ضد عبد القادر أنيس وفاتن واصل



نعيم إيليا
2011 / 6 / 12

كتبتُ ملاحظة على هامش المقالة الأخيرة للأستاذة فاتن واصل التي تندد فيها بموقف إحدى الكويتيات من جريمة استرقاق المرأة، فقلت:
"يعتقد الكثيرون أن سبب انحطاط المرأة عن مرتبة الرجل هو الصراع بين الجنسين؛ الصراع الذي تكلل بغلبة الرجل على المرأة فمكّنه من قهرها وإذلالها.
وهذا الرأي لا يمكن اعتماده حرفياً في تفسير انحطاط مكانة المرأة. إن ما ينبغي اعتماده حقاً في تفسير هذه الظاهرة هو طبيعة المرأة ذاتها. وأرجو ألا تغتاظ الأخوات مني هنا لاعترافي بهذه الحقيقة؛ فأنا ناشط في مجال حقوق المرأة ويستحيل أن أفكر باستغلال حقيقة ضعف المرأة الطبيعي؛ لتجريدها من حق المساواة التامة مع الرجل كما يسعى إلى ذلك الذكور المتخلفون في كل مكان.
بيد أن المرأة - ولا أعمم - لا تكترث بحقوقها، ولا تناضل إلى جانب الرجل المتمدن مناضلة جدية لاسترداد حقها المكلوم.
فما أسرع نكوصها عن قضيتها عند أول لقاء لها برجل متخلف! أقول هذا عن خبرة وتجربة لي مع نساء شرقيات وغربيات بعضهن أكاديميات وعلى درجة عالية من الثقافة والتحضر. ومن هنا فلا أعجب إذ أسمع امرأة كهذه، تبشر بعودة عصر الجواري والقيان...".
فردت الأستاذة فاتن بلهجة ملؤها التقريع:
" ... كنت أرجو ألا تطلق أحكاما لمجرد انك قابلت بعض النماذج المتقاعصة لأسباب لا نعرفها حق المعرفة، وإن كان السبب الأول وهو هزيمة المراة فى الصراع لا يمكن اعتماده ، فالسبب الذى تعتمده حضرتك وهو كما تفضلت (( ضعف المرأة الطبيعي لتجريدها من حق المساواة التامة مع الرجل كما يسعى إلى ذلك الذكور المتخلفون في كل مكان)) لا يمكن اعتماده أيضا، فأنا واحدة ممن يعيشون فى هذا الصراع وتلك المجتمعات ولم أسمح أبدا بتجريدى من حقوقى مهما كانت التنازلات حتى لو كان من ضمنها التنازل عن طموحى وبعض أحلامى.. أنصح كل امرأة ان تستعين بقوة الاستغناء، بأن تتعلم وتعمل لأنهما السلاحين الوحيدين اللذين سيحرراها من كل أنواع السيطرة وبالذات السيطرة التى تفرضها الشرائع الجامدة ، فالعلم والعمل هما دعامتان أساسيتان فى نيل حريتها. شكرا أستاذ نعيم فقد أفقتنى على عدو جديد ألا وهو الفهم الخاطئ لطبيعة المرأة".
ولم يكن التقريع هنا هو الذي ساءني في ردها، وإنما منطقها الغريب الذي أصر على أنّ المرأة قويّة لا تشكو الضعف، وأنها يمكنها (( بقوة الاستغناء)) أن تتحرر من (سلطة) الرجل. وقد حاز رأيها الغريب على تأييد الكاتبة السيدة ليندا كبرييل، فصفقت له وهللت، مع أنّ الواقع يثبت أن (قوة الاستغناء) هذه ليست شيئاً غير فقاعة تتلهى بها النساء. والأمثلة كثيرة: ففي السعودية عدد وفير من النسوة اللائي يعملن، واللائي لديهن مؤهلات علمية عالية، ومع ذلك فهنّ مرغمات على ارتداء زيّ موحد، محرومات من قيادة سيارة، ويحتجن إلى محرم في بعض أحوالهن وتنقلاتهن.
