السكن الجماعي وأوضاع النساء في قطاع غزة



دنيا الأمل إسماعيل
2004 / 10 / 7

تتيح الإيحاءات اللغوية لكلمة السكن العديد من الافتراضات المترابطة حول صورة وشكل هذا السكن، فالمعنى اللغوي للكلمة مستمد من السكينة الضرورية لاستقرار الإنسان، الغاية القصوى من السكن، والشعور بالسكينة لا يتحقق إلاّ ضمن شروط معينة، بحيث لا يصبح قيمة للسكن إذا افتقدها، وفي هذا إشارة إلى أن مدلول السكن لا ينحصر فقط في أربعة جدران وسقف، بل يتجاوزه إلى المدلولات النفسية والاجتماعية التي ترتب شكل العلاقة بين المستفيد من السكن والوسط المحيط به، ومن ثم فهناك علاقة طردية بين تمتع الفرد بالحق في سكن ملائم وآمن، ومدى الدور الذي تعكسه تلك العلاقة على الخريطة الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، ومن هنا تنبع أهمية التزام المجتمع بتأمين حماية هذا الحق. وقد أكدت منظمة الصحة العالمية أن المسكن هو العامل البيئي الفردي الأكثر أهمية بالنسبة لظروف المرض والمعدلات المرتفعة للوفيات والحالات المرضية.
ورغم أهمية السكن الملائم، فإن ما يزيد عن مليار نسمة في العالم يعيشون في مساكن غير ملائمة،فيما يقيم مائة مليون آخرون في حالة تشرد أو انعدام مأوى.

وعلى المستوى الفلسطيني، شكّل استمرار الاحتلال الإسرائيلي وما يرتبه ذلك من انتهاكات لحقوق الإنسان معيقاً أساسياً في إحقاق هذه الحقوق، فما زالت إسرائيل تحتل حوالي 60% من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، مما قلل من فرص النمو العمراني وما يرتبط به من إنشاءات البنية التحتية، كما أدى الصراع السياسي على الأرض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلى تغيرات جذرية في التوزيع الديموغرافي في الأراضي المحتلة، حيث يعيش المهجرون في مخيمات لا تتوفر فيها الخدمات الملائمة، وتصل نسبة الاكتظاظ فيها إلى 3000 نسمة/كم2
وتعد ظاهرة السكن الجماعي واحدة من الظواهر الاجتماعية البارزة في المجتمع الفلسطيني، خلقتها الظروف الاقتصادية الصعبة، وجعلت منها حالة طبيعية جرى التسليم بها ضمناً، رغم ما تفرزه يومياً من نتائج سلبية لكل أفراد الأسرة أو الأسر التي تعيش في مسكن واحد، يفتقر غالباً للشروط الصحية، والخدماتية. ولعل تدقيقاً بسيطاً في الحالات التي ترد إلى المراكز الصحية والنسوية، ومراكز التأهيل المجتمعي والنفسي، تشير إلى الخطورة الكامنة في ظاهرة السكن الجماعي.

الحق في السكن في المواثيق الدولية
حيث أدرج الحق في السكن الملائم في معاهدات وإعلانات مختلفة، وعولج في العديد من القرارات المعتمدة من جانب جميع أنواع هيئات الأمم المتحدة الصانعة للقرارات . الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 25 فقرة 1 نص على: "لكل فرد الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته خاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية". فيما نصت المادة 11 فقرة 1، من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على: "حق كل شخص في مستوى معيشي كافٍ له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجاتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية، وتتخذ الدول التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق،معترفة في هذا الصدد بالأهمية السياسية للتعاون الدولي القائم على الارتضاء الحر". وقد أولت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اهتماماً كبيراً بهذه المادة، بخاصة من زاوية علاقتها بحق الإنسان في السكن الملائم، حتى أنه الوحيد من حقوق العهد الذي كرس له حتى الآن تعليق كامل هو التعليق العام رقم 4 (1991) . وقد ذكر في الفقرة السابعة منه: "إنّ الحق في السكن ينبغي ألاّ يفسر تفسيراً ضيقاً أو تقييدياً بحيث يصبح مساوياً، على سبيل المثال، لتزويد المرء بسقف يأويه، بل ينبغي النظر إلى هذا الحق باعتباره يمثل حق المرء في أن يعيش في مكان ما في أمن وسلام وكرامة"
كما أكدت الاستراتيجية العالمية لتوفير المأوى حتى سنة 2000، والتي اعتمدت في عام 1988، على ضرورة تحسين إنتاج المأوى وتوفيره، ومراجعة سياسات الإسكان الوطنية واعتماد استراتيجية تمكينية من أجل تحقيق المأوى الملائم للجميع في القرن القادم . كما أن هناك إشارات أخرى واضحة وصريحة في قوانين دولية أخرى تنص على الحق في سكن مناسب، وبغض النظر عن الإلزام القانوني لها، إلاّ إنها تشكّل داعماً مهماً لهذا الحق من خلال وضع معايير مقبولة دوليا، ومنها إعلان الأمم المتحدة بشأن التقدم والتنمية عام 1969، وإعلان فانكوفر في كندا عام 76 بشأن المستوطنات البشرية، ومؤتمر استنبول الثاني الخاص بالمستوطنات البشرية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، في مادتها الرابعة عشر(2-ح) والاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين عام 1951،إعلان حقوق الطفل عام 1959، واتفاقية حقوق الطفل عام 1989، إعلان الحق في التنمية عام 1986، الاتفاقية الدولية لحماية جميع حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لعام 1990، وقرار اللجنة الفرعية المعنية بمنع التمييز وحماية الأقليات، رقم 1991/26.

ما هو السكن الملائم
عرّفت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحق في سكن مناسب بأنه مؤلف من مجموعة من الاهتمامات المحددة، وتشكّل العناصر المكونة هذه في مجموعها، الضمانات الأساسية الممنوحة قانوناً لجميع الأشخاص بموجب القانون الدولي، وهي:
ـ تمتع جميع الأشخاص بدرجة من أمن الحيازة، تضمن الحماية القانونية ضد الإخلاء القسري، أو المضايقة، أو غيرهما من التهديدات.
ـ إتاحة الخدمات والموارد والبنية التحتية بشكل مستدام.
ـ القدرة على تحمل كلفة السكن، وضرورة تأمين إعانات للسكن لغير القادرين.
ـ يجب أن يتوفر للقاطنين الحماية من أية أمور تهدد الصحة.
ـ أن يكون السكن سهل الوصول إليه، خاصة للشيوخ والأطفال والمرضى والمعاقين.
ـ وجود السكن في موقع مناسب من موقع العمل والمراكز الصحية والمدارس.
ـ أن يعبّر السكن عن هوية المكان المتواجد فيه.

الحق في السكن وتكاملية حقوق الإنسان
لا يمكن النظر إلى الحق في السكن الملائم بمعزل عن سائر حقوق الإنسان الأخرى، المبينّة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وغيرهما من الصكوك الدولية الأخرى،التي تقوم على أساس مبدأي الكرامة الإنسانية وعدم التمييز. كما أنّ حق الفرد في ألا يخضع لأي تدخل تعسفي أو غير مشروع في خصوصياته أو خصوصيات أسرته أو منزله أو مراسلاته يشكل بعداً بالغ الأهمية في تعزيز الحق في سكن ملائم .

الدولة والحق في السكن
قد وجهت غالبية القرارات الدولية المتعلقة بالسكن إلى الحكومات مباشرة، وذلك لتشجيعها على القيام بالمزيد من الخطوات لإعمال هذا الحق، مثال ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي جاء فيه: "التأكيد على الحاجة إلى اتخاذ تدابير، على الصعيدين الوطني والدولي، لتعزيز حق جميع الأشخاص في مستوى معيشة كاف لهم ولأسرهم بما في ذلك السكن الملائم وطلب إلى جميع الدول والمنظمات الدولية المعنية أن تولي اهتماماً خاصاً لمسألة إعمال الحق في السكن الملائم في اتخاذ تدابير لوضع استراتيجيات وطنية وبرامج لتحسين الاستيطان". كما اتخذت اللجنة الفرعية المعنية بمنع التمييز وحماية الأقليات القرار 1991/26، الذي حثت فيه: "جميع الدول على اتباع سياسات فاعلة واعتماد تشريعات تهدف إلى ضمان إعمال حق الجميع في السكن اللائق، وتركز على من ليس لهم في الوقت الحاضر سكن أو ليس لهم سكن لائق" ، كما نصت المادة 2 فقرة 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية على أن" تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد بأن تتخذ بمفردها وعن طريق المساعدة والتعاون الدوليين، ولاسيما على الصعيدين الاقتصادي والتقني، وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة، ما يلزم من خطوات لضمان التمتع الفعلي التدريجي بالحقوق المعترف بها في هذا العهد، سالكة إلى ذلك جميع السبل المناسبة، وخصوصاً سبيل اعتماد تدابير تشريعية".
إنّ أولى الواجبات القانونية لإعمال الحق في السكن هي اعتراف الحكومات بهذا الحق واحترامه، والعمل على تعزيزها وحمايتها، ثم المبادرة بتنفيذها. أو كما رأى البعض، فإنّ الالتزامات الملازمة لتأمين الاستحقاقات الفردية للمستفيدين من هذا الحق، تنقسم إلى طبقات تعكس واجبات الاحترام والحماية والتعزيز والأداء. وذلك لكل حق من الحقوق الواردة في هذا العهد . ومن ثم فإنّ ذلك يتوجب:
1- اتخاذ خطوات سريعة لتشخيص الحالة الراهنة للحق في السكن.
2- وضع سياسات، وتحديد أولويات تتفق مع ضرورة إعمال الحق في السكن.
3- اعتماد استراتيجية وطنية للإسكان تحدد الأهداف والموارد وأفضل السبل لاستخدامها، واستقطاب القطاعات المجتمعية لوضع تصوراتها لهذه الإستراتيجية.
4- اتخاذ خطوات فاعلة لتأمين التنسيق بين الجهات المعنية بإعمال الحق في السكن.

