لافا خالد: معارضة سورية تقاوم النظام بالقلم والكلمة.



خالد ممدوح العزي
2011 / 6 / 21

يصر الباحث الأمريكي "ايمنويل تود" على فكرته الواردة في كتابه:" ما بعد الإمبراطورية "دراسة في تفكيك النظام الأميركي" وقول: بأنه يؤيد المؤشرات التربوية والديمغوغرافية على المستوى العالمي، وبان محو الأمية والتعليم العالي للسكان والسيطرة على الولادات يعني بانجاز حدثين إنسانيين عالميين"، وهنا يمكن ربط هذين الجانبين بالتقدم على صعود "الفردانية"التي لا يمكن أن تكون محصلتها سوى تمكين الفرد في الساحة السياسة،فان واحدا من التعريفات الأولي للديمقراطية هو الربط ما بين الحرية والمساواة من اجل تمكين الفرد من العيش حياته كما يريد.
لقد فهمت لافا هذا الطرح مبكرا والذي يجيز للفرد من العيش كما يريد، لكن لبد في البداية الحصول على حرية ومساواة للوصول إلى الديمقراطية الفعلية،وهذه المطالب المطروحة هي مطالب الشعب السوري المحتج والمنتفض في ربيع ثورة سورية بكل فائته القومية ومختلف مذاهبه الدينية ، وتعتبر لافا خالد وزميلاتها المشاركات في هذه الثورة،هن أفراد من هذا المجتمع السوري،المنتفض بوجه الأجهزة الأمنية والاستبداد البعثي من اجل الوصول إلى حرية وعدالة اجتماعية ،لكن لافا ورفيقاتها استطعنا الحصول على تعليم عالي وثقافة واسعة مميزة ساعدتهم جميعا في العمل السياسي وتوظيفها لخدمة المجتمع، أمام حالة التطور العلمي والفكري التي تشهده سورية، لم يعد من الممكن والقدرة لهذا النظام من السيطرة على هذه الشريحة السورية المثقفة المتعلمة،التي هي عماد التغير الجذري في حياة سورية الجديدة دون البعث وزمره الأمنية .

لافا خالد هي عضو ائتلاف شباب الكرد للثورة السورية"سوا"، لافا فتاة كردية كاتبة صحافية وناشطة سياسية مناضلة،تناضل في بلد يرفض نظامه الغير ويقمع حرية التعبير، ويقتل من يطالب بحقوقه البسيطة، "الحرية والمساواة والخبز"، لقد فضلت الكاتبة النضال السياسي من خلال القلم والورقة،فكانت الكتابة والانخراط في العمل السياسية كأي امرأة كردية تناضل من اجل رفع مستوى شعبها الكردي الذي يرزخ تحت "شوفانية" نظام وسيطرت حزب البعث الاشتراكي العربي.
