الأسيرات الفلسطينيات



دنيا الأمل إسماعيل
2004 / 9 / 27

رغم قلة المعلومات عن حجم المعاناة التي تحياها الأسيرات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية، غير أنّ ما يصلنا من هذا القليل يشير إلى الألم العميق الذي يكتوين به، وهن لا يملكن من أدوات المقاومة إلاّ الصمود والانتماء إلى فلسطين وطناً وشعباً وقضية. بصمت شديد يطرزن ملحمة بطولتهن، فاتحات أعينهن على أمل التحرر وزوال الاحتلال.
يبلغ عدد الأسيرات الفلسطينيات 37 أسيرة، تتراوح أعمارهن بين أربعة عشر عاماً وأربعين عاماً، منهن عشر أسيرات تقل أعمارهن عن ثمانية عشر عاماً. ويتواجد غالبية هؤلاء الأسيرات في سجن نفي ترتسا في مدينة الرملة،وهو سجن خاص بالنساء أنشئ في عام النكسة. وتشير منظما حقوق الإنسان، ونادي الأسير الفلسطيني ، ومؤسسة الضمير لرعاية المعتقلين إلى أن الأسيرات يتعرضن إلى أبشع أنواع التعذيب، والضغوط النفسية أثناء التحقيق، خاصة في كل من سجني المسكوبية ونفي ترتسا،حيث جرى عزل الكثير منهن في زنازين انفرادية، وحرمانهن من زيارات الأهل. إضافة إلى الزج بهن وسط السجينات الجنائيات الإسرائيليات، اللواتي اعتقلن على خلفية جنائية كالسرقة والمخدرات والدعارة، وهو بحد ذاته عقاب آخر تمارسه إدارة السجن بحق الأسيرات الفلسطينيات، ناهيك عن تعرضهن للمضايقة والاعتداء عليهن، وتعكير الأجواء داخل زنازينهن، ما دعاهن إلى المطالبة بفصلهن عن السجينات الإسرائيليات ولكن دون جدوى، بل غالباً ما قوبل مطلبهم هذا بالاعتداء الوحشي عليهن. وبسبب إصرار الأسيرات على تنظيم أمورهن داخل المعتقل، تلجأ إدارة مصلحة السجون بين فترة وأخرى إلى استفزازهن وإثارة المشاكل لهن تحت مبررات شتى، كان آخرها ادعاء قيام الأسيرات بعمل استعراضات عسكرية داخل السجن، رغم أنهن كن يمارسن الرياضة.
ثقافة التحرر
تشير دراسة لنادي الأسير الفلسطيني أنّ مشاركة المرأة الفلسطينية، لم تعد بتلك الصعوبة التي كانت معهودة سابقاً، وأنّ ثقافة التحرر من الاحتلال والخلاص من القهر، أصبحت مادة التعبئة والتوعية في المجتمع الفلسطيني، لتكسر الكثير من القيود أمام مشاركة المرأة واتخاذها لدورها وقرارها. وذكرت الدراسة أن معظم عمليات اعتقال النساء والفتيات جرت في منازلهن أو خلال محاولة طعن الجنود الإسرائيليين بالسكاكين على الحواجز الإسرائيلية، فيما تعرضت النساء المعتقلات منذ لحظة اعتقالهن للتعذيب الشديد والضغط النفسي.
ولعل ارتفاع نسبة المشاركة المتميزة للنساء الفلسطينيات خلال انتفاضة الأقصى، خاصة بعد انخراطها في العمليات الاستشهادية، هو ما دفع وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي بنيامين بن أليعازر، للالتقاء في زنازين التحقيق مع الأسيرة عرين حسين شعيبات (20 عاماً)،من بيت ساحور، المعتقلة بتهمة مقاومة الاحتلال، ليصرح بعد اللقاء أنه أصبح من السهل تجنيد المرأة الفلسطينية في أعمال الانتفاضة، متجاهلاً البحث عن السبب الحقيقي وراء ذلك وهو الاحتلال، وممارساته القمعية، وانعدام الأمل بحل سياسي عادل.
حرمان… وحرمان
الأسيرة نسرين يعقوب طه، من بلدة بديا قضاء سلفيت، اعتقلت على خلفية اتهامها بمحاولة طعن شرطي إسرائيلي في رأس العامود بمدينة القدس، ومكثت في سجن الجلمة 20 يوماً، معزولة عن العالم، تعرضت خلالها لشتى أصناف العذاب، حسب ما أكدت منظمات حقوقية.
تقول والدة نسرين أنّ ابنتها فقدت القدرة على التمييز، جراء ما تعرضت له من تعذيب، كما أنها عاشت أجواء الرعب والخوف، حتى أنها اضطرت في إحدى المرات إلى ضرب إحدى السجانات بعد إمعانها في إذلالها. ولا يزال طفلها يتذكر كيف حرم من تقبيلها بسبب السلك الشبك الفاصل في غرفة الزيارة ما زاد من ألمها، لكنها شجعته وطلبت منه العناية بأشقائه. وتؤكد والدة نسرين أنّ أطفالها يشعرون بالأسى لعدم تمكنهم من زيارتها، خاصة في أيام الأعياد.
