إبداع المرأة بين محاصرة وهم الثابت وطموح القادم



بشرى ناصر
2004 / 9 / 2

هل كتابة النساء تختلف عن كتابة الرجال؟ وهل المرأة تحتاج اليوم فعلا لمن يحمل أشياءها الحميمة وغير الحميمة ليرفع عنها الحجب والأغطية ؟

لماذا أصلا توجد كتابات المرأة ؟ وهل ثمة فروق بيلوجية تشريحية ؟ هل التفاوت بين الجنسين أساس اللامساواة البنيوية بين الجنسين؟

إن استثمار الذكور لمؤسسات النقد يساهم بدرجة كبيرة في إقصاء كتابات النساء وتسطيح الأدب الذي تنتجه المرأة .. ربما لهذا يتم التعامل معها كموضوع لا كذات ؛ ولكن إذا كان الفرق بين المرأة والرجل هو تعارض هموم النساء مع هموم الذكور ..

وهو ربما نفسه الذي يقود لتقسيم اجتماعي وليس فني .. فهل تعبير المرأة عن ذاتها يختلف عن تعبير الرجل ؛ لأننا نلاحظ أن الأعمال الأدبية العظيمة والنصوص الخالدة هي حكرا على الرجال؛ بينما تختفي إبداعات النساء .. ولنتفق أولا أن حظ الذكور في فرص العمل والتطور المهني أكثر من الإناث وكأن الرجال على الكرة الأرضية يشكلون ضعف الإناث .. فهم لا يسيطرون فقط على المهام القيادية .. والمؤسسات المتعددة والمراكز القيادية ...و .... و ... بل إنهم يمثلون كذلك الوعي والثقافة والذكاء الذي لن تصل أليه المرأة مطلقا ... كيف وهي ناقصة عقل ودين ..ومن هنا تمضي النساء محملات بالخوف والكراهية التي تعيها وتشعر بها كلما ازداد وعيها ودخلت فعلا في لعبة الإبداع . . فوضع النساء التاريخي ممل ومعقد وربما تساهم النساء أنفسهن في صناعته وصياغته ذلك أنهن مرغمات وعلى مضض يمضين نحو المقصلة بأقدامهن

أو أنهن عاجزات فعلا عن فهم هذا التاريخ الطويل من التعسف والإجحاف بهن ... فثورة النساء لا تجئ مطلقا عبر محاولات فردية أو قرار مؤسساتي حكومي كما يحدث عادة في ( بهرجة إقحام النساء في العمليات الانتخابية أو فتح الباب لترشيح إحداهن ... هذا المنطق الساذج لفهم تحرر المرأة واعتبارها صنوا للذكر .. إنني أقف الآن ما تعنيه النسبة والتناسب ولننظر إلى أي بقعة على كوكبنا الأرضي ولنر ونقيس عدد الرجال العاملين وعدد النساء ثم نظرة ثانية لعدد الذكور البارزون ومحتلي المناصب القيادية ونقيس ذلك على نسبة النساء . . هذا قياسا للمهن

والوظائف لكن الكتابة كحرفة هي ما يعنينا الآن فعلى الرغم من أن المرأة العربية القديمة وجدت نفسها تهجو وتتغزل وتمتدح وترثي منذ عصور موغلة في القدم وبنفس القدر الذي تشتغل فيه بمغزلها إلا أن الحرفنة لم تكن واردة وديوان العرب لم يضع شاعرة نابغة بالقرب من شعراء القصيدة العربية كالمتنبي وجرير أو الفرز دق .... وهذه الظاهرة لا تقتصر علينا فقط كعرب بل

ظاهرة عالمية لها جذورها التاريخية القديمة جدا و المتأتية من قيمة المرأة كأم ومربية أطفال

وربة منزل ؛ ولذا يظل التاريخ يسرد علينا أدوار خروج المرأة كممرضة ومسعفة في الحروب والغزوات باعتباره استثناء أما القاعدة فالمكان الوحيد للمرأة هو المنزل ومن خلاله لا ضير أن تنشد الشعر أو تهجو ؟

من هنا تبدأ إشكالية كتابة النساء فقد خرجت أول رواية نسائية عربية سنة 1888 وبمسيرة بطيئة نسبيا فرخت الحركة الإبداعية العربية عددا قليلا جدا من المبدعات مقارنة بالمبدعين الذكور ..

