القتل دفاعا عن -شرف العائلة- يقتل العائلة..!



ريما كتانة نزال
2011 / 5 / 15

الجريمة المروعة التي ذهبت ضحيتها الفتاة " آية برادعية" من صوريف، وذلك على يد عمها الذي قتلها على خلفية ما يسمى "بشرف العائلة" تعتبر جريمة نكراء لا تمت الى الشرف بأي صلة، والقاتل مجرد من كل القيم بما فيها قيمة الشرف والشجاعة والانسانية والمروءة.
قتلها وألقى بها في البئر، ومن ثم هرب بفعلته على غير عادة أمثاله من القتلة من مدعي الدفاع عن الشرف. فهذا الصنف من جرائم القتل يطيل عادة رقبة القاتل ويرفع رأسه، لذلك لا يلجأ المجرم غالبا الى انكار جريمته لأنه وفقا لعقليته المريضة قد قام بغسل العار مدافعا عن "شرف العائلة"، حيث جرت العادة أيضا أن يقوم معظم مرتكبي هذا النوع من الجرائم، فور اجهازهم على الضحية، ووفقا لتخطيط مسبق بتسليم أنفسهم الى الشرطة مستفيدين من العذر المخفف مطمئنين الى اطلاق سراحهم بعد مدة قصيرة مكللين بالغار " كأجدع الناس"
جرائم "الشرف" من المصطلحات الملتبسة والمضللة، فالقاتل الذي يقتل مستفيدا من مصطلح " الشرف" يمتلك المبرر اللازم بشكل مسبق لتبرئته من جريمته، وفي الوقت ذاته يحمل المصطلح الدليل الدامغ على إدانة الضحية كمبرر للقتل غير قابل النقاش. ولا يقتصر التضليل الذي يذهب به المصطلح الى معنى الادانة والمبرر، بل يتعداه الى أن يجعل الشرف ملكا للرجل المعزز بالقوة والنفوذ بامتلاكه لجسد الضحية، تلك الملكية التي تخوله منحها الحياة أو قبضها.
ويخلق مصطلح "جرائم الشرف" كذلك المفارقات، ففي الوقت الذي تعتبر فيه المنظومة الاجتماعية بأن المرأة غير مسؤولة عن تصرفاتها وقراراتها بحكم ضعفها، تقوم ذات المنظومة بإسناد مهمة حمل مسؤولية " الشرف" الى المرأة الضعيفة وتعفي الرجل الذي يتمتع بالقوة والبأس في العائلة من عبئه، وتحيل له مهمة السهر للدفاع عن مسؤولية المرأة في حمله والحفاظ عليه متحذا قرار موتها ان شك في تقصيرها بحمل االمسئولية ..
ضحية صوريف ليست الجريمة الاولى ولن تكون الأخيرة، فمنذ بداية العام سمعنا عن حالات قتل عديدة على ذات الخلفية، علما بأن الأرقام الرسمية غير دقيقة بسبب عدم التبليغ عنها في بعض الحالات.. أو بسبب فقد أثر البعض الآخر؛ كما وقع مع ضحية صوريف التي اختفت آثارها مدة عام كامل قبل أن يكتشف مصيرها دون إغفال أن بعض حالات القتل كانت تُمرر كحوادث انتحار أو كوفيات اعتيادية.
السؤال المطروح من قبل الجميع الآن يدور حول رزمة الاجراءات المتنوعة المطلوب الشروع بشكل جدي للعمل بها من أجل التصدي لمشكلة قتل الفتيات.. فقد بات من المؤكد ان التدخلات المطلوبة تبدأ من اشتقاق آليات للتواصل مع كل المجتمع بنمط من التثقيف المتجاوز لخيار التثقيف النخبوي والموسمي والمناسباتي لشريحة محدودة من الاناث، تثقيف يوقع طلاقا بائنا بينونة كبرى بين مدلول هذه الجرائم التي تربط بالشرف وبين المعنى الدخيل والمضلل للشرف، فالقتل جريمة لا يمكن تبريرها أو تخفيف عقوبتها، وجريمة أن يُقلب عقاب القاتل الى ثواب يكافأ عليه.
من جانب آخر، مطلوب خطة منهجية تلحظ دور الاعلام الرسمي في كشف الغطاء عن هذه الجرائم بوضوح وجرأة، اعلام يساهم في عزل ونبذ وفضح مرتكبي جرائم قتل الاناث وبما يؤدي الى ردع كل من تسول له نفسه ارتكاب جرائم شبيهة أو من يحمل فكرا يبررها ويدافع عتها، حتى لو أدى الردع الى عرض هذه النماذج المنحرفة على الرأي العام بهدف التعجيل بصنع ثقافة بديلة لثقافة القتل.. اعلام يلحظ تطور ويقدم دوران عجلة أدوار المرأة راسما معالم المستقبل بنصوص حقوق الانسان والمرأة جزء منها.
لقد تعطل وتأخر صدور قانون العقوبات الفلسطيني لأسباب كثيرة آخرها ارتهانه للانقسام بانقطاع المجلس التشريعي عن الانعقاد والقيام بمسئولياته. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة في ظل استعادة الوحدة الوطنية والشروع باعادة الحياة للمؤسسات الوطنية ومنها المجلس التشريعي عن امكانية صدور القانون الذي أصبحت مسودته جاهزة بعد ان بذلت جهود جبارة على صياغته وبما يتلاءم مع المجتمع الفلسطيني وخصوصياته ومتوائما مع منظومة حقوق الانسان.. والتساؤل عن مدى قدرة المعادلة الجديدة في أعقاب الاتفاق وبداية مرحلة جديدة، عن امكانية ان يراعي القانون المنشود الواقع الوطني الجديد للمصالح الديمقراطية للمجتمع بديلا للمصالح السياسية، وعن مدى الالتزام بالمرجعيات الوطنية المقرة ومع اتفاقيات حقوق الانسان..!
في آخر الكلام، لا بد من مصارحة الذات بأن كل هذه الجرائم التي ترتكب بحجة الدفاع عن شرف العائلة.. كانت بالنتيجة لعنة على العائلة بقتلها وتدميرها...