المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية بين الشكل والمضمون



دنيا الأمل إسماعيل
2004 / 9 / 18

تعد المشاركة السياسية واحدة من أهم مؤشرات ودلالات التنمية في أي مجتمع، إذ لا يمكن الحديث عن التنمية بمفهومها الشامل دون التطرق لموضوعة المشاركة السياسية، في الوقت الذي لا يمكن فيه الحديث عن التنمية دون التعرض لدور المرأة في هذه التنمية، وسعيها من أجل التأثير في خطط ومشروعات التنمية من خلال قنوات المشاركة السياسية، وعليه فإن درجة مشاركة المرأة وفاعليتها تنعكس إيجاباً في السياسات التنموية، مع ضرورة التأكيد على أن أية محاولة لفهم ودراسة التغير الاجتماعي لا يمكن عزلها عن دور المرأة .. باعتبارها تمثل أكثر من نصف المجتمع.
وفي مجتمعنا الفلسطيني حيث يتسم بالمحافظة، واحتفاء أقل بإمكانات النساء في ظل هيمنة ذكورية، تستأثر بالنصيب الأكبر من فعاليات الحياة المختلفة، يتوقع من النساء أن تبذل جهوداً مضاعفة من أجل إدماجها في عملية صنع القرار، وفي هذا المجال يجب التذكير بأن التغيرات السياسية التي مرت على مجتمعنا الفلسطيني أتاحت للنساء – في ظل ظروف كثيرة – فرصة تاريخية من أجل تطوير أوضاعهن إيجاباً، من خلال الانخراط في العمل النضالي والجماهيري. ففي فترة الانتفاضة على سبيل المثال استطاعت النساء الفلسطينيات فرض أنفسهن بقوة على الوعي الجماعي الفلسطيني، الشعبي والرسمي، لتقود بعد سنوات قليلة الكثير من المنظمات الأهلية والخيرية التي ساهمت بشكل أو بآخر في تأسيس مجتمع مدني في ظل غياب الدولة.

هذه الورقة تحاول أن تبحث في فاعلية المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية ومدى قدرتها على التغيير المجتمعي من خلال هذه المشاركة مع التأني أمام الأسباب التي تحول دون تحقيقها ذلك، وتنقسم الورقة إلى:
1- المؤشرات الأولى للمشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية ( مدخل تاريخي ).
2- أشكال ممارسة المرأة لحقوقها السياسية.
3- أسباب عزوف المرأة الفلسطينية عن المشاركة السياسية، وتنقسم إلى:
أ?- أسباب تعود إلى المجتمع.
ب?- أسباب تعود إلى المرأة نفسها.
ت?- أسباب تتعلق بمفهوم المشاركة.
4- مستقبل المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية.
5- النتائج والاستخلاصات.
6- التوصيات.



أولاً: المؤشرات الأولى للمشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية ( مدخل تاريخي ):-

منذ بداية هذا القرن الذي أوشك على الانتهاء والمرأة الفلسطينية تشارك في معركة الاستقلال الاجتماعي والسياسي عبر تشكيلات مختلفة، بدأتها بالجمعيات الخيرية التي شكلت النواة الأولى لانطلاقة المرأة الفلسطينية نحو الاندماج في قضايا مجتمعها .. الحياتية .. لتتبلور فيما بعد ونتيجة للظروف السياسية التي مرت بها فلسطين إلى بؤر سياسية، عبرت عن نفسها في شكل اعتصامات ومظاهرات وعرائض احتجاج، وتذكر المصادر في هذا السياق أن أول نشاط سياسي نسائي ملحوظ كان في العفولة عام 1893، حيث خرجت النساء الفلسطينيات في مظاهرة احتجاجاً على إنشاء أول مستوطنة يهودية في ذلك الوقت، وفي معركة البراق عام 1929، التي شكلت نقطة تحول مهمة في حياة المرأة الفلسطينية، إذ وقعت تسع نساء قتلى برصاص الجيش البريطاني، مما دعاها إلى تصعيد نضالها لتغيير الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي أحاطت بها خاصة بعد أن وجدت نفسها أمام المسؤولية الملقاة على عاتقها بعد عمليات الإعدام والاعتقال والمطاردة والسجن وهدم البيوت، التي قامت بها سلطات الانتداب البريطاني، فنظمت جهودها وجندت كل الإمكانات المتوفرة لديها لمواجهة الظروف المستجدة، فعقدت أول مؤتمر نسائي فلسطيني، في مدينة القدس عام 1929، وانبثقت عنه اللجنة التنفيذية لجمعية السيدات العربيات، ثم أنشئ في العام نفسه الاتحاد النسائي العربي في القدس وآخر في نابلس، حيث قاما إضافة إلى اللجنة التنفيذية لجمعية السيدات العربيات بأدوار متعددة اقتصادياً، اجتماعياً، ثقافياً ووطنياً، متمثلة في المظاهرات، وتقديم الاحتجاجات إلى المندوب السامي البريطاني، وإرسال الرسائل إلى الملوك والحكام العرب.

خلال الفترة من 48 وحتى 1967، نشطت المؤسسات النسائية الخيرية كدور الأيتام ومراكز المسنين وغيرها في إغاثة الأسر المنكوبة، واعداد المرأة وتأهيلها مهنياً، لتتوج نضالات المرأة في هذه الفترة بتأسيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية عام 1965 ليكون تنظيماً شعبياً نسائياً يضطلع بدوره الاجتماعي والسياسي بين صفوف النساء في المناطق المحتلة وهذا يدلنا على أن الوعي السياسي النسائي نشأ في أحضان حركة النضال الفلسطيني، ونما من خلال مؤسسات مجتمعية أصلاً.

فيما وفر إنشاء م. ت. ف عام 1964، بديلاً سياسياً شكل مرجعية للحركة الوطنية الفلسطينية التي نمت في أحضانها الحركة النسوية مما جعلها تتقابل مع استراتيجية م. ت. ف الهادفة إلى تسيس الجماهير وزجها في النضال الوطني.

ويبرز هذا التوجه السياسي للمنظمات النسوية الفلسطينية يوماً بعد آخر وتتصاعد الحركة القومية النضالية .. لتنشأ أول حركة نسائية في الريف عام 1978، وبحلول عام 1982 كان هناك أربع تنظيمات نسائية تتبع الأحزاب السياسية الفلسطينية الأربعة. وقد اقتصر نشاط هذه المؤسسات ( التنظيمات ) فقط على تقديم الخدمات الاجتماعية غير أن تلك التجمعات النسائية التي خلقتها الحاجة إلى تقديم الخدمة الاجتماعية لفتت أنظار الأحزاب السياسية التي استخدمتها في حشد النساء للعمل السياسي وهكذا تدريجياً حملت المنظمات النسوية ملامح الأحزاب الني تولدت منها، حتى غلب عليها العمل السياسي.. دون الالتفات إلى أهمية إبراز قضيتها المجتمعية، ناهيك عن أن تلك الأحزاب لم تعط الحركة النسوية الفلسطينية حقها من الظهور وحمل قضاياها الذاتية مما انعكس سلباً على الحركة النسوية فشتت قدراتها ونقلت فئويتها إلى داخلها.. وهذا أدى في النهاية إلى غياب الأجندة النسوية التي تحمل هموم الحركة النسوية الفلسطينية.

