الحرية والنقاب ...؟



مصطفى حقي
2011 / 6 / 6



ان ما يضحك الجميع لدرجة الإنقلاب إلى الخلف ، والاستمرار في
الضحك ثم السعال هو منظر مظاهرة شعبية عارمة تطالب بالتنحي ، وإسقاط
النظام ونصف المتظاهرين من الرجال ، وبجانبهم صف طويل من الحريم يؤيدن
الرجال بمطلبهم الديمقراطي بتغيير النظام ، وتصور يا رعاك الله أن النساء
المؤازرات منقبات ... نعم منقبات يسترن الجسد بكامله إلا من عينين وخلف
نظارة سوداء ولسن محجبات ... نعم هؤلاء النسوة المنقبات يمثلهم هؤلاء
الرجال الثائرون ، نعم هؤلاء الرجال ونساؤهم منقبات أي معدومات الحرية ،
ومرغمات على التنقب الظلامي ،ولأسباب كثيرة أهمها السيطرة الذكورية
لهؤلاء الرجال على النساء ، وفرض النقاب عليهن جبراً أو عرفاً بقانون
البيئة المسيطر والملزم للمرأة بالتنقب ، أواحتهاداً دينياً لشيوخ أقرب
إلى الجهل اجتهدوا للخلف ، وشرّعوا بتنقيب المرأة ، وانها إرادة الخالق
وفقاً لتفسيرهم ، مع أن الإله خلق آدم ، وحواء عراة إطلاقاً ،
وان هذه الشعوب في مظاهرتها الثورية تنادي بالحرية والديمقراطية ، وهي
في حقيقتها الأيديولوجية لا تعرف من الحرية إلا اسمها ، ومن الديمقراطية
إلا لفظها ، كيف تؤمن شعوب بالحرية ، وهي تحكم على نصف مجتمعها من
النساء بالظلامية لمجرد فرض الرجل سيطرته على المرأة واعتبارها مقودة
برسن الزوج إلى حطيرة العبودية ، ان هؤلاء الثوار الثائرين على نظامهم
، ويطالبونه بالرحيل ، وماهو الجديد الذي سيغير القديم سوى العودة
إلى القديم بقدمه ، وإلى دولة خلفاء ، وإلى حكام رعاة ، وشعوب الرعية
البهيمية لاتتحرك إلا بعصا القيادة ، وعن سلطة حاكمة استبدادية ،
والمحكومين فيه يدعون صباح ، ومساء بدوام تلك القيادة المؤيدة من السماء
وحتى الأرض .... وكيف يفهم دعاة التنقُّب والتنقيب ، والتي في حقيقتها
استبدادية الجذر والمنبت ، كيف يمكنهم أن يوائموا بين الحرية ،
والاستبداد ، وهم يطبقون الأخيرة بحذافيرها في ظل دولتهم المستبدة ،
وعبر سيطرتهم ، وهم على رأس أسرهم يمارسون الاستبداد بحق زوجاتهم
وأبنائهم ، ومن لا يعدل مع أفراد أسرته كيف يمكنه أن يكون عادلاً
مع الآخرين في حال توليه السلطة ، وفي حال استلام هؤلاء الرعية
السلطة كيف سيكون حكمهم ، وثقافتهم العامة ، والخاصـــــــــة هي
استبدادية وبالوراثة .. إلا صورة طبق الأصل ، أو أسوأ من تلك الدولة
التي ثاروا عليها ، فالثورات غير الناضجة والقائمة على العواطف الثائرة
وغير المؤدلجة بالعصرية ، والتقدمية ، والخالية من
التنظيم هي ثورات فوضوية ، وعامل تخلف المجتمعات ، والدول ، والتي لن
تنجح في أي من تلك المسرحيات ( ثورة شعب لا يعرف من الحرية إلا اسمها
) شعوب منقبة ومحجبة ( والحيط الحيط يا رب السترة) ولم تزل تؤمن
بالأساطير والخرافات وتؤمن بعدد لاينتهي من الرجال بعد خاتم الأنبياء بل
، ويقدسونهم ، ويتباركون ، ويتشفعون بهم ويبنون لهم المزارات المقدسة
والقيمون عليها ، وملجأ للتبرع والنذور ، والحج إليها والطواف حول
المقام وبداخله ....؟
كم هو فرق شاسع بين رؤية شباب لبنان الثائر
وهم يطلبون قيام دولة علمانية بعيداً عن الطائفية وشعارهم نريد الخبز
والعلم والحرية ، بينما ألشباب من أنصار النقاب يطالبون تغيير النظام فقط
، والإبقاء على النقاب ، والتخلف ( وعلم إيه اللي انت جاي تقول عليه
..) وعلى الله التوكل بلا علم بلا بطيخ مبسمر ...؟!
وبالمناسبة أهديكم قصة قصيرة من مجموعتي الأخيرة وبعنوان نهيق
الحرية .. : يهب السلطان من نومه منزعجاً ويفاجأ بوزيره ماثلاً
أمامه .. : يا مولاي انهم الغوغاء ..
: غوغاء..!
عن أي غوغاء تتحدث ..؟ : انهم الرعية يا سيدي ... الشعب ...
: وماذا يريد هذا الشعب ...؟ : يرددون كلمة لم أعثر عليها في القاموس
...؟ : كلمة خارج القاموس ..! يعني ( قلّة حياء ) ما هذه
الكلمة ....؟ : الحرية يا مولاي ....؟

السلطان مفكراً .. حرية حرية .. واخ واخ .. حضرتنا يفهم هذه الحرية ..
مصيبة .. الوزير مستبشراً .. : وما هو معنى هذه الكلمة يا سيدي
..؟ : أسألك أيها الوزير .. إذا تركت
الحمير هكذا بلا راعٍ ، بلا مالك أو رقيب ماذا تفعل ، وكيف
تتصرف ...؟
: عفواً يا مولاي.. يعني حمير بلا قيود .. يعني حيوانات ..
: لقد قلتها يا وزير ..؟ حيوانات حرّة ..؟
: انها
ستنهق وتعض وترفس يا مولاي ...؟
: هيا أيها الوزير أصدر الفرمان التالي :
يمنح الشعب حرية كاملة ولمدة اثني عشر ساعة من السادسة صباحاً ، وحتى
السادسة مساءً .. ومن يخالف بعد هذه المدة يخوزق ..؟
(
بعد اثني عشر ساعة) : مولاي السلطان ..الشعب يتظاهر أمام القصر ..؟
: وماذا يريد الشعب هذه المرّة يا وزير ..؟
: يتوسلون السلطان العادل
، ألاّ يعيد سيادتكم إصدار مثل هذا الفرمان ثانية ، لقد كرهوا نهيق
الحرية ...!.