لقد فضلت الفتاة البقاء في سورية وعدم المغادرة والوقوف أمام سفارات العام الغربي من اجل الحصول على تأشيرة سفر،للسفر إلى بلاد المهجر،والعيش بحياة كريمة وكرامة،وان تكون آمنة في بلاد الثلج والصقيع القارص ، أو دول الضباب الدائم،من خلال الحصول على جواز سفر أجنبي، يمنح لها بسهولة، لكنها فضلت البقاء في بلدها ووطنها سورية والنضال ضد النظام ،لان لافا خالد كردية القومية، سورية الجنسية، محبة للحرية والديمقراطية . لكن لافا لم تركب موجة الانعزال القومي والتعصب الشوفاني، والمطالبة بدولة قومية كردية،إنما طالبت بتحسن وضع شعبها السوري" الكردي والعربي" الذين يعانوا من سلطة الاستبداد والظلم والذل . لافا التي تعرف جيدا، من الذي ظلم شعب الكرد في دول الإقامة، ليس الشعوب نفسها لان الشعوب هي مظلومة ومغلوب على أمرها، بالطبع من حق لافا أن تطالب بمنح جنسيات لشعبها الكردي في سورية الذي حرم منها طول الفترة السابقة لسيطرة حزب البعث السوري على الدولة، ومنعهم من الحصول على جنسيات وجوازات سفر سورية خاصة،وخصوصا نحن في بداية الألفية الثالثة،ونعيش في عصر الثورة العلمية التكنولوجية والعولمة والتكلم بلغات أجنبية مختلفة لغة التواصل بين الحضارات، لكن النظام البعثي يصر على منع الأكراد من حصولهم على هوية وطنية سورية ،لان النظام يسقط الجنسيات عن أبناءه المعارضين الفارين من جوره إلى خارج القطر السوري ،هذا النظام الذي يمنع العادات والتقاليد الكردية ك"رثاء الموتى،وزفاف الأعراس بلغة كردية لأنه مريض نفسيا ويخاف من كل شيء. من حق الكرد أن يتعلموا في جامعات كردية خاصة تدرس فيها اللغة الكردية والعادات والتقاليد الكردية والتاريخ والحضارة، بالإضافة إلى اللغة العربية والانكليزية لمن يختار،من حق القوميات أن تنشئ إعلامها المكتوب والمرئي والمسموع،وإنتاج الأفلام الكردية، وعرض الموسيقى والغناء بلغتهم إلام وهذا ليس استقلال وإنما حرية التعبير والإبداع وصقل المواهب كما هو الحال في الدول الديمقراطية التي يتمتع أبنائها بحرية كاملة ،من حق الشعب الكردي بان يطالبوا بان تكون اللغة الكردية في سورية لغة ثانية تستخدم في القطر دون رقيب أو قيود مخابراتية ،لان من يتكلم الكردية يفوق أكثر من 2 مليون شخص. إن خوف الأقليات في الدول العربية من العرب تعود لفكرة أو نظرية شوفانية تعصبية تم وضعها من قبل المفكر القومي الرحل "خلدون ساطع الحصري"،الذي يقول" بان كل الذي يعيش على الأراضي العربية هو عربي"،لقد خلق هذا الطرح حالة من الرعب في نفوس كل الأقليات التي تعيش على الأرضي العربية، فالعرب ارتكبوا أخطاء كثير بحق الكرد، والكرد مارسوا الأخطاء الكبيرة نتيجة الخوف الذي ذهب بهم بعيدا للمحافظة على قوميتهم. لذلك كانت لافا خالد والعديد من المناضلات الكردية الذين حملوا القلم والورقة ،كتبوا وقاوموه النظام السوري،بلغة عربية جميلة وبالفصحة المطلقة،لأنهم يجدون اللغة العربية بطلاقة، أفضل بكثير من أعوان النظام الذين لا يجدون سوى التكلم بلغة الحرب والبطش والعنف مع جمهور الشعب السوري المحتج والمطالب بإسقاط النظام ،لقد تعلموا جميعهم اللغة العربية وهذا حق مشروع لهم بتعلم لغات إلى جانب لغتهم الأم،لأنهم أكراد، وليسوا عرب ،لذا عمدت لافا إلى إتقان اللغة العربية الفصحة تحدثا وكتابتا، لقد مارست لافا فن الكتابة الأدبية والسياسية، ببلاغة عالية لتساجل بها ضد النظام السوري لكونها قررت أن تكون جزاء من معارضة سياسة في بلد لا يقر ولا يعترف بحقوق المعارضة،لقد قررت لافا أن تسلك طريق نساء سورية اللواتي يعارضن النظام،وهؤلاء كثيرات في سورية منهن من يقبع في معتقلات النظام ،ومنهن من يعشن بالمنفى ،ومنهن من يتوارى عن الأنظار خوفا من كتائب الأسد الأمنية،ويفضلنا العمل بسرية تامة والهروب من ملاحقة رجال الأمن والاستخبارات السورية،والتي تعتبر لافا واحدة من هؤلاء المناضلات الذين يقارعون النظام من الداخل السوري.
