مائدة مستديرة حول وضعية المرأة، الإكراهات والرهانات - الرشيدية - المغرب



لحسن ايت الفقيه
2011 / 1 / 26

نظمت جمعية أصدقاء التلميذ القروي الحاملة لمشروع التربية على المساواة بين الجنسين، مائدة مستديرة حول وضعية المرأة، الإكراهات والرهانات بثانوية سجلماسة بالرشيدية، يوم الجمعة 21 يناير 2011. وانتظم النشاط في استقبال المشاركين ابتداء من الساعة الثالثة زوالا من يومه، وتقديم كلمة الجمعية الترحيبية، وكلمة السيد مدير ثانوية سجلماسة التأهيلية، وعرض خمس مداخلات تشكل أرضية لتساؤلات واستفسارات التلاميذ، ثم ردود المتدخلين، وإعلان اختتام المائدة من لدن مسيره الأستاذ سعيد كريمي. ولقد حضر المكتب الإداري الجهوي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بجهة مكناس تافيلالت أشغال الندوة بناء على دعوة الجمعية الحاملة للمشروع المتوصل بها مساء يوم الأربعاء 19 يناير 2011، وشارك بمداخلة ذات ارتباط بالموضوع. ومن المفيد إدراج متن كل المداخلات.
* تقديم المسير الأستاذ سعيد كريمي(نجتمع اليوم في إطار مائدة مستديرة حول وضعية المرأة الإكراهات والرهانات، بتنظيم وإشراف من جمعية أصدقاء التلميذ القروي، في إطار المشروع الذي يستهدف بالأساس التربية على المساواة بين الجنسين، هذا المشروع الذي يشرف عليه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والذي يدخل في إطار محاولة، غرس ثقافة جديدة، تروم بالأساس تجديد النظرة، إلى نصفنا الآخر، إلى المرأة باعتبارها، فاعلة وباعتبارها كذلك مؤسسة داخل مجتمع نعيش بداخله، نحن إذن نروم دخول عالم الحداثة، لما تعنيه الكلمة من معنى. ولكن هناك مجموعة من الإكراهات التي تتعلق بالأساس بالثقافة الأنثربولوجية العميقة التي تكبلنا في بعض الأحيان، وكذلك الأعراف والتقاليد وكذلك بعض الممارسات المحسوبة على الدين والتي لا علاقة لها بالدين. ينشط هذه الجلسة ثلة من الأساتذة الكرام المحترمين، الأستاذ حسن بناجي، الأستاذة فاطمة عراش، الستاذ زكرياء عمورين الأستاذ لحسن أيت الفقيه، والأستاذ هشام العايدي، والأستاذة سميرة أبصري ستكون مكلفة بالتقرير).
* كلمة السيد مدير ثانوية سجلماسة:( ...باسم ثانوية سجلماسة التأهيلية، غدارة وأساتذة، وجمعيات آباء وأمهات التلاميذ، ونوادي المؤسسة، نرحب بكم، ونشكركم جزيل الشكر، على اختيار الثانوية، لعقد هذه المائدة المستديرة والتي تبدو في الحقيقة، من خلال العنوان، فهو مشروع يستحق الكثير من العناية، لا سيما واننا في مجتمع تربوي يسعى غلى خلق المساواة بين الجنسين، فحتى لا أطيل مرحب بكم مرة أخرى، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته).
* المداخلة الأولى ألقاها السيد حسن بناجي، حول وضعية المرأة من خلال المواثيق الدولية وتحديدا العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
(- إن المساواة بين الرجل والمرأة في حق التمتع بجميع حقوق الإنسان تعد من المبادئ الأساسية المعترف بها بموجب القانون الدولي، وتنص عليها الصكوك الدولية الأساسية لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يحمي الحقوق الأساسية لكرامة الإنسان.
- تنص المادة 3 من هذا العهد، على وجه الخصوص، على المساواة بين الرجل والمرأة في حق التمتع بالحقوق الواردة في العهد. وترتكز هذه المادة على الفقرة 3 من المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة، والمادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفيما عدا الإشارة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن هذه المادة مطابقة للمادة 3 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي صيغت في نفس الوقت.
- ينبغي الاعتراف الصريح بهذه الحقوق للرجل والمرأة على قدم المساواة، كما ينبغي اتخاذ التدابير الملائمة التي تكفل إتاحة الفرصة للمرأة لممارسة حقوقها. وعلاوة على ذلك، وحتى إذا تداخلت المادة 3 مع الفقرة 2 من المادة 2، فهي لا تزال ضرورية لإعادة تأكيد مساواة الرجل والمرأة في الحقوق. وهذا المبدأ الأساسي الذي ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة يجب تأكيده باستمرار، لاسيما مع استمرار وجود العديد من أوجه التحامل التي تمنع تطبيقه بشكل عام ( تقرير اللجنة الثالثة A/53/65 بتاريخ 15 ديسمبر 1962)، الفقرة 58.
- والفقرة 2 من المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تنص على كفالة عدم التمييز لأسباب من بينها نوع الجنس. و هذا الحكم والمادة 3 التي تكفل مساواة الرجل والمرأة في التمتع بالحقوق متصلان بشكل كامل ويعزز كل منهما الآخر. وعلاوة على ذلك، فإن القضاء على التمييز يعد أساسيا من أجل التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية على أساس المساواة.
