عن الحجاب مرة أخرى (2): من التراث الوثني إلى الخلط بين الحجاب والجلباب



يوسف المساتي
2011 / 4 / 29

بعد المقالين السابقين عن الحجاب ننشر اليوم هذا المقال عن الحجاب كتتمة للموضوع، غير أنه وقبل أن ندخل لصلب الموضوع لابد أن نؤكد هنا أن الحجاب موروث وثني يعود إلى الفراعنة الذين كانوا يعتبرون الشعر رمز من رموز القوة، لذا كان الكهنة يحلقون رؤوسهم تواضعا للإله، وانتقلت العادة إلى باقي الشعب، وقد تأثر اليهود بهذا الأمر –وغني عن القول أن اليهود عاشوا في مصر خلال مرحلتين من الدخول في عهد يوسف إلى الخروج في عهد موسى-، ومن الطبيعي أن يتأثروا بعادات وأفكار المجتمع المصري، وقد حملوا معهم هذا الموروث إلى أرض كنعان، وخلال السبي الأول والثاني تأثر اليهود بعادات المجتمع البابلي الذي كان يفرض على المرأة الحرة تغطية شعرها أما العاهرة فتترك شعرها عاريا، ونعثر في قوانين حمورابي على عقوبات تصل إلى حد الإعدام في حق العاهرة التي تغطي شعرها أو المتزوجة التي تعري شعرها، ونظرا لتأثر اليهود بعادات المجتمعين المصري والبابلي وللتراكمات التاريخية فقد وصلوا إلى فكرة تغطية ألراس عوضا عن حلقه خاصة أثناء الصلاة، وهذا ما يبدوا ظاهرا عندما نتأمل في متطرفي اليهود والقبعة التي لا تفارق رأسهم.
ومعلوم أن تدوين العهد القديم –التوراة- تم أثناء السبي البابلي، لذا من الطبيعي أن تحضر هذه الفكرة بثقلها في تدوين العهد القديم، خاصة في ظل النظرة الدونية للعهد القديم تجاه المرأة، وقد انتقلت هذه الفكرة إلى الفكر المسيحي عن طريق بولس المعروف بالرسول وهو يهودي تنصر ويعتبر واضع شرائع المسيحية بما فيها فكرة التثليث والأقانيم...الخ، وقد أقحم الحجاب في العهد الجديد، ولعل القاري يلاحظ أن الراهبات المسيحيات يرتدين الحجاب وهو ما يعرف بطقس التكريس الكاثوليكي حيث أن الراهبات تتزوجن بالسيد المسيح، وتغطين شعرهن تواضعا له.
كانت هذه فكرة موجزة جدا عن الحجاب كموروث ما قبل إسلامي، أما عن أقوال كبار العلماء فإننا نخرج باستنتاج أساسي وهو أن الحجاب فرع وليس أصل، وانه مما حكم فيه الفقهاء أرائهم باختلاف أزمانهم وأمكنتهم، ولا تفوتني إشارة مهمة هنا وهي أن لفظ الحجاب في القران لم يرد لمعنى غطاء الرأس وإنما بمعنى الساتر والحاجب.
ويفضل الكثير من مؤيدي الحجاب الاستشهاد بالآية 59 من سورة الأحزاب، وهنا أحب في البداية أن أذكر بأن الآيات المخصوصة بزوجات النبي في سورة الأحزاب تحدد بالآيات من 50 إلى 55، وتلك لا مكان للمكابرة أو المجاحدة في خصوصيتها، والآية 59 أية عامة لكل المسلمات غير أن الخلط الذي يقع فيه الكثيرون، وهو الخلط بين الحجاب والجلباب والخمار، ولهذه الآية وجهان، وجه خاص تحدثت عنه مناسبة نزول الآية الواردة في صحيح السنة، وقد أوردته في مقالي الأول، ووجه عام وهو الأمر بإدناء الثوب أو الجلباب للحفظ من الأذى، وليس في الآية ما يفيد بوجوب الحجاب، وإذا تأملنا كلمة الجلابيب وهي جمع جلباب نجد انه من الممكن ارتداء الجلباب دون حجاب، ونعتقد أن تجنب الآية تحديد معنى واضح للجلباب له حكمة سبق أن أوردناها وهي مراعاة الموروث الثقافي لكل مجتمع، ولأي كان أن يلاحظ الفرق بين تصاميم الجلباب في المغرب باختلاف المناطق.
إن الآية 59 من سورة الأحزاب تشترط الوقار وهو ما لا يمكن لأي احد أن يكون ضده، لكن الوقار ليس أبدا هو الحجاب، فالاختلاف بين بينهما، وكم من محجبة ليست وقورة، وكم من محجبة اشد فتنة وإغراء من مرتدية لتنورة، الحكمة في القران اكبر من مجرد لباس ومظهر، ولكنها عمق ومبدأ.
بقي أن نشير إلى أننا ضد الحجاب كتشريع فقهي، وليس قراني، ويجب دائما أن نميز بين التشريع القرآني والتشريع الفقهي، ولكن هذا لا يمنع أبدا بان نطالب بعدم إقصاء المحجبات من الوظائف والمناصب، خاصة في الإعلام والسينما، فنحن نرفض رفضا باتا وقاطعا الإساءة إلى المحجبات أو منعهن، لأنهن جزء من هذا المجتمع، وكل ما نريد إيصاله هو أن الحجاب موروث ثقافي وليس ديني، انه عادة وليس عبادة.