إذا حاولنا التدقيق الجيد بمقالات لافا خالد المنشورة على العديد من المواقع الالكترونية فإننا أمام كاتبة سورية سياسية لا تختلف عن باقي المعارضات السوريات اللواتي يعارضنا النظام السوري ويناضلن ضد سلطة الحزب الشمولي وسيطرته على مفاصل الدولة ،لافا لا تختلف أبدا عن د.فداء حوراني ،ورزان زيتونة ،ومرح البقاعي، وسهير الاتاسي، في طرحهم السياسي في كتابتهم السياسية، ونظرتهم الخاصة لمستقبل سورية الحرة التي يناضلنا جميعا من اجلها،لكن الاختلاف الحقيقي والفعلي هو في الأسلوب الأدبي وفي التعبير و كيفية تركيب الجمل الأدبية وإنشائها بطريقة مميزة لكل واحدة منهن،لان اللغة العربية هي لغة غنية في التعبير والمعاني ، ويمكن استخدامها بأي طريقة تريح الكاتب هي تكلمت مع كل القنوات الفضائية كباقي زميلاتها الناشطات لمواجهة شبيحة النظام الإعلاميين أو الناطقين باسم النظام "أبواق النظام". فعند قراءتك المستمرة والدائمة لكتابات المعارضة و الكاتبة لافا خالد تجد نفسك أمام امرأة، جملية كاتبة، باحثة،ناشطة ومحللة سياسية، عنيدة جدا، لا تهادن أبدا، ولا تهدأ نهائيا في طرحها السياسي والفكري الذي تصب كل الحقد على النظام السوري البائد. للناشطة لها إطلالة رصينة على وسائل الإعلام المرئي من خلال تحدثها المباشر عن الحالة السورية وطبيعة الحراك السوري هي القابعة في محافظة القامشلي "القامشلو كما تسمى بالكردية " والتي تدير بدورها حركة الاحتجاجات السورية مع باقي الشباب الذين يقومون بالخروج ويواجهون الظلم والظالم ،لافا المتحدث باسم حركة ائتلاف شاب الكرد" سوا " في القامشلي المشارك في الثورة السورية .
ساهمت لافا خالد مع رفاقها في المنسقيات الشبابية السورية ، بتنظيم مظاهرة أخوية بين جميع فئات الشعب السورية وسمية باسم جمعة "أزادي" أي الحرية باللغة الكردية، ففي إحدى مقالتها الشهيرة والتي نشرت للناشطة على العديد من المواقع الالكترونية" تحت عنوان ،"حتى يعرف أهل درعا الأشقاء أهمية كلمة أزادي"، وكذلك ساهمت مع رفاقها في الثورة وأطلقوا جمعة العشائر الأخيرة الذي التفوا بها على حركة النظام، حتى لا يلعب بهذه الورقة ،فكانت جمعة العشائر العربية والكردية المميزة .هي التي كتبت مقالة تحتوي في نصها على فكرة تقول :"إنهم يقتلون أطفال سورية والطفولة في وطني متهمة بالإرهاب والسلفية وتحت هذا اللغز يمزقون أشلاء الطفولة وهم أحياء ،ويمثلون بجثمانهم وهم شهداء". هي صاحبة المقالات السياسية الفجة والمرعبة، وصاحبة القلم اللاذع، هي المحاورة الجادة والصلبة ، هي كاتبة التحقيقات الصحفية المتنوعة،هي المرآة المثقفة في دولة يتزايد فيها عدد المتعلمين والمثقفين، هي الكردية القومية المناضلة من اجل حقوق شعبها وأبناء جيلها الشاب، هي التي رفضت الذهاب إلى مؤتمر انطالية بناء لعدم رغبة بركوب موجة الاستعراض،يغيب عنها التمثيل الحقيقي لمندوبي شباب الساحة التي لم ترسل مندوبيها إلى انطالية،لان المستقبل القادم لشباب الساحات، هي السورية التي تناضل من اجل تغير بلدها للخروج من قبضة النظام البعثي الاستبدادي القمعي ، هي الفتاة الشرقية الكردية الجميلة المتعلمة والمثقفة التي تمثل جيل الشباب السوري "الكردي والعربي"،الطامح للتغير والحب والشغوف للحرية،هي من أصحاب النظرية التي تقول بان الذي يحكم سورية في المستقبل هم جيل الشاب الذين قادوا الثورة السورية السلمية،وهذا ما تتفق فيه لافا مع المعارضات الأخريات الذين يؤكدون. فكرة لافا بان المستقبل للشباب السوري "الذين هم اللغز الحاسم في انتفاضة الشعب السوي".