الجهود العربية والحق في السكن
نصت الفقرة 8 من الإعلان العربي حول التنمية المستدامة للمستوطنات البشرية (إعلان الرباط) على أنّ: "السكن الملائم حق من حقوق الإنسان وحاجة أساسية له، ويجب تمكينه من الحصول عليه في المناطق الحضرية والريفية على السواء ضمن بيئة صحية وصالحة متكاملة الخدمات والمرافق".
وأورد جملة من التعهدات يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:
ـ العمل على تبني استراتيجيات وسياسات تنموية وطنية شاملة ومتكاملة، تؤمن التوازن بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والبيئية.
ـ تبني سياسات تنمية عمرانية متكاملة ومندمجة، تركز على تحقيق التنمية المتوازنة في الحضر والريف، وتوّجه التحضر بشكل يدعم نشوء المدن الصغرى والمتوسطة وبمنع نشوء مدن كبرى جديدة أو تضخم المدن الكبرى القائمة.
ـ العمل على تطوير البنية الأساسية للاقتصاد الوطني، وتعزيز دور القطاع الخاص فيها مع وضع الضوابط المناسبة، ورصد ومعالجة الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية لبرامج الخصخصة والتكيف الهيكلي.
ـ وضع سياسات عمرانية وإسكانية شاملة مبنية على مبدأي اللامركزية والتمكين، وبمشاركة جميع الأطراف بما في ذلك القطاع الخاص والجماعات المحلية والمنظمات غير الحكومية.
ـ وضع السياسات الخاصة باستخدامات الأراضي، بما يضمن التوازن بين توزيع السكان وانتشار الأنساق العمرانية على كامل الأراضي القابلة للتعمير. مع تحقيق الاستخدام الأمثل للأراضي في إطار التنمية المستدامة.
ـ العمل على إنشاء قاعدة معلومات عن الأوضاع والتطورات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية والإسكانية والبيئية والموارد الطبيعية، تساعد على وضع السياسات المتوازنة والملائمة وتطبيقها وتحديثها، والاستفادة من النظم والمعايير الدولية في هذا المجال.
ـ العمل على تعزيز دور السلطات البلدية والمحلية في التنمية الحضرية والريفية، والاتجاه نحو التخطيط العمراني اللامركزي فيما يتعلق بتوسع المدن واستعمالات الأراضي وتحديد الاحتياجات من الهياكل الأساسية ومرافق الخدمات العامة.
ـ العمل على تعزيز دور المرأة والشباب في المشاركة في صنع القرار وإدارة المستوطنات البشرية وتنميتها.
ـ العمل على وضع التشريعات اللازمة لتوفير المأوى الملائم لجميع فئات السكان.والعمل على استحداث آليات التمويل وتطويرها وتنويعها لأغراض السكن لذوي الدخول المتدنية بمختلف فئاتهم بما في ذلك تشجيع الادخار السكني.
ـ العمل على وضع أنظمة عقارية تهدف إلى تهيئة الأراضي العمرانية، وتزويدها بالخدمات والهياكل الأساسية ذات التقنيات الملائمة، وتسهيل إجراءات امتلاكها وبيعها وتسجيلها لكافة المواطنين، مع تشجيع وتطوير سبل مشاركة القطاع الخاص في تجهيز وتهيئة الأراضي.
ـ تعزيز البرامج الهادفة إلى معالجة السكن العشوائي والحد من انتشاره.
ـ العمل على بناء وتطوير القدرات والمهارات ذات العلاقة بمجالات الإسكان، وإدارة المستوطنات البشرية، وإدارة الأراضي والهياكل الأساسية، والتشييد والبناء الذاتي، عن طريق التدريب والتأهيل وبرامج التوعية.
ـ إعطاء أولوية وطنية لإعادة التعمير وتطوير المدن والقرى التي تأثرت بالحروب والصراعات. وإدماج سياسة إعادة التعمير بسياسة إعادة إسكان المهجرين والمشردين بسبب تلك الأحداث.
ـ الاهتمام الخاص بمدينة القدس الشريف بما يكفل الحفاظ على طابعها العمراني العربي الإسلامي، والتراث المقدّس لهذه المدينة، وحماية معالمها التاريخية المهددة بالخطر والمسجلة في قائمة التراث الحضاري العالمي.
ـ العمل على تمكين المواطنين الفلسطينيين وخصوصاً في مدينة القدس، من تأمين المسكن المناسب لهم، وذلك من خلال مساعدتهم ودعمهم بشكل مباشر ومن خلال الاتصالات الدولية، لإزالة المعوقات التي تحول دون ذلك.

الجهود الفلسطينية والحق في السكن
رغم أنّ انتهاكات حقوق السكن تعد من أولى الانتهاكات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، غير أنها لم تحظ بالاهتمام سوى في مرحلة التسعينيات، ويرجع ذلك إلى جدّة حركة حقوق الإنسان عامة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية خاصة، حيث قام مركز معلومات حقوق الإنسان الفلسطيني في عام 1992، بتأسيس لجنة حقوق الإسكان لدعم مشاركة الجماهير الفلسطينية في الدفاع عن حقهم في الحصول على مسكن مناسب، والمشاركة الديموقراطية في التخطيط والبناء.
وفي أيلول 93 أسس المركز لجنة المرأة والإسكان بالتعاون مع أوكسفام كيبك، بهدف تفعيل مشاركة المرأة في التخطيط المجتمعي والعملية التطويرية. وكان من أهم نشاطاتها التالية استضافة دائرة مستديرة ناقشت الاستراتيجيات لتفعيل مشاركة المرأة في التطوير الإسكاني والمجتمعي، والتي نتج عنها تأسيس حركة حقوق السكن الفلسطيني في تشرين ثاني 1994.

السكن في قطاع غزة
تبلغ مساحة قطاع غزة 365كم2 منها 49% أراضي زراعية، 28.8% كثبان رملية، 3.3% غابات ومناطق مشجرة، وتبلغ نسبة الأراضي التي تسيطر عليها السلطة الوطنية 74% من المساحة الكلية للقطاع يعيش عليه حوالي 1.2 مليون نسمة، بكثافة تزيد عن 3000 شخص/ كم2 منهم 40% يقطنون مخيمات اللاجئين الثمانية المنتشرة في أرجاء القطاع، والتي يبلغ مجموع مساحتها 51.000 دونماً. وهؤلاء يشكّلون ما نسبته 56% من اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث، بكثافة سكانية تصل إلى 5000 فرد / كم2، ترتفع أحياناً إلى 10,000 فرد / كم2. وتوفر وكالة الغوث مساكن تتراوح مساحتها بين 12،14 م2 للأسرة المكونة من خمسة أفراد، وتقدم حجرتين للأسرة التي يزيد عدد أفرادها عن هذا العدد .
ويفتقر القطاع إلى الموارد الطبيعية الكافية في ظل احتلال القسم الأكبر من أراضيه ومياهه. ويعاني من نقص خدمات البنية التحتية الملائمة المتعلقة بإمدادات المياه والصرف الصحي وإدارة النفايات.
بلغ عدد الوحدات السكنية لعام 96، في الضفة والقطاع 336,104 وحدة، منها ما نسبته 30% في قطاع غزة. و بلغ متوسط مساحة البيت في المخيمات 50 م2، و96 م2 في غزة، و76 م2 في الأماكن الأخرى، فيما بلغ عدد الغرف في الوحدة السكنية 3.4 في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحوالي 28.3% من الأسر تعيش في مساكن تضم من 1-2 غرفة، فيما بلغ عدد غرف النوم في المسكن1.9 غرفة، وحوالي 35.6% من أسر المجتمع الفلسطيني تعيش في مساكن يوجد فيها غرفة نوم واحدة أو أقل. وقد بلغت نسبة إشغال الغرفة 2.2 فرداً في الضفة و6.6 فرداً في القطاع، كما أن 27.9% من الأسر تعيش في مساكن ذات كثافة تزيد عن 3 أفراد للغرفة الواحدة، وقد بلغت النسبة في قطاع غزة 34.8%، علماً بأن 30% من الأسر الفلسطينية تتكون من 9 أفراد وأكثر، منها 39.3% في القطاع.
أمّا على صعيد الخدمات الأساسية المتعلقة بظروف السكن،تشير الإحصاءات الرسمية إلى أنّ 32.6% من المساكن المأهولة في الأراضي الفلسطينية متصلة بالمياه والكهرباء والصرف الصحي، منها ما نسبته 23.8% في الضفة الغربية، مقابل 49.5% في قطاع غزة. وسيتم التطرق للعوامل المؤثرة على واقع السكن في قطاع غزة عامة، ثم من خلال علاقته بالمرأة الفلسطينية في القطاع، وآثاره السلبية المؤثرة على درجة تمتعها بالحق في سكن ملائم.

