الدعارة ...واقع يطرح أكثر من سؤال؟؟ الجزء الثالث



فاطمة الزهراء المرابط
2011 / 2 / 28


دائما هناك مشاعر وأحاسيس متضاربة بين القلق والخوف من شبح مجهول، في ميدان مشوب بالانحراف والضياع بعيدا عن القيم الأخلاقية والإنسانية، بين دروب البغاء والفجور المتشعبة، خاصة وأن الدعارة أصبحت ظاهرة متفشية في الوسط الطلابي والثانوي وحتى الإعدادي، حيث أن السن الفتي الذي تتميز به كل تلميذة أو طالبة التي تلج هذا العالم إما عبر قطار الحب أو المال إلى أن تدوسهن عجلات الزمن، وتنحرفن إلى طريق لا رجعة فيه، وهناك من يعتقد أن الطالبة التي تمارس الدعارة هي إنسان غير طبيعي، إذ ينظر إليها باحتقار وكأنها مجرد حشرة صغيرة تدوسها الأقدام، دون أن يأخذ بعين الاعتبار أنها إنسان مثل غيرها مليئة بالمشاعر والأحاسيس، تعاني من التشرد والتمزق الداخلي أمام نظرة المجتمع وموقف الأسرة، ومن هذه الزاوية أتساءل عن الانعكاسات النفسية لهذه الظاهرة على ممارسيها، وما هي نظرة المجتمع إلى الطالبة/ العاهرة؟.


ما هي الانعكاسات النفسية لهذه الظاهرة على ممارسيها؟


لا شك أن ممارسة الدعارة تجربة مؤلمة بالنسبة للطالبة، لأنها تتحول فجأة من "محترمة" إلى "عاهرة" و"عديمة الأخلاق" وتتحول إلى امرأة سهلة معرضة لمختلف التحرشات العاطفية والجنسية، خاصة وأن الشعور بالإحباط وخيبة الأمل والضياع والخوف من المستقبل، هي المشاعر التي تنتاب كل طالبة/عاهرة، لأنه وضع لا تحسد عليه ويعرضها إلى مجموعة من الضغوط النفسية والاجتماعية، إذ تتحول حياتها بين ليلة وضحاها إلى جحيم لا يتوقف، ومهما اختلفت الأسباب التي دفعت الطالبة إلى هذا الميدان، فالنتيجة واحدة، ضياع لا نهاية له ومشاعر متضاربة بين القلق والألم، بعيدا عن الدفء الأسري الذي كانت تتمتع به منذ طفولتها، ومن منا لا يدرك الآثار النفسية التي تتعرض لها الطالبة/العاهرة في ظل مجتمع محافظ لم يوفر لها الحماية اللازمة مصنفا إياها في خانة الفاسدات، متجاهلا الظروف التي أدت بها إلى هذا المجتمع، وتشير فاتن(طالبة بالأدب الانجليزي):« بعد الاغتصاب، لم أفعل أي شيء سوى البقاء على قيد الحياة، أهرب من كل شيء، كحيوان مطارد، ولأني عانيت كثيرا أثناء هروبي من الصيادين، أحسست بأني فقدت الطاقة للحياة، حاولت الانتحار ففشلت، وانتهى بي الأمر إلى يد الحاجة التي آوتني في منزلها مقابل التصرف في جسدي، وهكذا انتهت رحلة الدراسة التي تغربت من أجلها، بعدما تم طردي من الحي الجامعي بسبب عدم التزامي بقوانين السكن، وسوء أخلاقي حسب الإدارة وقد يتم فصلي من الجامعة في القريب العاجل، لتبدأ رحلة الضياع والألم والرغبة في الموت ».
