الدعارة... واقع اجتماعي يطرح أكثر من سؤال؟؟ /الجزء الثاني



فاطمة الزهراء المرابط
2010 / 10 / 28


إن كانت العوامل السابقة الذكر والمتمثلة في الفقر والبطالة والتهميش والأمية وسياسة العولمة القائمة على زيادة تفقير الفقراء وطرد العمال وتشريدهم وغياب الأخلاق والمبادئ والقيم الإنسانية هي أهم العوامل التي تؤدي إلى التفكك الأسري واضطراب نفسية الأطفال، وانجراف أغلبيتهم إلى عوالم مشوبة بالخطر والضياع من أجل الهروب من واقع التفكك والصراع اليومي الذي تعانيه أسرهم فينغمسون في الانحراف والسرقة والمخدرات والدعارة، هذه الأخيرة التي نجدها متشعبة بشكل كبير في مختلف الأوساط التعليمية، بل صارت أفكارا راسخة تؤمن بها التلميذة أو الطالبة باعتبار ممارسة الجنس خارج إطار الزواج نوعا من التحرر والتمرد على التقاليد والأعراف التي نادرا ما توافق تطلعاتهن وأحلامهن الصغيرة، وحلا لإيجاد المتعة الجنسية بعيدا عن الروتين الذي يكرسه الزواج ومسؤولياته ومتطلباته التي لا تنتهي، وقد جاء على لسان التلميذة فرح (بكالوريا آداب) «أتواجد في مدينة صغيرة وضيقة، تتناسل فيها الإشاعة بشكل غريب، أحلم بالدراسة في المدن الكبرى، لأمارس حياتي كما يحلو لي، لأمارس قناعاتي الشخصية بعيدا عن سلطة الأسرة والمجتمع، فالمدن الكبرى تحقق هذه الحرية، فمثلا عندما زرت مدينة الرباط قبل شهور، صدمت من وقع الدهشة، فالفتيات هناك في قمة التحرر، تمارسن التدخين بشكل عادي، يجلسن بالمقاهي رفقة أصدقائهن من الجنسين، يرتدين ملابس ضيقة ونصف عارية، أتمنى الدراسة هناك لأتخلص من العقد التي يرزح تحت نيرها مجتمعي الصغير، الذي أحس فيه بالضيق والاختناق، مَا تمْشِيشْ تمَا، مَاتدْريشْ هذا... الأمر مقرف والله»، وفي السياق نفسه تضيف صديقتها التي يبدو أنها تشترك معها في الأفكار نفسها « نحن لسن عبيدا لأحد، نحن كائنات من لحم ودم، ومن حقنا العيش بسلام، من حقنا التمتع بالحياة، وعيش اللحظات كما هي، وعدم حرق مراحل حياتنا بالتقاليد البالية التي تؤمن بها أسرنا ولا علاقة لنا بها، أحيانا أتمنى أن أكون حيوانا حتى أعيش كما يحلو لي، دون أن يصرخ أبي في وجهي أو يصفعني شقيقي الأصغر الذي لم يقم بتربية نفسه بعد»، عندما أتلقى مثل هذه التصريحات من أفواه فتيات في عمر الزهور، والتي قد تؤدي بهن أفكارهن وأحلامهن إلى طريق مجهول ومسدود، أتحسر على قساوة الواقع الذي يتلاعب بحياة ومصير الكثيرات وهذا الوضع راجع إلى غياب الوعي وسيادة الجهل الذي يتخبط فيه أغلبية أفراد المجتمع، ومدى افتقارهم إلى وسائل وتقنيات التربية الصحيحة.

طالبات بين أحضان الرذيلة.. واقع مؤلم جدا..

