أهمية قيام حركة اجتماعية للنساء الفلسطينيات



ريما كتانة نزال
2011 / 3 / 10

يعيد مشهد الانتصار الذي تحقق على يد الحركات الاجتماعية المصرية والتونسية إلى واجهة النقاش أهمية وجود وبروز دور الحركات الاجتماعية الفلسطينية، والنسائية على وجه الخصوص، من أجل تحقيق التغيير الاجتماعي. لقد لعبت الحركات الاجتماعية في كلا البلدين دورها الذي انتزعته نتيجة لأزمة وضعف ومحدودية جماهيرية القوى الحزبية في مصر وتونس من أجل تغيير الأوضاع القائمة.
هنا في فلسطين، وعلى الرغم من الدور الايجابي الذي قدمته المرأة الفلسطينية لعشرات السنين إلا أنها لم تستطيع تحقيق التغيير الاجتماعي المنشود؛ ولم يعقب دورها ولم يرافقه اعترافا فعليا بحضورها ووزنها الكمي وبما يمكنها أن تمثل مصالح النساء كمدافعة عن حقوقهن وذلك لأسباب عديدة..
وتقف عدم استقلالية الأطر الجماهيرية للمرأة واتحاداتها، عن الأحزاب والفصائل وتغليبها لمصالح الحزب السياسي فوق مصالح قطاعها واحتياجاته، حائلا أمام تحولها الى حركة اجتماعية واسعة ومنتشرة. وساهمت الشرذمة وضمور القاعدة المنظمة عائقا أمام تحول الحركة النسائية الفلسطينية إلى أداة للتغيير الاجتماعي، والى تكريس ذاتها كتيار نسوي عريض يتبنى ويعالج ويعبر عن هموم وقضايا النساء المتعددة، القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكإطار يدافع عن مصالحها ومطالبها بشكل موحد؛ وناطقا باسمها ومنظما لمختلف تحركاتها.
لقد تم تبرير مكتسبات المرأة الفلسطينية المتحققة في الخطابين، الوطني والنسائي، بدورها الوطني والنضالي وتضحياتها؛ وتفوق وعلا صوت الخطاب التبريري الذي ينطلق من نضال المرأة الوطني على صوت الخطاب الحقوقي، لذلك يلاحظ بأن المكتسبات المتحققة لم تأت نتيجة إلى جهد قاعدي منظم خلف المطالب، بل تحققت المكتسبات بشكل عام نتيجة لبعض الضغوط النسائية الفوقية المنظمة من قبل المؤسسات النسائية المؤتلفة؛ الأمر الذي دفع أصحاب القرار إلى إصدار المراسيم أو القرارات التي في مضمونها تحوز على التوافق الاجتماعي دون غيرها بشكل عام، وبما يعكس قناعته وتطبيقه لمفهوم المشاركة الرمزية للنساء.. أو جاءت تلك المكاسب في إطار تعديلات قانونية برؤيا إصلاحية، الأمر الذي وضع المطالب الاجتماعية والقانونية لقطاع المرأة في إطار المساومة.
لقد قاد ضعف منظمات المرأة وضمورها إلى البحث عن صيغ توافقية، وهي الصيغ التي لا تؤدي الى خفض سقوف المطالب فقط، بل موهت وبهتت الهوية الديمقراطية والحقوقية للمرأة التي تستند الى مبدأ المساواة. ومن هنا تأتي أهمية الجدل وإعادة التفكير مجددا بضرورة قيام الحركة الاجتماعية للمرأة، وباتت الحاجة الموضوعية لتبلورها مرئية. فالضعف يعتري القوى الحزبية وأصبح دورها شكليا على صعيد القضايا الاجتماعية، إلا ما يمكن أن يدرج تحت عنوان الترويج الموسمي والشعارات الدعائية.
وتبرز أهمية وجود حركة اجتماعية للنساء بسبب أزمة العلاقة بين الفصائل وأطرها النسائية من جانب.. والقاعدة النسائية من جانب آخر، حيث بدأت الهوية الفكرية والاجتماعية تتماها وتبهت بسبب تفوق الاعتبارات والمصالح السياسية على الاعتبارات المبدئية بالإضافة الى اهتزاز صفتها التمثيلية.