وفي هذه الأثناء جاءت مناقشة الأستاذ عبد القادر أنيس لفكرة ضعف المرأة الموروث عن الطبيعة؛ التي طرحتها، منسوجة على هذا المنوال:
(( رأي السيد نعيم إيليا غير صحيح عندي ولا يستقيم أمام التحليل المنطقي والتاريخي. يقول السبب في انحطاط المرأة ((طبيعة المرأة ذاتها)). فماذا يعني بطبيعتها؟ هل جيناتها تقبل الانحطاط فتجعلها ((لا تكترث بحقوقها عند أول لقاء لها مع رجل متخلف))؟ هذا كلام يجانب الصواب في نظري. المجتمعات البشرية عرفت الأسرة الأموسية (هيمنة الأم ونسبة الأولاد إليها) قبل أن تعرف الأسرة الأوبوسية، كما عرفت الإلهات الإناث وعبدها الناس وأقاموا لها المعابد والطقوس ومازال في الهند إلهات تعبد. لماذا؟ بالأمس فقط كنت أتابع فيلما حول مجتمع الفيلة وفيه الأم الكبرى هى التي تقود الفريق رغم أنها أضعف من الفيل الذكر، لماذا؟ نفس الظاهرة نجدها عند الكثير من الحيوانات رغم أنها تحتكم في علاقاتها لمنطق القوة البدنية. السبب تاريخي في نظري، يبدو لي أن وضعية المرأة بدأت تتدهور مع تطور الأديان الشمولية الذكورية مثل ديانات الشرق الأوسط (السماوية)، بسبب قيام دولة مجتمعات الغزو والنهب والاحتكام إلى منطق القوة البدنية وانقسامها إلى طبقات متخصصة: الرجال للحرب والنساء للزراعة والقطاف، وقد أمكن تعميم العبودية على الرجال أيضا. مثال ذلك أن وضعية المرأة في الحضارة اليونانية في عهود الديانات الوثنية كان أفضل بكثير من وضعها بعد انتشار المسيحية. ربما أتفق مع إيليا إذا فهمنا لفظة الطبيعة بدنيا أي ضعفها البدني مقارنة بالرجل، رغم أن هذا لا يفسر كل شيء. هل يستطيع إيليا أن يفسر لنا سبب قابلية السود للرضوخ للعبودية أكثر من غيرهم؟ هل هذا طبيعة في لونهم؟ لماذا مثلا لم يتمكن غزاة أمريكا من البيض من استعباد الهنود الحمر الذين فضلوا المقاومة حتى الفناء بدل ذلك، بينما أمكن نقل السود كالأنعام إليها كعبيد بعشرات الملايين؟ أليست المسألة ثقافية بحتة، أي تاريخية ولا علاقة لها بالمرأة أو باللون؟ لا أعتقد أن انحطاط المرأة مسألة طبيعية، وبالتالي فكلمة طبيعية ليست في محلها وهو حكم عنصري مورس سابقا ضد الشعوب غير الأوربية بحجة أنها غير قابلة ذهنيا لبناء الحضارة. ومورس في كل الحضارات القديمة. مازالت ثقافتنا الدينية والمحلية تسهر على تلقين المرأة ثقافة الخضوع للرجل وتصور لها أن هذا هو دورها العظيم وتصور لها سجنها قصرا وقيودها ذهبا وفضة وغنى ورجلها إلها. وهناك أحاديث نبوية كثيرة تحث على الخضوع باسم المقدس)).
والحق أنني فوجئت برده؛ لم أتوقع من كاتب مثله مشهود له بحصافة الرأي وغزارة الثقافة وتنوعها، أنْ يصدر عن رأي لا يعتمد على قياسات منطقية أو علمية دقيقة، ويربط فوق هذا مسألة ضعف المرأة بمسألة حقها في المساواة التامة بالرجل، بصورة لا تبين فيها الحدود الفاصلة بين قضية (الضعف) وقضية (الحقوق)، فكأنما هما عنده شيء واحد.