مع دخول الانتفاضة عادت الحركة النسوية إلى طابعها الخدماتي في ظل غياب الدولة لتسد العجز الذي فرضته الظروف السياسية في تلك المرحلة – نتيجة ازدياد الحاجة إلى الخدمات – وتم إزاحة العمل السياسي ليتوارى قليلاً خلف العمل الاجتماعي، فيما صعدت أعمال الإغاثة وخدمات رعاية الأطفال، وتعليم النساء المهارات التقليدية جنباً إلى جنب مع مقاومة الاحتلال من قبل المنظمات النسوية التابعة للفصائل السياسية، حتى أنه لا يمكن تفرقة نشاطها عن أية جمعية خيرية سوى تبعيتها وتركيزها على فكرة الحشد السياسي للنساء. وقد شكل هذا فيما بعد دعماً للأحزاب ووسيطاً مهماً بين الفصيل والجماهير العريضة فقد عملت النساء على توثيق العلاقة بين التنظيمات والجماهير من خلال النشاطات المجتمعية التي كانت تقوم بها.

وتشير الإحصاءات هنا إلى أن 7% من الشهداء الذين سقطوا خلال الفترة من 87 – 1997، كانوا من النساء، فيما شكلت النساء 9% فقط من الجرحى المبلّغ عنهم خلال الفترة نفسها ، وفي عام 1996 زاد عدد الأسيرات الفلسطينيات اللواتي بقين رهن الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي عن أربعين امرأة.

غير أنه في تلك الفترة اتسم عمل تلك المنظمات بعدم وجود استراتيجية عمل واحدة تجمع بينها حتى جاء العام 1990 أي بعد ثلاث سنوات من بدء الانتفاضة ليعقد مركز بيسان في القدس مؤتمراً بعنوان ( الانتفاضة وبعض القضايا الاجتماعية للمرأة ) شاركت فيه نساء من مختلف التوجهات السياسية حاولن فيه تقييم المنجزات التي حققتها النساء خلال المراحل السابقة ووضع تصور لمستقبل الحركة النسوية، وقد مثل هذا المؤتمر فاصلاً – في مسيرة الحركة النسوية الفلسطينية لأنه جاء مترافقاً مع بدء مفاوضات مدريد والتوجه نحو عملية السلام .. التي على إثرها .. عقد اتفاق غزة أريحا ودخلت السلطة الوطنية الفلسطينية إلى البلاد، وعليه فقد بدأت مرحلة جديدة ليس في حياة النساء فقط بل في حياة الشعب الفلسطيني بأسره، إذ مع دخول السلطة وما صحب ذلك من تغيرات سياسية ومجتمعية، تزايد الاهتمام بترسيخ أسس مجتمع مدني، يضمن مشاركة كل من المرأة والرجل في عملية البناء، وكانت الآمال معقودة على توسيع قاعدة مشاركة المرأة من خلال توفير أجواء ديمقراطية تتيح لها طرح نفسها من منطلق معيار الكفاءة وأولوية التعبير عن احتياجاتها ومشكلاتها، غير أن هذه الصورة المشرقة، المتخيلة، تراوحت بين الصعود والهبوط، إذ لم يبرز لدى السلطة الوطنية أي توجه رسمي من أجل إدماج النساء في عملية التنمية والبناء، سوى إلحاق عدد غير قليل من قيادات العمل النسوي الأهلي في إطار العمل الحكومي، وهذا ترك أثره على المنظمات الأهلية التي استوعبت جل النساء الفلسطينيات خلال فترة الاحتلال، وقبل دخول السلطة الوطنية الفلسطينية، من ناحيتين:
أ?- الخسارة الفادحة التي لحقت بهذه المؤسسات من جراء فقدها لخبرات وكفاءات نسوية ( عامل سلبي).
ب?- دأبت هذه المؤسسات على خلق وإفراز قيادات بديلة بتوجهات ورؤى مختلفة ( عامل إيجابي ).
في الوقت الذي سعت فيه المؤسسات النسوية إلى الحصول على استقلال نسبي عن التنظيمات التي نمت في كنفها رافقه وعي نسوي نتيجة الخبرات السابقة خاصة بعد الانقسام الذي شهدته تلك التنظيمات إزاء العملية السلمية وعدم بلورة رؤية عمل واضحة لها تستند على المتغيرات التي جرت، ناهيك عن الهيمنة التي كان يفرضها الحزب على برامج وعمل تلك المؤسسات مما دعاها إلى النضال ضد هذه الهيمنة وتخفيفها إلى الحد الأدنى مع بلورة أهداف وبرامج جديدة بعد قناعة وصلت إليها الناشطات من النساء بأن الأساس التنظيمي القديم الذي قامت عليه المؤسسات النسوية لم يعد صالحاً في ظل المتغيرات الجديدة.

ثانياً: أشكال ممارسة المرأة لحقوقها السياسية:-

1 - الانتخابات:
تعد مشاركة المرأة الفلسطينية في الانتخابات التشريعية التي جرت في 20/1/1996 أحدث أشكال مشاركتها السياسية، كما يمكن النظر إلى هذه المشاركة كمقياس للنشاط السياسي والاجتماعي للمرأة الفلسطينية خلال الفترة السابقة، وقد جاءت هذه المشاركة بشيء من الحماسة التي عبرت عن نفسها في شعارات رفعتها المؤسسات والأطر التي أيدت عملية إجراء الانتخابات، وكان أبرزها ذلك الشعار الذي رفعه – طاقم شؤون المرأة – وتمثل في ( بالمشاركة تصنعين الحدث) ليؤكد ويدلل على الحاجة المفقودة إلى مشاركة النساء في صنع القرار السياسي.