أشرت في الجزء السالف بشكل غير مباشر إلى دور الوسيطة (القوادة) التي تختبئ وراء صفات عديدة، إذ لم تعد الوسيطة تلك المرأة العجوز التي تحاول اصطياد زبائنها من بعض الأماكن العمومية، حيث أن الوسيطة قد تكون أما تدفع ابنتها إلى الدعارة من أجل جني بعض الأموال من وراء جسدها، وهو الواقع الذي عبر عنه فيلم " كازابلانكا باي نايت" للمخرج الدرقاوي وتحكي قصة الفيلم كيف أن الأم دفعت ابنتها ذات 13 سنة إلى الدعارة للحصول على 5 مليون في ليلة واحدة من أجل إنقاذ حياة شقيقها الصغير الذي يحتاج إلى عملية جراحية مستعجلة، وقد تكون هذه الوسيطة أختا ترمي بشقيقتها التي تقيم معها بحكم الدراسة إلى أحضان زوجها للتمتع بجسدها الطري وذلك حفاظا على حياتها الزوجية المهددة بالفشل، ونجد الصديقة/الطالبة تلعب دور الوسيطة باستخدام مختلف الوسائل الإغرائية للتغرير بزميلتها في السكن أو الشعبة الدراسية والدفع بها إلى طريق الدعارة، إذ يكفي جمع أرقام الهواتف وتحديد المواعيد والاجتماعات بين زميلاتها والزبناء للسباحة في بحر الأجساد الطرية، وتصرح سناء التي كانت تعرف في الحي الجامعي باسم الزعيمة «عندما قدمت إلى هذه المدينة كان شاغلي الواحد هو الدراسة والتحصيل العلمي، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، وحتى لا أستهلك وقتك في سرد التفاصيل المملة التي تذهب ضحيتها أي فتاة ساذجة لا تفقه شيئا من الحياة، ولا تعرف سوى البيت والمدرسة، لم أتعلم عدم الثقة بأحد، فصديقتي الوحيدة تركتني بين أربعة جدران تحت رحمة ابن عمها لينهش جسدي ويتركني بعد أن رمى في وجهي 1500 درهم قال أني سأحتاجها عندما أفكر في الزواج، هل كان يقصد عندها أني سأحتاج هذا المبلغ لترميم غشاء بكارتي، شعرت حينها بالمرارة والألم في الوقت نفسه، في رأيك ماذا سأفعل بعد هذه التجربة المؤلمة، كان امامي حلا لا ثالث لهما: إما الانتحار أو الانتقام من كل بني أدام وحواء، حولت جسد كل من أتعرف عليها إلى بحر يسبح فيه هذا وذاك، وفي المقابل أربح مقدارا من المال لأتابع دراستي بعد أن قطعت علاقتي بالعائلة التي لن تقبلني بدون غشاء بكارة، كما سعيت إلى استغلال هذا الرجل أو ذاك ليدفع لي الكثير مقابل الحصول على جسد امرأة بالمواصفات الذي يرغب فيها، ومستقبلا قد أنظم عملا خاصا بي لأواصل انتقامي الذي لن أتخلى عنه إلى أن أقضي على كل عذروات المغرب»، وبمجرد أن توقفت عن الكلام بادرت إلى سؤالها عن أمر صديقتها التي كانت السبب في هذه الوضعية التي تعيشها سناء قالت:«أكيد شربت من نفس الكأس الذي شربت منه، لقد حرمتني من أهلي واغتصبت حميمية جسدي، لكني سأسعى إلى التحصيل العلمي والتفوق في دراستي واتخاذ وظيفة مناسبة، ربما عندها أستطيع مواجهة أهلي»، عندما أخبرني بعض الطلبة أن سناء تمكنهم من الحصول على بعض الطالبات مقابل 200 درهم ليتناوب عليها 4 أو 5 طلبة دون أن ننسى ثمن الوسيطة لم أصدق الأمر، وفكرت كثيرا قبل أن أتجرأ على اكتشاف قصتها التي كانت مؤلمة جدا، وسناء مجرد نقطة في بحر كبير يعرف الكثير من الضحايا اللواتي لم يرحمهن المجتمع، وخاصة الطالبات اللواتي يدرسن بعيدا عن أهلهن في مدن أخرى، لأنهن الأكثر تعرضا لهذا النوع من الابتزاز بحكم السذاجة وعدم الخبرة والاغتراب عن بيوتهن، حيث إن هناك مواصفات معينة يجب توفرها في كل طالبة مقبلة على ممارسة الدعارة