الكوتا النسائية مطلب عادل



حافظ سيف فاضل
2004 / 9 / 19


المطالبة بالـ"الكوتا" او الحصة النسائية, مطالبة عادلة. فقد عانت المرأة بشكل عام وعلى مدى التاريخ من تسلط الرجل, وهضم المجتمع الذكوري حقوق الانثى الاجتماعية ومن ثم السياسية, وبالتالي فان تحول المجتمع اليمني وانتقاله الفجائي الى اقامة الديموقراطية جاء بفضل التقاء بعض الارادات السياسية العليا الفاعلة في البلاد, ابتداء منذ تاريخ تسطير الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م. والتي هبطت فجأة على مجتمعين يمنيين منفصلين كانا يعانيان زمن التشطير وطبيعة النظامين الشموليين في الجنوب والشمال ومن هنا قد نستدل على ان الاصلاح ايسر وافضل ان يأتي من القمة الى القاعدة, منه ان يأتي من القاعدة الى القمة.
فالـ"كوتا" النسائية هي بالاساس اعتراف من الرجل بالمرأة وفاعليتها في شتى المجالات سواسية واسوة به, وتقريبا قد يعد تكفيرا عن مسلك الرجل المتشدد تجاه المرأة وقد يعتبر نوعا من تأنيب الضمير, وان زمن التسلط والقمع قد ولى. اٍذ لايعقل ان تعيش الانثى دهرا من الزمن واقعا مريرا منتقصة الحقوق ومهمشة ومحبوسة تحت اسقف الاركان في الكهوف والعشش والخيم والمنازل, حسب التسلسل الحضاري وترقي الانسان الزمني في السكنى, ليأتي النظام السياسي في العصر الحديث وبشكل مفاجئ يطالبها بالترشح والانتخاب والفوز حسب اغلبية الاصوات, متغافلا زمنها الثقيل وارثها المظلم والغير عادل ليطالبها متشددا في هذه المسألة وتحديدا بالمساواة بالرجل!. وعندما لايصوت لها ذلك المجتمع الذكوري -كما حدث في دول خليجية- وفق المنهج الديموقراطي ولكن على اسس من الميراث الظلامي والعقلية القديمة, تجلد المرأة وتقمع مجددا وتحرم من حقوقها, ولكن هذه المرة وفق الديموقراطية ومنهج العصر الحديث!!. ان الديموقراطية سلوك ولابد ان تاخذ وقتها وزمنها لترسيخها في وعي المواطن والمواطنة. ومن هنا ومن عدالة المطلب والمنطلق وعدم تجاوز تاريخ النساء وواقعهن, كان لابد من تخصيص مقاعد في مجلس النواب (البرلمان) بنسبة لاتقل عن 15%, وكذلك المجالس المحلية, ويفضل ان تزيد هذه النسبة تناسبا طرديا مع بداية الواقع وتقل تناسبا عكسيا مع تقدم وعي المجتمع. وبالتالي يكون لها حق المشاركة والتشريع والمراقبة لسير الحكومة وتمثيل اداري اوسع. كما ان على السلطة السياسية ان تسترسل في تعيين النساء في دوائر اتخاذ القرار في السلطة, وكذلك على الاحزاب السياسية اتخاذ الامر ذاته, وان لاتتخذ الحكومة من تعيين امرأة واحدة (وزيرة) ذريعة واطارا ديكوريا يخاطب به الغرب والمجتمعات المتحضرة لتبرز السلطة الحاكمة من خلاله على انها متسايرة مع العصر ووفق مبادئ حقوق الانسان الدولية والتي وقعت على مواثيقها. لقد لامس وعايش الشعب اليمني منذ قيام الثورة في 26 سبتمبر 1962م, سياسة الرجل المتسلطة على جميع وزارات ومرافق وخدمات الدولة ولم يكن للمرأة وجود او مشاركة, فاوصلنا الرجل (الذكر) الى مانحن عليه الان من ازمات اقتصادية خانقة وخوض حروب قاتلة قضت على الاخضر واليابس, وخرجت اليمن بنظام مأزوم هكذا تصنف دوليا خلف الكواليس, واستشراء الفساد المالي والاداري في اغلب اروقة الدولة ومؤسساتها العسكرية والمدنية, ناهيك عن السلطة القضائية والتي لم تكن يوما محط ثقة المواطن اليمني المشارع وغير المشارع. فلماذا لانجرب تعميم حــكم النســاء؟ باعطائهن مدتهن الزمنية الطبيعية لخوض الحياة السياسية والاجتماعية الفاعلة ابتداء من (الكوتا).
