التحرش الجنسي بالموظفات...محاولة للفهم !



مهند حبيب السماوي
2011 / 6 / 27

في الرابع عشر من آيار الماضي تقدمت أمراة تعمل خادمة في فندق " سوفيتيل " في حي مانهاتن بنيويورك بدعوة قضائية ضد رئيس صندوق النقد الدولي السيد دومينيك ستراوس خان تدعي فيها أن الأخير تحرش بها جنسيا بعد أن دخلت غرفته التي كان يقيم بها .
حادثة ليست عادية من رجل ليس عاديا ،وعلى أثرها، وجد الباحثون من مختلف التخصصات الفكرية موضوعا خصبا لكتابة عشرات المقالات والبحوث التي تناولت دلالات هذه الحدث وأسبابه حصوله وتداعياته النفسية والسياسية والاقتصادية على الوضع المالي العالمي عموما والانتخابات الفرنسية المقبلة خصوصا والسيد خان كان منافسا جديا للرئيس الفرنسي الحالي نيكولاس ساركوزي كما يقول ذلك الدكتور نيغل بربار في
مقالته " "Alpha males and sexual abuse of women.
كانت اغلب الدراسات والأبحاث، التي اطلعت عليها، واغلبها باللغة الانكليزية، تركز على الدلالات الجنسية لهذا السلوك، وتتحدث عن الإدمان الجنسي ومحور الدوافع الجنسية لدى الإنسان وما يدور في فلك هذا الموضوع وما يسير تحت فضاء الغرائز التي تقود الإنسان في بعض الأحايين، حينما ينقاد لها، الى الهلاك والفضيحة والسقوط.
ومن اهم المحاور التي سُلّط عليها الضوء في هذا الحادث هو علاقة السلطة بالجنس وماهية الرابط بين كل من السلطة والمركز الوظيفي الكبير وبين اطلاق غرائز الانسان الجنسية وممارساته المتعلقة بهذا الجانب، كما وجدناه في مقالة الكاتبة جيسيكا بريس الذي كان يحمل عنوان" Sex and Power " والتي شخّصت فيها سلوكيات أصحاب السلطة ممن يعتدون جنسيا على النساء بتضخم الأنا التي يحملونها وتصاغر شعورهم بالإنسانية، مع وجود رغبة " فرويد "ية في تدمير ذواتهم.
وفي نفس السياق، ولو على نحو آخر، نشرت احدى الصحف تقريرا مطولا يتعرض للتحرش الذي يقوم به بعض المسؤولين للموظفات اللواتي يعملن تحت أيديهم، او في أقسام أخرى في نفس الدائرة، وتحدث التقرير عن ابتزاز رخيص وأساليب ملتوية يقوم بها هؤلاء المدراء تجاه تلك الموظفات.
لكن ثمة تساؤلات لم يطرحها، بصورة تفصيلية ودقيقة ، كل من تطرق لموضوع تحرش رئيس دائرة أو مسؤول كبيرة بأحدى موظفاته، هذه الاسئلة يمكن ايجازها وتركيزها في ثلاثة اسئلة مركزية.
لماذا يقوم مسؤول رفيع او مدير دائرة بالتحرش بموظفة لديه ؟
ما هو رد فعل الموظفة التي تتعرض لمثل هكذا سلوك مشين ؟
وهل من قانون" حقيقي" يمكن ان يمنع مدير دائرة من التحرش الجنسي بموظفة بحيث يكون هذا القانون كفيلا ورادعا له من حتى محاولة النظر لها بطريقة جنسية ؟
الاجوبة على الاسئلة الثلاث اعلاه تدور في اطار محاور سايكولوجية واجتماعية وقانونية على التوالي ، فالجواب على السؤال الاول يكمن في مراجعة وتحليل سلوك هذا المسؤول الذي يعتبر الباحثون المتخصصون تحرشه نمطا منحرفا من انماط السلوك الشاذ الذي يمارسه صاحبه من خلال التحرش الجنسي حينما تتم استثارته جنسيا او في بعض الاحيان حتى بدون استثارة جنسية.
بعض الباحثين يعتبرون صاحب هذا السلوك مدمنا جنسيا ويبنون تحليلهم حول هذا الشخص على اصول واسس وسمات الادمان الجنسي الذي يجعل من صاحبه يفكر بشكل
كبير بالجنس و يقضي وقت أطول في أنشطة لها علاقة بالجنس، مما يؤثر على الاهتمامات الأخرى في الحياة كما تقول ذلك المؤسسة الطبية الشهيرة "مايو كلينيك" ، وربما يساهم في تدمير حياته المهنية والعائلية اذا ما اقدم على سلوك وتصرف جنسي غير محمود العواقب كما ظهر ذلك في حادث رئيس صندوق النقد الدولي .