ان الفراغ الذي سببه غياب الأطر النسوية عن الحضور الفاعل والحيوي وبما يلبي قيادة الجمهور النسائي لتحقيق مطالبه ومصالحه، قد جعل موضوعيا الساحة فارغة لنشاط الحركات الاجتماعية لتمثل مصالح قطاعاتها والى تقديم الآليات البديلة للوصول للأهداف، وللقيام بقيادة قطاعها لتصبح قوة ضغط على النظام السياسي والاجتماعي، من أجل الدفاع عن الحقوق العامة للمجتمع وعن الحقوق الخاصة بالقطاع النسائي. وذلك دون تغييب إظهار دورها ووزنها السياسي الذي يمكنها من نسج التحالفات والتقاطعات أو التفاوض مع القوى السياسية أو مع القطاعات الأخرى كالنقابات العمالية والمهنية من موقع الكتلة البشرية الموحدة والمستقلة والمنظمة.
المهمة التي نحن بصددها ليست سهلة؛ بل تتطلب العمل على تشكيل قناعة ورأي عام لدى أطراف الحركة النسائية مؤيد لجدوى بناء الحركة الاجتماعية للنساء الفلسطينيات. ويتطلب قيام حركة اجتماعية للمرأة تغليب المصلحة النسائية العامة ودور وحضور قطاع المرأة على غيره من المصالح الصغيرة، واستبدال العلاقة التنافسية الضارة بين مؤسسات المرأة التي تساهم في تحجيمها وفي ترسيخ تصورات وأحكام قاسية غير موضوعية عليها بالعلاقات التكاملية.
كما لا بد قبل ذلك من مراجعة الأداء، والتعرض للاحتياجات المتزايدة والأولويات المتغيرة للمرأة الفلسطينية باستمرار التأثيرات السلبية للاحتلال الإسرائيلي عليها أولا، وتنامي الهموم المعيشية وتنوع وتعدد أدوار المرأة ثانيا. وباتت مسألة ابتداع البنى التنظيمية المتميزة بالمرونة والديمقراطية تكتسب الأهمية القصوى، من أجل تمكينها من الاستجابة لطبيعة تعدد الأدوار التي تؤديها النساء بفعالية وحيوية، وبما يحقق تطوير آليات حداثية للاتصال السريع ونشر المعلومة، ويؤمن نقل مركز ثقل المهمات الى القاعدة. ان تطوير المبنى التنظيمي يستدعي تنسيقا واسعا وفعالا بين جميع الأطراف المؤثرة في القطاع النسوي بهدف تقوية المبنى المركزي وتعزيز مشاركته في الحياة العامة، وبما يعيد الاعتبار لدور المرأة الجماهيري ويمكنها من انتزاع الحقوق بقوتها كحركة اجتماعية للنساء، والقطع مع أسلوب نيل المكاسب عن طريق المنح والعطايا التوفيقية.
وأخيرا وليس آخرا، فان الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية يمكنه ضمن مكوناته الأوسع انتشارا أن يتحول ليصبح عامود الحركة الاجتماعية للنساء باعتباره الإطار التنظيمي الأوسع والأشمل، ولكونه المؤهل أكثر من غيره لتطوير استراتيجيات وتغيير أنماط وإدارة برامج ومشاريع تستجيب لاحتياجات وأولويات المرأة الفلسطينية. ولكن هذا التحول ليس أوتوماتيكيا أو تلقائيا بمجرد اتخاذ القرار، ولا يتحقق إلا بضمان استقلالية قراره السياسي والاجتماعي عن الفصائل السياسية واعتباراتها وحساباتها، وبأن يعتمد على سواعد منتسباته ودوره الجماهيري في تحقيق المطالب. و يمكن للاتحاد أن يتحول الى حركة اجتماعية للنساء بشرط تعزيز وتفعيل العلاقات الديمقراطية الداخلية لهيكله وبناه، وبإصلاح إطار علاقاته مع جميع البنى النسائية المتخصصة وكذلك مع الجمهور النسائي العريض وصولا إلى العمل معا للنضال لطرح هموم المرأة وتحقيق مصالحها دون تردد أو مساومة.