ولسنا بصدد ذكر أسمائهن حاولن جميعا عبر الرواية والقصة إثبات هويتهن بالتمرد على التراث الفكري من جهة والاجتماعي التاريخي من جهة أخرى ولذا نرى ( رد الفعل الجنسي الذي يتحدى الجماعة ) كما لدى غادة السمان وكولييت خوري مثلا ؛ لكن كتابة النساء لا تختلف عن كتابة الذكور من حيث الإحساس بثقل الواقع أو خفته فمنذ الخمسينات من القرن العشرين وحتى السبعينات حاولت الكاتبة العربية أن تعكس موقف المثقف المأزوم المغترب فتلك المرحلة كانت حافلة بالمتغيرات الثقافية ةالتاريخية خاصة وأن البرجوازية العربية قد ساهمت الى حد كبير في خلخلة العلاقات العائلية بعد التغيرات الاقتصادية منها خروج المرأة لسوق العمل ..

واليوم وبعد كل التطور الذي نراه وقد أصبح خروج النساء للعمل شبه جماعي لا زالت كتابة المرأة لا تمثل وسيلة تعبيرية بل وسيلة للتلصص على حياتها الخاصة وتفاصيلها الشخصية ..

من هنا تبدأ المشكلة ولا تنتهي فالنساء جميعا يكتبن بصوتين وشخصيتين في محاولة لتضليل

المجتمع أولا لعدم النظر لكتابتهن باعتباره ( قلة أدب ) ومحاكمة المجتمع ومحاسبته أو تصفية الحساب معه ثانيا .. هل يبدو هذا سهلا ؟ لا أعتقد لأنها مهمة عسيرة جدا وشاقة وهي الى حد ما تشبه قيادة النساء للسيارات فالمرأة لا تستطيع استخدام السيارة بمتعة بنفس القدر التي يستخدمها الذكر ولنفس الاعتبارات ولذا نعود مجددا للقول أن حرية المرأة لن تكون أبدا بقرار سياسي

ولا بورطة احتفالية إعلامية بل ثورة صاخبة تدعو المجتمع برمته للتحرر والخروج عن النص القديم المكتوب ونفض الغبار المتراكم عن فهم أدوار النساء والرجال معا في ضوء المتغيرات

الراهنة والقادمة أيضا ونسف العمليات التجارية المستمرة في تضليل النساء وعزلهن وتغريبهن عن الدور المرجو منهن من خلال كثير من البرامج والمطبوعات النسائية المسماة بصحف المرأة والتي تكرسها لمزيد من عبودية دون أن تدري وتربية البنات تربية مبكرة على فهم المطلوب

منها وتعريفها بدورها الحقيقي وليس ادعاء الخجل والخوف وتقييدها بمحاذير تتمنى الخروج عنها والثورة عليها فلا تتمكن لتجد نفسها هي الأخرى تكمل مسيرة من سبقها من أجيال ؟

لقد كان العالم منذ وجد ذكرا وأنثى ... وليس من عيب أن يظل الصراع مستمرا بين الاثنين

لنهاية الخليقة لكن المخجل أن يحتكر أحدهما ليترك الآخر مستمتعا بالفتات وهذه هي الخلاصة التي تجعل الصراع بينهما مستمرا كل الزمن... فالرجل يكتب عن علاقته بالمرأة بمنتهى الحرية حتى ليجعلها عشيقة وساقطة وطاهرة وغير ذلك من أدوار بينما المرأة تعجز عن تصوير علاقتها بالرجل صراحة ولذا تراها إما أن تصوره كما تحب وتتمنى ( صورة مثال) أو تسقطه

بعد أن تطلق عليه الرصاص لتتخلص منه ومن ماض طويل من المعاناة فترتاح.

كتابة النساء صعبة جدا ... وإبداع النساء أكثر صعوبة من إبداع الذكور لأنها محاصرة بقيود

خارجية مثل مسألة النشر والتوزيع والاتصال والوصول والخبرة بهذه الأمور واختراق الحواجز

والتوقف طويلا والشعور بالاضطهاد والظلم حين تعجز المؤسسات عن الفصل بين كونها تحمل صفة الإبداع وتصر على النظر إليها كأنثى لا غير.... وقيود داخلية: أن تحول كل الغضب والظلم الساقط عليها منذ قرون وتبدأ بالصراخ والسخط وكل الرفض بكبرياء وأناقة وأيضا أنوثة

وفوق هذا كله لابد أن تكون أديبة مؤدبة وإلا لوضعت نفسها في مزايدات وموائد السادة المبجلون النقاد كما حدث مؤخرا مع أحلام مستغانمي مثلا .