- وفي العديد من التعليقات العامة للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك التعليقات المتعلقة بالحق في السكن اللائق، وفي الحق في الغداء الكافي، والحق في التعليم، والحق في أعلى مستوى من الصحة يمكن تحقيقه، والحق في الماء، أحاطت اللجنة علما بصفة خاصة بالعوامل التي تؤثر سلبا على حق المساواة بين الرجل والمرأة في التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إذ غالبا ما تحرم المرأة من حق المساواة في التمتع بحقوق الإنسان المتصلة بها، ولاسيما بسبب المنزلة الاجتماعية الأدنى التي تحددها لها التقاليد والعادات، أو كنتيجة للتمييز الصريح أو الضمني. وهنالك العديد من النساء اللاتي يعانين من أشكال متميزة من التمييز بسبب تداخل نوع الجنس مع عوامل مثل العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الدين، أو الآراء السياسية وغيرها، أو الأصل القومي، أو الاجتماعي، أو التملك، أو المولد، أو غير ذلك من الحالات مثل السن، أو الانتماء الاثني، أو الإعاقة، أو الحالة العائلية.
- إن المساواة بين الرجل والمرأة في التمتع بحقوق الإنسان يجب أن تفهم من جميع جوانبها. والضمانات المتعلقة بعدم التمييز والمساواة في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان تنص على المساواة قانونا وفعلا على السواء. والمساواة بحكم القانون (أو الرسمية) والمساواة بحكم الأمر الواقع (أو الجوهرية) هما مفهومان مختلفان ومترابطان مع ذلك. والمساواة الرسمية تفترض أن المساواة تتحقق إذا تعامل القانون أو السياسة مع الرجل والمرأة بطريقة محايدة. أما المساواة الجوهرية فتهتم، علاوة على ذلك، بتأثيرات القانون، والسياسات والممارسات العملية، وضمان عدم إدامتها للمساوئ التي تعاني منها أصلا فئات معينة من الأشخاص، بل تخفيفها بالأحرى.
- المساواة الجوهرية بين الرجل والمرأة لن تتحقق ببساطة من خلال سن القوانين أو اعتماد سياسات تبدو في ظاهرها محايدة من حيث نوع الجنس. إذ ينبغي للدولة، عند تطبيق المادة 3 ، أن تضع في الاعتبار مثل هذه القوانين والسياسات والممارسات قد لا تعالج عدم المساواة بين الرجل والمرأة، بل قد تؤدي إلى استمرارها لأنها لا تأخذ في الحسبان أوجه التفاوت القائمة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولاسيما تلك التي تعاني منها المرأة. ووفقا للمادة 3، يجب على الدول الأطراف أن تحترم مبدأ المساواة الوارد في القانوزن وأمام القانون. ويبقى مبدأ عدم التمييز هو النتيجة اللازمة لمبدأ المساواة.
- إن رفع التحفظات على المعاهدة الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة يجب ألا يبقى إجراء بدون مفعول إيجابي.
- فهل تم إدراج مقتضيات المواثيق الدولية لحقوق الإنسان في التشريع المغربي كما هو الشأن بالنسبة للمقتضيات المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على المساواة بين الرجال والنساء في الزواج والطلاق؟ وهل هناك إقرار دستوري بأولويات مقتضيات المواثيق الدولية بالنسبة لمقتضيات التشريع الوطنية أو ما يسمى بسمو المواثيق الدولية على القوانين الوطنية؟
- إن المغرب لازال لم يصادق بعد على العديد من الاتفاقيات الصادرة عن منظمات العمل الدولية الخاصة بحقوق المرأة من بينها اتفاقية 183 بشأن الحق في الأمومة، فماذا عن مدونة الشغل على اعتبار أن المغرب أعد مدونة الشغل فهل بالفعل تعكس مبدأ المساواة بين المرأة والرجل؟ وهل هذه المدونة كذلك رغم علتها تطبق وتحترم مجموعة من حقوق المرأة وهذه الأسئلة وغيرها ما ستجيب عنه التدخلات اللاحقة).
* المداخلة الثانية، الحركات النسائية ودورها في إرساء ثقافة التربية على المساواة بين الجنسين.
(لا أحد يجادل اليوم، في المكانة التي صارت تحتلها المرأة في مختلف مرافق الحياة. حيث إن ضرورة التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي جعل المرأة تخرج للحياة العامة والمشاركة بكيفية لم تتحقق في العصور الماضية. ولا شك أن هذا الوضع لم تصل إليه المرأة إلا بعد جهد جهيد، وعلى إثر انتفاضة مجموعة من المناضلات وأصحاب الفكر التقدمي والحداثي المتشبع بثقافة حقوق الإنسان، مما أدى إلى ظهور حركات نسوية لتكسير القيود والخروج إلى الحياة.
هكذا ابتدأ نضال المرأة المغربية من أجل المساواة والمواطنة، وجعل من قضيتها قضية خاصة، لكائن خاص، من أجل تغيير وضع غير طبيعي تعاني فيه النساء كل أنواع الحيف، والميز والدونية والقهر، وينظر إليهن ككائن من الدرجة الثانية، مجردا من كل حقوق المواطنة سواء على مستوى التعليم والصحة والشغل، أو على مستوى مدونة الأحوال الشخصية التي كانت تعتبر النقطة الأكثر سوادا، في حياتها لأنها الأكثر تجسيدا للميز واللامساواة.
هكذا تشكلت الحركة النسائية المغربية.
لن أتطرق للمسار التاريخي لنشأة الحركة النسائية المغربية، لكونها نشأت منذ الفترة الاستعمارية. ومرد ذلك إلى أن الوقت لن يمكننا من ذلك لذا سأكتفي بالحركة النسائية المغربية، التي كانت وراء مناهضة كل أشكال التمييز والتي جعلت من مدونة الأحوال الشخصية القضية الأولى.
