ما هو اثر النظام الاجتماعي والاقتصادي القائم على عمل المرأة؟



حنان منادرة
2004 / 9 / 16

مسألة استغلال المرأة العاملة غدت مسألة اجتماعية. وكأي ظاهرة اجتماعية يجب تبيان جذرها الاجتماعي ومسببها الأساسي. اولا، ليس هناك تشجيع لخروج المرأة العربية الى العمل. مها طيبي من جامعة حيفا تقول في بحثها الاجتماعي بعنوان "مكانة المرأة العربية العاملة في اسرائيل": "ان الرجل في مجتمعنا العربي يعتبر خروج شقيقته او زوجته للعمل اهانة له، خاصة انه يعتبر نفسه المعيل الاساسي للعائلة".
كونها "زوجة" ليس حرفة
منع المرأة احيانا كثيرة من العمل يكون بحجة ان "المرأة بطبيعتها ام وزوجة". انعم واكرم! وما هو الرجل، ان لم يكن" بطبيعته ابا وزوجا"؟ فبأي حق نحول مهمة كونها "زوجة" الى حرفة ومهنة؟ ولماذا لا تمنعه حقيقة كونه "زوجا" من العمل والعلم، ولا تصبح حرفته؟ ويصيح المجتمع التقليدي: "لكنها هي التي تحمل!"، ونقول: حسنا، لتأخذ اجازة ولادة ولنفتح لها الحضانات والمرافق العامة الاخرى التي تسهل عليها حياتها، وليشاركها الرجل بتربية الاطفال ورعايتهم".
بهذا الصدد، تضيف طيبي قائلة: "عند توجه المرأة للعمل للمساهمة في زيادة دخل العائلة فانها لا تتلقى مساعدة زوجها لها، سواء في الاعمال البيتية او تربية الاطفال. لذا فان عدم تحريرها من العمل البيتي وثقل مسؤولياتها كأم وزوجة، يجعل عملها شاقا وقاتلا لقدراتها الجسدية والفكرية. فهي منهكة في المصنع او المكتب او المستشفى او المدرسة... وفي البيت، وعمل البيت يقضي الى حد بعيد على امكانية علو مهاراتها ودرجتها في العمل". لذلك نسبة عالية من النساء، بسبب اعباء العمل البيتي، لا يتجهن للعمل، حتى لو كن على قدر من العلم والكفاءة.
العديد من الآباء والأزواج والأخوة انفسهم، دعاة الأمس لتحريم عمل المرأة هم الذين يدفعون ببناتهم، نسائهم واخواتهم اليوم الى سوق العمل. لكن يبقى جزء كبير من المجتمع لم ينفذ ذلك بعد. فيبقى المجتمع العربي بمدنه وقراه، رغم كل شيء، مجتمعا "رجوليا" غير متطور. فهو لا يتيح للمرأة فرصة العمل بأجر معقول. كما ان النقص الشديد في امكانيات العمل المتاحة في الوسط العربي، يؤثر سلبا على خروج المرأة الى العمل. كل ذلك يقلل ليس فقط من مكانة المرأة الاجتماعية والاقتصادية معا، بل يضر المجتمع العربي برمته.
استغلال العاملة العربية
تعد المرأة العربية العاملة يدا بشرية رخيصة، لكون امكانيات العمل المفتوحة امامها محدودة جدا. تشير الاحصائيات الصادرة عن المؤسسة العربية لحقوق الانسان للعام 1999، ان معدل اجر المرأة العاملة في مختلف الدول، بالمقارنة مع اجور الرجال، يتراوح بين 30 الى 70% من اجورهم.
فيما يخص المرأة العربية في اسرائيل فان الاحصائيات تثبت وجودها في ادنى درجات سوق العمل المحلي، حيث يبلغ معدل دخل المرأة العربية في الدولة 56.7% من دخل الرجل. كما ان استثمارات الدولة في الوسط العربي شبه معدومة، الامر الذي يؤثر على نسبة عمالة المرأة العربية بشكل خاص، اذ ان نسبة النساء العربيات العاملات لا تتعدى ال20% من النساء في سن العمل (معطيات سجل الاحصاء المركزي 1999). وقد جاء نقل المخيطات من اسرائيل الى الاردن جراء اتفاقيات اوسلو مع السلطة الفلسطينية ووادي عربة مع الاردن لتقليص فرص العمل.
زد على ما تقدم، فان العاملة تعاني من شروط عمل صعبة للغاية فيما يخص قانون دفع مخصصات التأمين الوطني، وحقوق اخرى مثل العطلة السنوية وفقا للقانون، ساعات العمل القانونية.
مجتمعنا ينمي ما يسمى "بالوظائف الرجالية الطبيعية"، و"الوظائف النسائية الطبيعية". لذلك يجري تشغيل المرأة بالاساس في القطاع الخاص كالنسيج والاعمال المكتبية والخدمات، من طباعة وسكرتارية وتعليم وتمريض وتنظيف. مع العلم ان الاجور في هذا القطاع لا تصل الى الحد الادنى. بينما قادة المصانع والورش من مدراء الانتاج، الحكام ، الوزراء، القضاة، العلماء والكتاب...، فهم بغالبيتهم الساحقة رجال.
المرأة تحتاج للتنظيم النقابي
ان العمل يعد الشرط الاساسي للاستقلال الاقتصادي ولبدء طريقها في الصعود نحو المساواة التامة مع الرجل، ولكنه لا يكفي. ففي احيان كثيرة يتحول ارتباط العائلة بدخلها الى عبء على الفتاة التي لا تستطيع التحكم براتبها وتقوم العائلة بمصادرته. ان العمل يحرر المرأة من خبل السجن البيتي ويعمق وعيها الثقافي من خلال ممارستها واتصالاتها الانتاجية والاجتماعية، الا انها تبقى بحاجة الى الدفاع عن حقوقها من خلال التأطر في تنظيم نقابي، كخطوة اولى باتجاه تحقيق المساواة الاجتماعية.
بناء على ما تقدم، يمكننا القول ان مفهوم عمل المرأة لا يمكن فهمه بمعزل عن مسألة تحررها من آفة ملكية المجتمع لقدراتها. هذا التحرر وحده الذي يعد الظروف والامكانيات لبدء مشوار حل مسألة استغلال المرأة في العمل حلا جذريا. بما في ذلك تحقيق المساواة التامة - الفعلية وليس القانونية فقط -في كافة مجالات الحياة، ومشاركتها الاجتماعية الفعالة في حل قضاياها وقضايا مجتمعها بدون ادنى انتقاص لحقوقها او تمييز بحقها كامرأة.