هذا وقد بلغ عدد المسجلات في القوائم الانتخابية 495839 إناث، مقابل 517396 ذكور من أصل 1013235، أي بنسبة 49% للنساء مقابل 51% للرجال حتى 27/12/1995 ، فيما بلغ عدد المرشحات للمجلس التشريعي 25 امرأة من أصل 672 مرشحاً أي بنسبة 3.7% : 16 مستقلة، 4 فتح، 2 فدا،2 حزب الشعب الفلسطيني، 1 جبهة تحرير عربية، نجح منهن 5 نساء وهن التالية أسمائهن:
أ?- حنان عشراوي مستقلة من القدس وحصلت على عدد أصوات بلغ 17944.
ب?- دلال سلامة من حركة فتح / نابلس وحصلت على عدد أصوات 20749.
ت?- جميلة صيدم من حركة فتح / دير البلح وحصلت على عدد أصوات 8511.
ث?- انتصار الوزير من حركة فتح / غزة، وحصلت على عدد أصوات 40875.
ج?- راوية الشوا مستقلة / غزة، وحصلت على عدد أصوات 18295.
وكانت السيدة سميحة خليل القبج أول سيدة فلسطينية وعربية ترشح نفسها لمنصب الرئاسة ( لم تنجح ) .
ويعد فوز خمس نساء في أول انتخابات فلسطينية إنجازاً كبيراً للحركة النسوية الفلسطينية رغم ضعف نسبته وعدم موازاته لحجم التضحيات التي قدمتها النساء الفلسطينيات ، إذ جاء دليلاً على الوعي النسوي المتنامي بأهمية وجودهن في مراكز صنع القرار ومن ثم بلورة أهداف ورؤى واضحة وجديدة متوافقة مع المتغيرات الجديدة للحركة النسوية، ويمكن إسناد أسباب ضعف التمثيل النسوي في هذه الانتخابات إلى طبيعة النظام الانتخابي، سيادة التوجهات الذكورية للمجتمع الفلسطيني، التمييز ضد المرأة، سطوة العادات والتقاليد.

ونلاحظ هنا غياب كل من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية، وبالتالي غياب التمثيل النسائي، وقد انعكس هذا الغياب لليسار الفلسطيني على مشاركة النساء في الانتخابات، حيث كان من المتوقع منها أن تساند وتدعم وجود النساء، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة فرص فوز النساء في الانتخابات، فيما يرى البعض أن غياب الاتجاهات الإسلامية عزز من هذه الفرص على أساس أن هذه الاتجاهات تقصي النساء لأسباب دينية ، ويذكر هنا أن فدا استأثرت بأكبر نسبة من النساء بين مرشحيها إذ بلغت 18% مقارنة ب 12.5% من مرشحي جبهة التحرير العربية، و6.7% من مرشحي حزب الشعب، و5.2% من حركة فتح، فيما بلغت نسبة المستقلات 64% مقابل 75% للذكور .

2 - مشاركة المرأة في المؤسسات السياسية ( رسمية، وغير رسمية ):-
أ - المؤسسات السياسية الرسمية:-
أ(1)- المرأة في م. ت. ف:-
رغم الإشكالية التي تعيشها م. ت. ف، خاصة بعد إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، وعودة معظم المؤسسات الفلسطينية، وعدد كبير من قيادي الشعب الفلسطيني إلى الوطن، إلا أنه لا يمكن استبعاد الحديث عن وضعية المرأة الفلسطينية في هذه المؤسسة حيث يمكن من خلالها تفسير كثير من السلوكيات المتبعة تجاه المرأة الفلسطينية حالياً .. إذ لا يمكن فصل الواقع عن الماضي .. كما لا يمكن القفز عن مراحل أثرت في تشكيل هذا الواقع بسلبياته وإيجابياته، وعليه فإننا نؤكد هنا على أن وضعية المرأة الحالية بما فيها من اخفاقات ليست ابنة هذا الواقع، رغم أهميته الكبرى في إضافة ملامح أخرى أكثر تعقيداً وتشابكاً، فقد اتبعت م. ت. ف في مؤسساتها السياسة نفسها التي اتبعتها الأحزاب المنضوية تحت لوائها، إذ تدنت نسبة النساء في مناصبها العليا القريبة من صنع القرار، فيما ارتفعت مشاركتها في المراكز الأقل أهمية، فمثلاً بلغت نسبة النساء في المجلس الوطني الفلسطيني 7.5% من أصل 744 عضو عام 1996، فيما استأثرت اللجنة التنفيذية التي تعد الأهم في اتخاذ القرار في م. ت. ف ب 16 عضواً من الرجال .

أ (2) - المرأة وزيرة:-
حتى عام 1997، كانت هناك وزيرتان فقط من 25 وزيراً، أي بنسبة 7%، هما السيدة انتصار الوزير (وزيرة الشؤون الاجتماعية)، والدكتورة حنان عشراوي ( وزيرة التعليم العالي سابقاً )، وهما وزارتان ارتبطتا تقليدياً بالمرأة، ثم خرجت الدكتورة عشراوي لتبقى سيدة واحدة في موقع وزير، وعلى الجانب الآخر نرى أن كل نواب الوزارات هم من الرجال .

أ (3) - المرأة والحكم المحلي:-
إذا كان ثمة اعتبار لأهمية انتخاب ثم تمثيل النساء في المجلس التشريعي مستمداً من مشاركتها في تشكيل السياسات العامة والتشريعات فإن هذه الأهمية تتضاعف بالنسبة للمجالس المحلية التي ستتيح الفرصة لتطبيق تلك السياسات والتشريعات وتحويلها إلى واقع ملموس.
ومن هنا تبرز أهمية وجود النساء في مثل هذه المجالس، حيث تمكنهن من الاقتراب فعلياً من الجماهير وخلق حالة تواصل يومي وطبيعي معهم، مما سيكون له أكبر الأثر من ناحيتين:
الأولى: تقبل وجود النساء في الحياة العامة وخلق حوار مجتمعي قائم على مبدأ المشاركة من كلا الطرفين، يساعد في تشكيل نسيج مجتمعي يدمج النساء على أساس كفاءتهن وقدراتهن.
الثانية: تمكين هؤلاء النساء من فرض رؤيتهن النسوية للقضايا التي يتعرضن لها، وذلك من خلال القنوات الشرعية المتاحة.
ومن المعروف أن النظام العسكري الإسرائيلي كان قد منح في العام 1974 حق التصويت للمرأة الفلسطينية في انتخابات المجالس المحلية، بينما لم يمنحها حق خوض انتخابات هذه المجالس، ويجدر بالذكر أنه لم تجر أية انتخابات للمجالس البلدية في قطاع غزة، فيما آخر مرة جرت فيها هذه الانتخابات في الضفة الغربية كانت في عام 1977.
حالياً وفي ظل السلطة الوطنية الفلسطينية، توجد خمس عشرة سيدة من بين 3053 عضواً في مجالس الحكم المحلي أي بنسبة 0.5% فقط، وهي نسبة لا تذكر أمام سيطرة الرجال على هذه المجالس التي تستمد أهميتها من الدور المباشر الذي تلعبه في التعليم والصحة وبرامج الخدمات الاجتماعية ، هذا وتعد السيدة سهير أحمد خان أول امرأة فلسطينية تشغل منصب رئيس مجلس قروي في خربة قيس بمحافظة سلفيت.

أ (4) - المرأة والعمل الدبلوماسي:-
توجد سفيرة واحدة فقط لفلسطين في الخارج وهي السيدة ليلى شهيد في فرنسا، وقد جاء تعيين السيدة شهيد في أغسطس/ آب 1993، تتويجاً لمناصب عدة مهمة شغلتها السيدة شهيد، حيث كانت أول طالبة ترأس الاتحاد العام لطلبة فلسطين – فرع فرنسا – في السبعينات، وفي عام 1989 تم تعيينها من قبل اللجنة التنفيذية ل م. ت. ف ممثلة لها في ايرلندا، ثم هولندا، ثم الدنمارك، لتنتهي أخيراً كمفوض عام فلسطين في فرنسا.