ونتيجة لتطبيق مدونة الأحوال الشخصية، التي صدرت بعد إجلاء الاستعمار وتقدم المجتمع، ونتيجة بدخول المرأة إلى العمل بقوة وأصبحت كقوة منتجة بدورها في اقتصاد العائلة والمجتمع برمته، فقد أصبح هاجس تعديل هذه المدونة مطروحا بحدة، ولعبت الحركات النسائية في ذلك دورا كبيرا في تحريك ملف قضية المرأة، سواء داخل الأحزاب، في لجان أو داخل بعض الجمعيات النسائية، التي كانت نشيطة آنذاك. بل والأكثر من ذلك، أن بعض المناضلين التقدميين بدأوا يدعمون النضال النسائي، لخصوصية القضية في أطروحاتهم، وتشجيع النساء لجعل هذا النضال في إطار حركة نسائية قوية ذات استراتيجية واضحة، وفي أساليب عمل تمكنها من انتزاع مكاسب حقيقية.
هكذا تطورت الحركة النسائية في بداية الثمانينات ووصلت أوجها مع بداية التسعينات.
استطاعت المرأة المغربية بنضالها رغم اختلاف توجهات الجمعيات المتواجدة في تلك الفترة، أن تفرض خروج عدة مشاريع للتعديل في بداية الثمانيناتن إلا أنها سرعان ما تلاشت وقوبلت بالرفض.
رافقت كل هذه الحركات وإن لم تنجح في التغيير أنذاك في القوانين لإنصاف المرأة : حركة موازية ساهمت بشكل إيجابي بواسطة النقاش والتفكير في بلورة عدة مبادرات ساهمت في المزيد من تسليط الضوء على المسألة النسائية وعلى مطالب الحركة النسائية، التي توجت بصدور جريدة نسائية "جريدة 8 مارس " في شهر فبراير 1993، وكان ذلك عملا إيجابيا في الساحة النسائية لأن الجريدة كانت منبرا للنقاش والحوار ونشر مشاكل المرأة عبر محور "دعوني أتكلم".
خلفت هذه الجريدة حركة جديدة وسط المجتمع المغربي لإثارة مشاكل المرأة والميز والحيف الذي يطالها. ولقد كان للتطور الذي عرفته القضية النسائية، ارتباطا بملف مدونة الأحوال الشخصية، وقع كبير مما عمق التفكير في جعل هذا الملف على واجهة الأحداث، رغم كل النقاش الذي كان داخلها حول ضرورة تجاوز معيقاتها وإحداث تحول نوعي في حركتها، لذلك تظافرت جهود ومكونات الحركة النسائية الجمعوية والسياسية في صياغة ملفات مطلبية التقت كلها حول النقط التالية :
- إشراك المرأة في تغيير مدونة الأحوال الشخصية.
- جعل الطلاق بيد القضاء.
- رفع الولاية على الرشيدة لتزويج نفسها.
- منع تعدد الزوجات.
- حق المرأة في الولاية على أبنائها إلى جانب الزوج.
مع رفع شعار التغيير الجدري أو أحيانا المراجعة الشاملة للقوانين الغير المنصفة للمرأة.
هكذا فالحركة لم تكن فقط حركة تغيير المدونة فقط وإنما كانت معركة المساواة لكونها جوهر المعركة من أجل مجتمع حداثي ديمقراطي، منذ السبعينات من القرن الماضي. ولما وصلت الحركة النسائية أوجها وأصبحت قوة ضاغطة، تم التفكير في محاولة إخماد هذه الحركة وذلك بإصدار تعديلات جديدة في مدونة الأحوال الشخصية 1993.
إلا أن هذه التعديلات كانت شكلية فقط وجاءت لإسكات هذه الحركات فقط.
هكذا استجمعت الحركات النسائية أنفاسها من جديد لتبحث في موطن الضعف والقوة للوصول إلى تطلعاتها والبحث دائما عند إقرار كرامتها وكسر قيود اللامساواة التي تم إعمالها في التعديل الشكلي للمدونة، خاصة وأن هناك نساء كن يعقدن الآمال الكبيرة، لأجل انتشالهن من واقع الذل والمهانة والدونية والمير والقهر.هكذا أصبحت الحركة النسائية تفكر في آليات جديدة للوصول إلى أهدافها. وبذلك فكرت جمعية اتحاد العمل النسائي، على سبيل المثال، في جمع مليون توقيع لتعديل المدونة.
ابتدع اتحاد العمل النسائي أسلوب محاكمة بنود مدونة الأحوال الشخصية "وضعية أطفال الطلاق"، وفكر في إحداث بطاقات تحت شعار "أريد حلا"، تم توزيعها في جميع محاكم المغرب، وفي إنجاز على إثر ذلك بطاقات تقنية.
هنالك، لجأت الحركة النسائية المغربية في نضالها من أجل المساواة إلى الوحدة حول ملف مطلبي أطره شعار مركزي هو من أجل تغيير شامل وجوهري لمدونة الأحوال الشخصية مع التركيز على المطالب الأساسية :
- إلغاء الولاية أثناء الزواج بالسنة للراشدات.
- منع تعدد الزوجات.
- رفع سن الزواج إلى 18 سنة.
- جعل الطلاق بيد القضاء مع إلغاء مسطرة التطليق.
- إلغاء أحكام بيت الطاعة.
- التنصيص على المسؤولية المشتركة بين الزوجين على الأطفال.