أثر الاتفاقات على التمتع بالحق في السكن
فرض الوضع السياسي الناتج عن توقيع الاتفاقات مع الجانب الإسرائيلي العديد من القيود التي تركت آثاراً سلبية على الحق في السكن، إذ ما زالت السلطة الوطنية الفلسطينية تعاني من عدم التطبيق الكامل لهذه الاتفاقات، ومن سيطرة محدودة على الأراضي والموارد الطبيعية، بل وأيضاً على المصادر البشرية، إضافة إلى أن السمة الانتقالية للاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية، وما تبعته من شروط ونتائج، ناهيك عن الفصل الجغرافي بين المناطق التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، والتبعية للاقتصاد الإسرائيلي، وافتقاد الاقتصاد الفلسطيني للقدرة الذاتية على النمو والتواصل، جميعها أثرت سلباً على التمتع بالحق في سكن ملائم، من حيث محدودية الرقعة السكانية، وبالتالي ارتفاع نسبة الكثافة السكانية،وهذا يعني ارتفاع مؤشر الطلب على الوحدات السكنية، غير أن ارتفاع معدلات الفقر أدى إلى قبول الكثيرين بمسكن يفتقر إلى الشروط الصحية ولكنه رخيص. كما أنّ السيطرة الإسرائيلية على الموارد الطبيعية، والتحكم في المعابر والحدود، أدى إلى عدم تبني سياسات سكانية كلية شاملة. وهذا ما جعل 44% من الفلسطينيين يشعرون أنّ مستواهم المعيشي لم يتغير بعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية، بينما شعر 41% منهم أنّ أوضاعهم أصبحت أسوأ . وليس أدل على أثر الاتفاقات السلبي على التمتع بالحق في السكن من افتقار منطقة المواصي في خان يونس ـ جزء من المناطق الصفراء ـ إلى أدنى خدمات البنية التحتية.

أثر الفقر على التمتع بالحق في السكن
"إنّ تعزيز إقامة مستوطنات بشرية تتصف بالإنصاف وتتوفر لها مقومات الاستقرار الاجتماعي، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقضاء على الفقر".
تؤكد هذه الفقرة على أثر الفقر السلبي على تنمية المستوطنات البشرية، ويبين تقرير الموئل الثاني أنّ الفقر يتخذ مظاهر مختلفة، منها الافتقار المادي والسكن غير الملائم . وإذا كان الفقر يعدّ أحد القيود الشديدة على تنمية المستوطنات البشرية، فإنّ ذلك يستدعي من الحكومات كفالة وصول الفقراء إلى الموارد الإنتاجية فضلاً عن الخدمات العامة، وكفالة إتاحة الفرص لهم للمشاركة في عملية صنع القرار، مما يمكنهم من الاستفادة من فرص العمالة والفرص الاقتصادية .
وتشير الفقرة 28 من الفصل الثاني من تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل الثاني)، والذي عقد في استنبول في تركيا، في الفترة من 3- 14 حزيران 1996، إلى أنّ القضاء على الفقر يعتبر ضرورياً لإقامة المستوطنات البشرية المستدامة. مما يعني الوفاء بالاحتياجات الأساسية لجميع البشر، ولاسيما الأشخاص الذين يعيشون في فقر، والفئات المحرومة والضعيفة، وكذلك هدف إلى تمكين جميع النساء والرجال من تحقيق المعيشة المستدامة والآمنة من خلال عمل منتج يتم اختياره بحرية.

دور السلطة الوطنية الفلسطينية
ورثت السلطة الوطنية الفلسطينية عن الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، وضعاً شديد التعقيد، تمثل في تدمير خدمات البنية التحتية، وممارسة العديد من الإجراءات التعسفية. وهذا أدى إلى تكرار وقوع العديد من الانتهاكات المتعلقة بمختلف جوانب حياة المواطن الفلسطيني، وذات الارتباط الوثيق بمدى تمتعه بالحق في السكن كالاستيطان وتقييد حرية الحركة وفرض سياسات الإغلاق والحصار وغيرها من الأمور الأخرى التي وضعت السلطة الوطنية الفلسطينية في مأزق حقيقي، خاصة في ظل الإمكانات المحدودة التي تتوفر لها.
وعلى الرغم من تحويل الإسكان إلى السلطة الوطنية الفلسطينية مبكراً، بموجب اتفاق القاهرة، إلاّ أنّها واجهت العديد من المشكلات التي حالت دون أن تقوم بأداء فاعل في توفير السكن الملائم للمواطن الفلسطيني، وهذا يعني أن يستمر تدهور حقوق السكن، خاصة وأنّ إحقاق هذا الحق يتطلب سيطرة مباشرة على الأرض والمصادر والموارد الوطنية. ، ومن جهة أخرى، هناك ضرورة لتحديد دور الدولة والإجراءات التي يجب القيام بها من أجل إحقاق الحق في السكن. من هنا حاولت السلطة الوطنية منذ قيامها وضع وتنفيذ الخطط اللازمة لمواجهة الوضع الإسكاني بعد سنوات طويلة من الاحتلال. وقد شكل البرنامج الإنمائي للاقتصاد الفلسطيني 1994-2000، المحاولة الأولى لوضع خطة إنمائية من أجل إعادة بناء المجتمع الفلسطيني، قدّرت تكاليفها بـ 11.6 بليون دولار أمريكي. وقد أعطت الخطة اهتماماً واسعاً لتصحيح التشوهات التي نجمت عن الاحتلال، وتطوير البنية التحتية وبناء المساكن غير أن عدم توفر التمويل وعدم واقعية الافتراضات التي قامت عليها الخطة حال دون تطبيقها.
والمحاولة الثانية تمثلت في الوثيقة التي تقدمت بها السلطة الوطنية الفلسطينية إلى الدول المانحة في المؤتمر الخاص بالمساعدات الاقتصادية للشعب الفلسطيني، والذي عقد في باريس في 9 يناير 1996. وتضمنت إستراتيجية التنمية في فلسطين، حيث ركزت على اعتماد مبادئ السوق الحر وتشجيع الاستثمارات العربية والدولية. وأكدت على أنّ القطاع الخاص هو الذي سيقود عملية التنمية، فيما يتركز دور القطاع العام في توفير البنية التحتية المادية والاجتماعية، وتوفير البنية الاستثمارية الملائمة. أمّا المحاولة الثالثة فقد تضمنتها الوثيقة المقدمة إلى الدول المانحة في مؤتمر المجموعة الاستشارية لمساعدة الشعب الفلسطيني، والذي عقد في باريس أيضاً في نوفمبر 1996، وحوت قائمة مشروعات ذات أولوية عاجلة وملحة أساسية للتنمية الفلسطينية، بلغت قيمتها 845 مليون دولار موزعة على أربعة قطاعات رئيسة هي البنية التحتية والقطاعات الاجتماعية والقطاع الخاص وبناء المؤسسات. وعلى الرغم من ارتكاز هذه الوثائق على الأسس الإستراتيجية للتنمية الفلسطينية، إلاّ أنها كانت لمدة سنة واحدة فقط. مما تم تفاديه في خطة التنمية الفلسطينية الثلاثية 1998-2000، والتي تم تقسيمها إلى أربعة مجموعات رئيسة هي: تطوير البنية التحتية وتطوير الخدمات الاجتماعية وتنمية الموارد البشرية ودعم القطاعات الإنتاجية والقطاع الخاص وبناء المؤسسات. وعلى الرغم من أنّ قطاع الإسكان شهد تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة حيث بلغت مساهمة قطاع الإسكان والإنشاءات 26% من الناتج المحلي الإجمالي، و70% من إجمالي الاستثمار الخاص في عام 1994، وبلغت مساهمته في التشغيل 73 ألف عامل، أي حوالي 19% من الأيدي العاملة في عام 1995. إلاّ أنّ من الملاحظ تحمل القطاع الخاص الجزء الأكبر من الاستثمارات في مجال الإسكان، والذي لبى غالباً احتياجات الشريحة ذات الدخل المرتفع وهي شريحة ضئيلة من سكان القطاع.
ومن هنا برزت ضرورة وجود مؤسسة مهمتها توفير السكن لذوي الدخل المحدود، في هذا السياق أنشئ المجلس الفلسطيني للإسكان للمساهمة في إيجاد حلول للمشكلة السكانية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد ساهم المجلس في توفير عدد محدود من الشقق السكنية للشريحة متوسطة الدخل وبنظام تمويل طويل المدى.
اعتمد المجلس في مشاريعه على نظام الأبنية الرأسية، متعددة الطوابق في ظل صعوبة الحصول على الأرض وقام بتنفيذ العديد من المشاريع الإسكانية. فيما تولت وزارة الإسكان مهمة تقليص الفجوة بين العرض والطلب الخاص بالسكن من خلال منح الأراضي وطرح الشقق السكنية وفق معايير محددة. كما أولت اهتماماً واسعاً بمساندة الجمعيات التعاونية الإسكانية، من خلال توفير قطع الأراضي، والتسهيلات الأخرى اللازمة لتنفيذ مشروعاتها.

