ماوراء عدم اسناد منصب سيادي للمراة في العراق



عماد علي
2010 / 12 / 25

يُقال ان المكانة لا تبنى من العدم و العظمة لا تاتي جزافا او من خلال التلهف ورائها و النظر اليها من بعيد او انتظارها و التمني لها، بل تاتي و تكبر و تتعظم العظمة بالعمل و السهر و الايمان باي عمل تكافح من اجله و انت صادق في نيتك، و يكون لها شعاع واسع و هي التي تفرض ارضية مناسبة لانبثاق افكار و افعال التي تخدم الناس بها، و لكن العهدة و الذمة على القائل ان تلمسنا العكس هذه الايام من ان العظمة و الابهة تاتي بين ليلة و ضحاها و من دون سابق انذار و برمشة بصر، و لكن تبقى مظهرية فقط و خاوية من الجوهر.
الى جانب ذلك، الديموقراطية و العدالة و المساواة في الحقوق و الواجبات لا تبنى من عدم ايضا، بل هي عملية متواصلة و تستكمل بشكل تدريجي، و كل مرحلة تكمل الاخر السابق و اللاحق و بمدد زمنية مختلفة حسب المقتضيات ، و هذا وفق نظريات علمية مسلمة و ليس بقول قائل.
و كما هو المعلوم هناك تاريخ و ما يرسبه و الثقافة العامة و ضروراتها و الوعي و نسبته و ايجابياته على كافة المعادلات، الى جانب ما يحمله المجتمع من العقلية و النظرة و الايمان بالقضايا المتعددة و التي تكون تحت تاثير عوامل مختلفة منها الافكار السائدة و الايديولوجيا و العقائد المعتمدة، اضافة الى الركائز المهمة الساندة لاية عملية التي تجري رحاها على ساحة مكشوفة المظهر و معلومة الجوهر في مجتمع معلوم الاطر و المحتوى،سوى كانت قراءة الفردعلى انفراد او بشكل جمعي ماتخصه من الظروف العامة تكون متداخلة و متعادلة مع بعضها و لها علاقات جدلية لا تقبل الفصل او التجزئة و البحث بشكل متجزء او متقطع .
بينما نفكر بدقة ما بشان المراة وفق ما سبق من العوامل و دعائم هامة لتحديد مكانتها في المجتمع، يمكن وصف و تحليل ما يؤمن به المجتمع ككل و بنفسه دون تاثير خارجي، و ما يفعله على الارض و الذي يمكن ان يكون عكس ما يقال، و هو ربما يكون ايضا عكس ما يصرح به البعض او حتى النخبة منهم ، ولابد ان نذكر انه لا يمكن التعامل مع قضية المراة بشكل تجريدي بعيدا عن واقع المجتمع و ما يتميزبه . و ان كان النظام اي نظام كان بذاته غير مستقر في بنيانه و طبيعته او حتى في الجوانب المصيرية و التي تعتبر من الاولويات في تامين حياة المجتمع ككل، فهل يمكن ان يكون مثل هذا المجتمع مثاليا فيما يطالب به من جانب المساواة و العدالة الاجتماعية و التي تدخل حقوق المراة من ضمنها، و اين و ممن سيستوحى هذا الفكر المطلوب الذي ينصف المراة مثلا ان لم يكن نابعا من الخلفية الثقافية الفكرية و السياسية المطلوبة في الهذا الشان لدى المجتمع.
لو قارننا ما اقدمت عليه كافة الكتل السياسية العراقية بكافة مشاربهم عند تشكيل الحكومة الجديدة بعد انتظار طويل و احتدام سياسي دام اكثر من ثمانية اشهر، و شاهدنا كيف قدمت مرشحيها لتشغيل الحقائب الوزارية سنتاكد من مستوى ايمانهم الحقيقي بقدرة المراة و نظرتهم الحقيقية الى امكانياتها دون رتوش او تجميل كما نسمع من اقوالهم و تصريحاتهم و مما تفرضه السياسة و متطلباتها عليهم، و لم يكن فرض نسبة المراة في العملية السياسية والدستور العراقي نابعا من القناعة الذاتية بقدر الظروف الموضوعية التي فرضت نفسها لهذا الشان في تلك المرحلة.
