قد آن لهذه الثورة أن تقوم...



كريمة مكي
2011 / 4 / 15

منذ استقلال تونس في منتصف القرن الفائت و نحن نساءها محل إشادة و إعجاب و حتى غيرة نساء العرب لما أهدانا إياه السياسي المتنور الحبيب بورقيبة من حقوق حافظ عليها بعد رحيله بل و دعمها خلفه رجل العسكر زين العابدين بن علي غير أنني كتونسية كنت و كلما سمعت تنويها عربيا وحتى غربيا بمكانة المرأة التونسية و ما حققته من تطور لافت في محيطها العربي إلا و تأكد لي ضرورة تسليط الضوء على ما خفي من هذه الصورة البراقة و البعيدة كل البعد عن واقع غالبية نساء تونس اللاتي مازلن إلى اليوم يتعذّبن بعقلية مجتمع ما قبل مجلة الأحوال الشخصية(1956) فالنصوص القانونية على أهميتها القصوى تظل قاصرة عن بلوغ أهدافها إذا لم تواكبها عقلية متنورة تلتزم بها عن وعي و إيمان بعدالة أحكامها لا عن خوف من سوء عقابها.
ولأن الحقوق التي تُهدى يسهل افتكاكها من أصحابها دون كبير عناء فان المرأة التونسية اليوم مدعوة إلى القيام بثورتها السياسية التي تأخرت كثيرا من أجل تثبيت حقوقها تثبيتا لا رجعة فيه خاصة فيما يتعلق بحقوق أساسية كحقها في العمل و في الزواج بمن تحب و في الطلاق ممن تكره و في غيرها من الحقوق التي بدأت اليوم عديد الأصوات تدعو جهرا إلى مراجعتها لا لدعمها بل للتراجع عنها و ذلك في إنكار كامل للتطور الذي عرفه المجتمع التونسي منذ الاستقلال إلى الآن و للحقيقة فإن هذه الأصوات لم تصمت يوما منذ ذلك التاريخ لكنها كانت بسبب الدكتاتوريتين السابقتين تتكلم بصوت منخفض و إن كانت في كل الأحوال تصل إلى أذن المرأة لتطعن قلبها و تهين كرامتها بسبب جنسها فهي المطلقة و هي العانس و هي العاقر و هي العاهرة و هي كل ما شاءوا لها من تلك الألقاب المدمرة المهينة التي تطلق عليها جزافا من كل حاقد و حاقدة لزعزعة معنوياتها و إرباك مسيرتها من أجل إحكام السيطرة عليها و استغلالها.
لقد كنت أرى فيما فعله بورقيبة للنساء فعل رائع و شجاع لا شك و أنه يحظى بتأييد كل الرجال الحقيقيين الذين يحبون المرأة دون عُقد أو أحكام موروثة فيعتبرونها شريكا متساويا في المواطنة ويساعدوها – و لو بالكلمة الطيبة- على النجاح سواء في البيت أو خارجه لكن بورقيبة أراد أن تُنسب له وحده صفة محرر المرأة فألغى ذكر محاولات من سبقه من المصلحين في هذا المجال و رائدهم الطاهر الحداد و قضى فترة حكمه يشيد بما فعله للمرأة دون أن يساعد النساء فعلا على تجذير ممارسة نضالهن السياسي لنشر ثقافة حقوق الإنسان خاصة و هو العالم بتحجر العقليات المتوارثة و صعوبة تثويرها لكنه للأسف أراد أن يكون تحرير المرأة صنيعته وحده و قد نجح في أن يجعله كذلك فلا أحد يتحدث عن رموز أو نضالات نسوية ساهمت في مشروع تحرير المرأة في تونس إلا بإشارات خفيفة ذلك أن نضال المرأة السياسي كان و لا يزال ضعيف و خافت لأنه و للأسف بقي كنضال جميع الفئات المضطهدة التي يشغلها الكفاح الاجتماعي و المعيشي عن الكفاح السياسي فتتأخر ثوراتها و يطول استغلالها و اضطهادها و لقد اطمأنت المرأة في عهد بورقيبة إلى حمايته لها و لمشروعه الأحب إلى قلبه فنامت في السياسة