معوقات التمتع بالحق في السكن في قطاع غزة
لا يمكن الحديث عن التمتع بالحق في السكن الملائم دون التطرق للعوامل ذات الارتباط الوثيق بهذا الحق والذي يعد نقصان أحدها انتهاكاً للحق في السكن. وأهم هذه العوامل خدمات البنية التحتية والخدمات الصحية والتعليمية والسياسات السكانية والاستثمار والبيئة وغيرها من العوامل.

السياسات السكانية
إنّ توفير السكن الملائم لجميع المواطنين دون استثناء، يتطلب صياغة سياسات تمكينية للمأوى ترتبط بالواقع وبالسياسات العامة. ومن ثم فإنّ الأسس التي ترتكز عليها السياسة السكانية الفلسطينية لابد أن تنبع من الاحتياجات المختلفة للمواطنين، وتلبي الطلب المتزايد على المساكن والمرافق الأخرى، مما يعني تعزيز الإطار القانوني اللازم لتنفيذ هذه السياسة، وخاصة المتعلقة بتوفير السكن منخفض التكاليف، وإمكانية تعديله ليلبي الاحتياجات الخاصة للفئات الضعيفة والمحرومة من ذوي الدخل المنخفض والفقراء، ولمعرفة تأثيرها على البيئة والتنمية الاقتصادية. ويجب أن تتضمن السياسات السكانية ما يلي:
ـ توفير نظام معلومات متكامل يتعلق بالمأوى والنشاطات ذات العلاقة قائمة على أساس نوع الجنس.
ـ أن تعبر هذه السياسات عن احتياجات المواطنين، خاصة الفئات المعدمة.
ـ تحديد أولويات توزيع الموارد الطبيعية والبشرية.
ـ وجود إطار تشريعي مرن قادر على الاستجابة للمتغيرات؛
ـ ضمان الحيازة القانونية بما فيها من تعزيز لحقوق والتزامات للمالك والمستأجر.
ـ تشجيع القطاع الخاص على تمويل السكن.
ـ اعتماد سياسات إقراض ميسرة للسكان والقدرة على تحسين إدارتها وكفاءتها.
ـ صياغة سياسات تكفل الوصول على الخدمات الأساسية.
ـ المشاركة في صياغة السياسة العامة للإسكان.

السكن العشوائي
يوجد في قطاع غزة 37 تجمعاً سكنياً عشوائياً. يقطنها ما لا يقل عن 30 ألفاً من المواطنين . وقد أدى وجود هذه التجمعات في مناطق جغرافية مختلفة إلى حدوث تميز في طبيعة نموها وتطورها، حيث تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة، نتيجة ندرة مصادر الدخل، وعدم توفر خدمات البنية التحتية، ومشكلات اجتماعية وبيئية وصحية خطيرة، إذ تنتشر الأمراض بشكل يفوق المعدّل العام في المناطق الأخرى.
إنّ وجود مثل هذه العشوائيات خارج التخطيط الحضري للمدن من شأنه أنّ يؤثر على مجمل السياسات السكانية في البلاد، بما تفرضه من واقع مأساوي يتطلب وضع خطة سكانية شاملة تأخذ بعين ا لاعتبار المشكلات الناجمة عن هذا الوضع، ومن ثم ضرورة وضع الحلول الجذرية اللازمة، آخذين بعين الاعتبار أنّ تزويد سكان المناطق العشوائية بالمساعدة التقنية وغيرها من أشكال المساعدة ذات الصلة هي جميعا أمور أساسية لتحسين ظروف المعيشة والمسكن .

المرأة والسكن
تشكّل المرأة نصف المجتمع، ولا يمكن التوصل إلى تطوير شامل ودائم للمجتمع في ظل تجاهل حقوق واحتياجات نصف هذا المجتمع. وعلى الرغم من الاهتمام العالمي الواسع بقضية النهوض بالمرأة، وتحسين أوضاعها وتطويرها. لم تستطع الجهود المبذولة حتى الآن تجاوز الوضع المأساوي للعديد من نساء العالم اللائى يعشنّ ظروفاً اقتصادية واجتماعية سيئة. وعلى الرغم أيضاً مما تطرحه قضية المرأة من نموذج مثالي لصورة وضع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات العالمية، وهي تعتبر أيضاً مؤشراً فاعلاً وقوياً لقياس مدى تقدم هذه الحقوق من خلال ما يمكن أن تحققه النساء اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، إلاّ إنّّ الفصل لم يزل قائماً بين قضية المرأة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.فحتى الآن لا ينظر لقضية المرأة بوصفها من مهمات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
إنّ أي مكسب يمكن إحرازه على صعيد قضية المرأة هو مكسب مجتمعي وذلك لدور النساء في المجتمع، وإن جرى الترويج لغير ذلك. إنّ الاعتراف بحق المرأة في الحصول على سكن مناسب يمثل إحدى الطرق للتأكيد على تمتعها بالمساواة وقد كانت الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري أبرز الاتفاقات التي أولت اهتماماً كبيراً بالمساواة العادلة بين كل فئات المجتمع. وفيما يتعلق بحقوق السكن في هذه الاتفاقية، فقد نصت المادة 5هـ على: "يحظر التمييز العنصري والقضاء عليه بكافة أشكاله، وبضمان حق كل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الإثني، في المساواة أمام القانون، ولاسيما بصدد التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وخاصة... الحق في السكن".
وفي عام 1979، تم التوقيع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وبموجب المادة 14منها تلزم الدول الأطراف على وجه التحديد، بالقضاء على التمييز ضد المرأة في المناطق الريفية لكي تكفل لها التمتع بظروف معيشية مناسبة.
كما نصت المادة 3 من العهد الولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أنّ"تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بضمان مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في هذا العهد". وبذلك تكفل هذه المادة لكل من الرجل والمرأة على حد سواء الحق القانوني نفسه، في الحقوق المنصوص عليها في هذا العهد. واتخاذ الدول الأطراف، عند الضرورة تدابير خاصة لضمان بلوغ حالة المساواة . وهذا يعني أنّ الأحكام المتعلقة بحقوق السكن الواردة في العهد من المادة 1- 11، يجب أن تطبق على المرأة والرجل على قدم المساواة.
تشكل النساء أكثر من 50% من سكان العالم، وحوالي ثلثي القوى العاملة الرسمية، ويتحمّلنّ أكبر عبء من ساعات العمل، ومع ذلك لا يشكلن سوى 1% من الدخل العالمي. ولا يملكنّ سوى أقل من 1% من الممتلكات، ويعتبر حصولهن على الأرض والتعليم والتدريب يسير. كما تشكل المرأة المنتفعة الرئيسة للخدمات والقائمة على تأمينها في المستوطنات الحضرية والريفية على السواء. وتعرض نفسها بصورة متواصلة لأخطار صحية ناشئة عن بيئات غير نظيفة، ذات تأثير سمي . وعلى الرغم من الأدوار المختلفة التي تقوم بها المرأة في المجتمع إلاّ أنها لم تزل تقضي القسم الأعظم من وقتها في المنزل، وبذلك تضطلع بالمسؤولية اليومية لتصريف شؤون المنزل، فهي الموكلة بتوفير النظم الداعمة لحياة أسرتها، وهي بذلك أول من يتأثر بما يسفر عنه تدهور الوضع البيئي من نتائج سلبية وضارة، وربما هذا ما يفسر لماذا تكون النساء الضحية الرئيسة للأضرار البيئية. ومن ثم فإنّ عدم تمتع هذا المنزل بالشروط الصحية اللازمة للمرأة ينعكس سلباً على كل أفراد الأسرة. كما تشكل طبيعة المنزل، من حيث شكله وحجمه، ونوعية الخدمات المتوفرة فيه حافزاً مهماً لإدرار الدخل إذا كانت المرأة تمارس أحد الأنشطة الإنتاجية المنزلية.
إنّ هيمنة الفقر، وسيادة أنماط متدهورة من الأوضاع المعيشية، تجعل من المرأة العمود الفقري لاقتصاد الأسرة، إذ تصبح مطالبة بسبب الضرورة الاقتصادية بأن تتحمل مسؤولياتها الكاملة عن تأمين الاحتياجات الأساسية لأسرتها، مما يتطلب النظر بعين الاهتمام والتقدير لدور النساء بوصفهنّ ربات أسر يعملنّ بموارد محدودة حتى يمكن تصميم مساكن تتيح لهؤلاء النساء القيام ببعض الأنشطة المدّرة للدخل. ومن البديهي القول أنه لا يمكن مراعاة احتياجات وأولويات المرأة ما لم تتم استشارتها في مرحلة تخطيط وتصميم المستوطنات البشرية، وهذا يستدعي شروطاً ثقافية معينة، الأمر الذي قد يسفر عنه مشكلات حادة، كإدخال خدمات لا تتناسب مع احتياجات المرأة.وفيما يتعلق بهذا الجانب فلم يزل الفكر السائد في مجال الإسكان مقتصراً على دور الرجل، غير منتبه لأهمية مساهمة المرأة في تنمية القوى السكنية، والأنشطة المتعلقة بالبناء، حتى بعد التغير في هيكلية السلطة وبناء السيطرة في الأسرة الحديثة، حيث أصبح الزوجان يتخذان معظم القرارات معاً، مما عكس نفسه على قدرة المرأة على المشاركة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع .وهذا يعني ضرورة حدوث تغيير مماثل في تحمل المسؤوليات المرتبطة بأعمال بناء وصيانة المسكن، خاصة إذا نظرنا إلى الدور الفعّال الذي يمكن أن تقوم به المرأة في التنمية المحلية للبيئة السكنية. إنّ استبعاد المرأة من عملية تنمية المستوطنات البشرية لا يؤدي فقط إلى تردي أوضاع المرأة، بل إلى فقر المجتمعات بأسرها، حيث لا يمكن إحقاق مبدأ الحق في السكن ما لم تتم المشاركة التامة للمرأة في مناحي الحياة العامة كافة، وإزالة العقبات التي تعترض سبيل هذه المشاركة.

