ماذا تعني الكوتا النسائية في حكومة معادية للمرأة و حريتها وحقوقها؟



حميد كشكولي
2010 / 12 / 24

خروج حكومة المالكي الثانية المبنية على توافق قوى الفساد والطائفية والرجعية خالية من الوجود النسائي جاء تأكيدا على أنها سوف تكون من اليوم فصاعدا حكومة دينية إسلامية بشقيها السني والشيعي أكثر ظلامية من نظام الجمهورية الإسلامية في إيران ، إذ يمكن تشبيهها بنظام الطالبان حيث تكون المرأة وفقها ناقصة عقل ودين ، فلا يمكن مساواتها بالرجل الفحل في أي مجال من مجالات النشاط الإنساني ، وفي مقدمتها إدارة شؤون البلاد والعباد.
لقد كتب العديد عن هذه الحالة ، ومن منطلقات عديدة ومختلفة لكنها تشترك في وجهة النظر القائمة على ضرورة وجود الكوتا النسائية في الحكومة العراقية الرجعية الطائفية.
ويرى هؤلاء أن الظلم على المرأة العراقية مصدره القيم الأبوية الذكورية المترسخة في المجتمع، لا النظام السياسي و الاقتصادي الفوضوي السائد في العراق منذ الاحتلال .

و الكل يتفق أن المرأة تعاني من تمييز و مظالم كبيرة ويعتقدون أنها سوف تزول في حال تحققت الكوتا النسائية 25% في الحكومة العراقية ، بتعيين بضعة نساء وزيرات أو مديرات عامات ، أي أن يشتركن الفحول في خلق كل هذه المصائب والمآسي التي نزلت وتنزل على الجماهير العراقية المظلومة.
فاشتراك المرأة في الحكومة المعادية للمرأة يعني قبولها بنفسها على أنها كائنة من الدرجات الدنيا ، وأنها ناقصة عقل بينما كل الوقائع و العلوم تثبت عكس ذلك.
وللأسف الشديد ، بينما يفتك الفساد و الرجعية و الأمية و الفقر و المرض بالمواطنة العراقية والمواطن العراقي في ظل حكومة رجعية طائفية تأتمر بأوامر الأنظمة الرجعية في الجوار العراقي ، أصبحت أساليب اللصوصية و النهب و السرقة و البلطجة من مقوماتها الأساسية ، نرى القوى التقدمية و الإنسانية و اليسارية والعلمانية و الحركات النسائية التحررية متشتتة الجهود والنضال ، تفتك بها الخلافات والانشقاقات التي اغلبها عبثية بدون أساس فكري وموضوعي.

فحكومة قائمة على الفساد و إعادة إنتاجه يوميا لا يمكن أن تمثل المجتمع العراقي ولا جزء واسعا منه
حكومة يتنجس أفرادها من مصافحة المرأة و تعتقد بخرافات دونية المرأة و نقصان عقلها، لن يفيد التعاون معها والاشتراك فيها المواطنة بشيء.
هذه الحقائق لا يمكن أن تغيب عمن له أدنى اهتمام بقضايا المواطنين و حقوقهم. و ثمة كثير يأملون في إنصاف المرأة عن طريق الإصلاح من فوق و الديمقراطية البرجوازية، بدون التفكير في مدى ضمان الكوتا لمصالح المرأة وتحررها من الاستغلال الاجتماعي والطبقي؟
وثمة كثر يعول على أطراف الحكم العراقي في أن تنال المرأة في ظله شيئا من حقوقها ، يعتقد أن لا نظام في الدنيا غير النظام الرأسمالي ، ولا يريد للعلاقات الرأسمالية وأساس الحكم الطائفي و المحاصصة أن تزول . يجب أن لا يمس أي تغيير نظام المحاصصة ، رغم الادعاء بمعاداة المحاصصة والطائفية.
جائز الترحيب بأي تغيير أو إصلاح يأتي لصالح المرأة أو ينصفها ، لكن القوى الطائفية والرجعية عاجزة عن تحقيق ذلك ، إذ لا يمكن تحقيقه في ظل حكمهم الفاسد بكل تياراته وأجنحته.

ليس ثمة تيار أو جهة سياسية في الحكم أو معارضته الرسمية البرجوازية يريد حلا جذريا لمشاكل المجتمع،فالقوى والشخصيات المافيوية الحاكمة في كل العراق ، بما فيه كردستان و طباليهم من الصحفيين والكتاب ينعمون بخيرات العراق المنهوبة بفضل استشراء الفساد والطائفية والمحاصصة، ما يجعلهم يستميتون في سبيل إبقاء هذه الحالة مع محاولات التضليل والتعمية و إعطاء العلاج المسكن و الأفيون بين آونة وأخرى للجماهير المسحوقة. لهذا أمسى الكلام عن إمكانيات التغيير الفوقي في السلطات المافيوية بالاعتماد على المطروح للسوق الإعلامي " كوجوه نظيفة" ( التي لا أعتقد بوجودها على أرض الواقع قط)
، هراء في هراء.
التراجع كبير و انحطت القيم والثقافة أحط من قيم القرون الوسطى . فهل يمكن التفكير في هذه الظلمات في إمكانية إتيان
نظام سياسي و نموذج اقتصادي قريب من النموذج التركي بعيد المنال في ظل هؤلاء الحرامية ؟؟ فالنظام العراقي يتوقع له أن يكون أكثر رجعية من الجمهورية الإسلامية الإيرانية إذ عرفنا أنها لم تمس فنون السينما والمسرح و النحت بسوء، واذا عرفنا أن السينما الإيرانية حققت نجاحات كبيرة على المستوى العالمي وتحصد سنويا جوائز تقديرية في المهرجانات العالمية.

الكوتا لن تعالج أية مشكلة للنساء العراقيات، ولن تنقذ آلاف النساء المهاجرات في سوريا و مشايخ الخليج الفارسي المضطرات لبيع الجسد في سبيل إمرار معاشهن ومعاش أولادهن. لن تحل مشكلة مئات الآلاف من الأرامل و العوانس، في حياة حرة كريمة لهن ولملايين اليتامى و المعوقين.
لن ترجعهن الكوتا من مهاجر الذل والهوان في الغرب الذي يعاني من أزمات اقتصادية و الذي أخذ في إلغاء مجتمع الرفاهية وتقليص القوانين الضامنة لحياة وكرامة مواطنيه، و أخذ ينتهك قوانين حقوق الإنسان التي وضع مفكروه وفلاسفته ( أيام الزمن الجميل) !!!
الذي ينظر إلى كل المهاجرين الشرقيين كإرهابيين الغرب الذي ينظر إلى جميع المسلمين والشرقيين ( بما فيهم مسيحييهم) كإرهابيين وخطر كبير على مجتمعات الغرب و رفاهية مواطنيه و ( تفوق الجنس الأبيض) .

فلا حل في التعاون مع الحكومة الرجعية الفاسدة ، والاشتراك فيها ، بل الحل يكمن في التفاعل النضالي الدءوب والمشترك للشيوعيين و العلمانيين و التحرريين ، بعيدا عن الحكم الطائفي الرجعي ، و قيمه اللا إنسانية . نضال التحرريين هذا يملك اليوم بفضل الانترنت و الثورة التقنية مجالات واسعة، ومساحة شاسعة للتحرك و العمل و النضال في سبيل تحقيق أهداف المرأة العراقية في العيش الكريم و تحقيق حياة شريفة تليق بالبشر المعاصرين.

24 december 2010