ذكرت رئيسة ملتقى الشقائق العربي امل الباشا في كلمتها للملتقى الديموقراطي الثاني في صنعاء حول (النساء والسياسة: رؤية دينية) "ان التفوق المتزايد للفتيات المسلحات بالعلم يعني بالضرورة خروجهن الى العمل واستثمار جهودهن في المردود الاقتصادي والاجتماعي مشددة على ضرورة توفير الدولة فرص عمل لاستيعاب الآف الجامعيات العاطلات عن العمل "كما كشفت الباشا عن اتفاق في الخطاب (السياسي والديني) لتطويق عمل المرأة ومحاصرتها في المنزل. وكأن امل الباشا لم تكن لتتوقع مثل هذه التحالفات والتي هي في الواقع امتداد لتحالفات دائمة ومنذ امد طويل وفي الثقافة والواقع العربي والاسلامي على مر العصور. وهذا ليس بالامر الجديد. ولكن ما انصح به رئيسة الشقائق ان تخفف لغة الخطاب الديني في محاولة الاقناع بمدى وجدوى مشروعية واحقية المرأة في الحصول على حقوقها السياسية والاجتماعية ومساواتها باخيها الرجل. فالغوص في النصوص الدينية والاسشهاد بها, انما بالضرورة يبرز من يستشهد بنصوص اخرى دينية معارضة تسوقها خطابات دول وجماعات متشددة وبالتالي الوقوع في معمعة الفتاوى, والضحية تبقى هي المرأة في المحصلة. فالاستشهاد الذي ذكرته امل الباشا والاشادة بملكة سبأ وحكم المرأة القائم على الشورى في القرآن, قد تجاوزه الانسان المعاصر من مفهوم الشورى الى منهج الديموقراطية, ومن البيعة الى الانتخابات, ومن الرعية الى المواطنة. ومن دولة الفرد الحاكم بامر الله الى دولة المؤسسات والمجتمع المدني. والقرآن الكريم انما استعرض واقعة تاريخية لملكة سبأ من حيث العرض والقصة, ولكن حديث نبوي (لن يفلح قوما ولو امرهم امرأة) لم يشفع للمرأة ان تتولى الحكم او القضاء (الذي لايزال يختلف فيه), حتى مع تصريح بعض الفقهاء في ان الحديث كان خاصا بالفرس الذين عينوا ابنة كسرى حاكما عليهم بعد موت كسرى الاب وتشجيعا لحرب المسلمين مع الفرس. ومع ذلك ظل هذا الحديث سيفا مشرعا من قبل فقهاء التأويل ضد كل حركة تحررية نسوية. مثلها مثل قضايا اخرى متعددة منها قضية الحجاب على سبيل المثال, فقد بدا فكرا اسلاميا معتدلا يبزغ في الظهور ولو على استحياء, في تصريح للدكتور الشيخ احمد الكبيسي في احدى مقابلاته التلفزيونية في برنامج (اضاءة) لقناة العربية, في مسألة منع الرموز الدينية في فرنسا وبعد قضية خطف الصحفيين الفرنسيين فقد ذكر الكبيسي " ان الاسلام مبني على اركان وفرائض وسنن وشعائر, وان الحجاب يدخل ن ضمن الشعائر وهو القسم الاخير وفق الاهمية والاولوية, ويعد رمزا مثل علم الدولة, وحيث ان الله يقول (لا اكراه في الدين) اي في الاركان الهامة الاولى, فمابالنا بالشعائر والتي هي اقل بلاشك اهمية من الاركان". وهناك تاويلات كثيرة قد تكون مفصلية في حياة المرأة وكينونتها وتبقى معلقة رهن ارتقاء مفاهيم وفكر فقهاء الدين وخاضعة لمبدأ التأويل البشري للنصوص ومستوى ترقيه. ومن هنا ادعو جميع الناشطات النسويات والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني وخاصة تلك المؤيده لحقوق المرأة ان تستلهم مرجعيتها وتوثق حقوقها وتناضل من اجلها وفق: (الاعلان العالمي لحقوق الانسان, 1948م). والتي حملت في طياتها ثلاثون مادة, والمادة رقم (23) هدفت الى احقية العمل لكل فرد والمادة (26) الاحقية في التعليم للجميع. اما المادة رقم (21) فقد اكدت على التالي:
(1) لكل فرد الحق في الاشتراك في اٍدراة الشؤون العامة لبلاده, اٍما مباشرة او بواسطة ممثلين يختارون
اختيارا حرا.
(2) لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد.
(3) اٍن ارادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة, ويعبر عن هذه الارادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على اساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب اي اجراء مماثل يضمن حرية التصويت.

ولاضير البتة ان تلجأ الناشطات اليمنيات المطالبات بحقوق المرأة السياسية والاجتماعية كـ(اتفاق الشراكة) من اللجوء الى كافة مؤسسات المجتمع المدني الدولي والامم المتحدة والولايات المتحدة الامريكية (لاستخدام عصا امريكا الغليظ, كما وصفت صحيفة القدس العربي الصادرة في 15/9/2004) للضغط على الحكومات لتطبيق المفاهيم البديهية الانسانية والزامها بتفعيل ما وقعت عليه من مواثيق ومعاهدات دولية تحمي وتكفل المساواة وحقوق الافراد السياسية والاجتماعية.

ـــــــــــــــــــــــ
* كاتب وباحث اكاديمي

المرجع:
الاعلان العالمي لحقوق الانسان, 1948
http://www.un.org/arabic/aboutun/humanr.htm