المرأة الفلسطينية والسكن
تتميز المرأة الفلسطينية بخصوصية مستمدة من خصوصية قضيتها الوطنية، والتي شكلت حياتها، وأثرت على مسيرة نضالها. فبعد حرب 1948، تعرّض أكثر من 800 ألف فلسطيني للإخلاء الجبري فأصبح غالبية الشعب الفلسطيني لاجئاً، يعيش ظروفاً اقتصادية واجتماعية صعبة. وبعد حرب 1967، ازداد الوضع سوءاً وتعقيداً، وأصبحت الهوية الفلسطينية برمتها مهددة، حيث توالى احتلال الأراضي وهدم البيوت وبناء المستوطنات، والرفض المنظم لمنح رخص البناء من قبل السلطات العسكرية الإسرائيلية وقد استدعى ذلك من المرأة الفلسطينية أن تنخرط مبكراً في النضال الوطني، فحصرت كل جهودها وكامل طاقتها في الدفاع عن قضيتها الوطنية كأي مواطن آخر. وتطلب هذا من المرأة أن تتناسى كينونتها الخاصة، وأن تندمج في الهم الجمعي الذي مثّل أولوية سياسية ومجتمعية أيضاً.
وانطلقت الثورة الفلسطينية فيما بعد لتنضم إليها العديد من النساء، تحمّلنّ عبء الهم الوطني بكل أبعاده السياسية والمجتمعية. ولاشك أن ذلك قد ترك آثاراً سلبية، ربما تتضح الآن أكثر من أي وقت مضى، على مسيرة تقدم النساء الفلسطينيات، حيث كرّس الانشغال بالسياسة الأنماط السلوكية نفسها، النابعة من هيمنة النفس المحافظ، بعاداته وتقاليده ومحتواه الثقافي. والتي تحد من قدرات المرأة، وتحجبها عن المشاركة الفاعلة والحقيقة، خاصة وأن الحال في السياسة لم يكن أفضل مما يمارس في الواقع الفعلي.
لم تنتبه المرأة الفلسطينية في خضم انشغالها الوطني لهذه المشكلة الخطيرة إلاّ بعد مرور سنوات عليها، تعرضت خلالها لأشكال عديدة من المعاناة والتمييز. وقد أدى ذلك إلى أن تضاعف جهودها ومقاومتها لكل أشكال الظلم والقهر التي تعرضت لها، جنباً إلى جنب مع النضال الوطني، بحيث لم يعد أحدهما يطغى على الآخر. وقد تطلب هذا من النساء أيضاً أن تعيد ترتيب أولوياتها، وبناء مفاهيمها الخاصة حول أدوارها في المجتمع. وقد شكلت الانتفاضة الفلسطينية مرحلة مهمة على هذا الصعيد، إذ شكل غياب مؤسسات دولة تضطلع بمهمة توفير الخدمات اللازمة لأفراد المجتمع، أن تبادر المؤسسات الأهلية بهذه المهمة، وهي مؤسسات اعتمدت في عملها -غالباً- على النساء نظراً لحرية الحركة التي تمتعنّ بها عن الرجال في ذلك الوقت. ورويداً رويداً، استطاعت النساء أن تباشر بنفسها قيادة هذه المؤسسات، وتشارك في وضع خططها وبرامجها، حتى تكون لديها قدر من الخبرة مكّنها من إعادة تشكيل حركة نسوية نشطة، عملت لسنوات -ولم تزل- في مجالات الصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي. وعلى الرغم من انضواء هذه الموضوعات تحت لواء الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلاّ إنّ الحركات النسوية عامة لم تنتبه إلى هذه العلاقة، ومن ثم لم تستفد من إضفاء طابع هذه الحقوق على برامجها وأنشطتها المختلفة، ربما دون وعي منها، وربما أيضاً لأن الخبرات اللازمة لذلك لم تتبلور بعد. ومن ناحية أخرى فقد مكّنها الاحتكاك المباشر بقطاعات معينة من الجماهير، من إعادة النظر في العديد من أولويات عملها، حيث نما توجه لإلغاء التمييز الواقع ضد النساء في مناحي الحياة كافة. ومن ثم جرى التركيز على خلق آليات تضمن تكافؤ الفرص أمام المرأة، من خلال إحداث تغييرات إيجابية في القوانين السارية. تم ذلك على الرغم من أنّ الحركة النسوية لم تزل غير متفقة على أجندة تشريعية محددة.

عوائق التمتع بمسكن ملائم
الفقر:
يشكل الفقر أحد مظاهر تردي الأوضاع الاقتصادية، وإذا كان الفقر يعد واحداً من الأسباب الرئيسة لعدم تحقق السكن الملائم، فإنّ أثره على درجة تمتع النساء يتضاعف. وذلك لأن المرأة مقيدة أكثر من الرجل في القدرة على الحركة، وفي الحصول على خدمات التنمية . خاصة إذا علمنا أن المرأة ترأس عدداً كبيراً من الأسر بلغت نسبتها 9.5% من مجموع الأسر في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتعاني هذه الأسر من الفقر بشكل أكبر من تلك التي يرأسها رجال، حيث وصل معدل الفقر بين الأسر التي ترأسها نساء 36%، بينما بلغ المعدل 22% بين الأسر التي يرأسها رجال. وربما يفسر هذا سبب انتشار العمل غير الرسمي بين النساء، خاصة أولئك اللائى يترأسنّ أسراً، وذلك في محاولة منهن لتجاوز واقعهنّ البائس، مما يضطرهن إلى اللجوء عادة إلى أحد أشكال المساعدات الخارجية المقدّمة إمّا من وزارة الشؤون الاجتماعية أو وكالة الغوث، أو من الأقارب، أو غيرهم. وهي غالباً لا تسد الحاجات الأساسية للأسرة، كما أنها غير دائمة، ومن ثم صعب الاعتماد عليها. لذلك يلجأن عادة إلى ممارسة أعمال ذات أجور متدنية، ومن الملاحظ أنّ ممارسة النساء لمثل هذه الأعمال يعرضهنّ للاستغلال.
الفقر والحق في السكن
يمكن إجمال أثر الفقر على الحق في السكن في النقاط التالية:
ـ يحول الفقر دون تمتع أفضل بحقوق السكن.
ـ يحول الفقر دون قدرة النساء على تطوير أوضاعهنّ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

البطالة
من الملاحظ أن البطالة بين الإناث أعلى منها بين الذكور، حيث بلغت عام1996 نسبة 19.6%، وارتفعت إلى 20.1% عام 1997. كما أنّ أعلى معدل للبطالة بين الإناث كان لدى الشابات بين 15-24 سنة . وربما هذا يرجع إلى تزويج الفتيات في هذه السن. ويمكن إجمال أثر البطالة على درجة تمتع النساء الفلسطينيات بالحق في السكن في النقاط التالية:
ـ حجب الكثير من المعارف المتعلقة بالسياسات السكانية، والتخطيط الحضري والريفي. ومن ثم عدم إمكانية التعبير عن احتياجاتهن السكنية.
ـ تفاقم حدة الفقر بين النساء، ومن ثم تؤثر سلباً على قدرتهن على امتلاك السكن، أو تحسين مسكنهن القائمة.
ـ تفرض البطالة على النساء المتعرضات لها أن يقبلن بمساكن تفتقر إلى الشروط الصحية، والمعايير الملائمة.
ـ تحد البطالة من فرص تحسين مستوى المعيشة.
ـ تعرض البطالة النساء اللائى يعشن في بيوت مستأجرة للإخلاء القسري. وهذا يعني أن تعيش النساء في حالة قلق دائم.

