ليلى والحب



ناديه كاظم شبيل
2011 / 3 / 13

ليلى والحب
رغم عشقها الازلي لاسمها الساحر الجميل ، الا انها كانت تردد متهكمة باستمرار : ( ليلى .... ولكن للاسف بلا مجنون ) . لم تكن تطمح بالزواج من رجل يحمل موهلا علميا عاليا او يتمتع بامكانية مادية تحقق لها الحياة المنشوده ، ولم ترسم حتى صورة وهمية لفارس احلامها ، لانها كانت تحلم بعاشق بلا ملامح ، فهي كما تردد دائما لايهمها الشكل بل المضمون ، كانت تبحث عن قلب يحمل رجلا لا رجل يحمل قلبا .

بحثت عن فارسها في ابطال القصص العالميه ، واختارت حبيبا ترفضه كل نساء الارض (احدب نوتردام ) قهقهت صديقتها عاليا من اختيارها اللاموفق قائلة (صام ...صام وفطر على جريّه ) مالذي اعجبك في هذا الاحدب ؟ عيناه الساحرتان ،ام قوامه الممشوق ، ردت مزهوة : اعجبني عشقه واخلاصه ودفاعه المستميت عن حبيبته الراقصه الحسناء ، ثمار اردفت قائلة آه ...ليتني كنت تلك الغجرية المحظوظه .

واختارت من الشعراء عنترة بن شداد ، انه فارسها الاسمر الابي ،شجاعا لايهاب الموت ، ومحبا لا يعتريه اليأس ، حفظت اشعاره عن ظهر قلب ، فعنترة ايقظ فيها مشاعر جياشة رغم بعد المسافة والزمن الذي يفصل بينهما ، لقد الغى حب عنترة الصادق المسافة بينهما حتى تغلغل في سويداء قلبها وافعمها حبا لدرجة الارتواء .

اما المطرب الذي كانت تؤكد لكل من حولها بأنه يعنيها هي لا غيرها ، وان معاناته وحزنه بسبب بعدها عنه وحرمانه منها فهو فريد الاطرش ، كانت تذرف الدموع حرى لصوته الحنون وكلماته الملتهبه ،خيل لها عندما طانت في بداية مرحلة الصباعندما شاهدت فيلمه (رساله من امرأه مجهوله) انها بطلة الفيلم المراهقه التي تقع في غرام المطرب الشاب لتهبه اعز ماتملك في ليلة غاب فيها الاهل والعرف والدين ولم يبق الا الحب وحده.

اخيرا تزوجت ليلى ،ولكن ليس بقيس المنتظر ..ولكن على العكس منه تماما ،شخصا غريبا عنها بكل ماتحمل الغربة من معنى ، لم يحبها قبل الزواج ولا بعده ، لم يسمعها شعر عنتره ولا اغنية فريد الاطرش ، كانت بينهما هوة واسعة جدا ، ازدادت كلما تقدم بهما العمر .

منذ بداية زواجهما اكتشفت بأنه زوجا مسفارا ، يهيم في ارض الله الواسعة بلا ملل ولا كلل ، تمتد سفراته فترات طويله حتى تكاد ان تنسى ملامحه ، ليعود في اخر المطاف ليجدانسانه باردة المشاعر ، تختلق شتى الاعذار كي تبعده عنها ، تحسه شخصا غريبا عنها تماما.

كان يثور بعنف قائلا : لقد شخت هذا كل مافي الامر (رغم فارق العمر الكبير بينهما) ، لتثور هي الاخرى بأنه هو السبب ، فالفراق المستمر احدث شرخا واسعا بينهما لا يمكنها تجاوزه بأي حال من الاحوال ، فهي لا تريد خداعه وتتظاهر بلهفة مفتعلة او رغبة جامحة ، لا انها تصرخ باعلان الحقيقه:لاأحبك لانك لاتحبني على الاطلاق ، وتحب نفسك فقط .

في وحدتها المعتاده ، وعندما تستيقظ فيها الانثى، تغمض عينيها وتداعب خصلات شعرها الاسود بحنان كبير ،ولكن الحلم يأبى ان يستمر طويلا فتتنهد بعمق وتبعد عن جبينها شعرها الكثيف ، لتنهمر زخات المطر بسخاء ..تجفف دموعها لانها بلغت حد الارتواء .

كانت حياتها روتينا مملا ، تشبه حياة كلب سويدي مرفّه، فسحة في الشوارع الخالية من السكان ، ثم عودة سريعة الى البيت ، تناول الطعام ثم الخلود الى النوم ، سنوات تمر والحال على ماهو عليه ... وحدة قاتلة ، اخبار الوطن تسر العدو وتؤلم المواطن ، التسوق الروتيني .....ودولاب الحياة يجري بسرعة مذهلة ، تاركا تجاعيد هنا ، وشعر ابيض هناك .

وفي يوم اشتد فيه المطر ، اضطرت للاحتماء تحت مظلة موقف الباص ، كان هنالك رجلان ، احدهما طاعن في السن مطرق برأسه الى الارض واخر يبدو شابا ،نظر لها الاخر مبسما كأنه يعرفها تماما ، تحاشت نظراته الملحّه حياءا ، حاول ان يتقرب اليها موجها اليها بعض الاسئله ، رفعت رأسها وتأملته ، كان وسيما جدا ، يحمل اسما عربيا رغم انه من احدى الدول الاوربيه ، سألها عن معنى اسمه لكنها تجاهلت معرفتها وادعت بانه ربما كان اسما تركيا او كرديا ،قال لها هامسا انه انتظرها طيلة حياته ،وانه طالما بحث عن وجهها بين وجوه النساء ، ولم يجد ذلك الوجه الهادئ الحبيب، ثم توسل اليها ان تترك لها رقم هاتفها ، ولكنها اعتذرت بلطف ، توسل اليها ان تدعوه لتناول فنجانا من القهوة ولكنها تظاهرت بالانزعاج وهربت بعيدا ، تبعتها نظراته الحنونه بلهفه .، ولكنها هربت خوفا من ان تضعف .

في المساء وحين اوت الى فراشها كانت عيناه الحالمتين لاتزالان تلاحقانها بشده ، رددت اسمه مرات عديده متوقفه عند كل حرف ق....ي...س ولسان حالها يقول : لقد جئت متأخرا جدا ياقيس .احتظنت طيفه الحبيب بينما تدحرجت دمعة حرّى من عينها التي لم تغمض ثانية واحدة في تلك الليله التي ابسم لها فيها القدر للمرة الاولى .