تناقضات الكاتبة نوال السعداوي



مكارم ابراهيم
2011 / 7 / 12

كنت قد قرأت بضعة مقالات للكاتبة نوال السعداوي لشهرتها الكبيرة في العالم العربي وبعدهاعزفت عن قراءة اي شئ لها عندما وجدت ان حقيقة دفاعها عن حقوق المرأة في الحرية يتضمن تناقضاٌ جوهرياٌ. لانها في بعض كتاباتها تطالب بتحررالمرأة وفي كتابات أخرى تهاجم المرأة المتحررة على أسس غير صحيحة.
لناخذ مثال بسيط في مقالة لها تحت عنوان («سارة بالين» وجوارى القرن الواحد والعشرين)
ومن العنوان يمكن معرفة وجهة نظرالكاتبة نوال السعداوي الغيرموضوعية في سارة بالين التي تعتبر اول امراة رشحت نفسها للحكومة في الاسكا .فقد اعتبرتها الكاتبة نوال السعداوي جارية ومن المعلوم أن الجارية تقتصرمهمتها على امتاع الرجال, في حين ان بالين كانت تتحدث باسم حزب المحافظين بالتركيز على الدين والاسرة في المجتمع الامريكي . فلو كانت الكاتبة موضوعية في انتقاداتها لكانت حللت خلفية وصول سارة بالين الى الترشيح وهو ليس بسبب انوثتها كجارية بل بسبب المساندة التامة لها من قبل المحافظين في حركة حفلة الشاي ذات التاثير السياسي الكبير على مجرى الانتخابات في الولايات المتحدة الامريكية. وهذا له تداعيات كثيرة خاصة وان بالين فازت ب 60 الف صوت ضد منافسها جون ماكين في الانتخابات. فهل يمكن ان يكون فوزها بهذا العدد هو بسبب عنصر الانوثة ام لاسبا ب اخرى اخطر بكثير ؟
وكل ذلك لم تتناوله الكاتبة السعداوي بل ركزت نقدها على انوثة وتسريحة ومشية بالين. وهذا دليل على انها تعتمد على عناصر خاطئة في تحليلاتها المركزة في مسألة نقدها للمرأة.
وتتناول السيدات الثلاث أنجيلا ميركل, هيلارى كلينتون, سارة بالين. وترى انه لايجب ان يكون سبب وصول هذه النخبة النسائية لمناصب عالية في السلطة هو بسبب كونهن نساء يملكن هرمونات انثوية بل يجب ان تكون الاخلاق هي سبب صعودهن لهذه المناصب. وهذا تحليل سليم بلا شك, الا ان المشكلة هنا هي التناقض في كلامها اذ انها تضع ثقلا كبيرا في نقدها للسيدات على الشكل الخارجي لهن والعنصر الانثوي (التسريحة الملابس والحذاء والرموش الاصطناعية) وحتى في نقد المذيعة المحجبة التي اجرت لقاءا معها دون ان تعتمدعلى نقد الخلفية السياسة لتلك النساء . فمن المعروف عن سارة بالين اصلا انها ضد الحركات النسوية التحررية (anti-feminist).

وقد أوضحت سابقاٌ في احدى مقالتي بان غالبية النساء ومنهن الكاتبة نوال السعداوي تحارب في الساحة القتالية الخاطئة ضد اضطهادها فهي تضع عنصرالانوثة مقابل الذكورة في صراع المرأة وتعتبراضطهادها هو بسبب عنصرالذكورة للرجل .ولهذا نراها لقبت السيدة سارة بالين بالجارية .فنوال السعداوي كامراة تنظر الى الرجل من منظار انه جنس مخالف لها ولهذا السبب هو يقمعها دون الانتباه الى عناصر اخرى عديدة الى جانب ذلك هي السبب في قمع المرأة. وهي لاتنظر الى الرجل كانسان معرض للقمع مثلها .لذلك هي لم تضع يدها على الاسباب الحقيقية لاضطهاد المرأة.

ولو استطاعت نوال السعداوي وبقية النساء الخروج من هذه الساحة النضالية والوقوف مع اخيها الرجل جنبا الى جنب في الساحة الحقيقية للصراع والتي هي الصراع ضد الاستغلال الاقتصادي لجهود المراة والتي يتعرض لها الرجل ايضا على حد سواء فستتحرر المراة من كل اشكال الظلم التي يمارس عليها تحت اسماء مختلفة. علينا ان ندرك بان الجميع معرض للقمع المراة, الرجل, الطفل, الكهل لانه وببساطة الظالم هو شخص مريض اخلاقيا والمرض الاخلاقي يمكن ان يصاب به الرجل والمراة على حد سواء. فالمراة يمكن ان تظلم نفس جنسها اذا كانت مريضة اخلاقياٌ.
على سبيل المثال فهناك القوادة التي تبيع النساء في سوق البغاء ولاتقتصر هذه المهنة على الرجل .وهناك رئيسة العمل امرأة تستغل جهود العاملات بساعات عمل مجانية كما حدث معي شخصياٌ. وقد رايت برنامجا وثائقيا عن ختان الفتيات في السودان حيث كانت النساء هن من يسحبن الفتيات الى القابلة التي تقوم بعملية الختان لهن دون علم الآباء.