هذا ولا تعلم عائلة نسرين عن ابنتها سوى ما يصلها من خلال مندوب الصليب الأحمر الدولي.
أمّا سعاد غزال، من بلدة سبسطية قضاء نابلس، التي لم تبلغ الخامسة عشر من عمرها حين اعتقالها، فهي محرومة من زيارة عائلتها، وتمارس ضدها سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة التضييق والضغط النفسي، إذ كثيرًا ما حرمت من زيارة والدها.اعتقلت سعاد أثناء محاولتها طعن مستوطن إسرائيلي أثناء توقفه على الشارع الرئيس المؤدي لبلدتها، حيث تم اعتقالها ونقلها إلى مركز للتوقيف، وهناك تعرضت للتعذيب الشديد رغم صغر سنها.
في إحدى الرسائل التي تم تهريبها من سجن نفي ترتسا قبل أيام ، حيث تقبع الأسيرات الفلسطينيات، وصفت اقتحام غرف السجن قائلة:" اقتحمت قوات معززة من جيش الاحتلال غرف السجن مستخدمة الغاز المسيل لدموع بكثافة فشعرنا بالاختناق، إلاّ أننا بدأنا نصرخ ونبصق في وجوههم، لكنهم استمروا في حملة القمع وتوجيه الشتائم وحينا أخذوا بفتح الأبواب وضرب الأسيرات ، كانت قوانا قد خارت شيئاً فشيئاً، فواصلوا الضرب والركل وأخذوا في نقلنا إلى زنازين صغيرة وحقيرة، وجرى نقل ثلاث أسيرات إلى سجون أخرى حيث يقبعن في زنازين صغيرة. كانت المعركة غير متكافئة، إلاّ أننا صممنا على المواجهة رغم صيحات الفرح التي أطلقتها السجينات الجنائيات اليهوديات.".
وتقول مصادر حقوقية أن قوات الاحتلال الإسرائيلي استخدمت الغاز المسيل للدموع والهر وات في قمع الأسيرات اللواتي كن يعبرن عن احتجاجهن على أوضاعهن وسوء معاملة الإدارة لهن. وعرف من بين الأسيرات اللواتي جرى نقلهن الأسيرة آمنة منى التي تتهمها قوات الاحتلال بقتل فتى إسرائيلي بعد استدراجه إلى مدينة رام الله عبر شبكة الإنترنت.
هذا وأدى تدهور الأوضاع المعيشية داخل السجون الإسرائيلية، وانتفاضة الأسيرات في سجن نفي ترتسا إلى اشتعال السجون والمعتقلات غضباً في وجه الجلادين، حيث جرى الإعلان عن برنامج محدد لخوض إضراب عن الطعام، تضامناً مع الأسيرات، واحتجاجاً على ما يتعرضن له من قمع وإذلال. يذكر أن الأسرى الفلسطينيون يعانون من سوء الأوضاع المعيشية بعد حملة الاعتقالات الأخيرة التي طالت آلاف المواطنين، حيث عادت مشاكل الاكتظاظ الشديد داخل السجن بالظهور حتى أن بعض الأسرى ينامون على الأرض، إضافة إلى معاناتهم من سوء التغذية والعناية الصحية وسوء المعاملة، وانعدام زيارات الأهالي، ويعتمدن كثيراً على ما يتم شراؤه من دكان السجن، أو ما يوفره الصليب الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان.
وعلى الرغم من التعقيدات على طبيعة زيارات الأهل للأسيرات من خلال تطبيق شرط الرقابة من الدرجة الأولى بعد الحصول على تصاريح زيارة خاصة من السلطات الإسرائيلية إلاّ أن الحصار المفروض على الأراضي الفلسطينية حرم الجميع من الزيارة تحت مبررات واهية، أبرزها الأوضاع الأمنية، وعدم القدرة على نقل الزوار إلى داخل الخط الأخضر حيث تقع السجون.
وتسعى كثير من مؤسسات وجمعيات حقوق الإنسان إلى تبني قضايا الأسيرات من خلال توجيه محاميها ونشطائها لزيارتهن سعياً لإيجاد نوع من التواصل مع الأهل بعد توقف الزيارات ، وإثارة معاناتهن أمام الرأي العام في ظل حالة من العزلة المفروضة عليهن.
ويرى أحد الناشطين الحقوقيين أنّ هناك تقصيراً تجاه الأسيرات الفلسطينيات في الفترة الأخيرة حيث تغيب الدعوات المطالبة بإطلاق سراحهن أو على الأقل تحسين أوضاعهن الاعتقالية مشيراً إلى أنّ قلة عددهن في السجن لا يبرر انعدام الفعاليات التضامنية معهن في الشارع الفلسطيني.