- خلق صندوق لتغطية النفقة مباشرة بعد الطلاق.
- التنصيص على اقتسام الممتلكات المتراكمة أثناء الزواج بعد الطلاق.
- إثبات النسب لحماية حقوق الأطفال.
وهكذا حملت أيضا هذه الحركة التضامنية للدولة مسؤوليتها في وضع سقف زمني يجب احترامه لاتخاذ التدابير اللازمة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والقانوني للقضاء على العنف الممارس ضد النساء، ومواجهة الميز الجنسي وإقرار المساواة القانونية بإحداث تغيرات في كل القوانين التي تحول دون إدماج النساء في صيرورة التنمية. وفعلا وفي عهد حكومة اليوسفي تم الاشتغال مع كاتب الدولة السابق أنذاك، الأستاذ المناضل سعيد السعدي حول مشروع خطة النهوض بأوضاع المرأة "مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية".
هذا المشروع الذي قتل في مهده من طرف التيار المحافظ ومن طرف كل الذين يحملون العداء لحقوق المرأة وللدمقراطية والحداثة. وكفرت بذلك كل الحركات النسائية المناصرة للعدل والمساواة.
ولن أخوض في غمار ما تحملته الحركات النسائية من أعباء، وإعاقات لكل مطالبهن وصلت إلى حد إعادة التفكير وتفادي كل الانزلاق وذلك بتحقيق نقلة نوعية في مجال المساواة وذلك بالارتقاء بالحركة المطلبية إلى الحركة الاجتماعية بكل مقاييس : بالوقفات أمام البرلمان والمحاكم ربط الاتصال بالنساء المهاجرات والجمعيات الدولية فكان للمؤتمرات الدولية مؤتمر بيكين – مؤتمر النساء المغربيات في نهاية شتنبر 2003 دور هام في تعريف المآسي التي تسببت فيها المدونة والتي يجب أن يوضع لها حدا بقرار سياسي جريء.
إضافة إلى كل هذا العمل الجبار، فإن دور بعض وسائل الإعلام المغربية المناصرة لقضية المرأة، ودور بعض الصحافيات والصحفيين في تنوير الرأي العام وتحريكه، كان بمثابة الدعم الحقيقي الذي زاد من تصدر المسألة النسائية جداول الأعمال ضمن الأولويات والقضايا الشائكة.
وبذلك تقدمت الحركة النسائية بمرافعتها وأمام اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية بعد تعيينها سنة 2001 من طرف ملك البلاد وبذلك كانت النقلة النوعية بصدور قانون ولأول مرة سيتم التصويت عليه في البرلمان أي وهو قانون الأسرة أو مدونة الأسرة والذي جاء بمكتسبات جوهرية على الأقل في إقرار مبدأ المساواة في سن الزواج وفي المسؤولية المشتركة للأسرة بين الزوج والزوجة والمساواة في سن الحضانة بين الذكر والأنثى.
بالإضافة إلى هذا النضال لم تعمل الحركات النسائية في هذا الملف لوحده بل خاضت أيضا معارك موازية تتعلق ببنية التمثيلية في الانتخابات سواء على مستوى الجماعات المحلية، وكذا الانتخابات البرلمانية حيث انتزعت بالقوة التمييز الايجابي في هذه التمثيلية.
وإلى جانب ذلك، تبنت أيضا ملف النساء السلاليات ومشكل إقصائهن من الاستفادة في أراضي الجماعات السلالية باعتبارها حكر على الرجال فقط.
- المداخلة الثالثة، وضعية المرأة داخل المنظومة القانونية بالمغرب (قانون الأسرة، قانون الجنسية......)
(في إطار برنامج جبر الضرر الجماعي وتنفيذا لمشروع التربية على المساواة بين الجنسين واستقلالية المرأة، والتي أخذت جمعية أصدقاء التلميذ القروي على عاتقها تنفيذه. ومن أجل تسليط الضوء على وضعية المرأة المغربية ومكانتها داخل المنظومة القانونية المغربية، والتي كان للمرأة المغربية الفضل في إخراجها من خلال تواجدها، وعملها الدائم في المجتمع المدني وخاصة الجمعيات والحركات النسائية، أو من خلال تواجدها في مكونات المجتمع السياسي فكان ثمرة ذلك الجهد والعمل الدؤوب إلى ظهور مجموعة من القوانين الهامة والفعالة من أجل النهوض بوضعية المرأة إلى الأفضل لعل كان أهمها على الخصوص قانون مدونة الأسرة وقانون الجنسية وقانون الشغل بالإضافة إلى مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمرأة والتي صادق عليها المغرب تحت إلحاح وضغط الجمعيات النسائية.
وعلى هذا الأساس فإني اخترت مناقشة القوانين الأكثر أهمية لترجمة التربية على المساواة بين الجنسين واستقلالية المرأة وعلى هذا الأساس سوف نناقش :
قانون مدونة الأسرة باعتباره الأكثر تجسيد للمساواة أو محاولة المساواة بين الجنسين.
قانون الجنسية
قانون الشغل
القانون الجنائي
1- قانون مدونة الأسرة :
قبل الحديث عن أهم المكتسبات التي تحققت للمرأة المغربية من خلال مدونة الأسرة أو التي لازالت تناضل من أجلها لابد من التذكير بالجو العام الذي يبين مقرر هذا القانون.
فكما يعلم الجميع على أن القانون المنظم للأسرة قبل المدونة هو قانون الأحوال الشخصية وهو قانون حل بحكم الأسرة المغربية لمدة عقود عدة من الزمن. إلا أنه سنة 1993 سوف يعرف تعديلا طفيفا لم يكن كافي ومقنع بالنسبة للحركات النسائية الآن لا يرقى إلى مستوى تطلعاتها.