إنّ قوله بأنّ المرأة كانت لها السلطة على الرجل في بداية الأمر، ضرب من الخيال العلمي، فليس لدينا أيّ دليل على صحة هذا الزعم الذي روج له بعض علماء الاجتماع بالاعتماد على تفاسير واهية جاءت من علماء الآثار. فلو صحّ ما روجوه، فأنى لنا أن نعلل أسباب سقوطها عن عرش سلطتها؟
كيف لنا أن نفسر سقوط القويّ عامة عن عرش القوة؟
يعلل الأستاذ أنيس سقوط الأنثى وتدني مرتبتها، بصعود قوة الرجل عبر مراحل التاريخ، وبقدرته على إنتاج ثقافة حطت من مكانة المرأة وأعلت من مكانة الرجل. والحق أنه هنا لا يعلل ولا يذكر الأسباب الحقيقية لسقوطها، وإنما يصف حالتها عبر مراحل التاريخ. وهو وصف لن يستطيع أبداً، إن لم يذهب إلى البحث عن العلل الأولى، أن يفسر لماذا تفوق الرجل عليها بعد ذلك، ولماذا تمكن من إنتاج ثقافة تغلها.
ثمّ يزعم أن المرأة في العصور القديمة؛ أي قبل ظهور ما يدعى بالديانات السماوية، كانت أحسن حالاً، وأسمى مقاماً. وهذا في الحقيقة ليس غير زعم بلا أدلة؛ فإن ما وصلنا من ثقافة هذه العصور لا يؤيده على كل حال: جمهورية أفلاطون ، الالياذة والأوديسة، آراء سقراط وغيره من الفلاسفة...
وإنما كانت المرأة في هذه العصور مقهورة مستعبدة مستباحة. وإذا كان الناس عبدوا آلهات، فقد عبدوا إلى جانبها أو فوقها آلهة من الذكور. وكانت الآلهة من الذكور أعظم شأناً ومهابة وأرقى منزلة على الدوام. وفي الهند - كما يقول الأستاذ أنيس - لم يزل الهنود يعبدون آلهات. ولكن، هل عبادتهم لها يثبت مساواة المرأة للرجل في الهند؟
فأما القياس على حياة الحيوان، فقياس خاطئ . فإن تكن أنثى الفيل تقود القطيع، فإن أنثى الشمبانزي والغوريلا وآلاف آخرى من الأنواع الحيوانية، تخضع لقوة الذكر. وأما القياس على نظام الرق، لمعرفة السبب الذي جعل الأفريقي يخضع له دون الهندي الأحمر، فميدانه الهندسة الوراثية أو علم دراسة حياة الشعوب، وهذا على العموم لا يفيدنا بشيء؛ لأنّ نظام الرق يجمع بين المرأة والرجل على حد سواء.
وكان أن وجدتني لا أقاوم الرغبة في الرد على آراء الأستاذ أنيس ومعها آراء كاتبتنا فاتن واصل، فجعلت أقول :
(( دهشت كثيراً من رد الأخت فاتن واصل على ملاحظتي؛ التي جعلت من الصديق عدواً. وكانت دهشتي أعظم أمام تعليق الأستاذ عبد القادر أنيس الذي أعرفه من خلال كتاباته عقلاً هادئاً رصيناً عميقاً قلما يطفو على السطح.
لن أطيل، سأقول كلمتين فقط؛ لأنّ نظام التعليق في الحوار يتعبني:
يا أستاذة فاتن، أنا اعتمدت على تجارب في استنباط حقيقة ضعف المرأة، وقد اعتمدتِ أنتِ على تجربة واحدة هي تجربتك، فلماذا أنت على صواب وأنا على خطأ؟
أستاذ عبد القادر، لماذا سيطر الرجل منذ البدء على المرأة، ولم تكن المرأة هي المسيطرة عليه؟.
لماذا استطاع الرجل أن يضع قوانين وتشريعات لصالحه، ولم تستطع المرأة أن تسبقه إلى وضعها لصالحها؟
لماذا يستطيع الرجل أن يغتصب المرأة، ولا تستطيع المرأة أن تفعل ذلك إلا في حالات شاذة كحالة لوط مع ابنتيه؟
هل يمكن أن تكون المرأة في أواخر حملها وأيام وضعها وإرضاعها، قادرة على أداء المهام الاجتماعية الموكلة إليها كالرجل؟
الأمثلة عن الزنوج والآلهات وتقديس النساء ونسبة الأطفال إلى أمهاتهم، لا يدخل في هذا الباب . الشعراء العرب يقدسون النساء في أشعارهم ويؤلهونهن، فهل يعني هذا أن النساء عندهم أسمى مرتبة في سلم القوة والحقوق؟)).