وتشير سعيدة (طالبة سنة ثانية): «الكل يعتقد أننا مخلوقات غريبة لا ننتمي إلى البشر، لأننا خرجنا عن العادات والتقاليد ودخلنا إلى عالم يطرح أكثر من علامة استفهام، إلا أن الواقع يعبر عن عكس ذلك، فنحن ضحايا الفقر، الحب، التنشئة الاجتماعية، الوضعية الاقتصادية والسياسية، نحن نساء لم نجد غير جسدنا من أجل تحسين وضعيتنا الاجتماعية، ولا ذنب لنا سوى كوننا فقراء، لا نستطيع تلبية حاجياتنا وتحقيق أحلامنا حتى ولو كانت هذه الأحلام صغيرة جدا، أردنا فقط إتمام دراستنا والحصول على وظيفة مناسبة، تنقذنا من هذا الفقر المدقع، إلا أننا بدل ذلك انتهينا تحت ثقل أجساد آدمية تنهش في لحومنا كل ليلة، مقابل 300 أو 400 درهم حسب سخاء هذا الزبون أو ذا، هو قدر مالي يمثل الخلاص بالنسبة إلينا، وضع فرض علينا ولم نسعى إليه، وضع يكلفنا راحة البال، والتعب النفسي، والتدهور الصحي، والموت البطيء الذي يعجل نفسه كل يوم...»، وقد عبرت سعيدة عن معاناة الكثير من ضحايا الدعارة، أما حنان الطالبة القروية(23 سنة) فتعترف أن الحب والسذاجة هو سبب ولوجها إلى هذا الميدان:« ندمت على اليوم الذي أحببت فيه محمد الذي كان يكبرني بأربع سنوات، والذي تسلل إلى قلبي من النظرة الأولى بسبب لطفه وحنانه، كان يساعدني في دروسي ويجهز لي المراجع التي احتاجها، ومع الوقت تعمقت علاقتنا وانتهت ذات ليلة بين أحضانه، لا أتذكر أي شيء عن تفاصيل تلك الليلة، بكيت كثيرا لأني فقدت بكارتي، فأوهمني أنني زوجته أمام الله سبحانه وتعالى، وأنه سيعقد علي رسميا بمجرد تخرجه من الجامعة، وانجرفت وراء هذا الوهم لمدة من الزمن، وتكررت لقاءاتنا الجنسية، كنت أحس بالمتعة وهو كان يفعل كل شيء لإرضائي، ويوما تفاجأت بشخص أخر يستغل جسدي وحبيبي لا يحتج، وتكرر الأمر إلى إن أصبحت لعبة في يد خمس طلبة، ولأنه كان يهددني بصوري معه، تحولت إلى عاهرة في نظر الجميع، أبيع جسدي مقابل قدر من المال، وها أنا أجتر نار العذاب والألم وحدي، وأتمنى لو يعود بي الزمن إلى الوراء... »، هي نماذج من هذا الواقع، تسكنها الصرخة المدفونة والجرح الغائر الذي لا تبلسمه كل أدوية العالم، فالحكاية نفسها تتكرر مع كل واحدة منهن، رغم اختلاف الزمن والأسباب ويبقى الحب، التغرير، التهديد، الفقر، هي الدوافع الأولى، فهذه طالبة ملتزمة قصدت شركة ما لإجراء مقابلة من أجل وظيفة محاسبة، وأثناء المقابلة تم تخديرها بواسطة كوب عصير برتقال، ما إن شربته حتى راحت في نوم عميق، تم اغتصابها خلاله وكذا تصويرها عارية في وضعيات مختلفة، وعندما استيقظت وجدت نفسها تحت رحمة تجار الأجساد البيضاء، وأمام التهديد بالفضيحة أصبحت وسيلة لاستقطاب السياح العرب، وهذه طالبة أحبت بكل أحاسيسها الصادقة، لكن حبيبها خدعها واغتصبها وسجل صورتها وصوتها ليهددها فيما بعد إن عصت أوامره السامية، وكانت النتيجة تحولها إلى عاهرة تمارس الدعارة على أصولها وصار جسدها مصدر رزق بالنسبة إليه، ترى من المسؤول عن دمار هذه وتلك؟ فهل الطالبة/العاهرة مسؤولة وحدها عن هذه الوضعية التي آلت إليها وعلى الحالة النفسية التي تمر بها، فالكثيرات منهن سلكن طريق الانتحار والموت بعدما أغلقت كل الأبواب في وجههن، بشكل خاص اللواتي تعرضن للاغتصاب والتهديد رغما عنهن، فعندما تعترف طالبة: « أرغب في الموت، لأنه لم يعد هناك أي أمل أعيش عليه، فقدت أسرتي، أصدقائي، بل فقدت نفسي وإنسانيتي وإحساسي بالحياة»، هو إحساس يرافق كل طالبة/عاهرة، لأنها مجبرة وليست مخيرة على الوضع الذي وصلت إليه بعد أن تحطمت كل الأحلام التي رسمتها منذ طفولتها، والتي تكسرت مع الأيام بسبب هذا المجتمع الجاهل الذي لا يرحم أحدا والذي يعيش على المظاهر والكذب والنفاق الاجتماعي... والذي دفع بالكثيرين إلى تخطي الطريق السليم ، إلى طريق الإدمان والمتاجرة في المخدرات، أو إلى طريق السرقة والإجرام أو إلى طريق الفجور والبغاء، والدافع واحد لا يختلف عليه اثنان: المجتمع وتقاليده البالية والفروق الطبقية التي تتوسع يوما بعد يوم، و يحتاج المجتمع إلى الكثير من المعرفة والوعي، كي يتعرف إلى الطالبة/العاهرة ويتفهم سلوكها وينظر في ظروفها وأحوالها قبل أن يحاكمها ويحتقرها بهذا الشكل وكأنها لا تنتمي إلى البشر.