• هل يمكن اعتبار الكوتا النسوية مشاركة سياسية:
دأبت الحركة الوطنية الفلسطينية منذ بداياتها فيما يتعلق بتمثيل النساء فيها على اعتماد مبدأ الكوتا لتحقيق مشاركة النساء في العمل الوطني النضالي والسياسي … ويرجع استخدام هذه الطريقة إلى الظروف الموضوعية التي عاشتها هذه الحركة، حيث اتسمت بالتشتت الجغرافي .. وعدم القدرة على التواصل اليومي والتراكمي .. وربما يمكن تبرير هذا سابقاً غير أن تغير الظروف السياسية التي لحقت بالحركة الوطنية، ثم قيام السلطة الوطنية الفلسطينية تدعونا للتفكير جدياً في جدوى الكوتا، ويلح علينا سؤال مشروع هنا، هل يمكن اعتماد الكوتا في المرحلة الحالية كتعبير حقيقي عن المشاركة ؟ وهل يمكن اعتمادها بشكل مطلق أم لفترة مؤقتة ؟ وما الأثر الذي يمكن أن تتركه سلباً أو إيجاباً على الحركة النسوية الفلسطينية ذات المتغيرات الجديدة.

بعض القيادات النسائية تؤيد فكرة الكوتا من منطلق أن التمييز ضد المرأة مازال موجوداً في المجتمع الفلسطيني حيث يستمد قوته من الأبعاد الدينية والثقافية ( عادات، تقاليد، … )، وعليه فقد رأين في الكوتا تمييزاً إيجابياً لصالح المرأة يمكنها من زيادة فرص تواجدها في المواقع المختلفة، وتقبل المجتمع تدريجياً لهذا التواجد / الوجود.
تقول أسمى خضر في مقالتها: ( انعكاسات قانون الانتخاب على مشاركة المرأة في العملية الديمقراطية ): " اتسمت مشاركة المرأة في الحياة السياسية بالضعف، سواء من خلال الأحزاب الموجودة أو في الدور الذي تلعبه في مجال صنع القرار وصياغة المجال المدني العام. فالمرأة أقلية بمختلف المعايير الإحصائية والموضوعية، ويمكننا القول أيضاً أن المرأة أقلية سياسية ويوجد فارق تاريخي بينها وبين الرجل مما يدفعنا إلى أن نميل إلى التمييز الإيجابي لصالحها" .

ب - المؤسسات السياسية غير الرسمية:
ب (1) - مشاركة المرأة في الفصائل والأحزاب السياسية:-
رغم مشاركة النساء المبكرة في الفصائل والأحزاب السياسية إلا أن ذلك لم يترك أثراً على تحسين مشاركتهن السياسية إذ بقيت هذه المشاركة ضعيفة بالمقارنة مع مشاركة الرجل، بالإضافة إلى استبعادها الكبير عن مراكز صنع القرار في هذه الأحزاب ومنها من كان يتبنى فكراً تنويرياً يدعم دمج النساء في الحياة السياسية والعامة، غير أن الفجوة ظلت واسعة بين التنظير والواقع الفعلي للنساء في الأحزاب التي ينتمين إليها، ونظراً لطغيان العامل السياسي على المراحل التاريخية للشعب الفلسطيني، مما أدى إلى تحديد الأهداف والاستراتيجيات وتركيزها حول قضايا التحرر، فيما تم إرجاء القضايا الأخرى لحين تحقيق الهدف السياسي، غير أن التجربة أثبتت ورغم تراجع المشروع الوطني وظهور أحزاب سياسية جديدة وربما أيضاً بديلة للأحزاب القديمة، أن موضوعة المرأة ليست مركزية بالنسبة للأحزاب وربما هذا يفسر جانباً مهماً من أسباب انحسار نشاط المرأة الفلسطينية في ظل المرحلة الحالية، خاصة في ظل غياب استراتيجية واضحة لدى تلك الأحزاب حول وضع المرأة الفلسطينية، وعدم تحديد رؤية واضحة لكل حزب على حدة وتحديد موقفه من المرأة وتحويل هذا الموقف إلى برامج وأجندات عمل على أرض الواقع.
وتشير البيانات إلى وجود علاقة عكسية بين نسبة النساء وبين مستوى السلطة، فعدد النساء يتناقص في المراكز العليا في الأحزاب ، فمثلاً تشكل النساء 5% من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح مقابل 4% من الأعضاء في اللجنة الحركية العليا، وفي الجبهة الشعبية تمثل 10% من اللجنة المركزية العامة، وفي المكتب التنفيذي لفدا تمثل النساء 30%، فيما يبلغ تمثيلها 19% من اللجنة المركزية للحزب نفسه، وهي أعلى نسبة لمشاركة النساء في الأحزاب، رغم أن فدا يعد حزباً صغيراً مقارنة مع الأحزاب الأخرى.

فيما ترتفع نسبة مشاركة النساء في هيكلية الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في الضفة الغربية عنها في غزة، فبلغت نسبة النساء في القيادة المركزية في الضفة الغربية 18% بينما كان نصيب قطاع غزة 13%، وفي اللجنة المركزية العامة بلغ في الضفة 19.5% بينما 16.5% في غزة، ورغم أن تمثيل النساء في اللجان المركزية التي تعد أهم هيئة لاتخاذ القرار في الحزب، أعلى لدى الأحزاب اليسارية إلا أنها بقيت نسبة ضئيلة بالمقارنة مع النسبة الكلية فضلاً عن أن وجود النساء في مثل هذه اللجان لم يؤد إلى فرض سياسات وبرامج حزبية تتبنى أجنده نسوية تتوازى مع أجنده العمل الوطني، وبقيت النساء تتبنى المشروع الوطني الذي ظل يستأثر بأولوية نشاطهن .

