القرآن والمرأة



راغب الركابي
2010 / 11 / 21

هذه المقالة تنويه وإشارة للحالة التي عليها المرأة المسلمة في عصرنا الرآهن ، وهي إشارة تذكرنا بإن هذا القرآن - الموجود بالفعل - هو كتاب ذكوري بأمتياز ، قام في كتابته وصياغته الذكر حسب مقاساته ومعتقداته ، ولهذا نرى لغته وخطابه وكل مفرداته جاءت في صيغة ذكورية محضة .




والمرأة لم تكن فيه إلاّ على الهامش أو في خدمة الذكر ، هذه هي الحقيقة وهي إشكالية معرفية خطيرة فيما لو نسبناها إلى الله ، لأنها تعني التفرقة والتحيز منه وهذا مالانقبله على الله وعلى عدله ونظرته تجاه الخلق جميعاً ، ومن هنا فنحن نشك حتى في تسميته وفي تسمية ملائكته ، فالله مذكر كما إن الملائكة ذكور فكل الملائكة من غير إستثناء أسماء مذكرة ليس فيهم أنثى واحدة .




قد يقول قائل : إن ذلك كان وفقاً لماهو موضوعي وسائد في تلك الأزمان ، وغلبت الذكور على كل شيء .

أقول : هذا صحيح فيما لو أعتبرنا إن القرآن هو تعبير عن حالة زمانية معينة ، وليس كما يقال إنه لكل زمان ولكل مكان ، ولفظة كل هنا تعني صلاحيته لكل زمان ولكل مكان ، وهذا إدعاء كبير يلزمه التوافق بين اللفظ ومعناه في كل حين ، ومن لوازم ذلك الأولية ان يكون خطابه في صيغة عامة ، وليس في صيغة خاصة تكون فيها الغلبة لطرف على أخر .

ناهيك عن ان كثيراً من النصوص في القرآن وردت في صيغة تحط من قيم المرأة ومن إعتبارها ، ويكفي في التذكير التبكيت الوارد في القرآن على نحو : إن شهادة الرجل في مقابل شهادة أمرأتين ، في متلازمة لفظيه تقول : - إن تضل أحدهما تذكر الأخرى - !!! ، وهذا إضعاف متعمد لعقل المرأة كذلك ولإرادتها وموقفها ، ولايعقل إن تكون شهادة مريم أم عيسى وفاطمة بنت محمد في مقابل شهادة معاوية أو عمرو بن العاص أو سين من الناس ، !!!!!! هذه مغالطة ودين على هذا النحو لا يستحق الإحترام ، كما لا يمكن من باب التنزيه نسبة هذه إلى الله لأن فيها مغالطة تكوينية مقصودة منه وهذا ما لايجوز القول به ، ذلك لأن التكوين الفسيولوجي للمرأة هو من قبل الله ، ولايجوز نسبة النقص إليها دون ذكر المكون ، إذ يلزم إعتبار النقص فيها هو منه ، وفي ذلك يكون هو طرفاً مناقضاً لها إن أعتبرنا ذلك نقصاً ، لأن فعل النقص مع العمدية ضد للعدل ومقتضياته .




كما يجب التنويه إلى دور المؤوسسة الذكورية في ذلك الحين ، عندما أستثنيت المرأة من المشاركة في كتابة القرآن فكان الكتبة ذكور فقط ، مع إن التاريخ يذكر إن بعض النساء كن يُحسن القراءة والكتابة في ذلك الوقت وكن من المسلمات ،

إذن فالمرأة لم تشارك في كتابة القرآن أسوة بالرجل ، حتى عائشة التي ذاع صيتها لم تكن سوى راوية أخبار ، ومعظم أخبارها ليست صحيحة ، لأن أخبارها التي أنتشرت إنما جاءت بعد الخلاف مع علي وقتاله ، وكان للدولة الأموية أثر في نشر أخبارها لحاجة في قلب يعقوب ، أقول : حتى عائشة لم يتح لها ان تكتب القرآن أو تكون واحدة من اللجنة التي أشرفت على إعادة كتابته في عهد الخليفة عثمان ،




