ماذا بعد مدونة الأسرة الجديدة؟..



خالد ديمال
2010 / 11 / 27

المرأة بين تحدي البنية الإجتماعية (التقليدية)، والبحث عن منافذ المساواة الجنسانية (الفعلية).

لا يمكن أن يقوم وطن دون مواطنين، والمواطن من يعترف به إنسانا، له مصلحة، وعليه مسؤولية في إدارة المجتمع، وفي تحمل أعبائه، حسب الجدارة، لا النوع، وهذا لن يكون إلا بالحرية، كحق وممارسة يومية.
لكن، هل النظرة إلى المرأة في الخطاب الداعي إلى المساواة هو عبارة عن رؤية لتوزيع العلاقات الإجتماعية وفق توجه يرمي إلى ترويض الشعور ليعيد تشكيل نفسه من جديد، بأسس ومفاهيم مغايرة تنظر لموضوع المرأة من زوايا مختلفة، من ناحية، بوصفها عنصرا ضمن مسيرة مشتركة في بناء التاريخ، وبالتالي السيرورة المجتمعية برمتها، ومن ناحية أخرى، تفكيك مفهوم المنفعة على أساس التقسيم العادل للأدوار دون تبريرات مستخلصة من تبعات التعارض الجنساني، على اعتبار أن الحضارة / العضوية، هي، من دون شك نسق من القيم المعترف بها؟..
1 / تقويض الأوضاع الجائرة يبدأ بنقد الفكر التقليدي السائد:
إن الإعتراف لا يأخذ اشتراط وجوده إلا عبر تجاوز الثبوت والترسخ، وهو ما يعني تفكيك النسق القيمي السائد، كوصف اجتماعي غير منصاع لتقبل وضع مغاير، لذلك كان لابد من تطوير الشعور بهدف جعله قادرا على التآلف مع وضع جديد، كرؤية مختلفة متفاوتة التجريد، تنمو وتتولد في الجوهر الإجتماعي، ليس كاختلاف وهمي، ولكن كوحدة تفصح عن التغير، وتقبل بالتالي مبدأ المساواة كتوفيق واتفاق صريحين، ينبت نظام القيم الجديد، على أساس من التنويع الجنساني في طرائق المساواة، ومن خلالها فعل الأنسنة، أي أنسنة المجتمع، كي يصبح وحدة نفسه، بأفكار معينة، وأوصاف معينة..
لهذا، فالتعاطي مع قضايا المرأة لا يكون بالحياد المعرفي، لأنها جزء من القضايا السياسية والإجتماعية المعيشة. فتغيير وضع المرأة ضمن النسق السائد، لن يقوم إلا مستعينا بالعقل، لأن تلمس السلطات السياسية والإقتصادية، كبنية سائدة، وتناولها بالنقد الموضوعي العلمي، هو الكفيل بإيجاد مكان تتموقع فيه المرأة على قاعدة المساواة الفعلية في الواقع المجتمعي (تحويل الخطاب المساواتي – في صيغته القانونية الحالية – إلى براكسيس اجتماعي / ممارساتي). فالمرأة إنسان لا يمكن حرمانه من حياته الإجتماعية، أو سلب طبيعته ككائن اجتماعي..
2 / تحرير المرأة فعل محكوم بدينامية التغيير:
إن البداية تكون بتفكيك المفهومات، وذلك بالقيام بعمل نقدي منسق، على أساس من المعرفة العلمية، وبانحياز موضوعي، بواسطة مجموع تحولي، بين التاريخ من جهة، والحياة الإجتماعية كمهيمن سوسيولوجي وثقافي من جهة ثانية..
يجب أن نعيد التفكير في كل هاته المتوالية، من منطلق البحث التراكمي الجديد، بحركة مزدوجة، أي الشمولية (كبعد كوني)، وبموازاتها الخصوصية (كنسق ثقافي هوياتي)، لأن كل نظرة متمسكة بالماضي (وبصورة إطلاقية) هي محاولة سقيمة لاستعادة مجد وهمي، وحنين غابر، غارق في النكوصية، وكل سعي في هذا الإتجاه، يتطلب وعيا نقديا في اتجاهين، وبخاصة في البعد الإستراتيجي، بمعنى تقليص المفهوم الميتافيزيقي في النظر لموضوع المرأة، ومن زوايا مختلفة. والإعتماد ثانيا، على مقومات العلوم الإجتماعية في ظل التغيرات السوسيو- ثقافية، والتي تحول فيها الإدراك بأهمية التاريخ في مقابل إعاقة المقدس لكل تحويل يتشيد فيه بنيان مجتمع الإنسان، والتاريخ الذي نعني، هو تاريخ الممارسة النقدية في ميدان المعرفة الذي لا يؤمن بالخوارق والمعجزات، بقدر ما يولي أهمية قصوى للإبداع الإنساني في مجالات شتى، ومنها المجال الحقوقي في طابعه المدني المحض..