عدم القدرة على تحمل تكلفة السكن:
أحد المكونات الرئيسة لإعمال الحق في السكن هو القدرة على تحمل التكاليف الشخصية أو المنزلية المصاحبة للسكن. وينبغي في هذا المجال توفير إعانات للسكن لغير القادرين بتكلفة معقولة . ومن أجل تلبية احتياجات المأوى لأولئك الذين ينتمون للجماعات الضعيفة، ينبغي على الدول أن تقوم بتوفير الإعانات والخدمات الاجتماعية ومختلف أنواع شبكات الأمان المحددة الهدف والشفافة لأكثر الجماعات ضعفاً ، ونظراً للوضع الاقتصادي السيئ الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية، وانتشار الفقر والبطالة، والتقييدات التي تفرضها إسرائيل على حرية الحركة ونقل البضائع، فإنّ قطاعات واسعة من المواطنين الفلسطينيين أصبحوا غير قادرين على تحمل تبعات السكن المادية، سواء كان ذلك إيجاراً أو تمليكاً. ونظراً للمعاناة المضاعفة الملقاة على عبء النساء، فإنّ عجزهنّ مضاعف أيضاَ في هذا المجال.

السياسات السكانية
رغم مشاركة المرأة في تطوير المجتمع، فإنّ هذه المشاركة لا يتم الاعتراف بها من قبل القانون والعادات والتقاليد، بل على النقيض من ذلك تعاني المرأة مراراً من اعتبارها عبئاً اقتصادياً واجتماعياً على الرجل والمجتمع، ولهذا فإنها تستبعد من المشاركة الحقيقية في إدارة المجتمع واتخاذ القرارات، خاصة تلك المتعلقة بمواضيع السكن وملكية الأرض والعقارات. وربما لهذا أيضاَ، كثيراً ما نرى أنّ المرأة واحتياجاتها الأساسية عادة لا تؤخذ بعين الاعتبار عند اختيار موقع السكن، أو الموضوعات الأخرى المرتبطة به، حيث يتم إقصاؤها عن المشاركة في عملية التخطيط سواء على مستوى الحي أو القرية أو المدينة. وإذا كانت البيئة الصحية تستند بالأساس على إصحاح سلوكيات الأفراد، ودفعهم باتجاه تبني توجه بيئي سليم يحكمهم عند اتخاذ القرارات المهمة المتعلقة بالسياسات العامة لدولهم. فإنّ هناك ضرورة لإشراك المرأة في وضع السياسات السكانية التي تحكم المناطق التي تعيش فيها. خاصة فيما يتعلق بتخطيط المسكن، لأنها الأقدر على معرفة احتياجات المرأة من أي شخص آخر. ومن ثم ستسعى من أجل أن تلبي المخططات احتياجاتها، وهذا يستدعي إجراء تغييرات جذرية في سياسات القضايا السكنية المتعلقة بالمرأة، وإقرار نهج يتعلق بالسياسة العامة يتم في إطاره الاعتراف بأنّ للمرأة احتياجات سكنية تختلف عن تلك الخاصة بالرجل، وبأنّ هناك تقييدات تحد من تيسير حصول المرأة على السكن استناداً إلى الجنس. وقد اعترف مركز الأمم المتحدة للتجمعات البشرية بأنّ مشاركة المرأة في المجتمع ضرورة لنجاح الاستراتيجية العالمية للمأوى، كما أكد تقرير الموئل الثاني على ضرورة تعزيز تخطيط المستوطنات البشرية وإدارتها على نحو يراعي أوضاع الجنسين، وهذا يتطلب اعتماد لوائح ومعايير ووضع مبادئ توجيهية للتخطيط تأخذ بعين الاعتبار احتياجات وأوضاع النساء، بما فيها مراعاة أن النساء كثيراً ما يكنّ في القطاع غير النظامي، ويستخدمنّ منازلهن لمزاولة الأنشطة التجارية أو السوقية .
وإذا كانت وزارة الإسكان الفلسطينية قد حصرت سياستها السكانية في تقليص الفجوة بين العرض والطلب في سوق الإسكان، خاصة لذوي الدخل المحدود، فإن المستفيدين الأوائل من هذه السياسة هم الرجال، سواء من خلال حجم استفادتهم من المشاريع الإسكانية المطروحة، أو من خلال احتكارهم لرسم السياسات العامة المتعلقة بالإسكان، أو من خلال تلبية الوحدات السكنية المطروحة لاحتياجاتهم، بغض النظر عن احتياجات النساء. ومن الملاحظ في هذا الجانب أن تصميم المساكن غالباً ما يقوم على افتراض أن الأٍسرة أصغر مما هي في الواقع الفلسطيني. وأن الوظيفة الرئيسة للمسكن هي مجرد توفير المأوى، وفي هذا إغفال لاشتراك المزيد من النساء الفلسطينيات في الأنشطة التي توّلد دخلاً، وتؤدى داخل البيوت. مما يعني ضرورة تحسين تصميمات المساكن لتلائم حجم الأسرة والحاجة إلى حيز للعمل.
وتلعب الاتجاهات الثقافية السائدة في المجتمع الفلسطيني دوراً مهماً في استبعاد وتحجيم دور المرأة من المستويات العليا للتخطيط واتخاذ القرارات والإدارة. فضلاً عن غياب قاعدة من البيانات والإحصاءات التي تشكل أساساً جوهرياً لأي تخطيط سليم. فعادة ما يتغاضى مقررو السياسات السكانية عن احتياجات المرأة، ولاسيما ضمن إطارات التخطيط الحضري، ففي وثيقة أعدتها كارولين موزير، بتكليف من مركز الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل العام 1985)، وجدت موزير: "أنّ النقص في الاعتراف بأدوار المرأة الإنتاجية والمتقاضية للدخل ينطوي ضمناً على أنّ المخططين والمهندسين المعماريين عاجزون عن الأخذ بالاعتبار حقيقة مؤداها أن عمل المرأة كمنتجة اقتصادية يختلف عن ذلك الخاص بالرجل.. وذلك من حيث الحيز المطلوب ونوع العمل على السواء" .
إنّ أبرز التأثيرات السلبية للتخطيط السكاني التي لا تراعي مشاركة واحتياجات المرأة الفلسطينية، تتمثل في التصميمات السكنية الحديثة، الضيقة، والتي لا يتم فيها مراعاة الحيز اللازم الذي اعتادت المرأة الفلسطينية على استخدامه في البيوت التقليدية. و تعد المخيمات الفلسطينية مثلاً واضحاً لهذه السياسة، ولعدم توفر الإنارة الملائمة للشوارع، التي تعاني أصلاً من ضيق المساحة، وعدم تهيئتها للاستخدام اليومي، من حيث رصف الطرق، وتوفير شبكات للصرف الصحي التي تطفو فيها المياه العادمة.

الازدحام السكاني
لاشك أنّ كبر حجم الأسرة الفلسطينية أدى إلى انتشار ظاهرة الاكتظاظ السكاني ليس فقط داخل المنازل، ولكن أيضاً داخل المنطقة السكنية الواحدة، وقد نتج عن هذا الاكتظاظ ظروف سكن غير صحية، وتدهور في نوعية الحياة للأفراد، وانتشار الأمراض، وتعاطي المخدرات هروباً من الوضع السيئ، وزيادة العنف، والتخلي عن النساء والأطفال . كما أنّ هناك مؤشرات تظهر أنّ أعلى معدل للفقر كان بين الأسر المؤلفة من 10 أفراد فأكثر. وكان أدنى معدل لانتشار الفقر 17% بين الأسر ذات الحجم من2-5 أفراد .