ب (3) - مشاركة النساء في المنظمات غير الحكومية:-
تعد مشاركة النساء الفلسطينيات في المنظمات غير الحكومية هي الأوسع والأقدم والأكثر تنوعاً وفعالية، رغم كل ما يمكن أن يقال عن تراجع هذه المشاركة كماً وكيفاً.
لقد وجدت النساء الفلسطينيات متنفساً حقيقياً في هذه المنظمات التي نشأت في ظل غياب الدولة، وأعطتها الفرصة لإثبات وجودها كمواطن فاعل في المجتمع ومشارك حقيقي في قضاياه ومشكلاته، على الرغم من الصعوبات المتعددة التي واجهتها النساء الناشطات في هذا المجال سابقاً من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي ، حيث كان ينظر لها كمؤسسات ذات طابع سياسي، تحمل قضية التحرر الوطني كأولوية أولى في أجندة عملها، حتى ذلك الذي أخذ – ظاهرياً – طابعاً اجتماعياً.
وفي فترة الانتفاضة استأثرت النساء بعمل هذه المنظمات، وأحياناً كثيرة إدارتها نظراً لمساحة الحرية الأكبر المتاحة لهن عن الرجال- المستهدفين من قبل الاحتلال أو لغيابهم بسبب الاعتقال أو الإبعاد أو التخفي وخلافه – وعلى ذلك يمكن أن ننظر إلى هذه المؤسسات كونها من مفرزات الواقع السياسي الذي أفرز بدوره حاجة ملحة لدعم اجتماعي عبر عن نفسه بصور وأشكال مختلفة، وكان منها المنظمات غير الحكومية، ويلاحظ أنه في مرحلة طغيان العمل السياسي، والعمل ضمن أجنده لا تقع قضايا النساء على رأس أولوياتها ، كانت النساء يقبلن العمل ضمن مؤسسات غير حكومية بدافع وطني/ نضالي، ولكن تدريجياً ومع انحسار المشروع الوطني الفلسطيني، وركود الأحزاب السياسية وخاصة اليسارية منها، بهت اهتمام النساء بالعمل الوطني ليحل محله شعور جديد ترافق مع الظروف السياسية وتراجعها، شعور لا يخلو من الإحباط والإحساس بالانكسار وعدم جدوى أي نشاط، وهو شعور أحدثته صدمة التغيرات السياسية المفاجئة، مما وضع المؤسسات والأفراد والشعب أمام سؤال تمثل في: ما جدوى ما نفعل؟

في مرحلة ما بعد أوسلو واجه عمل المنظمات النسوية بل والحركة النسوية بشكل عام وضعاً مربكاً، إذ كان عليها أن تعمل ضمن أولويات عمل جديدة اختلفت عما نشأت عليه سابقاً، خاصة في ظل مرحلة التحول نحو الدولة، أي إقرار تشريعات وسياسات لا تتبنى في أول ما تتبنى الأفكار السابقة نحو قضايا التحرر الوطني، ومن ثم وجدت نفسها مضطرة أن تجد لها هويتها الخاصة، وصوتها الخاص، ضمن هذه الظروف والمتغيرات التي ثبت فيما بعد وربما من المراحل الأولى تهميشها للدور التاريخي الذي لعبته هذه المنظمات، ليس هذا فحسب، بل أيضاً لم تبلور المنظمات النسوية – على تعددها واختلافها وأحياناً تناقضها - رؤية واضحة ذات بعد استراتيجي لعملها المستقبلي ضمن الشروط الجديدة التي فرضتها الاتفاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، افتقارها لهذه الرؤية الواحدة جعلها تتعامل بردة فعل معاكس تماماً لمرحلة ما قبل أوسلو، فانكفأت على نفسها وتبنت سياسات عمل معزولة عن الواقع الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه فلسطين، فقامت بطرح قضايا الجندر بعيداً عن السياق الاجتماعي والسياسي الذي تعمل فيه هذه المنظمات، الأمر الذي أفقدها الكثير من شعبيتها وجماهيريتها التي أحرزتها سابقاً، خاصة في فترة الانتفاضة، واكتفت بطرح قضايا فوقية لا تهم الكثير من النساء اللائى لم يعد لهن صلة ذات أهمية بعمل هذه المنظمات، وتدريجياً اكتفت المؤسسات النسوية بتحقيق مطالب وتوجهات الجهات التمويلية في تنفيذ برامج ونشاطات بعيدة عن السياسة، أي أنها عزلت بين المؤسسات النسوية وقاعدتها الجماهيرية من خلال سلخها عن تبني قضايا التحرر الوطني، التي لم تزل متجذرة في واقعنا الفلسطيني، وعليه لا نجد من المؤسسات من يتبنى قضايا النساء في المخيمات مثلاً.

لقد اكتفت الناشطات النسويات بوجودهن في مؤسسات تحمل يافطات تضمن كلمة المرأة أو النسوية، ورضيت بالهدوء الذي تنعم به في ظل تغاضي السلطة عنها، وتهميشها لأي دور كان من الممكن أن تلعبه على الساحة الشعبية، فانحصر نشاطها في التدريب والتخطيط وورشات العمل المحصورة في نطاق ضيق جداً من الأسماء التي تتكرر في كل مناسبة، فيما ظلت القاعدة الجماهيرية بعيدة تماماً عن كل هذه الأنشطة التي ظلت مفرغة من محتواها المرتبط بالقضايا الحقيقية للجماهير، وهي قضايا لا تبعد بالتأكيد عن قضايا التحرر الوطني ذات المضمون الإنساني في جوهرها الحقيقي والعميق، ورغم هذا النشاط الفوقي الذي ظلت تمارسه المؤسسات النسوية إلا إنها ظلت مستبعدة من مراكز صنع القرار في معظم قضايا المجتمع في الصحة، والتعليم، والسياسة السكانية والتنموية ومشاركتها في الرؤية السياسية في الوقت الذي خسرت فيه أيضاً القاعدة الشعبية، التي كان من الممكن أن تشكل لها دافعاً قوياً لفرض وجودها على أصحاب القرار، وعدم تهميش النظام السياسي لوجودها كقوة حقيقية وضاغطة في المجتمع.

ويذكر هنا أن حوالي 23% من الموظفين الإداريين في الجمعيات الخيرية في الضفة الغربية وقطاع غزة من النساء ، فيما تشير دراسة مولها برنامج الأمم المتحدة للتنمية عن المنظمات النسائية أنه في عام 1993 كان يوجد حوالي 174 منظمة في الأراضي المحتلة، منها 34 منظمة فقط في قطاع غزة، وهنا لا يمكن إغفال الدور واسع النطاق الذي لعبته هذه المؤسسات في خدمة قضايا النساء، وتقديم العون لهن خاصة في غياب العائل، لكننا أيضاً لا يمكن أن نغفل كونه دور اجتماعي بحت، انحصر في نطاق الإعانة المؤقتة، التي فرضتها ظروف تلك الفترة.

3 – مشاركة المرأة في الوظائف العامة:-
لا توجد نساء كثيرات في المناصب القيادية المهمة، ذات التأثير المباشر في مراكز صنع القرار، أو التأثير في الرأي العام، فنحن لدينا على سبيل المثال في قطاع غزة امرأتان تعملان في سلك القضاء هما: سعادة الدجاني، وسلوى الصايغ، فيما لا توجد وكيلة نيابة واحدة، في حين يحتكر الرجال إضافة إلى هذا المنصب، منصب النائب العام.
ويجب هنا الإشارة إلى أنه على الرغم من عدم وجود تمييز ضد النساء على نحو صريح في النظام القضائي، إلاّ أن هناك تغييباً شبه كامل لأية مشاركة نسائية، وعليه يجدر التساؤل عما إذا كان كافياً أن لا يتضمن القانون تمييزاً صريحاً ضد المرأة، أو إذا كان مطلوباً إجراءات أكثر فاعلية لضمان حق النساء في المشاركة، وعلينا أن نأخذ هنا بعين الاعتبار أن مجرد تعيين نساء في الجهاز القضائي لا يضمن بحد ذاته حماية حقوق النساء، بل يجب أن تمتلك النساء الحساسية اللازمة لتعزيز وجودهن وحقوقهن للعمل في الجهاز القضائي.