وهذا يجعلنا نقول إن ذلك يخضع لأحد أمرين :

الأول : إما ان يكون هذا القرآن الموجود بالفعل هو هذا في صيغته الإلهيه وكما نزل ، وهنا نقول : إن كان ذلك كذلك فهذا أمر مناقض لعدل الله في المساوات بين الذكر والأنثى ، ولايجوز على الله ان يخلق شيئاً ناقصاً ويكون هذا الناقص وعاءاً للشيء الكامل ، فهذا تناقض مرفوض وممنوع .




الثاني : أن يكون هذا القرآن الموجود بالفعل قرآناً محرفاً ، وهذا ما اشار إليه عقلاء الأمة ومفكريها ، فالقول بالتحريف ليس خدشاً في القرآن ، بقدر ماهو تصحيح وضع ، والتحريف حدث حين كتُب القرآن بعد وفاة الرسول ، وربما حين أعادوا نشره من جديد ، إذ ليس بين أيدينا وثيقة تحدد لنا النسخة الأولى من القرآن ، فجميع النسخ قد حرقت ولم يبقى منها إلاّ نسخة عثمان المعدله والمصححه والمحرفه ، وهذه النسخة مشكوك فيها ، لأن المشرفين على صناعتها قوم لا يؤتمن منهم لأنهم كانوا أمويين ، وهؤلاء القوم ليس سوى جماعة أو بقايا جاهلية لاتعنيهم قضية المرأة إلاّ بعنوان المتعة والفراش ، ولهذا راج عندهم القول التالي : المرأة شر وشر ما فيها أنها لا بد منها ، كما أنتشر من خلالهم الخبر الزائف الذي يقول : كونوا من خيارهن على حذر ، أو شاورهن وخالفوهن ، أو المرأة ناقصة عقل ودين ، مبررين ذلك بالحيض والنفاس وما إلى هنالك من هذه الخزغبلات .




المرأة في القرآن هذا القرآن أعني قرآن عثمان هي ليست سوى كائن للتكاثر وللنسل وللفراش وللخدمة ، ولم نجد في القرآن نص يتحدث عن حرية المرأة إلاّ حينما نؤول هذه النصوص ، والتأويل كما تعلمون عند الفقهاء باطل وممنوع لأنه يذكر بالفرق الضالة والزنادقة ، فكل ذي عقل عند الفقهاء زنديق ، وكل مخالف لهوى السلطان زنديق ، وكل حامل رأي فيه عز وفخار زنديق ، هكذا كانت ثقافة المسلمين ، وهي الثقافة التي تسود في واقعنا وإلى يومنا هذا .




حتى رضت المرأة بذلك ولبست النقاب والحجاب لأجل مرضاة الذكر كما يريد ويشتهي ، وكلنا يعلم إن الحجاب والنقاب فلكلور تراثي لعرب الجزيرة ولحماية المرأة من حر الصيف ولهيب السموم ، وليس هو لباس أراده الله للمرأة ، هذا هو الذي نعنيه ، في مسألة التحريف والتشويه للقرآن ، حتى صار من يفكر في رفع ظلامات المرأة محرفاً ومبتدعاً وخارجاً عن الملة والدين ، والمرأة هذه المسكينة رضت بالذل والهوان وفقدان الحيلة بحجة إن ذلك يقربها إلى الله زلفى ، وهي أحوج ما تكون للثورة على هذا الواقع المتخلف والثورة تبتدء من نفسها ، حين تفك أسوار الظلام وتتحدى هذا التراث السيء وتنظر للمستقبل ككونها الشريك بالفعل وبالقوة في صنع الحاضر والمستقبل ، ولن يكون ذلك ممكناً إلاّ بالحرية فبها ومعها تعيش المرأة إنساناً وليس أنثى وحسب ...