الإخلاء القسري
يعد الإخلاء القسري أحد أبرز الانتهاكات في مجال الحق في السكن، وهو انتهاك غالباً ما تقوم به الحكومات. وهذا يرجع إلى عدم وجود تعريف جامع مانع للحق في السكن، تجمع عليه الدول كافة، وتتخذ منه معياراً لرصد انتهاكات هذا الحق. وعلى الرغم من ذلك فقد تم إحراز بعض الخطوات الإيجابية في هذا المجال، أبرزها التعليق رقم 4 للجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. الذي وضع سبعة مكونات للحق في السكن، يعد تجاوز أحدها انتهاكاً لهذا الحق. وقد تضمن المكون رقم 1، الذي حمل عنوان "الأمن القانوني للحيازة": "ينبغي أن يتمتع جميع الأشخاص بدرجة من أمن الحيازة تضمن الحماية القانونية ضد الإخلاء القسري أو المضايقة أو غيرهما من التهديدات. وينبغي بالتالي للحكومات أن تتخذ تدابير فورية لمنح الأمن القانوني للحيازة للأسر التي تنقصها حالياً تلك الحماية".

الحصول على الإرث:
من أبرز القضايا التي تعاني منها النساء الفلسطينيات، مشكلة عدم حصولهن على حقوقهنّ في الإرث، رغم أنّ الدين الإسلامي قد منح المرأة 50% من حصة الرجل في الميراث، إلاّ إنه في الواقع تجبر المرأة على التنازل عن حقوقها وحصتها في ملكية الأراضي والعقارات لصالح الأفراد الذكور في عائلتها. لقد دلت الإحصاءات على أنّ 38% من النساء الفلسطينيات من اللواتي لديهنّ إرث، أو حصة في إرث، لم يحصلنّ على حقهنّ في هذا الإرث. مع وجود فرق ملحوظ بين الضفة الغربية التي بلغت النسبة فيها 64.1%، وفي قطاع غزة بلغت النسبة 47.1% .

الملكية الفردية
أكد تقرير الموئل الثاني ضرورة إزالة الحواجز القانونية والعرفية التي تحول دون حصول المرأة بصورة متكافئة على الأراضي والتمويل والتصرف بهما
وقد أشارت نتائج مسح الملكية الذي أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في آب 99، أنّ حوالي 8% من الإناث في الفئة العمرية 18 سنة فأكثر يمتلكون بيتاً أو عقاراً أو حصة في بيت أو عقار، وذلك على مستوى الأراضي الفلسطينية. وقد أشارت 35% من الإناث من الفئة العمرية نفسها، أنّ المرأة قادرة على التصرف السليم بملكيتها ، مما يشير إلى العوائق الذاتية لدى النساء، التي تحول دون تمتعهنّ بحقوقهنّ. ومن جهة أخرى فإنّ ضمان حق الملكية الفردية يتطلب مساحة أكبر للمرأة في إدارة المجتمع، والشعور بالانتماء وتشجيع الاستثمار والتطوير، ليس فقط في مجال السكن، بل في المجالات الأخرى ما يساعد النساء على الهرب من شباك الفقر.
مصادر الإقراض
فيما يتعلق بقروض الإسكان، فهناك أولاً إغفال لاحتياجات رئيسات العائلات اللواتي هنّ أكثر قطاعات النساء طلباً للقروض. فغالباً ما يوجد نقص في الاهتمام باستثناء النساء من مقتضيات قروض الإسكان، مثل الحاجة إلى ضمانات على شكل ممتلكات أو أصول.على الرغم من أن غالبيتهن لسن في وضع يمكنهن من طلب ائتمان . في الوقت الذي أكد فيه تقرير الموئل الثاني على زيادة إمكانية الوصول إلى نظم تمويل المساكن والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المقترضين، كما أكد على ضرورة قيام الحكومة باستعراض نظم الإعانات وترشيدها عن طريق اعتماد سياسات تكفل قدرتها على الاستمرار وإنصافها وشفافيتها مما يسمح للكثيرين من السكان الذين لا يتمكنون من الحصول على الائتمان والأرض بدخول السوق. وهذا يستدعي توجيه الاهتمام إلى ضمان إيجاد حلول لتسهيل حصول المرأة على الائتمانات، من خلال إزالة العقبات القانونية والعرفية التي تحرم النساء من ضمان الحيازة العقارية، والحصول على الخدمات الأساسية.

إقطاعية رأس المال:
لاشك أنّ لرأس المال ارتباط وثيق بإعمال الحق في السكن، فغالباً ما تكون رؤوس الأموال مملوكة للرجال، وهذا يؤدى إلى حدوث تأثيرات سلبية على تمتع النساء بالحق في السكن. ويؤدي إلى تبني توجهات الرجال فيما يتعلق بالسياسات السكانية، سواء في مراحل البناء أو التوزيع أو الاستفادة من خدمات البنية التحتية.

تغير الحالة الاجتماعية للمرأة:
تؤثر الحالة الاجتماعية للمرأة على درجة تمتعها بالمسكن، فنادراً ما تستطيع المرأة التي تتزوج أن تملك منزلاً خاصاً بها، كما أنها تجد نفسها فجأة دون مأوى عندما تترمل أو تنفصل عن زوجها.


مساوئ السكن غير الملائم على النساء في قطاع غزة
إذا كانت المرأة أكثر ارتباطاً بالسكن من الرجل، نظراً للاعتبارات التي تم تناولها في الدراسة، فإنها أيضاً الأكثر تضرراً من كون هذا المسكن غير لائق من الناحية الصحية والاجتماعية. كما أنّ تضرر المرأة من السكن غير الملائم، يمتد ليشمل كل أفراد الأسرة المقيمين في السكن، نظراً لمركزية دورها في إدارة شؤون الأسرة. بالإضافة إلى أنّ استخدامها المباشر للموارد كالمياه والكهرباء وغيرها يؤكد على أنّ تنمية السكن والمحافظة عليه تمر عبر المرأة. وعليه يجب إيلاء دور المرأة أهمية فيما يتعلق بتطوير المشاركة الشعبية.
ويمكن حصر مساوئ السكن غير الملائم على النساء الفلسطينيات في التالي:
ـ مساوئ اقتصادية: حيث يؤثر ضيق مساحة السكن على نشاطات المرأة الاقتصادية، والتي تعتمد عليها في تحصيل دخل الأسرة.
ـ مساوئ اجتماعية: حيث تؤدي الظروف غير اللائقة للسكن إلى العديد من المشكلات الاجتماعية، الناتجة عن إحجام المرأة عن المشاركة في الحياة الاجتماعية. ومن ناحية أخرى، فإن إقامة العديد من المواطنين في مساكن غير ملائمة للمعايير الإنسانية، من شأنه أن يؤدي إلى تفاوت في البناء الطبقي الفلسطيني، وتباين في العلاقات الاجتماعية. ستكون المرأة أول من يتضرر من مساوئها.
ـ مساوئ صحية: ناتجة عن سوء توزيع أو عدم تعرض المسكن لقدر كاف وصحي من الحرارة والإضاءة والتهوية. وهذه تؤثر في الحالة الجسدية والنفسية والعقلية للقاطنين في المنزل، وفي هذا المجال فقد أشار تقرير الموئل إلى ضرورة "تحسين أوضاع المأوى للتخفيف من الأخطار التي تهدد الصحة والسلامة، ولاسيما التي تتعرض لها النساء وكبار السن والأطفال والمعوقون والمرتبطة بالأنشطة المنزلية" .
ـ مساوئ بيئية: إذ أن المرأة المستخدم الرئيس للحيز السكني، وبذلك فهي مسؤولة عن تصريف شؤون المسكن بصورة يومية، وهي بذلك أول من يتأثر بما يسفر عنه تدهور الوضع البيئي.


ظاهرة السكن الجماعي:
يشير التعبير عن المسكن بأنه "مملكة المرأة"، إلى مدى ارتباط المرأة الشخصي بهذا المسكن. ويعد الحصول على مسكن زوجية منفصل، تتولى إدارته بنفسها، حلم كل فتاة عند الزواج. لذلك يصبح شيئاً بديهياً أن توجه كل إمكانياتها ومواردها لرعايته وتنميته وصيانته.
وعلى الرغم من أنّ هناك تحولاً كبيراً في جميع أنحاء العالم نحو الأسرة النووية كوحدة رئيسة للمؤسسة الاجتماعية، إلاّ أنّ 23% فقط من مجموع الأسر الفلسطينية هم من الأسر النووية. وتشكل المخيمات الفلسطينية الصورة الأبرز لانتشار هذه الظاهرة، والمساوئ التي تتركها على الأسرة الفلسطينية، وعلى المجتمع الفلسطيني بأسره. كما لا يخفى على أحد أيضاً أّنّ هناك تحفظاً لدي القائمين على السياسات السكانية في البلاد من إقامة مشاريع إسكانية داخل المخيمات، خوفاً من أن يفهم هذا، وخاصة من قبل إسرائيل، على أنه موافقة على مشاريع التوطين. حتى تحول هذا التخوف إلى سياسة قائمة بذاتها، على الرغم من وجود أكثر من 750 ألف لاجئ، أكثر من نصفهم يعيش في المخيمات، بينما الباقي يعيشون في المدن والأحياء التي نمت على أطراف المدن، ويستفيدون من حالة النهوض العمرانية التي يشهدها قطاع غزة . أمّا المخيمات الثماني الموجودة في قطاع غزة، فلم تشهد أي تطوير من ناحية توسيع مساحتها أفقياً، وذلك منذ أحداث النكبة وحتى الآن. وهذا يعني أنّ كل أسرة منحت لها قطعة أرض منذ أيام اللجوء، تتراوح بين 50-100م، فإنها محكومة بالعيش على هذه المساحة، مهما بلغ حجم الأسرة. وأي تطور يلحق بالسكن، تسمح به الظروف الصعبة التي تعيشها معظم الأسر في المخيمات، ينحصر في التوسع الرأسي، فيما يخضع ترميم المنازل لشروط صعبة، مما أدى إلى أن تصبح كل بيوت المخيمات بحاجة إلى ترميم.