أيضاً وحتى الآن لا توجد رئيس تحرير جريدة يومية، أو أسبوعية، فيما برزت لدينا لفترات محددة نساء رئيسات تحرير لمجلات أسبوعية، أو شهرية، وأغلبها يصدر عن مؤسسات نسوية، وذات طابع إخباري تقريري، يفتقر إلى التحليل الفكري، وكما أن هناك بعض التراخيص التي صدرت لمجلات باسم نساء، ولكنها لم تصدر حتى الآن، وعلى مستوى التعليم العالي، فحتى الآن لا توجد رئيس جامعة، أو مؤسسة أكاديمية، أو ما شابه ذلك.


ثالثاً: أسباب عزوف المرأة الفلسطينية عن المشاركة السياسية:-

أ – أسباب تعود إلى المجتمع:-
أ (1) - لا شك أن عزوف المرأة الفلسطينية عن المشاركة السياسية، لا ينفصل عن عزوف المجتمع ككل، حيث المناخ السياسي المترهل يشيع جواً من الإحباط، والشعور باللامبالاة واللاجدوى، مما يولد إيماناً سلبياً بعدم التأثير في صنع السياسات العامة، ولا أدل على ذلك من تراجع جماهيرية الأحزاب وعدم قدرتها على تجديد نفسها وأعضائها، بسبب عدم قدرتها على طرح سياسات بديلة، أو حلول للمشاكل التي يواجهها الجمهور يومياً وعلى المدى البعيد، ناهيك عن المشكلات الداخلية التي تعاني منها هذه الأحزاب مثل، عدم ممارسة أساليب ديموقراطية، وتفرد قادة الأحزاب بعملية صنع القرار في داخلها، الأمر الذي أدى إلى حدوث حالة من العزوف الواضح لدى الجمهور عن الانضمام والمشاركة في هذه الأحزاب، بل وهجرة كم غير بسيط من أعضائها، حيث تولد لديهم شعور يمكن تسميته بالاغتراب السياسي، والمرأة كجزء من هذا المجتمع يقع عليها ما يقع عليه سلباً وإيجاباً، تأثرت أيضاً بهذه الحالة العامة التي أصابت المجتمع، بل وربما الأثر السلبي الواقع على المرأة أبلغ وأشد من حيث كون هذه الأحزاب إضافة إلى ترهلها وبيروقراطيتها لم تولِ اهتماماً كافياً باهتمامات النساء، ولم ينعكس ذلك في برامجها.

أ (2) – عدم وجود توجه عام من قبل الدولة يتبلور في شكل تبني سياسات وبرامج تدعم المرأة في السياسية الرسمية، وغير الرسمية، مما أدى إلى تراجع مكانتها، وإضعاف دورها ومشاركتها.

أ (3) – وجود قوانين وتشريعات جائرة تسمح بممارسة التمييز ضد المرأة.

أ (4) – نظرة المجتمع إلى النساء باعتبارهن كائن من الدرجة الثانية، ودورها يأتي تالياً لدور الرجل، وفي أحيان كثيرة لا يأتي.

ب – أسباب تعود إلى المرأة نفسها:-
ب (1) – كثير من النساء لا يقتنعن بقدرتهن على العمل السياسي، بل يرين فيه انتقاصاً من أنوثة المرأة، وربما يعود هذا إلى التنشئة الاجتماعية، التي تدعم هذه الرؤية، وتؤكد على أن الوظيفة الأولى للمرأة تتمثل في وظيفتها كزوجة وأم.

ب (2) - عدم اهتمام النساء بتطوير وعيهن السياسي من خلال المشاركة بالأمور السياسية، والاكتفاء بالقضايا ذات الطابع المجتمعي البعيد عن تأثيره في عملية صنع القرار.

ب (3)– انعدام الثقة بين النساء، وعدم مساندة المرأة الناخبة للمرشحات، وتفضيلها للمرشح الرجل، من منطلق أنه الأنسب للعمل السياسي.

ب (4)– انخفاض مستوى التعليم لدى النساء انعكس سلباً على توجهاتهن نحو المشاركة.

ج – أسباب تتعلق بمفهوم المشاركة السياسية:-
لا شك أن تعريفاً جامعاً لمفهوم المشاركة السياسية أمراً يكاد مستحيلاً، مما أدى إلى مزيد من الارتباك حول هذا المفهوم الملغز أحياناً، والفضفاض أحياناً أخرى، ومن المعروف أن معظم التعاريف كانت تركز على المشاركة في التصويت والترشيح وعضوية الأحزاب، وهي مؤشرات عادة ما تعبر عن عزوف المرأة عن المشاركة، ولكن مع انحسار دور الأحزاب والمشاركة الانتخابية في العالم كله، نتيجة المتغيرات الدولية حل مفهوم جديد، هو المشاركة الشعبية الذي يركز على أهمية المنظمات غير الحكومية ودورها في التنمية، والمرأة الفلسطينية هنا تشكل عنصر رئيس في هذه المنظمات، إن لم تكن تسيطر تماماً على مجال إدارة بعضها، خاصة تلك ذات الطابع النسوي، مما يتيح للمرأة استخدام وتفعيل قدرتها على التأثير في صنع السياسات من خلال عملها في هذه المنظمات، ويجب أن يجري هنا التأكيد على خطأ الاعتقاد لدى البعض بأن عدم المشاركة من خلال التصويت والترشيح - ولتكن هنا المرأة المعني بها البحث - يجعلها غير قادرة على المشاركة السياسية من خلال القنوات الأخرى ، كمؤسسات المجتمع المدني، أو المنظمات غير الحكومية وغيرها، إلا أن فترة الانتفاضة تحديداً، وما جرى بعدها من تغيرات سياسية أدت إلى تدفق النساء نحو العمل الأهلي تشير إلى غير ذلك، ربما إيماناً بأن القنوات القديمة - الأحزاب السياسية وما شابهها – لم تعد تشكل القنوات الأمثل لتحقيق المشاركة وإحراز تأثير حقيقي من خلالها.

ومن هنا يجب ملاحظة – بتأني وتفهم – هجرة عدد كبير من النساء اللائى عملن لفترات طويلة مع أحزاب أو فصائل إلى العمل في مجال المنظمات غير الحكومية، مما يدلنا على أن فهماً آخر للمشاركة السياسية بدأ يحل محل الفهم القديم الضيق المحدود، حيث ساعدت على ظهوره ظروف كثيرة، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ومن هنا تبرز الحاجة أكثر من السابق إلى إعادة النظر في تعريف المشاركة السياسية، وعدم التركيز فيها على التصويت والترشيح، أو عضوية الأحزاب، بل من الضروري والمهم الأخذ بعين الاعتبار مشاركة المرأة السياسية في المجالات غير الرسمية، حيث تقود كثير من النساء العديد من الجمعيات والمؤسسات، وتشارك في تدريب أعضائها على الأخذ بزمام المبادرة، وعدم الاعتماد على المؤسسات الرسمية في حل مشاكلهم، بل تحفزهم – ونفسها – على اكتشاف الأساليب والطرق العملية المتوفرة لمواجهة هذه المشاكل، وبهذا الفهم والتناول إنما تقوم بعمل سياسي في المقام الأول تقوي من خلاله مؤسسات المجتمع المدني.