وذلك لتلبية الأذواق المختلفة للزبائن الذين يتهافتون على ممارسة الجنس بشكل ملفت للنظر، وهذه الظاهرة ليست محصورة بين الشباب فقط، وإنما حتى بين المتزوجين والعجزة المقبلين على الجنس المأجور لتجديد شبابهم بين جسد صبية رمت بها الأقدار إلى هذا الميدان. ذلك أن الوسيطة تقضي أياما طويلة في اختيار هؤلاء الفتيات انطلاقا من مواصفات معينة والتي ترتبط عادة بالجمال والسن ولون البشرة والشكل والقامة ومواصفات أخرى تسكن مخيلات الزبائن الأثرياء والتي تتجه أحيانا إلى البحث عن فتيات عذروات مقابل 2500 درهم في الليلة الواحدة، وهن الأكثر طلبا في ميدان الدعارة، لذلك ينصب اهتمام الوسيطات حول صغيرات السن من خلال ارتياد المؤسسات التعليمية والبحث عن الضحايا وخصوصا اللواتي ينحدرن من أسر فقيرة ومعدومة، ونجد في كل ليلة سيارة أجرة أمام باب الحي الجامعي في انتظار هذه الطالبة أو تلك والتي تخرج في كامل أناقتها وتبرجها في اتجاه أحد الفنادق أو الشقق المفروشة من أجل ممارسة الجنس في ظروف راقية وآمنة، على الرغم من تحذيرات حراس الحي الجامعي الذين يتم إسكاتهم بوعود ما، وصلت إلى حد ممارسة جنسية بين طالبة وأحد حراس الحي الجامعي في شرفة الغرفة التي تشغلها، ونجد أن سائقي سيارات الأجرة بمجرد ما تركب إحدى الطالبات السيارة وتطلب منه إيصالها إلى الحي الجامعي، حتى يبدأ بالحديث عن بعض الطالبات اللواتي يقلهن بشكل يومي في ساعات متأخرة من الليل من أحد الشوارع أو يقلهن إلى أحد الفنادق أو الشقق الراقية ويعود وراءها في ساعات متأخرة من الليل إلى الحي أو في الساعة الأولى من الصباح ليقلها إلى الجامعة أو أحد المعاهد، مدعية أنها كانت في حفلة زفاف أو في زيارة لأحد أقاربها لكن رائحة الخمر وعدم الاتزان يدل على أنها قضت لحظات طويلة في الرقص والشرب وممارسة الجنس.
إن الحديث عن هذا الموضوع يأخذني إلى زوايا مختلفة وأحداث مثيرة للاهتمام اكتشفها للمرة الأولى، بعيدا عن القصص والأحداث الواردة في بعض المنابر الإعلامية والتي يكون الهدف ملأ بعض صفحات الجريدة وتسلية القراء لا غير، فلا يتم الاهتمام بمعالجة هذه المشكلة التي تتغلغل يوما بين يوم في بيوتنا ومجتمعنا الصغير حيث إن ممارسة الدعارة لم يعد لها مكان محدد ، فهي تمارس في الحدائق المهجورة وشواطئ البحار والغابات ودور السينما والشقق المفروشة والسيارات، وليس هناك زمن محدد لهذه الممارسة، خاصة ما يسمى بممارسة الحب الناتجة عن العلاقات العاطفية والتي يعتبرها البعض ممارسة طبيعية خارج إطار الدعارة لأنها تتم بشكل مجاني، لذلك فإن أغلبية الطلبة أو الرجال يستغلون الطالبة باسم الحب ليتمتعوا بجسدها بدون مقابل، باستثناء بعض الهدايا والدعوات النادرة إلى عشاء أو احتساء كوب شاي أو قهوة في أماكن مختلفة، وتعتبر الحدائق العمومية محطة مهمة لممارسة لحظات جنسية ممتعة وراء شجرة أو بعض النباتات الخضراء، بحيث يتسلل الكثيرون إلى هناك بعدما يرخي الظلام ستاره في غياب تغطية كهربائية في أغلبيتها، وقد أخبرني أحد الطلبة يوما: «يكفي أني أحقق لها متعة مميزة في الجنس وألبي كل رغباتها وشهواتها، بأشكال مختلفة ومثيرة، أنا لا أحبها، ولكني أحب جسدها، أدعوها من حين لآخر إلى العشاء أو شرب شيء في أحد المقاهي أو أهديها قنينة عطر أو ثيابا داخلية وذلك حسب الحالة التي توجد عليها ميزانيتي، وأحيانا