ثم بعد ذلك جاء مشروع «الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية» على عهد حكومة التناوب أثار هذا المشروع ردود فعل كثيرة فجرت مواقف متناقضة.
أحدها يرفض بشدة هذه الخطة معتبرا إياها منافية للهوية الثقافية والدينية أما الفريق الثاني فهو يساند الخطة بوصفها برنامج يكفل النهوض وضعية المرأة المغربية كان من نتاج ذلك تظاهرتين الأولى بالرباط مساندة للخطة والثانية مناهضة للخطة ثم بعد ذلك سوف يتم إنشاء لجنة ملكية استشارية التي قامت بصياغة مدونة الأسرة بحيث أحيل على البرلمان للمصادق عليه بالإجماع في سنة 2004.
أهم مستجدات مدونة الأسرة :
1- تعريف عقد الزواج فبعد ما كان في قانون الأحوال الشخصية «هو ميثاق وترابط بين رجل وامرأة تحت رعاية الزوج» جاءت مدونة الأسرة بالمساواة في ذلك «الزواج... بين الزوجين».
2- الجديد الثاني هو الولاية في القانون القديم لا يعقد على المرأة إلا بوالي وفي قانون مدونة الأسرة من خلال الفصل 24 جعل الولاية حق المرأة الرشيدة تمارسه حسب اختيارها ومصلحتها.
3- سن الزواج في القانون القديم تكتمل أهلية النكاح في الفتى بتمام 18 والفتاة بتمام 15 القانون الجديد المادة 19 تكتمل أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة 18 سنة.
4- التعدد في القانون القديم كان يكفي إشعار الزوجة الأولى برغبة الزوج في التزوج عليها والثانية بأنه متزوج بغيرها لكن في القانون الجديد التعدد بإذن المحكمة ولا تأمر به إلا عند توفر شرطين :
- إمكانية الزوج على توفير العدل على قدم المساواة بين الزوجة الأولى والثانية.
- وجود المبرر الموضوعي الاستثنائي.
5- جعل الطلاق يمارس من قبل الزوج والزوجة وبمراقبة القضاء بعدما كان في ظل القانون القديم حق على الزوج.
6- إثبات النسب بالوسائل الطبية الحديثة DNN.
7- تدبير حالة الأموال المكتسبة الزوجة خلال فترة الزواج.
لعهد قريب كانت فئات عريضة من النساء المغربيات المتزوجات من رجال أجانب تعاني من مشاق وصعوبات ثانوية وواقعية تحول دون إدماج أبنائهن في المجتمع المغربي إذ كان هؤلاء الأبناء يعتبرون في المغرب أجانب أبائهم فمثلا إذا كانت الأم المغربية متزوجة من سوري فإن هذا يؤدي إلى اعتبار الابن سوري الجنسية وفي هذه الحالة لابد له من الحصول على التأشيرة لدخول المغرب كذلك لا يحق له استلام جوازات سفر مغربية من طرف السلطات الدبلوماسية والقنصلية ولا يستفيدون أيضا من الحماية الدبلوماسية للدولة المغربية وهذا ما كان يجسد التفرقة بين جنسية الرجل والمرأة في المغرب بحيث يستطيع الأب نقل جنسيته لأبنائه بصرف النظر قضائيا وكليا عن جنسية أمهم في حين لا تستطيع هذه الأخيرة نقل جنسيتها المغربية إلى أبنائها إلا إذا كان أبوهم مجهولا أو عديم الجنسية وكانوا مولودين بالمغرب.
وأنه من أجل القضاء على هذه الميزة في نقل الجنسية للأبناء بين الأم والأب.
فقد كانت أولى محاولتها هو مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية الذي طالب بمراجعة المادة 6 من قانون الجنسية لسنة 1958 لتمكين الأطفال المزدادين من أم مغربية وأب أجنبي من الحصول على الجنسية المغربية ثم بعد ذلك بتاريخ 25/12/2002 عرض مجموعة من النواب التابعين لفريق الاتحاد الاشتراكي مقترح يقضي بتغيير الفصل السادس من قانون الجنسية ونص المقترح على ... يعتبر مغربيا الولد المزداد من أب مغربي أو أم مغربية، وذلك من أجل مراعاة الاتفاقية التي صادق عليها المغرب وهي اتفاقية الأمم المتحدة الهادفة إلى القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1993.
إلا أنه تم الانتظار إلى سنة 2006 حيث ستقدم الحكومة مشروع قانون إلى البرلمان تنفيذا للإرادة الرسمية في المساواة بين الأب والأم من أجل تعديل الفصل 6 من قانون الجنسية حيث صادق عليه جل النواب والمستشارين وبدأ العمل به سنة 2007 وبذلك أصبحت المرأة مساوية للرجل في نقل الجنسية المغربية إلى أبنائها.
2- قانون الشغل :
ما قيل سابقا يتضمن أيضا على قانون الشغل حيث حققت المرأة المغربية مكتسبات مهمة ترجمتها مدونة الشغل لعل أهم هذه المكتسبات هي :
- المساواة بين الرجل والمرأة في الأجر عند تساوي المؤهلات العلمية والتقنية والعمل.
- تمتيع الأجيرة برخصة الحمل والولادة لمدة 14 أسبوعا.
- لا يمكن تشغيل الأجيرات النوافس أثناء فترة الأسابيع 7 المتصلة التي تلي الوضع.