واليوم وجدت عنوانا كبيرا للكاتبة السعداوي " المراة تحارب على كل الجبهات " وفي الواقع ليست لدي اية اعتراضات على هذا العنوان لانه بالفعل المراة تحارب على كل الجبهات لكن لم تناقش الكاتبة السعداوي عنصرا هاما في اضطهاد المراة الا وهوعامل المراة نفسها في بعض الاحيان . فليس حتمياٌ ان يكون اضطهاد المراة من قبل الرجل, بل يمكن ان تكون المراة هي التي تقمع اختها المراة. ولهذا علينا ان نحدد ساحة الصراع في قمع المراة بدقة اكثر.

تقول السعداوي في هذه المقالة " لأن قهر المرأة في بيتها هو العائق الأساسي أمام مشاركتها في الحياة السياسية".
وهذا طبيعي جدا اذا كانت المراة مضطهدة في البيت فانها ربما ستمنع من الخروج للشارع لشراء الخبز. ولكن اسال الكاتبة السعداوي: ها انت خرجت للشارع ولاتضطهدين في بيتك وقد استطعت تأسيس جمعية للنساء.
ولكن مع هذا كله فشلت في الوصول للسلطة ومجلس الشعب . فما هو السبب برايك؟

الا ترين بان المشكلة لاتعتمد بشكل كامل على القمع في الاسرة, بل هناك عناصر كثيرة لم تأخذيها بعين الاعتبار. ألا وهي ان هناك صراع اقتصادي سياسي من قبل السلطة الديكتاتورية الحاكمة لاتريد وصولك ولاوصول اية امرأة او اي رجل للسلطة يهدد مصالحه الاقتصادية الاستغلالية في نهب الثروات التي هي من حق الشعب.

تقول السعداوي " نحن في الاتحاد النسائي المصري، نسعى إلى ضم مليون امرأة ورجل إلينا وتأسيس قناة تلفزيونية وإصدار صحيفة"
فكما نرى بان السيدة نوال السعداوي استطاعت ان تخرج من منزلها وتطالب بكل هذه المطالب ولكنها تواجه اعاقات كبيرة من السلطة الحاكمة ورجال الدين الذين يمثلون الظهيرالقوي للحكام العرب في العالم العربي .
.
ثم تضيف " كنا نتوقع بعد سقوط النظام السابق أن تمنح المرأة فرصة للمشاركة في لجنة تعديل الدستور وفي الحكومة الانتقالية. لكننا فوجئنا بعملية إقصاء متعمدة للنساء وخاصة ممن شاركن في الثورة. النساء المشاركات الآن هن من فلول النظام السابق ويشاركن في لعبة سياسية خطيرة بدخولهن في أحزاب مُموّلة من رجال الإعمال ومدعومة من الجيش. لقد أنشأنا الاتحاد النسائي المصري يوم 28 فبراير، مباشرة بعد ما شكل المجلس العسكري لجنة تعديل الدستور بدون مشاركة امرأة واحدة".
ومن هنا يبدوا من كلامها ان هناك نساء مشاركات ولكن لهم ارتباطات مع النظام السابق, وهذا يعني ان المراة لم يتم اقصائها بل المراة موجودة ولكن امراة تؤيد النظام الديكتاتوري من خلال علاقات اسرية او علاقات مالية اقتصادية مع النظام السابق .

وهذا مااود التركيز عليه في ان صراع المرأة ليس ضد الرجل كعنصر ذكوري, بل ضد نظام سياسي برجوازي إستغلالي يقمع كل الشرفاء والاحرار سواءا كانوا نساءاٌأو رجالاٌ.

على المراة ان تدرك بان الرجل السياسي عندما يعتقل يتم اغتصابه في السجن مثل المراة تماماٌ.والرجل النزيه لايحصل على عمل في بعض المؤسسات مثل المراة النزيهة. وهناك رجل يغتصب من امراة مثل المراة التي تغتصب من الرجل. هناك اعمال لايقبل ان يوظف فيها الرجل رغم رغبته فيها . والسياسي المناضل الشريف لن يصل لاي مركز سياسي مثل المرأة .

وحقيقة فان الكثير من الكاتبات العربيات يتناولن في كتاباتهن اضطهاد المراة الاجتماعي او الجنسي من خلال ربطه بالرجل الذي يقمعها سواءاٌ بالدين الاسلامي او بسبب عامل الذكورة .متجاهلة تماما بان المراة يمكن ان تكون هي الظالمة وليس الرجل. هناك من ينادين بتحرر المراة ويركزن على عامل واحد في اضطهادهن الا وهوالدين الاسلامي لكنها هي نفسها لاتستطيع ان ترى امراة متحررة بل تهاجمها . وهي بذلك تكون مصابة بتناقضات اخلاقية وهذا ينطبق على الرجل والمراة معا.

لقد حان الآوان للكاتبة نوال السعداوي ان تتعمق في نظرتها لمسألة تحرر المراة او اضطهاد المراة وتجنب التناقضات تارة مع تحررالمرأة وتارة تهاجم المراة المتحررة والسبب التناقض في هذا الامرهو كونها تختار دائرة صراع خاطئة للمرأة في مسألة اضطهادها وتعتمد على عناصر شكلية ظاهرية غير جوهرية في مسالة تحررها اواضطهاد .

مكارم ابراهيم

12/7/2011


هوامش:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=266774
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=229512