كيف ينظر المجتمع إلى هذا النوع من النساء؟

قبل أن نحاسب كل من تمارس الدعارة سواء كانت تلميذة أو طالبة أو امرأة أخرى خارج هذه الفئة، علينا التساؤل عن المسؤول عن انحراف القاصرات في طريق الرذيلة وممارستهن للدعارة؟ سؤال ظل معلقا بلا جواب، هل بسبب غياب جسر التواصل بين الآباء والأبناء، أم بسبب غياب الوعي والإرشاد والتعليم الحقيقي؟ أم بسبب المجتمع وتقاليد البالية، أم بسبب قصور الأجهزة الأمنيَّة الذي لا يستطيع الحد من هذه الظاهرة، أم بسبب القانون الذي لا يساوي بين الرجل والمرأة في ممارسة الدعارة؟ وهناك أسئلة كثيرة يصعب طرحها، لأن الجميع يتملص من مسؤوليته نحو تفشي هذه الظاهرة، والقاعدة الوحيدة التي لا يختلف عليها شخصان، هو احتقار المجتمع لمُمارسة الدعارة، بحيث يتفنن في التقليل من شأنها وتشويه سمعتها وحرمانها من الاندماج في ميادينه إذ ينظر إليها نظرة احتقار وشك وريبة في تصرفاتها وسلوكها وأخلاقها، وتتناول جلسات النميمة سيرتها وتتناسل الإشاعات عنها مما يدفعها إلى الانغلاق على نفسها والارتماء بين جدران للوحدة، وتقول سيدة(ولي أم طالبة):« لو سهرت كل أسرة على تربية بناتها، لما وصلنا إلى هذا الحال، في أيامنا كانت الفتاة تخجل من النظر إلى الرجل، لكن في هذه الأيام مَا بْقا حَدْ يْحْشْمْ ولا يْرْمْشْ، رْجْعْتْ السَيْبَة في هَادْ المُجْتمَعْ، ما كَايْنْ غِيرْ العْرَى وقلة الأدب وتلاشت قيمنا الدينية، وتلوثت أخلاقنا، ولن أسمح لابنتي الوحيدة بمرافقة هؤلاء الفتيات حفاظا على سمعتها، كما أني أفكر في البحث عن شقة خاصة بها بعيدا عن الحي الجامعي الذي يجمع من هب ودبّ »، ويضيف سائق تاكسي:« الدُنـْيَا تـْغـَيْرْتْ، وأصبحنا نخاف على أبنائنا وشرفنا، الأفضَل أنّ الوَاحْدْ يْجْلسْ بْنتـُوا في الدار قـْدَمُوا، ويْتـْهَنَا مِن الفـْضِيحَة وحْريقْ الرَاسْ شُوفـُوا بْنـَاتْ اللِيسِي (الثانوي) أشْ كَيْدِيرُوا وبْنَاتْ الكُلِيَاتْ(الجامعة)، بَاقِي مَا فـَقـْصُوا مِنْ البَيْضَة وَأشْ كَيْدِيرُوا، كَاعْ مَا بْقاتْ لا تـَرْبيَة وَلا أخْلاقْ، البْنـَادْمْ غِيرْ كَيْوْلدْ وْيْطلقْ للِزَنـْقـَة».