أسباب انتشار الظاهرة:
ـ أسباب تاريخية: الظروف السياسية التي مرت بها فلسطين شكلت السبب الأول والرئيس لظاهرة السكن الجماعي في المخيمات، خاصة إذا علمنا أن سكان المخيمات يرفضون أي تغيير على أوضاعهم، انتظاراً لتقرير حق العودة. انطلاقاً من إيمانهم أن إقامتهم مؤقتة، وبالتالي لا تستوجب التغيير، حتى لو استمر هذا الوضع المؤقت أكثر من اثنين وخمسين عاماً.
ـ أسباب اقتصادية: الوضع الاقتصادي السيئ يفرض شروطه أيضاً، حيث أدى انتشار الفقر والبطالة وتدني مستويات المعيشة إلى عدم قدرة العديد من الأٍسر الفلسطينية على تحسين أوضاعهم السكنية.
ـ أسباب اجتماعية: حيث يلعب الترابط الأسري دوراً في استمرار انتشار الظاهرة، رغم النسب المرتفعة من التعليم.

المشكلات الناتجة عن انتشار الظاهرة
مشكلات اجتماعية
ـ الزواج المبكر: أظهرت الدراسات أنّ ما بين 60-65% من النساء الفلسطينيات في الضفة الغربية وقطاع غزة تزوجنّ وأعمارهن تقل عن 18 عاماً. إنّ الكثير من الأسر الفلسطينية تلجأ إلى تزويج بناتها مبكراً لأسباب متعددة منها الوضع الاقتصادي السيئ، والخوف على الفتاة، بعض العادات والتقاليد المجتمعية، وغيرها.
ـ العنف الموّجه ضد المرأة: بالإضافة إلى العنف الأسري، هناك عنف آخر موجه ضد المرأة، قد يكون لفظياً أو جسدياً أو نفسياً. وتتعرض النساء للعنف إما من قبل الزوج المشحون بضغوط العمل بالإضافة إلى ضغوط الوضع المعيشي داخل البيت. أو من قبل أفراد آخرين في الأسرة "الحماة، الأسلاف، أخوات الزوج، الأبناء". وقد بينت النتائج الأولية للدراسة التي أجراها برنامج دعم وتأهيل المرأة، أنّ غالبية النساء اللواتي يعشنّ في سكن جماعي"أسر ممتدة" يتعرضنّ للعنف من قبل أفراد الأسرة. فيما أشار تقرير مؤتمر الموئل الثاني إلى ضرورة زيادة الوعي المجتمعي بالقضايا التي تجابه النساء اللواتي يعشنّ في فقر، والنساء عديمات المأوى والمهاجرات واللاجئات أو المشردات اللواتي يحتجن إلى حماية دولية، والمشردات في الداخل وبخاصة القضايا المتعلقة بالاعتداء البدني والجنسي وتصميم استجابات مجتمعية ملائمة. وإلى تعزيز سلامة المرأة في المجتمعات المحلية عن طريق تعزيز اتباع نهج يراعي أوضاع الجنسين في سياسات وبرامج منع الجريمة بزيادة معرفة وفهم المسؤولين عن هذه السياسات لمسببات وعواقب وأدوات ممارسة العنف ضد المرأة ، بما فيها الفقر والبطالة واللامساواة والإجهاد الأسري وانعدام الفرص التعليمية والمهنية ونقص الرعاية الصحية بما فيها رعاية الصحة العقلية. ومما لاشك فيه أنّ معالجة مثل هذه المشكلات، من شأنها أن تعزز منع الجريمة التي تقوض سلامة المجتمع المحلي .
ـ التسرب من المدارس: يجبر العديد من الأطفال الذين يعيشون في سكن جماعي على ترك المدرسة، إمّا بسبب الظروف المادية الصعبة، أو لعدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة نتيجة ضغوط نفسية وأسرية، أو بسبب مشكلات تتعلق بمستوى التحصيل الدراسي، أو بسبب الاضطرار للخروج إلى العمل في حالة عدم وجود العائل أو عدم قدرته على العمل، أو بسبب الزواج المبكر بالنسبة للفتيات، إضافة لكونهنّ يتعرضن للأسباب ذاتها السابقة، والتي ينتج عنها تسرباً من المدارس. مما يعني ضرورة اتخاذ إجراءات تقلل من معدلات انقطاع الفتيات عن الدراسة في جميع المراحل التعليمية.

مشكلات صحية:
ـ مشكلات تتعلق بصحة الجسد: يؤدي سوء أوضاع المسكن إلى تعرض المقيمين فيه إلى العديد من المشكلات الصحية.
ـ مشكلات تتعلق بالصحة النفسية: إذا كانت الصحة النفسية تعني القدرة على التعامل مع الحياة، والقدرة على مقاومة الإجهاد، وهي قدرة تنمو منذ الطفولة وفي وجود عائلة مستقرة تؤدي إلى قدرة الإنسان على أن يتعامل مع مصاعب الحياة ومشاكلها بشكل أفضل ، فإنّ عدم استقرار الأسرة بسبب أوضاع المسكن، كعدم الشعور بالاستقلالية، من شأنه أن يؤدي إلى أمراض الصحة النفسية.



أثر الظاهرة على تمتع النساء بالمسكن الملائم:
النساء هن أكثر المتضررين من ظاهرة السكن الجماعي، وشعور المرأة بعدم الراحة في المكان المفترض أن تقضي فيه كل حياتها، يؤثر على كل أفراد الأسرة، وتحديداً الأطفال لارتباطهم الشديد بالأم، ولكونها تمثل بالنسبة لهم الصورة الصغرى عن الحياة. ومن ثم فإنّ شعورها بالضيق والتأفف واليأس والإحباط والكبت النفسي من شأنه أن ينعكس سلباً على علاقاتها بأطفالها من ناحية، ومن ناحية أخرى على علاقة هؤلاء الأبناء بالآخرين وبالحياة. حيث يعيدون إنتاج الأساليب الحياتية نفسها التي تلقوها من أمهاتهم، وشاهدوها يومياً في حالات ضيقها وتأففها، و تعرضها ثم ممارستها للعنف.
كما أنّ السكن الجماعي يحول دون التحكم في سير الحياة اليومية المتعلقة بالأسرة الواحدة، كما أنه قد يحول دون تطوير مصادر دخل الأسرة

الهوامش:
: د. جاد اسحق، محمد سعيد الحميدي،(مدخل إلى البيئة الفلسطينية)، معهد الأبحاث التطبيقية، سلسلة دراسات الوعي البيئي، برنامج التربية من أجل الوعي والمشاركة،
مؤسسة أمرزيان، القدس، 1993، ص44.
: الحملة العالمية لحقوق الإنسان،(حق الإنسان في سكن مناسب)، صحيفة وقائع رقم 21، ص12.
:انظر: الحملة العالمية لحقوق الإنسان،(لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، صحيفة وقائع رقم 16، تنقيح1، ص22.
:انظر: الأمم المتحدة،(تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية(الموئل ا لثاني)، استنبول، 3- 14 حزيران/يونيو 1996، ص12.
:انظر:راجندار ساشار، المقرر الخاص للجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات،الأمم المتحدة، نيويورك وجنيف، 1996، ص7.
:انظر: (حق الإنسان في سكن مناسب)، ص13.
:انظر: (لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، مصدر سبق ذكره، ص9.
 السكن في قطاع غزة)، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، مؤسسة الحق، غزة، إبريل 1997، ص129- 133.
: صدر عن جامعة الدول العربية(مجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب) في ديسمبر/ كانون الأول 1995، بمناسبة انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية(الموئل الثاني).
:انظر: عماد الإفرنجي، جريدة القدس، بتاريخ 7/6/2000.
:انظر: برنامج الأمم المتحدة للتنمية،(تحديات وخيارات المرأة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة)، القاهرة، دار نور، دون تاريخ، ص50.