الحجاب بين اشكالية المظهر و الجوهر



لينا مظلوم
2011 / 5 / 20

لا ادري لماذا تأخذني كلمة (حجاب) دائما الى مجموعة حواراتي مع نزار قباني ... الشاعر الذي جعل قضية المرأة همه الاكبر على مدى خمسين عاما ... كرس كلماته للدفاع عن مائة مليون امرأة عربية رغم معرفته منذ البدايات ان مسالة الحرية هي اكبر منه و منها . الحرية ليست ارنبا يخرج من قبعة الحاوي ، لكنها ثمرة تنضج في مجتمع مهيأ لاستيعاب فكرة الحرية و مستعد لدفع ثمنها . لذا كان من اكثر الاصوات شجاعة و صدق في كشف المجتمعات التي خلطت بين الموروثات و التقاليد الاجتماعية و بين الدين عند التعامل مع (المرأة) حتى اصبح التمييز بينهما عملية شائكة نتيجة هذا الخلط (المتقن !) في الاوراق .
لعل موضوع ( الحجاب) اوضح الامثلة تعبيرا عن هذا الخلط بين كونه مظهر ديني او سياسي او اجتماعي . بعد كل ما اثير من جدل على مدى اعوام حول موقف الدين الاسلامي من الحجاب بين تأكيد ونفي كونه فريضة شرعية على المرأة ، الا ان المواقع الثلاث التي تناولت هذا الموضوع في القرآن الكريم ، سورة الاحزاب (الآيات 53 و 59 ) سورة النور (الآية 31 ) لم تجدد مواصفات دقيقة للزي الاسلامي للمرأة ، بقدر ما كانت تضع اسلوبا لائقا للتعامل مع زوجات النبي او تأمر المسلمات بتعديل شكل ثوب يكشف عن جزء كبير من الصدر كا ن سائدا وقتها او ارتداء ما يتسم بالحشمة و عدم المبالغة في التبرج بالاضافة الى بعض المظاهر الحياتية لتلك الفترة(كانت الصحراء مثلا تستخدم كحمام مما كان يغري بعض ضعاف النفوس من الرجال بالتعرض للنساء, من هنا جاء امر ادناء الجلابيب للنساء). و القاعدة في اصول الفقه ارتباط الحكم بالعلة , فاذا انتفت العلة رفع الحكم . ايضا ، المؤكد ان القاعدة الاساسية في القرآن الكريم و الشريعة الاسلامية هي رفض اسلوب الاكراه في تنفيذ اي حكم ، بالتالي لا يوجد اي مبرر ديني يفرض الزام المرأة بزي محدد و اجبارها عليه بالضغط المادي (عن طريق استعمال العنف معها) او المعنوي ( عن طريق تكفيرها ).
دخول الدين الى عالم السياسة و اختلاطه بها خلق ايضا بعض المظاهر التي سعت جماعات الاسلام السياسي الى فرضها ، بشكل صارخ و باعلى الاصوات ، و كأنه شعار تريد اضفاء طابع ديني مؤكد عليه لاثبات قوة تواجدها وكثرة اتباعها من خلاله . و الامثلة عديدة ، الزي الافغاني و اطلاق اللحية ، الى غير هذه المظاهر التي تعمد الدين الاسلامي على وضعها في مراتب متأخرة ليفسح المجال امام حقائق اهم و اسمى تحث الدعوة الى الصفات التى ترقى بالنفس و اسلوب الرفق و اللين في التعامل – خصوصا في علاقة الرجل بالمرأة – بين المسلمين و غير المسلمين . المثير للدهشة ، ان هذه الحقيقة تبدو في وضوح الشمس حتى لغير المتعمقين في دراسة الشريعة الاسلامية ، اذ تكفي قراءة متأنية للقرآن الكريم – المصدر الاول و الاساسي للدين – فهي تؤكد لنا التركيز و التكرار في اغلب آياته على فكرة الجوهر لا المظهر ( الذي لا تتجاوز عدد الآيات المتطرقة اليه عدد اصابع اليد الواحدة ) .
العامل الاجتماعي القى بظلاله ايضا على الظاهرة ... الطبقات الفقيرة و الشعبية وجدت فائدة اقتصادية للحجاب الذي وفر على المرأة مصاريف كانت تنفقها على التجميل و العناية بالشعر ، ثم ان تكوين و اسلوب معيشة هذه المجتمعات تتسم بعدم الخصوصية نوعا ما ، فالجيران و سكان الشارع يعطون انفسهم الحق في التدخل و الحكم على بعضهم البعض ، من هنا يصبح ( الحجاب) هو الشعار الاسلم الذي تضعه المرأة للدلالة على فضيلتها ، بالتالي فان المنهج التفكيري لهذه المجتمعات لا يمكنه استيعاب صدور تصرف خاطئ من امرأة وضعت الحجاب شعارا لها . اما الطبقات الغنية ، فهي لا تريد تحميل نفسها عبء التفسير و التحليل .. هي فقط تسعى نحو
( موضة) انتشرت بين نساء و فتيات الطبقة الراقية ، بالنسبة لهن مجرد فرصة لشراء اغلى اغطية الرأس – وان كانت مزركشة و خليعة بل و نجلب النظر اكثر من الشعر العادي- حتى تتباهى كل منهن بما ترتديه !!!
الشق الاخر ( الحجاب المعنوي) يبدو قضية شائكة لا تقل في خلط الاوراق عن ( الحجاب المادي) للمرأة . خضوع ( الحجاب المعنوي) في بعض المجتمعات الى اهواء و تفسيرات شخصية افقد المرأة كثيرا من مكاسب و نجاحات حققتها على مدى رحلة طويلة اثبتت خلالها صلابة و قدرة الوقوف شريكا كاملا للرجل . اصبحنا محاطين بنماذج لا حصر لها تحاول تحجيب المرأة معنويا بالغاء عقلها و دورها . مثل فكرة تكالب المرأة المحجبة على العمل و التي تتناقض مع ادعاء جماعات الاسلام السياسي بتحريم عمل المرأة و اختلاطها بأي من المظاهر الاجتماعية العامة . و هو دليل آخر على ارتباط الظاهرة بعوامل اخرى لان الدين لا يطبق جزئيا او انتقائيا على طريقة ( لا تقربوا الصلآة) . و ما معنى اعتبار قيادة المرأة للسيارة في احدى المجتمعات على مدى سنين طويلة رجسا من عمل الشيطان ! حتى اعترف القائمين على هذا المجتمع منذ فترة قصيرة ، تحت ضغط قوى خارجية، ان منع قيادة السيارة على المرأة يقع تحت بند تقاليد هذا المجتمع !!!
اما اخطر الآفات التي ادخلت على المجتمع العراقي , وظن مروجوها بخيالهم المريض الساذج انهم سيفرضوها بالقوة على المرأة العراقية, فهي تلك البدع مثل فرض زي محدد عليها او منعها من قيادة السيارة الى غير تلك السخافات الهادفة لحصرها بين مطرقة الفكر الوهابي وسندان النموذج الايراني... و نسأل – والاجابة معروفة للجميع سلفأ- لمصلحة من يتم تشويه العراق عن طريق وضع ( حجاب ) على عقله.اذا لم تكن هذه الامثلة هي(حجاب)او (ساتر)معنوي يستخدم رمز الانثى لعبة يحركها وفقأ لاهدافه, فلا ادري ماذا يكون!!!
لينا مظلوم - كاتبة و صحافية عراقية