- تخفيف الاشتغال على المرأة أثناء الفترة الأخيرة للحمل وعقب الولادة.
- يحق لها توقيف الشغل أثناء الحمل وبعده.
- الحق في غرف الرضاعة وروض الأطفال في أماكن العمل.
إلى غير ذلك من المكتسبات.
3- القانون الجنائي :
وجود مجموعة من الفصول التي ...الجنسين مع في القانون الجنائي هناك فصول خاصة المرأة منها مثلا : المس بحق الأمومة عن طريق الاجهاض أو محاولة الاجهاض 456.455.451.
اختطاف قاصرة أو تغريرها ولو تزوجت بالمختطف الفصل 475.
معاقبة على تسليم المحضون الأم الفصل 477 الأسرة بترك الزوجة والأبناء بدون نفقة 479 480.
المعاقبة على هتك عرض قاصر أو المحاولة أو الخيانة الزوجية أو اختطاف المرأة المتزوجة أو التغرير بها.).
* المداخلة الرابعة، الزواج العرفي بالأطلس الكبير الشرقي، لحسن أيت الفقيه.
(لفهم وضع المرأة التقليدية، لا بد من استثمار كل طقوس التصوف الطرقي والتراث الشفوي، والنوازل بالمدن في مغرب ما قبل الاستعمار، لأنها مكان الإيمان ومكان الشرع، كما قال الباحث الاجتماعي الفرنسي جاك بيرك. وتجب الإشارة، إلى أن النوازل الفقهية غالبا ما تميل إلى نصرة العرف والثقافة العالمة وتغليبهما على الشرع. ونستشهد هنا بزواج القاصرات بما هو نتاج تأثير وتأثر بين الشريعة والثقافة.
يقترن الزواج العرفي، في الغالب، بزواج القاصرات وبالشفاهية. ومعلوم أن زواج القاصرات هو القاعدة، أو هو الأصل في مغرب ما قبل الحداثة. ولذلك فالزواج العرفي، أو بالأحرى، زواج القاصرات حدث قديم لكن خبره جديد، في الأوساط التي باتت الآن تنتمي إلى المجال الكتابي. وفي جميع الأحوال، فالزواج بقطع النظر عن آليات تنفيذه يعتبر حقا من حقوق الإنسان الطبيعية أو الثقافية.
1- زواج القاصرات من منظور الفقه :
نستشهد هنا بإحدى النوازل التي تعود إلى سنة 1221 هجرية الموافق لسنة 1809 ميلادية. المفتي فيها هو الفقيه محمد الرهوني والسائل فيها هو السلطان مولاي سليمان(1790-1822)، وهي مضمنة في كتاب، المعرفة والجنس، من الحداثة إلى التراث، لمؤلفه عبد الصمد الديالمي. لقد سأل السلطان الشيخ الرهوني حول زواج القاصرات ذات التسع سنوات : (......فلتعلم أن مسالةً كثرت في هذا الوقت وأعيت الحكام والولاة، وأرَدْتُ قطعَها إن شاء الله تعالى، وهي أن كلَّ من تزوج بابنة تسع سنين فما فوق...إلا يتيمة خيف فسادها وبلغت عشرا الخ...). وكان جواب الفقيه محمد الرهوني : ( .....لكن سيدنا أطال الله بقاءه وأدام عزه وارتقاءه ألحق ابنة التسع بابنة العشر فما فوقها، فقد يظهر ببادي الرأي أن ذلك مخالف لما سطر في الكتب المتداولة المشهورة، من أن من جملة الشروط بلوغها عشرا....وإن أراد إلحاق بنت التسع بها فلا حرج عليه فيما هنالك إذ لم يخالف كتابا ولا سنة ولا خرق إجماعا ولا اتفاق أهل المذهب....). وتبين أن لا وجود لمن تزوج بابنة التسع قبل التاريخ المذكور، لكن الفقيه الرهوني يرى أن ذلك لا مانع فيه، ما دام أنه لا يخالف الكتاب ولا السنة. نخلص من هذا كله لنبين أن حدث زواج القاصرات صورة للزواج المغربي إلى حدود القرن التاسع عشر، وإلى حدود عصرنا، حيث استفحلت هذه الظاهرة، في أوساط ما قبل الكتابية، أي التي لم تتأثر بالحداثة. ولا شك أن طرحه للنقاش في المنابر الصحافية سيؤدي حتما إلى مناقشة الإشكالية الحقيقية أي حقوق المرأة بين الطبيعي والثقافي.
2- زواج القاصرات الخبر الصاعقة :
انتشر خبر تزويج القاصرات طيلة سنة 2010 وفي شهرغشت أقدمت القناة الأولى على بث برنامج من 45 دقيقة، للصحفي عبد الغفور دهشور، يدور حول تزويج الفتيات القاصرات، وأنجزت بعض الصحف تحقيقات حول الموضوع، كما قامت جمعية (يطو) بحملة تحسيسية بمواضع الزواج العرفي بإملشيل وأنفكو وشرق أزيلال.
3- سلبيات الزواج العرفي :
من سلبيات الزواج العرفي عدم الاعتراف القانوني بالأولاد الذين يولدون في الأسرة العرفية لحرمانهم من التسجيل بالحالة المدنية. وكثيرا ما ينجر عنه الطلاق التعسفي، الشفاهي. وأخيرا فإن لنظام الزواج العرفي عواقب على توزيع الإرث.)
* المداخلة الخامسة، هشام العيدي، مقاربة نفسية في معالجة إشكالية اللامساواة بين الجنسين.