من نابغ القول ان نعلن هنا بان هناك ثوابت عديدة لدى الجميع و هي من نتاج العقلية و الظروف العامة و الثقافة و الوعي العام و المباديء و الافكار التي تحملها الاحزاب و القيادات المنبثقة بدورها من صلب هذا المجتمع ، و التي تعطي نسب مختلفة من القيم مع تعريف متناقض لتلك الثوابت و منها موقع المراة و ما يهمها، لا بل الاكثرية المطلقة منهم بكافة اتجاهاتهم الفكرية لا تؤمن بضرورة انصاف المراة في قرارة نفسها و خاصة في الجانب السياسي ، بل تفكر على ان الموافقة على مشاركة نسبة معينة منهم هي حاجة العصر و لا يمكنهم التنصل منه و الا اعتكفوا على تعديل الدستور في هذا الشان قبل اي شيء اخر، و الا القيم السياسية التي تؤمن بها لا تفسح لها المجال على الارض من نكران ما تؤمن به في الحقيقة، و ربما تؤمن العكس تماما لما تعلن في صلب اعتقادها فيما يخص المراة و ما يجب ان تعيش و كيفية معيشتها.
ان كان هذا ما تنظر اليه الجهات السياسية و ما تعتقد بخصوص مكانة و قيمة و شان المراة كقضية بشكل منفصل و جزء من القضايا بشكل عام ، اما ما يفرضه الواقع و ما ينبثق منه من الافكار و ما فيه المنطقة و المجتمع العراقي بالذات من العادات و التقاليد بشكل عفوي و ما لها من التاثيرات على العقلية القيادية و دور العلم و المعرفة المعدوم يضعنا امام الامر الواقع و هو خضوع القادة و الاحزاب لما ينبثق من هذه الارضية و هو اولا و اخيرا من نتاج ماموجود على الارض من كافة جوانب الحياة.
لا اريد هنا ان ادخل في جدل ايجابية الكوتا و سلبياتها في هذه المرحلة و لكن ما يتشدق به الجميع هو الالتزام بالدستور و ما جاء فيه و بعلنونه على الملا في كل مناسبة او غيرها، و السؤال هو لماذا لم يلتزموا به فيما يخص المراة فقط و لم تحرك المحكمة الاتحادية ساكنا في هذا الجانب لتدلو بدلوها، اليس من حق المراة ان تثبت نفسها و هي اكثر من نصف تعداد المجتمع ، و لنكن واضحين و نكشف مقدرتها عمليا و نفرق ما يصرحن به هن من انهن ليسوا باقل من الرجل و حتى يطلبن بالغاء النون النسوة في اللغة ليصبحن متساويات مع الرجل و انا معهم ، لذا من الواجب ان يجربن حظهن في ساحة السياسة بشكل عملي يا عالم الرجال.
بعد قراءة الوضع السياسي العام و المعقد لاسباب عديدة ، و ما نعلم انه لم يستقر لحد الان و فيه من الامور تحتاج لجهد استثنائي من اجل ترسيخ المؤسساتية في كافة الجدوائر من الوزارات و ما دون و بشكل عام، و يحتاج العمل في هذه المرحلة لطاقة استثنائية موازية لما هو الاستثنائي و شاذ على الارض، و من اجل وضع حجر الاساس لبداية المؤسساتية في هذه المرحلة على الاقل لضمان خدمة المواطن و يمكن ان نتحجج به لابعاد المراة قليلا لوقت قصير في هذه المهمة، و لكن لو القينا النظرة على سيرة حياة اكثرية وزراء التشكيلة الجديدة و نقرا و ندرس قدرتهم نعتقد بانهم ليسوا بالامكانية التي يمكن الاعتماد عليهم او خبرة لاداء المهام الصعب باكمل وجه ممكن، و لا يمكن ان نتحجج بهم على انهم ما يحتاجهم العراق ذات الظروف الشائكة في هذه المرحلة كي نبعد المراة ،. انهم من المنتمين الى الاحزاب بشكل مطلق و ربما لا يمكن ان نقول انهم مهنيين بل كل ما رياناهم فيه هو الصراعات الحزبية السياسية التي لا تقدم و لا تؤخر لحال العراق الحالي. لو لم نكن نحن وسط المعمة التي حصلت و بعد التاخير الذي حصل لقلنا ان طرفا بعينه هو السبب ، الا ان الذمة على كتف الجميع دون اي استثناء. و لكن لو قيمنا ما نحن فيه حياديا لقلنا هذا هو ما يفرزه الواقع السياسي و الاجتماعي و الثقافي العراقي الحالي و ليس لدينا افضل من هذا و لا يمكن ان نبحث عن المثالية في تشكيلة الحكومة و الاوضاع الموجودة هي غير مثالية ، و كما شاهدنا ان بعض الكتل قدم مرشحيه لشغل منصب الوزير في الوقت الضائع من المهلة الدستورية الممنوحة لرئيس الوزراء ، و هذا ما احدث خللا و فجوات في التشكيلة بما فيها موقع المراة و لم تُنصف كما حصل، و هذا ما يحتاج لاعادة النظر و التصحيح في اية فرصة موآتية.