منذ نعومة أظافر لافا دخلت إلى العراك السياسي ،وفتحت عيناها لترى النور في ظل نظام البعث، لم تحاول أبدا التملق للنظام الحاكم، من اجل الوصول والحصول على موقع وظيفي في الدولة،تتناسب مع وضعها وتعليمها الجامعي،لم تنتسب لافا إلى حزب البعث الذي يسيطر على عقول وقلوب الناس بالقوة،لقد تمردت هذه الفتاة الجميلة على الحالة الاجتماعية العامة التي تسود وتسيطر على سورية الأسد، ليس لكونها كردية أو عربية ،بل لكونها لم تؤمن ابد بالحزب الشمولي والسيطرة الاستبدادية،لأنها آمنت بمؤسسات المجتمع المدني والأهلي،التي خولتها من التفكير الفعلي بتغير حركة المجتمع والإيمان الفعلي بحركة التغير الذي بات على "قوب قوسين" من تحقيق النصر الشعبي، بفضل حركة الاحتجاج التي تعم كل سورية ولمشاركته العملية لناشط شعبها السوري بمختلف قوميته،وطوائفه ومذاهبه.
لقد ساهمت لافا الكردية ولها الشكر ولشعبها في قطع الطريق على مشروع النظام السوري من اللعب مجددا في الورقة الكردية واستمالتها نحوه وإبعادها عن الحراك الشعبي السوري من خلال إعطائهم بعض الامتيازات التي حرموا منها طوال حكم البعث على مدى 48 سنة ،بل شركوا جميعا بقوة في جمعة العشائر كرد على النظام ودعوته الغير متكافئة ،لان شباب ائتلاف الكرد رددوا جملة واحدة أي اجتمع يكون مع كل القوى المحتجة ،وكل المطالب هي مطالب واحدة،لقد نجحوا في رفدهم للحوار الانفرادي الذي يحاول النظام بأن يدفع الكرد في سورية فاتورة حساباته الخاصة.
لكني أتوقف أمام حركة لافا خالد السياسية ، ليس لكوني من القومية الكردي أو أتملق لأحد فيها، بل هذه قناعتي التي أتعاطف فيها مع الأقليات، لكوني اعتبر بان الأقلية القومية أو الطائفية في بلد من بلدان العالم تصبح، لان الأقلية تصبح أكثرية لأنها جزاء من الأكثرية العامة. فالأقليات تنجح عندما تكون جانب الأكثرية مع المحافظة على امتيازات خاصة بها.
و هنا نذكر كلمة لافا خالد التي ترسلها إلى كل الشباب الثائر في الساحات السورية في وجه الطاغية" انتم صنعتم المستحيل من العدم ، لنكون كلنا في الساحات لنموت جميعنا أو ننتصر، لننتصر".
نتمنى للكاتبة لافا وزميلاتها في النضال الاستمرار في الصفوف الأمية للحراك الشعبي السوري لكي يحققنا أمنياتهم وأحلامهم المتعلقة بوطن كبير وجميل يسكن فيه الجميع، والذي يجد فيه كل مواطن مكانه الخاص، وينفذ فيه طموحه بعيدا عن الاستبداد والقتل والبطش والفتك وبدون معتقلات ومبعدين سياسيين.
د.خالد ممدوح العزي
صحافي وباحث إعلامي،و مختص بالإعلام السياسي والدعاية.