كثيرة ما أعتمد عليها في تلبية بعض مصاريفي، لذلك أتغاضى عن خيانتها لي»، عندما كنت أتأخر قليلا خارج الحي الجامعي أكتشف أشياءا مثيرة في الطرق المؤدية إلى الحي الجامعي، بمجرد ما تسلط الحافلة أضواءها القوية إلا وتثيرك حركة غير عادية من وراء أشجار النخيل الضخمة التي تحيط بأسوار الحي الجامعي أو المطار الكبير الذي يقابله، وقد تبادر إلى سمعي أن هناك من يمارس الجنس واقفا وراء السور أو الشجرة، الأمر الذي كان يدفع بعض الفصائل الطلابية إلى المطالبة بقطع هذه الأشجار التي تساهم في انتشار المنكر، وهناك من يقصد المستنقع القريب ليلا فيفترش العشب بساطا لممارسة لحظات جنسية قصيرة بالكاد تروي عطشه الكبير، وهناك من ينتظر نهاية الأسبوع ليرتاد دور السينما من أجل الحصول على بعض الظلام لمداعبة هذه الحبيبة أو تلك متحسسا مناطق حساسة من جسدها بأصابعه أو شفته أو بواسطة عضوه التناسلي، محاولا تقليد بعض اللقطات الواردة في هذا الفيلم الذي يشاهده، ويكمل الممارسة في الطرقات الخالية من المارة أو بجانب دار مهجورة أثناء العودة على السكن الجامعي، لكن هذه الممارسات تعتبر خارج إطار ما يسمى بالدعارة لأنها تتم بشكل مجاني ولا يمكن إدماجها ضمن الجنس المأجور.
كما نجد نوعا آخر من الدعارة التي تمارس بشكل مستمر عبر أسلاك الهاتف أو عبر المسنجر إما بشكل مجاني أو مدفوع الأجر، بحيث تقضي الطالبة ساعات طويلة على الهاتف بهدف إثارة غريزتها وإشباع شهوتها الجنسية ولو بدون علاقة عاطفية، بحيث يكفيها مشاهدة فيلم جنسي وسماع صوت رجل ما لتتمكن من الوصول إلى قمة المتعة الجنسية، أو ممارسة الجنس من عبر المسنجر أو ما يسمى بـ "msn" بحيث تقضي الواحدة فترة من الزمن عارية أمام شاشة الكاميرا مع هذا وذاك بمقابل مادي تحصل عليه مسبقا أو مقابل تعبئة هاتفية، وتتم هذه الممارسة بشكل خاص مع الخليجيين والأتراك، بحيث تجلس وتستلقي في حركات مثيرة، وفي هذا السياق تشير فاطمة الزهراء (طالبة المعهد العالي للتكنولوجيا):« ما أجمل أن تعبث بأرقام الهاتف ليلا بحثا عن رجل تبادله الألفاظ والخيال الجنسي ليحقق لك المتعة الجنسية التي تطمح إليها دون أن ترتبط به عاطفيا، هناك من أخبرني بأن هذا النوع من الممارسات يعتبر مرضا نفسيا وأنه علي التخلص من هذه العادة لأنها ستؤثر على علاقتي الجنسية مستقبلا، لكنها الطريقة الأكثر أمنا لممارسة الجنس إذ أستعين أحيانا ببعض الوسائل الصلبة لأحقق بغيتي، وأحيانا أتقاضى مالا عن هذه المكالمة لأن هناك من يعشق هذه العادة مثلي تماما»، وفي السياق نفسه تضيف صديقتها:« إنها عملية سهلة جدا، يكفيني أداء رقصة مثيرة بملابس شفافة أمام الكاميرا أو أداء حركات معينة يطلبها الزبون الذي يتلذذ ويستمتع بهذه المشاهد، وهي وسيلة تحقق لي متعة جنسية، لأن ملامستي المتواصلة لجهازي التناسلي تجعلني أحس بذلك، وأحيانا أتمكن من لقاء هذا وذاك بعد تواصل طويل عبر المسنجر فيكون سخيا معي مقابل لمس بعض أعضائي وهي رغبة غريبة يتميز بها بعض الخليجيين، في حين تمكنهم أموالهم من الحصول على أجمل الفتيات»، الدعارة عبر الأنترنيت هو الخطر الذي بدأ يهدد مصير مجموعة من الطالبات اللواتي نجد صورهن تملأ صفحات الدردشة أو بعض المواقع الإباحية في وضعيات مثيرة ومخجلة في الوقت نفسه، مما يجعلها تدخل إلى ميدان الدعارة من أبوابها الواسعة.