- الرياض 6 نوفمبر - علامة مضيئة في نضال المرأة السعودية ( 1 )



نجيب الخنيزي
2010 / 11 / 6


تمر اليوم الذكرى العشرون لـ 6 نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1990 عندما قامت سبع وأربعون سيدة وفتاة ، غالبيتهن من الأكاديميات والإداريات والمدرسات وسيدات الأعمال بقيادة سياراتهن علناً في شوارع الرياض، وانتهت بإيقافهن من قبل رجال الأمن وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد تعرضن إلى الحجز لمدة يوم واحد، ولم يفرج عنهن، إلا بعد أخذ التعهدات من أزواجهن أو آبائهن، كما تعرضن إلى الإيقاف عن العمل، ومنعن ومعهن أزواجهن أو آبائهن من السفر للخارج، ما عرضهن إلى مصاعب اقتصادية ونفسية جمة ( 2) غير أن معاناتهن الأشد كانت من قبل التيار الديني المتشدد، الذي كان آنذاك مسيطراً في الساحة، نظراً إلى استفراده في فرض هيمنته الاجتماعية، والفكرية، وسيطرته القوية على المساجد، والمناشط الدعوية المختلفة، ناهيك عن نفوذه في معظم المرافق والأجهزة الرسمية، حيث كان يحظى آنذاك بالرعاية والدعم غير المحدود، قبل أن تتكشف حقيقة توجهاته وأجندته الخطرة، في اختطاف المجتمع والسيطرة عليه في مرحلة ما عرف بالصحوة، كمقدمة لاختطاف الدولة والسيطرة عليها، وعلى النحو الذي تجسد لاحقاً، في ممارسات العنف والإرهاب الموجه ضد المجتمع والدولة في الآن معاً. لقد بادر الاتجاه الديني المتزمت، المدعوم من القوى المحافظة في المجتمع والدولة، إلى شن حملة شعواء، استهدفت التعريض بسمعة السائقات وأزواجهن وآبائهن، وإطلاق شتى صنوف التبديع والتفسيق والإدانة بحقهم، والتي توزعت ما بين شيوعي أو علماني أو رافضي. كما صدرت الفتاوى المحذرة، ووزعت المنشورات وأشرطة الكاسيت، وألقيت الخطب النارية من المنابر، التي تنادي بالويل والثبور وعظائم الأمور وكأن الساعة قد اقتربت. كل ذلك لأن سبعة وأربعين سيدة تجرأن وطالبن بحقهن في قيادة السيارة، وهو حق مكفول للمرأة في جميع أمم وبلدان العالم، ومن بينها بلدان مجلس التعاون الخليجي، والبلدان العربية والإسلامية والتي تنتمي إليها السعودية.
ومن الواضح أن الموقف السلبي، والرافض والمناهض بقوة، للحرية، الانفتاح، التعددية وحقوق الإنسان، خصوصاً لحقوق النساء، والتي لا تتعارض مع سماحة القيم والتعاليم الإسلامية، والذي اختطه الاتجاه الديني المتزمت والمتشدد، كقاعدة ونهج ثابت، في قوله وفعله، هو ما أوصله لاحقاً، إلى حد تكفير المخالفين له، والخروج على الدولة ومحاربتها. ونستحضر هنا معارضة أسلافهم (حركة الإخوان) الشديدة للقائد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود، والذي وصل إلى حد اتهامه بالردة، تمهيداً للخروج عليه، لأنه سمح بإدخال المذياع، والبرق واللاسلكي، باعتبارها من البدع، وكذلك في توانيه أو رفضه إرسال الدعاة، لإجبار المنتمين إلى المذاهب والطوائف الإسلامية خارج منطقة نجد على الدخول في «الإسلام الصحيح» من وجهة نظرهم. كما اعترضوا على الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعها مع البلدان العربية (المجاورة ) والأجنبية، وقد ضاق بهم الملك عبدالعزيز ذرعاً حتى وقعت معركة «السبلة» الحاسمة مع حركة الإخوان ( 3) في العام ,1929 وتكرر الأمر مع الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز، حين رفضوا إنشاء محطة للتلفزيون، أو فتح مدارس لتعليم البنات. كما شهدنا قبل سنوات قليلة استماتتهم في منع إدماج الرئاسة العامة لتعليم البنات مع وزارة التربية والتعليم. لقد كان لافتاً التصريح المهم لسمو الأمير سعود الفيصل في لندن، الذي تضمن قوله " أعتقد أنهن ينبغي أن يقدن السيارة، لكننا لسنا من يتخذ قراراً في هذا الشأن، يجب أن يكون قرار الأسر». وأردف قائلاً " إنه أمر يقرره الناس ولا تفرضه