3 / عصرنة المجتمع دفع في اتجاه إقرار المساواة:
إن التحويل المجتمعي المميز يقتضي جعل التجارب النسائية فيه تجارب قوية، ومستمرة في الزمن. فالمعركة الديمقراطية لا يمكنها أن تنجح دون إشراك المرأة وإدماجها في القرارات المختلفة، فديناميتها تفرض ضرورة بقائها قريبا من مواقع التغيير المجتمعي رغم ما يلقي ذلك على عاتقها من مسؤولية جسيمة تجاه قضيتها كامرأة، ثم تجاه المعركة الديمقراطية في عمومها.
إن الحقيقة التي لا يمكن تغافلها، هو غياب المرأة من الواقع الإجتماعي (رغم التطور التشريعي فيما يتعلق بالترسانة القانونية)، مما يساهم في إضعاف فعاليتها، ولا يتم استخدامها إلا لتحقيق بعض الأمور السياسية، وتلغى بمجرد تحقيقها.
ولا شك أن المرأة، في الواقع، وفي مجتمعنا تحديدا، خاصة في المرحلة الراهنة، تعاني الكثير. لذلك، فالتغيير في القوانين (مدونة الأسرة الجديدة مثلا)، يبقى قاصرا دون توفير حياة اجتماعية يتطور فيها الوعي بالحقوق، في مستوى المطالبة والتحقيق، لأن القوانين من دون وعي لا تفيد في شيء، ولهذا السبب لابد من تغيير الثقافة القائمة في جانبها الإقصائي، وإلا لا طائل من تلك القوانين في مستواها المتغير، بتوفير ضمانات حسن التطبيق، بالتفعيل الإيجابي لقضاء الأسرة في مستوى تنفيذ منطوق الأحكام، فما لم تتحقق للمرأة المساواة التامة على الصعيدين القانوني والواقعي، وما لم تصبح البنى الإجتماعية مهيأة لانطلاق شخصية المرأة وتفتحها، بعيدا عن التمييز والإضطهاد، ما لم يتحقق هذا كله، فكأنما نصب الماء في التراب..
4 / المنهج العقلاني قوة دافعة نحو تأسيس مجتمع الإنسان:
إذا كانت للتجربة النظرية خاصية الممارسة الفعلية، فهذا يعني ضرورة وجود عقل يلعب دور الغاية في موضوع التحويل المجتمعي، وبخاصة تقويض أسس المجتمع البطريكي التراتبي حيث تعاني فيه المرأة اغترابين، اغترابا اجتماعيا، واغترابا على صعيد البنية التحتية، في نطاق الأسرة، تتحول فيه المرأة (الزوجة) إلى كيان ذائب في الخلية العائلية، يصعب فيها على الرجل الإعتراف بالإستقلال والحرية الإقتصاديين للمرأة حتى لو عملت أو أنفقت، وهذه التسمية (التدخل) تتضمن حكما بالهامشية (النسائية)، في مقابل مركزية مفترضة (للرجل).
الواضح أن هذه النظرة تسهم في سجن كيان المرأة ضمن قوانين بائدة تقحمها في عالم (اجتماعي) مليء بالتشيؤ والإغتراب، وبالتالي إغراقها في دوامات القلق وفوق رأسها سيوف مسلطة غير محصورة، على رأسها التبعية الجائرة للرجل، وما يصاحبها من تهديد باستعمال العنف أحيانا، وغيره كثير، قد يصل إلى حد استعمال أساليب غير لائقة قد تطال فراش الزوجية.
لهذه الأسباب بالذات يفرض الإجتهاد نفسه كضرورة تحت حتمية التطور، لأنه السبيل الوحيد الممكن تبنيه لعلاج كافة المشاكل والعراقيل، سواء القانونية أو الإجتماعية أو تلك السياسية، وكذلك لرفع الظلم، وإقرار العدل كقيمة إنسانية..
إن واقع الحال أضحى يستدعي تفعيل دينامية التغيير (على الأقل في مستوى التطبيق)، لأنه إذا كان هناك ظلم بمفهومه العام (البنية الإجتماعية بحد ذاتها)، فإن هناك ظلما خاصا يطالها في ظل مجتمع ينخره الجهل، وتأكله الأمية، ويستبد به الفكر التقليدي الجامد، رغم كل تطور قانوني في المجال المتعلق بالمساواة بين الجنسين.