فجاءني منه ردّ يشكّك في تماسك مقالتي في ضعف المرأة من جهة الطبيعة، ويستنبط منها أحكاماً لا تنطبق على المذهب الذي اخترته، والأنكى من ذلك أنه أوقع نفسه سهواً - على الأغلب - في تناقض بسيط سيأتي ذكره، قال:
((سيد إيليا أنت كتبت: ((يعتقد الكثيرون أن سبب انحطاط المرأة عن مرتبة الرجل هو الصراع بين الجنسين الصراع الذي تكلل بغلبة الرجل على المرأة فمكّنه من قهرها وإذلالها)). ثم تنكرت له، رغم أن الواقع التاريخي يقول لنا إن هذا هو الصحيح. الرجل قهر المرأة لهذا السبب، أي عضليا، كما قهر السيد العبد وقهر المسلمون غير المسلمين وقهر الغربيون غيرهم، الخ. وكان القاهرون يقولون نفس ما تقوله أنت عن المقهورين لكي يبرروا قهرهم أخلاقيا ويجلعونهم يتقبلون القهر فيما يسمى بالاستلاب. ثم دعّم الرجل قهره بالدين كمحاولة لجعل المقهور أو المقهورة تتقبل بدون مقاومة هذا الوضع بل وتدافع عن أغلالها كما تفعل بعض النساء اليوم مثل المطيري
أليس هذا هو الصحيح؟ بينما أنت تقول: ((وهذا الرأي لا يمكن اعتماده حرفياً في تفسير انحطاط مكانة المرأة)). وتقول: ((إن ما ينبغي اعتماده في تفسير هذه الظاهرة هو طبيعة المرأة ذاتها)). وأنت هنا تدافع عن فكرة خضوع المرأة مفادها أن المرأة تولد بفطرة أو بجينات تجعلها تتقبل الخضوع للرجل ولا تقاومه لأن الخضوع طبيعة فيها. إذا كان هذا صحيحا، فلماذا تغير وضع المرأة في كثير من البلدان نحو الأفضل وصارت النساء تناضل ولا تقبل الخضوع لغير قوانين المساواة بين الجميع. قولك ((بيد أن المرأة - ولا أعمم - لا تكترث بحقوقها ولا تناضل إلى جانب الرجل المتمدن مناضلة جدية لاسترداد حقها المكلوم)). فيه لبس. أولا ليس هذا صحيحا إلا في البلاد المتخلفة، ثم كيف تنتظر من المرأة أن تناضل وهي ضعيفة طبيعيا وقابلة طبيعيا للخضوع حسب رأيك؟ هل موقف المرأة هو هو في كل المجتمعات؟ كلا، وعليه فالمسألة ثقافية وليس طبيعية. ودفاعك عن هذه الفكرة يعني أنك تحكم مثلا على فاتن وكل النساء المناضلات بأنهن شاذات عن طبيعتهن وهذا في الحقيقة ما يقوله الإسلاميون.
االرقة والحنان والميل إلى السلم صفات إيجابية مكتسة بينما التوحش هو الطبيعي)).
فالأستاذ أنيس يقرّ هنا بأنّ المرأة أضعف من الرجل (عضلياً) ولكنه لا يرى هذا الضعف سبباً في انتهاك الرجل لبعض حقوق المرأة. وهذا من التناقض وإن لم يكن جلياً؟!
إذ كيف تكون المرأة أضعف من الرجل (عضلياً) – وهو يغفل هنا عن ذكر أسباب أخرى للضعف: الحمل، الولادة، الطمث، التركيب الجسدي الذي يجعل المرأة منفعلة أكثر منها فاعلة، الأمومة - ثم يتحقق مع هذا الضعف تفوق المرأة على الرجل في أيّ مرحلة من مراحل التاريخ؟
ثم يعود ثانية ليفسر مقالتي على أنها انتقاص من حقوق المرأة، وسيشبهها بمقالة السلفيين الذين يستغلون ضعف المرأة لاستعبادها وهضم حقوقها وتوسيع حقوق الذكور، علماً بأنني أشرت في البداية إلى أنّ ضعف المرأة الجسدي، لا يلزم منه غمط حقوقها، واستصغار شأنها. وها هي المرأة في الغرب تنال - على ضعفها - حقوقها كاملة غير منقوصة.