تسأل الدكتورة سامنثا سمثستن المدير المشارك لمعهد Pathways for Impulse Control في ولاية سان فرانسيسكو الأمريكية في مقالتها التحليلية
"Sex addiction sexual abuse, and men behaving badly"
لماذا يقومون، أي الرجال، بمثل هكذا سلوك سيء ؟ وهي تجيب عن هذا السؤال برد ذلك الى خليط معقد من العوامل المرتبطة بالشخصية، وعِلْم وظائف الأعضاء والبيئة و الطفولة وشرب المخدرات أَو الكحول، وسلوك الجهاز العصبي، والظرف الحالي الذي يعيشه صاحب السلوك الشاذ.
نعم الكثير من العوامل التي ذكرتها سامنثا اعلاه تقف وراء سلوك هذا المسؤول ولكنني احصرها في سببين الأول هو غياب الوازع الديني والثاني افتقار هذا المسؤول للضمير الأخلاقي الذي يمنعه من الانقضاض على الموظفة والتحرش بها جنسيا.
من الواضح لنا، وهي حقيقة يجب ان لا تغفل عنا، ان بعض الموظفات ربما تقوم بإثارة مديرها وتحفيز قواه الجنسية على الاستيقاظ والخروج من سجنها وكبتها من خلالها ثيابها الفاضحة وحركاتها الاستفزازية وإشاراتها الجنسية ودلعها " الفائض "، فيخلع بالتالي هذا المسؤول قناعه الرسمي وردائه المتحضر فيُعري وجهه وجسده الطبيعي مُظهرا شهوته وكاشفا عن غرائزه الطبيعية وكل " ما هو بدائي في عقله " كما قالها سيغموند فرويد في كتابه " قلق في الحضارة".
الباحث ناثان هافلك، وهو طالب دكتوراه في علم الاجتماع النفسي في جامعة جنوب فلوريدا (USF)، أكد في مقالة بعنوان " الدراسات أثبتت أن النساء المثيرات يُنظر لهن كــ" مادة "...عقول الرجال ترى النساء المثيرات جنسيا كــ شيء لا أنساني". ان المراة التي ترتدي ثيابا تثير الاخرين جنسيا هي أمراة يُنظر لها اصلا صاحب العمل على انها مادة للتحرش الجنسي وهي لا تصلح للعمل واقل كفاءة واخلاصا في تأدية وظيفتها .
اما بالنسبة للسؤال الثاني الذي يتعلق برد فعل الموظفة على هذا التحرش فيكون مرتبطا بشكل ما بنوع التحرش من جهة وبالطبيعة الأخلاقية لهذه الموظفة، فهنالك، بالنسبة للتحرش، نوع بسيط نسبيا ربما يكون بنظرة مريبة او بكلمة او عبارة ذات ايحاءات جنسية وتحرش أخر لا يمكن أن نصفه، مهما تمنطقنا وبررنا ذلك، بانه بسيط لعل مثاله التحرشات الجنسية الجسمية الذي يقوم بها من خلال التلمس والهجوم الجسدي على الموظفة وربما اغتصابها.
ثم هنالك من جهة أخرى موظفة يمكن أن تتجاوز عن التحرش الجنسي لعدة اسباب ربما تكون براغماتية او اجتماعية خوفا من الفضيحة في مجتمع لا يرحم المراة حتى لو كانت ضحية ومعتدى عليها، وهنالك موظفة أخرى لا تتجاوز عن هذا الأمر وقد تتخذ موقفا رادعا من المسؤول من خلال فضحه والكشف عن فعله وتعرية ماقام به من عمل مشين كما حدث في تحرش خان بالموظفة في الفندق.
اما الجواب على السؤال الثالث فيكمن في توفر قانون حكومي رادع يحاسب المسؤول الذي يقوم بفعل التحرش من جهة ويمنح الموظفة الامن والامان في عدم قدرة هذا المسؤول على معاقبتها والانتقام منها من جهة ثانية.
فلايكفي ان تقدم الموظفة شكوى على المسؤول ثم يقوم الاخير بعلاقاته طبعا بالتأثير على الشكوى بل ولا يكتفي بذلك بل يعاقب هذا المسؤول الموظفة التي اشتكت عليه ولم تلب نداء شهواته الحيوانية أو تستجب لصراخ غرائزه اللاعقلانية، بل يجب ان يأخذ القانون مجراه ويكون نافذا على المسؤول قبل الموظف البسيط والغني قبل الفقير والكبير قبل الصغير لا ان يكون قانونا اعمى يتغاضى عن فلان وفلان لقوة مراكزهم.
ولعل حديث النبي محمد صلى الله عليه واله هنا مفيد ويذكرنا بما نود ان نشير اليه وهو حديث " أيها الناس ؛ إنما أهلك من كان قبلكم ؛ أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ؛ لقطعت يدها".