الحكومة" . وانسجاماً مع هذا الطرح ينبغي هنا (إزاء موضوع قيادة المرأة للسيارة وحقوقها الأخرى) استخلاص الدرس وتعميم طريقة تعامل الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز مع موضوع تعليم المرأة، ومفادها أن الدولة ستقوم بفتح مدارس للبنات، وللأسر أن تقرر إرسال بناتها أو ترفض إرسالهن. لقد كانت النتيجة مبهرة، حيث عم فيه تعليم النساء ليشمل المراحل ( التعليم الأساسي والعالي) كافة ، وكثيراً من التخصصات، بل إن المرأة السعودية أثبتت تفوقها العلمي ( كما وكيفا ) على الرجل في كثير من المجالات المتاحة لها، ويوجد الآن في بلادنا، عشرات الآلاف، من الأكاديميات، الطبيبات، المدرسات، والإداريات، ناهيك عن الكاتبات والأديبات والإعلاميات، الناجحات والبارزات في عملهن. وتجربة شركة " أرامكو السعودية " العاملة في مجال النفط خير مثال على ذلك، حيث تعمل المرأة في معظم الحقول الإدارية، الفنية ، الهندسية ، الطبية،و البحثية، وذلك جنباً إلى جنب مع الرجل. كما يتاح لهن السواقة ضمن نطاق العمل والحي التابع للشركة. والسؤال هنا لماذا يسمح لها هناك فيما تمنع في المدن والمناطق الأخرى؟
في الواقع، لم تبدأ حركة المطالبة بحقوق المرأة في بلادنا مع مبادرة 6 نوفمبر/ تشرين الثاني ,1990 كما لم تقتصر على حق القيادة رغم أهمية وحيوية هذا الموضوع بالنسبة إليها. لقد كانت حقوق المرأة في صلب أجندة وكفاح الحركات والشخصيات الوطنية منذ الخمسينات، وتحضرنا هنا أسماء كبيرة وبارزة مثل علي حسن عواد، عبدالكريم الجهيمان، حمد الجاسر، علي أبوالسعود، و سيدعلي العوامي ، وغيرهم من رواد الدفاع عن حقوق المرأة. كما انخرطت النساء في النضال الوطني والمطلبي العام جنباً إلى جنب مع الرجل كما نشير هنا إلى تشكيل " رابطة النساء في السعودية " في العام 1977 ( 4 ) التي أصدرت الكثير من النشرات والبيانات وشاركت في المحافل والمؤتمرات العربية و الدولية مسلطة الضوء على واقع المرأة في السعودية ومعاناتها . غير أن أهمية 6 نوفمبر/ تشرين الثاني تكمن في كونه انعطافاً مهماً في أن تتول المرأة بنفسها قضية الدفاع عن مصالحها وحقوقها، كما نذكر على هذا الصعيد الخطاب الموجه إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (حين كان ولياً للعهد) في منتصف ,2003 والذي وقعت عليه، أكثر من 300 سيدة، وتضمن الخطاب كثيراً من المطالب المهمة لتحسين وتطوير أوضاع المرأة في المجالات المختلفة. وفي بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2007وبمبادرة من أربع سيدات، هن فوزية العيوني، جيهة الحويدر، ابتهال مبارك، وهيفاء أسرة، حيث شكلن لجنة أخذت على عاتقها، صياغة خطاب موجه إلى الملك، بشأن موضوع سواقة المرأة. وفي أسبوعين من العمل الفردي الشاق والمكثف، استطعن جمع ما يزيد على ألف ومائة توقيع على الخطاب الذي أرسل إلى الملك في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2007. فلهن ولمن سبقهن (رائدات مبادرة 6 نوفمبر المجيدة) كل التحية والتقدير على جهودهن وصمودهن وتضحياتهن الكبيرة. فالتجربة التاريخية تؤكد، أن الحقوق لا توهب بل تنتزع وتتحقق، من خلال العمل والكفاح والمكابدة وتحمل الصعاب. سيظل 6 نوفمبر يوما تاريخيا مجيدا في مسيرة نضال المرأة الشاق والصعب من أجيل نيل حقوقها الإنسانية كاملة غير منقوصة .
( 1 ) بمناسبة الذكرى العشرون لـ 6 نوفمبر 1990

( 2 )ألغيت تلك الإجراءات بعد ثلاث سنوات بأمر مباشر من الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز .
(3 ) وهو اسم أطلق على المقاتلين الذين عاضدوا الملك عبدالعزيز في بداية حروبه
( 4 ) تشكلت الرابطة بشكل سري في عام 1977 وضمت العشرات من النساء الديمقراطيات من مختلف المناطق في المملكة . استمر نشاطها حتى العام 1991 .