(إن تأملنا للمدارس السيكولوجية بصفة عامة، يجعلنا نلاحظ وعلى اختلاف مقارباتها ومرجعياتها لا تقيم أي فرق بين الذكر والأنثى باستثناء علم النفس والفزيولوجي الذي يقيم بعض الفوارق على مستوى وظائف الأعضاء وهي فوارق أو بمعنى أصح اختلافات تجد أصولها في الطبيعة البيولوجية للجنسين. هذا بالإضافة إلى ما نجده في التحليل النفسي خصوصا حينما نتطرق لمراحل النمو النفسي، وبالضبط المرحلة الثالثة التي تسمى بالمرحلة القضيبية والتي نقف من خلالها على أهم عقدتين أولهما بالغ الأهمية على مستوى تشكل الشخصية مستقبلا وهما عقدة أوديب والخصاء. وتجدر الإشارة كذلك إلى هذه الاختلافات تجد جدورها من جهة في الطبيعة البيولوجية للجنسين ومن جهة ثانية في الحمولة الثقافية التي تتولد عن طريق التربية وفق الثقافة السائدة في المجتمع. لكن إذا تأملنا الواقع الاجتماعي خصوصا المتعلق على ذات سنجده يقيم فوارق لا حصر لها بين الذكر والأنثى تصل إلى حدود النظرة الدونية والتحقيرية للمرأة. وهذا ما يجعلنا نتساءل حول طبيعة هذه النظرة، هل هي نظرة موضوعية أم يمكن أن نجد أصولها سواء على مستوى نمط التربية، أو البنية الثقافية السائدة في المجتمع أو حتى في التحليل الباتولوجي للحالات العيادية؟
1- التمييز بين الجنسين شكل من أشكال العنف الممارس ضد المرأة :
بداية أود الوقوف عند هذا التميز الملاحظ في الواقع بين الرجل والمرأة باعتباره أشد أنواع العنف الممارس ضد المرأة. إنه عنف يجد جدوره في البنية الثقافية السائدة، كنوع من العنف الرمزي الخفي وغير المحسوس يفرض نفسه على الجميع سواء بالنسبة للضحية أو حتى جلادها مما يجعله ينتقل في مرحلة لاحقة إلى عنف معنوي أو نفسي يحتقر الآخر كقيمة شخصية، يجرح هويته ويجعله محطم وغير قادر على تحقيق ذاته. ولما لا يتطور كذلك إلى عنف اقتصادي أو جنسي وهو ما يسمى عموما بالعنف المادي.
إنه عنف ينتج انطلاقا من التمثل السائد بالحق في ممارسته لأنه يمنح السلطة والسيطرة على الشريك.
2- دور التربية في تشكل نظرة اللامساواة بين الجنسين :
إن هذه النزعة (إشارة هنا للنظرة الدونية التي يحملها الذكر عن الأنثى) التي نجدها لدى الرجل الشرقي، ترتبط بعوامل تتعلق بالتمثلات الثقافية السائدة عامة وخاصة بأسلوب التربية في الأسرة، ووضع المرأة في الأسرة هذا الوضع الذي يعتبر نتيجة لنظرة المجتمع للمرأة. فمما لاشك فيه أن أسلوب التربية في الأسرة مازال يقوم على أساس الفصل بين الجنسين وإقامة الحواجز بينهما بصورة واضحة وهذا يؤدي إلى موقف يتخذه كل من الجنسين من الآخر فالرهبة من جانب المرأة من الرجل والخوف منه. والغموض وعدم الثقة من جانب الرجل في المرأة هي كلها ظواهر تعكس الرواسب القديمة التي تظهر نتيجة للتربية.
وبهذا فإذا حاولت المرأة أن تنسلخ عن حياتها القديمة ساعية نحو التحرر، فتذهب إلى العمل، تختلط بالزملاء، تشارك في الأنشطة الاجتماعية فتتأخر في الرجوع إلى البيت... كل هذا يثير حفيظة الرجل ويولد شكوكه ويشعل نار غيرته، فلا يقبل مشاركة المرأة له في كل شيء ومساواتها معه في كثير من الحقوق، فيتخذ منها موقف سلبيا لأنها أصبحت تنافسه على العرش الذي تربع عليه لقرون والذي ولد بداخله لاشعوريا عقدة التملك اتجاه المرأة.

وكنتيجة لكل هذا هو ما نلمسه على مستوى المجتمع من صراع دائم بين الرجل والمرأة وهو صراع من أجل السيطرة. هذا الصراع الذي قد يكون تارة كامنا في الشعور وخفي وتارة أخرى يكون طافيا على السطح وظاهر بشكل جلي خصوصا على مستوى التمثلات السائدة ثقافيا حول المرأة (المرأة ناقصة عقل ودين) (المرأة نشاورها لا نأخذ برأيها...).
3- تصور التحليل النفسي :
لتفسير هذا التميز بين الجنسين لابد لنا كذلك من العودة إلى التحليل النفسي وبالضبط إلى المرحلة القضيبية التي تتميز بأهم عقدتين هما عقدة أوديب وعقدة الخصاء. فماذا يمكننا أن نجد على هذا المستوى؟ بالعودة إلى عقدة أوديب، هذه التي يمكن تلخيصها على الشكل التالي : أنها نتيجة لترابط شعوري لدى الطفل بالأم الذي يميل إليها على حساب الأب الذي يرى فيه المنافس لحب الأم. وهكذا فإذا وقع الكبت الأوديبي لحب الأم الذي يترافق بالشعور بالممنوع وبالذنب، هذه المشاعر ستطغى على هذا الفرد الأوديبي في أية علاقة حب يخوضها مستقبلا. مما يعني أن التمرد الأوديبي قد يتحول إلى عدائية نحو الأم وهذه العدائية تمتد وتعمم على جميع النساء.