رابعاً: مستقبل المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية:-

لا يصح الحديث عن مستقبل للمشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية دون إدراك هوية الحركة النسوية الفلسطينية، من حيث ملامحها وطبيعة المحددات والطموحات التي تحكم حركتها، مع قراءة دقيقة لهوية الواقع السياسي والمجتمعي الفلسطيني، وما بين هاتين الهويتين من تفاعل وجدلية، سواء من الناحية الإيجابية أو الأخرى السلبية.

فحتى الآن لم يزل الاحتلال يشكل المعضلة الأساسية التي تواجه المجتمع الفلسطيني، حيث يسيطر على الأراضي والموارد الطبيعية والبشرية، بل ربما أخذ أبعاداً أكثر تعقيداً في ظل عمليات التسوية، في الوقت الذي تجري فيه عملية التحول نحو الدولة بكل ما تمليه أيضاً من تعقيدات وصعوبات تتيح مساحة أوسع للتساؤل حول ما يمكن عمله في ظل هذا الوضع المتداخل، متعدد الأوجه، وفي ظل قمع للديمقراطية، واستثناء المجتمع من المشاركة ضد سياسات الاحتلال، ومن ثم وجدت الحركة النسوية نفسها داخل هذه المعمعة التاريخية، التي استبدلت برنامج م. ت. ف. الوطني ببرنامج أوسلو، مما خلق انقساماً حاداً في الآراء أدى إلى انهيار الإجماع على مقاومة الاحتلال، وتجزئة القضية الوطنية، فانتهى ذلك إلى انحسار الحركة الجماهيرية، فيما لم تستوعب القوى الوطنية التغيرات التي طرأت على الواقع الفلسطيني الجديد، فتعثرت جهودها في خلق آليات عمل جديدة تأخذ بعين الاعتبار مهمات المرحلة مع مهمات التحرير.

وقد انعكس هذا سلباً على الحركة النسوية التي وقعت في الارتباك ذاته، والحيرة بين برنامجين، برنامج العمل الوطني، والبرنامج الاجتماعي، فاستمر النقاش طويلاً، وربما، في أحيان كثيرة عقيماً أيضاً، حول أولويات العمل التي تطرحها طبيعة التغيرات .
غير أن توجهات الممولين نحو وضعية المرأة الفلسطينية، في ظل الوضع الجديد، وهو هنا عملية التسوية أو عملية السلام بلغة المجتمع الدولي، لم تتح للمؤسسات النسوية الفلسطينية فرصة للاختيار أو الانتظار، فاختارت البرنامج الاجتماعي من منطلق أن عملية التحول الدولاني، تتيح مساحة للتفاوض حول الحقوق الاجتماعية – التي أغفلت سابقاً – داخل بنى الدولة الناشئة ، ومن هنا وجدت الحركة النسوية نفسها في الجهود التي يمكن بذلها من أجل التأثير في السياسات الاجتماعية، والتأثير على التشريعات الداعمة لهذه السياسات ، فأغرقت نفسها في قضايا النوع الاجتماعي، مما عزلها عن التحديات الكبرى التي تطرحها قضايا الاحتلال والتحول الديمقراطي، وكأنها هنا تمارس ردة فعل عكسية للفعل السابق المتمثل بانغماسها في قضايا النضال الوطني، الأولوية الرئيسة في برامج المؤسسات النسوية ما قبل أوسلو، وهي هنا تقع في الخطأ نفسه مرتين دون الانتباه إلى أن فهم استراتيجية العمل النسوي الفلسطيني ذات خصوصية تنبع من الوضع التاريخي والسياسي للبلاد، حيث لا يمكن إغفال قضايا التحرر الوطني، فرغم ما تفرزه المرحلة من تعقيدات وأزمات مضاعفة تتعلق بالاحتلال أولاً، وثانياً بانعكاسات هذا الاحتلال على علاقات وبنى المجتمع الفلسطيني المختلفة، فهناك أجواء عدم الحرية وقمع الديمقراطية، وهناك الأزمة التي تعيشها الأحزاب، من حيث عدم قدرتها على التعامل بفاعلية مع الوضع السياسي الراهن مع ما تعيشه من تصعيد للفئوية، وهناك أيضاً مشاكل الفقر والبطالة وغيرها، ناهيك عن سياسة الاحتواء التي مارستها السلطة لشخصيات وقيادات نسوية لتكون جزءاً من أجهزتها ومؤسساتها، جعلها تتماهى مع ما تطرحه السلطة الوطنية من مواقف وسياسات، مما أسهم في تبهيت صورة الحركة النسوية، وتهميش القضية النسوية لدى أجهزة السلطة، التي اكتفت بخلق دوائر للمرأة داخل وزاراتها، شكلت بالنسبة لها – خاصة أمام الممول الأجنبي – ديكوراً ووجاهة اجتماعية وسياسية.

إن الكلام السابق لا ينفصل بالمطلق عن وضع توصيف مقارب، وحقيقي للمشاركة السياسية للنساء الفلسطينيات، وما يمكن أن تطرحه من آفاق مستقبلية، في ظل قراءة المرحلة الراهنة التي ستشكل معظم، إن لم يكن كل الواقع المستقبلي لهذه المشاركة، فمقدمات اليوم تقود إلى نتائج الغد، وعليه فان أي تحسين لوضعية هذه المشاركة يفترض أن يبدأ من الآن مع ضرورة استبعاد الشعور بالرضى الذي تستشعره بعض الناشطات، أو المؤسسات النسوية من إحراز كسب صغير هنا أو هناك، في ظل غياب إستراتيجية عمل واضحة، لا تكتفي بالخبرات، ولا تستبعد الكفاءات، تحيّد الجانب الحزبي، وتضمن مشاركة أكبر للنساء مع استنهاض قدراتهن الكامنة، وتحويلها إلى قوة مجتمعية، يمكن الاستفادة منها بحق.