ملئ جفونها إلى أن رحل المحرر و افتك الحكم خليفته فدبّ الجزع في النفوس النيرة الصادقة و استبشر القساة و المغالون حالمين بعودة عصر الحريم و ما ملكت اليمين لكن الرجل العسكري كذّب التوقعات و حافظ على هدية بورقيبة للمرأة بل و دعمها فتوالدت في عهده القرارات الداعمة لمكانة المرأة في الأسرة و المجتمع و كثرت زمن حكمه المنظمات النسوية التي تلهج بذكره و تشكر فضله و هو من هذه الناحية و للأمانة التاريخية يستحق الشكر مني كامرأة لولا أنني كنت أرى في كل ما فعله للمرأة مجرد واجهة برّاقة لتلميع صورة نظامه و نوع من البروباغندا التي كان يزيف بها واقع نساء تونس كما زيّف حقائق نسبة البطالة و نسب النمو الاقتصادي و غيرها من النسب التي تلاعب بها صعودا و نزولا فما غالطنا لأننا كنا الأدرى بواقعنا و إن غالط بها هيئات دولية منحته قروضها و تأييدها لذلك كنت كلما رأيت بن علي يتخذ قرارا لفائدة المرأة و خاصة في عيدها السنوي إلا و ازددت خشية على وضعية المرأة في بلدي ذلك أن وعي غالبية نساءنا بحقوقهن جدا قليل فما شهدنا إلى الآن أي شكل من أشكال النضال الفكري أو الفني أو السياسي البارز الذي يمكن أن يوحي بأننا في طريقنا إلى تثبيت حقوق النساء في عقول النساء قبل الرجال بما يعني تأبيد العقليات الذكورية الظالمة و استسلام المرأة في الغالب إليها بدل محاربتها و حتى إن حاربتها فإنما تكون محاربة انفرادية عادة ما تنتهي بصاحبتها إلى العزلة العائلية و المجتمعية.
و لذلك كله لم يكن للإجراءات التي اتخذها بن علي صدى كبيرا في واقع المرأة التونسية و لم أكن لأستغرب كثيرا و أنا أقرأ عن قرارات هامة و جريئة تنزل من فوق لفائدة نساءنا بينما أرى نسبة العاطلات تتضخم و عدد المعنفات يتضاعف و أعداد المهملة نفقتهن و نفقة عيالهن في تصاعد مفزع و هذا طبعا دون الحديث عن النسب القياسية السرية لأعداد المغتصبات و المتحرش بهن جنسيا في البيوت و في وسائل النقل و مواقع العمل.
لكل هذا و حتى لا تبقى حقوق المرأة في تونس هبة بورقيبة و منّة بن علي تبدو ثورة نساء تونس اليوم أكثر من حتمية فإذا كانت المرأة قد شاركت في ثورة 14 جانفي 2011 بنسب قياسية إلى جانب الرجل فإنها الآن مدعوة إلى القيام بثورتها المؤجلة منذ عصور ضدّ كل أشكال القهر الجنسي و هذه هي فرصتها قبل أن تحدد مكاتب الاقتراع من سيحكمنا في الأشهر القليلة القادمة و الذي في مقدوره أن يقودنا بواسطة هذه الديمقراطية الوليدة إلى ديكتاتورية سوداء أشد فتكا مما رأينا أو سمعنا و إذا كانت أطراف سياسية معروفة بتشددها القاطع مع المرأة قد سعت إلى طمأنة الداخل و الخارج حول مكتسبات المرأة التونسية لا عن قناعة بل عن سياسة فإنني أقول أنه في مجال حقوق الإنسان و بخاصة حقوق المرأة الهشة فانه لا مجال أبدا للاطمئنان لأي حاكم فاليقظة واجبة على كل امرأة مخلصة لإنسانيتها حتى لا يهين أحد كرامتها أو يسطو على حريتها تحت أي غطاء و خاصة غطاء الدين الذي يستعمله المهووسون بالسلطة لا للتقرب إلى الله كما يزعمون بل لإحكام تسلطهم على سواهم و خاصة على فريستهم المحببة المرأة و هل لهم في الدنيا موضوع سواها...‼