أما بالنسبة لعقدة الخصاء فهي ترتبط بنظرية فرويد عن غياب القضيب أي الخصاء. وهو ما يؤكده "لاكان" بقوله "لا توجد إلا امرأة مستبعدة عن الأشياء" لبحث تجليات الخصاء لابد لنا من العودة إلى طفولة المرأة ونمط تربيتها لنكشف عن طبيعة الصورة التي تحملها حول ذاتها وذلك انطلاقا من الصورة التي كانت تحملها حول جسدها خصوصا على مستوى الخصاء. هذه الصورة التي تعبر عن رفض الفتاة لجسدها باعتباره خصما لها، وحملا ثقيلا عليها، لا تتجرأ على تركه يعبر عن نفسه فكيف ستبني صورتها عن ذاتها انطلاقا من صورتها عن جسدها؟
جسد المرأة غير مرغوب فيه منذ الولادة، فعندما يولد الصبي تخرج كل العائلة في حين يلعنون ولادة البنت. إذن منذ ولادتها تشعر بالفرق بينها وبين الذكر. فتعيش مأساة منذ طفولتها لأنها لا تشبه أحدا، لا تملك لا قضيب الأب ولا جسد الأم (نهدين، ردفين...) وكأنها لا تتميز بشكل جنسي (لا تشبه لا الأب ولا الأم ولا حتى الأخ الصغير) هي لعبة عضوها الجنسي مخفي لا تراه، فيبدأ إنكار الجسد الأنثوي من هاجس فرويد، إنكار المهبل لأنه قضيب مخفي، فتتجه نحو الأب وتترك موضوع حبها الأول (الأم) ومن هنا تصير من السادية إلى المازوخية، ومن ناشطة تصير متلقية ومن فاعل تصبح مفعولا به. إن تقبل لعقدة الخصاء هكذا تبني صورتها حول ذاتها انطلاقا من صورتها حول جسدها بطريقة لا واعية فتحس أنها مسجونة لا تحظى بالاهتمام مثل الصبي بأعضائها التناسلية لأنها لا تملك العضو الجنسي فيتربى الجسد الأنثوي بالسلب وبالنفي، إنها تراقب فقط.
هذا الصراع الذي تربى لاشعوريا منذ الطفولة يحتدم في سن البلوغ فعليها أن تستر جسدها، أن لا تتكلم وتسكت، وتسكت رغباتها الجنسية، تربى فقط لكي تكون أما صالحة تحت الضغوطات والممنوعات بحيث لا يحق لها أن تكون أنثى، امرأة، أن تمارس جسدها. تنتقل من العذرية إلى الأمومة، لا تشعر بأنها ممتلئة إلا عندما يأتي الصبي فيجردها من جديد من هويتها (النهد أصبح ثدي).
إن تربية الفتاة هنا مليئة بالإحباط والكبت والإنكار لجسدها الذي يشكل أبرز مقومات هويتها فإذا كانت الأم تنكر جسدها فكيف ستنقل لإبنتها حق التمتع بجسدها، كما أنها لا تحضرها لفهم وظائف أعضائها التناسلية وهذا ما يجعلها تشعر عند البلوغ بالخوف والخجل فتتقوقع على ذاتها وكأن دم الحيض تكفير عن ذنب اقترفته.
في إطار هذا السياق ترى الدكتورة "مي جبران" أن المرأة لا توجد لذاتها بل للآخر (الأب، الزوج، الطفل) وهذا يعني أن الأدوار التي يسمح لها بأن تلعبها لا تتعدى ثلاثة أدوار هي :
- العذراء : وهي غير موجودة في حد ذاتها، رغبتها مستورة تبقى ملك الأب الذي تحمل اسمه وشرفه، لكنها تحمل قيمة التبادل بين الرجال في كونها بضاعة مرغوبة.
- الأم : هي آلة للإنجاب، تحمل اسم الزوج ولا تصلح للتبادل بين الرجال، لم تعد بضاعة.
- العاهرة : موجودة ومقبولة ضمنيا، لكنها مرفوضة من طرف النظام الاجتماعي قيمتها في جسدها الذي يصلح للتبادل.
وفي هذه الحالات الثلاث نجد أن المرأة لا توجد لذاتها فكيف ستبني صورة سليمة عن ذاتها؟
خلاصة : في الختام نقول يجب أن تتوقف هذه اللعبة، لقد تغيرت صورة المرأة، ولم تعد اليوم مثل البارحة، إن رغبة المرأة هي المبتورة وليست هي أو عضوها، لذلك فعليها أن تخرج من الحيادية الفكرية ومن الانتظار لأن التمايز الجنسي هو ضرورة للحياة ولإستمرار البشرية وليس للتميز بين الجنسين، لذلك فلابد من خلق حوار بينهما لأن غياب أحد الطرفين في الحوار يعطل اللقاء بين الجنسين ويؤخر مسيرة التنمية لأن المرأة هي الشريك الثاني في مسار الحياة، لذلك عليها أن تلعب الدور المنوط إليها وأن تدرك قيمة المسؤولية الملقاة على عاتقها باعتبارها منتجة وفاعلة في هذا المسار وليست مراقبة تقن على الهامش.
يقول كانط : "ما الأنوار؟ الأنوار هي خروج الإنسان من قصوره العقلي والذي يكون هو نفسه مسؤولا عنه").