نجد أن هناك آراء مختلفة حول هذه النظرة الاحتقارية التي ترمى بها الطالبة/العاهرة، فهذه الطالبة تصرح:« أستغرب أحيانا تلك النظرة المحتقرة التي ينظر بها المجتمع إلى الطالبة/العاهرة، فلماذا هذا الهجوم عليها وكأن المجتمع يحاول أن يمنعها من البقاء على وجه الأرض لمجرد أنها عاهرة، وكأن الدعارة هي حكم بالإعدام يطال المرأة وحدها في حين يظل الرجل حرا يمارس الجنس معها بكل حرية، في ظل هذا المجتمع الذي يحاول دائما تكريس إذلالها بمختلف الوسائل المتاحة له»، في حين تشير طالبة أخرى:« لا دخان بدون نار، أحيانا تكون هذه النظرة نتيجة تصرفات وسلوكيات الطالبات اللواتي سلكن هذا الطريق، لأن سلوكياتهن المشينة واستهتارهن وتصرفاتهن السيئة وعدم تحملهن المسؤولية، بسبب الكبت والحرمان العاطفي والجنسي الذي عاشوه في ظل أسرهن، دفعهن إلى اللجوء إلى الدعارة والفساد ومعاقرة الخمر وإدمان المخدرات وسهر الليالي كنوع من التمرد ورد الفعل على المجتمع وتقاليده»، وأحب القول بأن هذه النظرة التي ينظر بها إلى الطالبة/العاهرة تكون فقط في التجمعات، وعند التعرض للعاهرة بشكل جماعي، أي أن هذه النظرة هي مجرد غطاء لمحاولة إظهار التمسك بقيم المجتمع وأعرافه، بينما على الصعيد الفردي يتمنى الرجل أن ينفرد بعاهرة، وإذا ما حصل فهو يبدي لها الكثير من الاحترام وقد يتطور به الأمر للوقوع في حبها، الأنثى أيضاً تنظر للعاهرة نظرة حسد وغيرة للحرية التي تتمتع بها و لعدم وجود حواجز وقوانين لديها تمنعها من فعل ما تريد ولقدرتها أيضاً على تحقيق متعتها متى تشاء ومع من تشاء، هي اعترافات سرية يهمس بها بعض الرجال والنساء في مجالس خاصة بعيدا عن الرأي العام الذي يجتمع عليه كل أفراد المجتمع، ولأني تطرقت في أجزاء سابقة إلى عدة نماذج، فإني حاولت خلال هذا الجزء الاختصار تفاديا لتكرار الأحداث والشهادات نفسها.
ومن الشائع أن الدعارة لصيقة بالنساء أي أن المرأة تعرض جسدها والرجل هو الزبون، إلا أنه مع تطور الدعارة ووسائلها وأنواعها المنظمة والعشوائية، لتساير ركب التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تطرأ على البلاد، ودرجة تضييق الخناق عليهن من طرف سلطات مكافحة الدعارة، ظهرت في خضم هذه التحولات ظاهرة دعارة الذكور حيث إن الأسباب ذاتها التي تدفع بالطالبة إلى بيع جسدها ، هي التي تدفع الطالب إلى عرض جهازه التناسلي وجسده لنساء متقدمات في السن مقابل قدر من المال، يساعده على إبعاد شبح الفقر عن نفسه في ظل انسداد الأفق وانتشار البطالة بين صفوف حاملي الشهادات الجامعية، هذه الآفاق تجعل الطالب الذي مازال يتابع دراسته يربط علاقات جنسية مع سيدات متقدمات في السن لكن هن ذوات ثراء لا يضاهى، حيث يقوم الشاب بارتياد الأماكن الراقية من أجل اصطياد فريسة مناسبة يستفيد من جيبها وسخائها، وفي نفس الوقت يتمتع بلحظات جنسية حميمية بشكل آمن ومريح، وأغلبية زبائنه من المطلقات أو الأرامل أو النساء اللواتي لا يتمتعن في ممارساتهن الجنسية مع أزواجهن فيضطرن إلى الممارسة خارج إطار الزوجية مع شاب يتوفر على الفحولة، وقد سبق وتابعت ملف في جريدة يومية خلال السنة الماضية عن مجموعة من الشباب يعرضون أجهزتهم التناسلية في الشارع ومن بينهم نسبة كبيرة من الطلبة الجامعيين، ومهما يكن من الأمر فليس هناك اختلاف كبير بين دعارة الذكور والنساء، لأنها مهنة واحدة تعتمد على بيع الجسد والجهاز التناسلي، وعلى الرغم من تصنيفها إلى دعارة راقية ودعارة متدنية إلى أنها تظل تجارة ومهنة غير لائقة يشار إليها بالأصابع، وظاهرة مسكوت عنها رغم أنها واقع يطرح أكثر من سؤال.