خامساً: النتائج و الإستخلاصات:-
1- المرأة الفلسطينية جزء من كل، لا يمكن فصلها عن المجتمع الذي تتحرك فيه، وعليه فإن أية تأثيرات – سلبية أو إيجابية – يتعرض لها هذا المجتمع، إنما تقع عليها أيضاً، بل ربما، وبصورة مضاعفة، لذلك فإن أي تحديث وتفعيل لدور المرأة الفلسطينية، يتطلب بالضرورة تحديثاً وتفعيلاً لمجتمعها، الذي يمثل بيئة عملها الحقيقية.
2 – منحت الظروف السياسية التي مرت بها فلسطين، المرأة الفلسطينية فرصة للخروج المبكر للحياة العامة من خلال الانخراط في الحركة الوطنية، غير أنها لم تُستغل الاستغلال الأمثل من قبل النساء، مما أخر كثيراً حصولهن على حقوق نوعية، تتضمن المساواة وعدم التمييز.
3 – بقت أولوية النساء الفلسطينيات – وهذا يرتبط بالاستنتاج السابق – حتى ما قبل أوسلو تتركز حول القضية الوطنية، فيما تم إغفال النضال المطلبي والمجتمعي، مما أدى إلى مراوحة النساء في أماكنهن، وقليل فرص النجاح المتاحة أمامهن لإحراز مكاسب تتعلق بوضعهن في المجتمع.
4 – شكلت الانتفاضة رافعة قوية لاعادة تفكير النساء في الدور المناط بهن في المجتمع، من خلال تحسين النظرة المجتمعية لهن، عبر نشاطات وفعاليات فرضتها ظروف هذه المرحلة، غير أن هذا لم يدفع المؤسسات النسوية إلى تحديد استراتيجية عمل واحدة تحترم الاختلافات ( الصغيرة )، وتضمن اتفاقاً عاماً خول القضايا ذات الأولوية.
5 – تغيرت التوجهات التي حكمت عمل المؤسسات النسوية بعد عقد مؤتمر مدريد، ثم مفاوضات أوسلو إلى الإغراق في القضايا النسوية المعزولة عن قضايا التحرر.
6 – شكلت الانتخابات الفلسطينية الأولى، أول صورة حقيقية واضحة، حول مشاركة المرأة السياسية بعد دخول السلطة الوطنية، إذ يعد فوز خمس نساء بعضوية المجلس التشريعي مكسباً لا بأس به أمام المعيقات الاجتماعية والسياسية التي تحول دون تمثيل أكبر للنساء.
7 – على الجانب الآخر، لا تحقق مشاركة المرأة في الحكومة، والعمل الدبلوماسي، والمجالس البلدية، مبدأ المساواة في الفرص، ولا تتناسب مع حجم التواجد المأمول للنساء في ظل سلطتهن الوطنية.
8 – لم يزل حتى الآن، النقاش محتدماً حول شرعية الكوتا النسائية، هل يجري العمل بها، أم أنها لم تعد تتوافق مع مستجدات المرحلة، التي لا تحتفي بمحددات العمل القديمة، كالاعتماد على التاريخ النضالي، والانتماء الحزبي، وعليه يجب تحديد الموقف منها، من أجل تحديد وسائل تمكين وتمثيل، تتعلق بها أو تنفصل عنها.
9 – على الرغم من تبني الأحزاب والفصائل أفكاراً تقدمية، حول وضعية المرأة الفلسطينية إلاّ أن وضع النساء في الأحزاب يشير إلى الفارق الكبير بين الشعار والتطبيق.
10 – تعد مشاركة النساء الفلسطينيات في المنظمات غير الحكومية، هي الأوسع انتشاراً، والأكثر قدرة على تحقيق مشاركة سياسية للمرأة الفلسطينية، تستطيع من خلالها التأثير في السياسات العامة.
11 – وجود غياب شبه كامل للمرأة في الوظائف العامة، ذات الصلة المباشرة بتشكيل السياسات العامة، وخلق رأي عام له دوره الفاعل في عملية صنع القرار.
12 – تواجد المرأة الفلسطينية في مواقع اتخاذ القرار، وفي المناصب الحكومية العليا، ما زال ضعيفاً ومحدداً، مما يعيق دمج النساء في عملية التنمية، ويعطل إمكانية أن تؤثر في رسم السياسات، ومنع إحداث تعديلات في التشريعات القائمة.
13 – إن المفاهيم والأعراف المتداولة، وأحياناً عدم وعي المرأة بحقوقها، وإدراكها لإمكاناتها وقوة تأثيرها، ومن ثم إدراكها لأهمية دورها في المجتمع، مع غياب المؤسسات الديموقراطية، جميعها تشكل عقبة أمام وصول المرأة إلى مناصب قيادية عليا في المجالات التشريعية والقضائية وغيرها.

سادساً: التوصيات:-

من خلال ما تقدم في هذا البحث الذي حاول وضع صورة مقاربة لمشاركة المرأة الفلسطينية السياسية، ومن أجل دفع هذه المشاركة ونوعيتها خرج البحث بهذه التوصيات:-
1 – ضرورة ترسيخ وتعزيز دعائم الحياة الديمقراطية، بحيث تصبح نهج حياة، يجري فيها إقرار مبدأ التعددية السياسية، وتقوية دور المؤسسات، ودولة سيادة القانون، إذ ثبت أن استخدام سياسات غير ديمقراطية يعزز التمييز ضد المرأة.
2 – ضرورة النظر إلى المرأة كجزء فاعل وأساس في أي مشروع تنموي لبناء المجتمع وتطوره، مما يتطلب إحداث نظرة شاملة للأمور لا تحصرها إلى مجرد صراع بين جنسين.
3 – ضرورة توفير قاعدة معلوماتية وإحصائية على أساس الجنس، مع إعطاء فرصة أكبر للقيام ببحوث متخصصة في قضايا ومشاكل المرأة الفلسطينية، تمكن المجتمع والقائمين على وضع السياسات فيه من فهم أعمق لهذه القضايا والمشاكل، ومن ثم القدرة على إدماجها الفعلي في المجالات كافة.
4 – تحسين صورة المرأة في الإعلام، وكتب المدرسة، مع إبراز دور المرأة النضالي، ومساهمتها في الحياة العامة.
5 – تطور المفاهيم السائدة المستمدة من الموروث التقليدي ( عادات، تقاليد، إسلام )، بمعنى إبراز الإيجابي منها، ومحاربة كل ما هو سلبي وغير أصيل فيها.
6 – تحقيق المساواة في فرص العمل، وإظهار المشاركة الفعلية للمرأة في القطاع غير الرسمي.
7 – العمل على توعية المرأة، وتطوير مهارتها، وقدراتها لزيادة مشاركتها في الحياة العامة، وذلك من خلال إعداد الكوادر النسائية، وتدريبها في المجالات السياسية، مع تقديم الدعم المادي والمعنوي، إضافة إلى برامج التدريب التي تعزز مهاراتها.
8 – احترام مبدأ سيادة المساواة بين الجنسين في مباشرة الحقوق السياسية، والمشاركة في المؤسسات التشريعية، ورفض المساس بهذا الحق بأي شكل من الأشكال.
9 – ضرورة استحداث آلية للتنسيق الدائم بين المؤسسات النسوية، والعمل على إعداد استراتيجية عمل واحدة، تتفق على الأهداف العامة ذات الأولوية لكل النساء دون تمييز.
10 – يجب إعادة النظر في المناهج التعليمية المطبقة، لتتضمن التربية الوطنية، التي تساهم في تنمية الوعي، خاصة فيما يتعلق بتعميق مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتقوية مؤسسات المجتمع المدني.