ولكنّ القوانين الغربية لا تستطيع بحال من الأحوال أن تجعل المرأة صنواً للرجل في كل أمر وواقع وحال. ففي حالة الزواج مثلاً نجد المرأة أكثر خضوعاً لزوجها، من خضوع الرجل لامرأته. هذه حقيقة ينبغي أن نعترف بها، ولا فائدة من إنكارها. ولو كان زوج المرأة الكويتية التي تناولتها فاتن واصل رجلاً شبيهاً بالأستاذ أنيس أو الأستاذ شامل عبد العزيز أو غيرهما من أنصار المرأة، لما اضطرت الكاتبة إلى هذا الجهد.
ولا أدلّ على صحة رأيي هنا من قول الأستاذ عبد القادر أنيس نفسه في اشتباك له فكري مع إحدى النساء، يُظهر فيه - في غفلة من عين مبدئه العام - ضعفَ المرأة:
((قال رسول الله ص: ((النساء ناقصات عقل ودين)) وقال في حجة الوداع ((المرأة خلقت من ضلع أعوج)) وقال ((«يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود))، وقال ((( اُطْلِعْتُ على النار فرأيت أكثر أهلها النساء)). لماذا؟ لأنهن لا يطعن أزواجهن.
هل من يقول هذا فيك يستحق كل الأوصاف التي وردت في تعقيبك؟ أنت حرة ولكني لا أقبل هذا لأختي وبنتي وزوجتي)).
حيث جعل نفسه موكّلاً بالدفاع عن أخته وابنته وزوجته؛ وما ذلك إلا لأنه مدرك أن اخته وابنته وأمه، لسن من القوة بحيث يقدرن على انتزاع حقوقهن من دون أن يتلقين عوناً منه. ولو لم يكن مدركاً لهذه الحقيقة لعبر عن ذلك بصيغة أخرى كأن يقول: ولكنّ أختي وابنتي وزوجتي لا يقبلن بهذا.
وقد جاء ردي عليه مختصراً حاولت فيه أن أنحّي رأيه عن الدقة والصواب، وأن أعزز وجهة نظري في ضعف المرأة؛ هذا الضعف الذي كان السبب الحقيقي في استغلالها من جانب الذكر، وحاولت فيه أن أنتصر لرأيي في أنّ الذنب إنما يقع على الطبيعة لا على الرجل؛ ولهذا فهي أولى بالملامة وأحق بالتقريع والتنديد. ولا ريب في أن هذا الرأي لا يتعارض مع مبادئ حقوق المرأة.
فقلت أرد عليه: (( أستاذ أنيس، الرجل استمد سلطته على المرأة من الطبيعة، وهذا الرأي يخالف الرأي الذي يلتف دائماً حول فكرة ظلم الرجل للمرأة بما هو رجل، ويحمّل الرجل ذنب السيطرة عليها. والحق أن الطبيعة التي صممت المرأة فجعلتها أضعف من الرجل، هي المذنبة. هذا هو قصدي.
وأن تكون المرأة أضعف من الرجل، فهذا لا يسوّغ هضم حقوقها إطلاقاً. كما لا تسوّغ القوانين العصرية هضم الأقوياء من الرجال لحقوق الضعفاء منهم .
المرأة لا تتحرر إلا بتحرر الرجل، ولو كان في مقدورها أن تتحرر بقواها الذاتية، لتحررت في الدول الإسلامية. والمرأة لم تتحرر في الغرب إلا بجهود الرجال ومؤازرتهم لها.
المرأة التي تتزوج متخلفاً ولو كانت في ألمانيا تتخلف، وما أكثر الألمانيات اللواتي تزوجن وتخلين عن حريتهن وكرامتهن وارتدين البرقع. والتي تتزوج برجل متمدن أو هي من أسرة راقية ولو في البلدان الإسلامية، ترقى وتحيا بكرامتها مثل أختنا فاتن واصل.
