالي من علاماته المميزة ضاعت تفاصيله و انحسرت كما حركات المد و الجزر في تناوب مع حركة القمر، وبما إنه مفرغ من علاقاته فهو يكاد يكون عديم الارتباط و العلاقات بما حوله لديه صعوبة التأثر والتأثير بفضائه الخاص و العام ، وبهذا فإن المرأة صاحبة الجسد وليس مالكته كمحصلة هي موجود سلبي الحركة ما زالت مرتهنة لجسد سلبي تسيطر عليه وتقوض من قوته نظرة ذكورية تجعل منها كائن مستلب لكل تجليات جسدها ،متلقية وغير قادرة على الفعل ولو في أضعف المواقف .
هذه النظرة الأولية نحو جسد المرأة و سلبيته قد تطغى على دوائر الفعل لديها وتزيد من وهم القدرة على التحرك و التغيير ولو بعد حين ، قد أرتبط هذا أيضا" بتلك المفردات و المفاهيم التي تؤسلب لغة الجسد وتجعل له دورا" رئيسيا" وتنحصر مهمته بتأكيد لهذا الدور من إشباع الرغبة و الحاجة عند الرجل ، دون أن يكون لنا الحق أن نتبين كيف لهذا الجسد أن يقوم بهذا الدور وهو سالب الوجود و بالتالي سالب الفعل و الحركة أم أن هذا ما زال من المرتهن حول الجسد لتلك النظرة و الدور المطلوب منه القيام به.
لقد أتاحت هذه النظرة لجسد المرأة ، أن تضعه ضمن إطار نص, وعرضه لممارسة نص سردي ذكوري ما زال يتفرد في الكتابة و الحديث عن جسد المرأة كما يشاء صاحب النص و كما تملي عليه الرغبة من مفاتن يراها تنعكس عن دور هذا الجسد الأنثوي السالب و الذي يريد له أن يبقى رهين وملتف بعباءة حالكة السواد.حتى لا يتسنى للمرأة أن يرى جدها النور و تبصر هي الأخرى أنها قادرة على كتابة نصوص لغتها عن وحول جسدها وبإمكانها أن ترسم ملامح مغايرة لتنلك الدور الوحيد و اليتيم الذي كتب لجسدها و محور التابوهات المختلفة حوله.
حتى تصبح قادرة على محاكاة واقعية تكسر من خلالها دوائر الوهم الذي تلفها و تقيد حركتها وبالتالي تصبح قادرة على تمثل هذا الجسد واكتشاف خصوصيته وتحديد ماهيته لغة و حوار و حركة .بعيدا" عن حالة طمست ذاك الجسد بجملة من الأحجية و النصوص المتزمتة و الموغلة في القدم .