فما هو تفسيرك لهذه الظاهرة الاجتماعية؟
ومما يؤسف له أنك لم تجب بصريح العبارة عن سؤالي: لماذا(وكيف) سيطر الذكر منذ البدء على الأنثى؟))
بيد أن هذا الدفاع المختصر، لم يرضِ مع الأسف الأستاذة فاتن واصل، ولن يرضي كذلك الأستاذة ليندا كبرييل. فقد اعترضت فاتن فقالت:
(( أود فقط ان أصحح مفهوم (( كون المرأة ضعيفة بطبيعتها )) حيث انى أقر انها مختلفة كيميائيا وتشريحيا وسيكولوجيا ، ولكن بكل تأكيد الاختلاف فى صالحها حيث انها مجهزة بيولوجيا لوظائف مركبة جدا جعلت لديها من قوة التحمل ما لا يطيقه الرجل ، بالاضافة الى انها حديثا فى المجتمعات المتقدمة تقوم بما يقوم به وزاد عليه بوظائف والتزامات أخرى تدربت عليها واجادتها منذ طفولتها بحيث أكتسبت خبرات ومهارات جعلتها أكثر نفوذا وقدرة. قهر الرجل للمرأة قهرا ظاهريا تقدمه له على طبق من فضة ثم تسحبه منه بالسيطرة الفعلية فى المنزل وفى محيط الأسرة وحتى فى العمل ، ويكفى أن تراقب ما تقوم به المرأة فى صعيد مصر من إدارة شئون العائلة بحزم بما فى ذلك رجال - بشنبات - لا تتردد فى إطلاق الرصاص مع أى إشارة من الأم - الكبيرة - ... لا تتخيلوا انكم تسيطرون على النساء)).
وإنها لتقرّ باختلاف المرأة عن الرجل، ولكن هذا الاختلاف عندها، لن يكون سبباً في تأخر المرأة عن الرجل في ميدان الحقوق، بل سيكون نعمة لها وموهبة؛ لأنه سيتيح لها أن تسيطر على قلب (زوجها) وعقله داخل البيت وفي مراكز العمل، وأن تديره في أصبعها كما تدير الخاتم، قد ربما بمكائدها ومكرها كما كان بعض الحريم في بلاط الملوك والأمراء، وألف ليلة وليلة، وسيرة علي الزئبق ودليله.
ولن تتساءل باستغراب: فما دامت المرأة كما وصفتُ حقاً، فما يدعوها إلى المطالبة بحقوقها هنا وهناك؟
فإن تكن فاتن نسيت أن تتساءل، فإنها لم تنس أن تضمّن مقالتها شيئاً من الظرف والفكاهة، عمدت إليهما - بلا شك - للترويح عن نفس القارئ الذي أثقل عليه الجد.
وأما السيدة ليندا كبرييل، فقد هبَّت لتقول:
(( أستاذة فاتن : اسمحي لي أن أهنئك على عبارتك القوية المتمكنة ( قوة الاستغناء ) التي وردت في تعليقك 18 ، لو تفهمت المرأة معناها .. لو ~ ثم .. أحيي الأستاذ عبد القادر أنيس على رأيه الرائع في تفسير قهر المرأة وعبوديتها على مر التاريخ . وبعد .. أحيي أيضاً السيد إيليا نعيم على مناصرته قضايا المرأة والعمل على دعمها وأريد أن أسأله : كيف تريد يا أخ نعيم أن تتحرر المرأة وهي مكبلة وقد تمخضت من عصور الظلمة وأتيحت لها في بعض البلاد للخروج إلى فضاءات الحرية لكنها ما تزال محكومة بالنظم التعسفية الملبسّة بالدين كمسلمات لا يمكن الخوض فيها أو النقاش)).
ملقية سؤالاً يجيب عن نفسه، قبل إجابتي عنه، على هذا النحو: فما دامت المرأة مكبلة، فهي إذن لن تكون حرة مدة رسيفها بين الأكبال.
فأما الشرائع والنظم التعسفية، فإنّ المرأة تشارك الرجل في وضعها، ولا سيما الشرائع الدينية.
وما أكثر المتعبدات من جميع الأديان، وما أشد حماسهن لدينهن، وما أخلص سعيهن إلى نشره!.
فإذا كانت هذه الشرائع الدينية لا تنقص من حقوق الرجال، وإنما تنقص من حقوق النساء، فلماذا تتهافت النساء عليها تهافت الفراش على النار ولا سيما في العالم الإسلامي! ولماذا يذدن عنها بمثل هذه الحميّة والاندفاع؟!