سيدتي .. اعتذر نيابة عنهم .



محمد حسين يونس
2011 / 7 / 22

عندما بدأت في كتابة هذا المقال، وتذكرت أمي لم أتمالك نفسي من البكاء حزنا عليها رغم مرور عشرين سنة علي وفاتها، أمي كانت أول من يستيقظ و آخر من ينام تعمل بشكل مستمر و دائم طول النهار و جزء من الليل لكي تسعد اسرتها، حتي وهي غير قادرة صحيا كانت تشرف وتقود الشغالات ـ اللائي كانت تستخدمهن و تعاملهن كافراد العائلة ـ ممسكة بيدها بجميع الخيوط.
أمي كانت مدرسة وعندما تزوجت أصر والدى علي أن تترك عملها و تقص شعرها الطويل الرائع لانه يغار عليها، وأطاعته حتي أنني كنت أنام علي (مخدة) صغيرة محشوة بشعرها الاسود المقصوص وظللت أحتفظ بها لسنوات دليلا علي الظلم الذى مارسه زوجها المتوحش عليها لاعلان ملكيته لها منذ اليوم الاول للزواج .
عندما كنت طالبا في السنوات النهائية لكلية الهندسة وكنا نظل في الاستوديو نرسم لساعات متأخرة من الليل، كانت أمي لا تنام حتي تتحقق من وصولي الي غرفتي منهكا، أرتمي علي فراشي طلبا للنوم فكانت تجلس الي جوارى تمسح وجهى و كفي بفوطة مبللة وتضع الطعام في فمي لآكل و أنا منهك .. ( ها انا عاودت البكاء ) ..هذه الأم و كل أمهات الدنيا كيف يمكن قهرهن و تهميشهن و التعامل معهن علي اساس أنهن ناقصات العقل !! فلنقرأ حكمَ (اني) التي نسخت عام 1861 بواسطة مستر روج و تم نشرها بواسطة مستر شاباس: ((أعطيتك لامك وحملتك كما حملتك فالقت علي نفسها عبئا ثقيلا من أجلك و لم تلقه علي و بعد عناء حملتك فيه لاشهر ولدت فارقدت نفسها تحت نيرك و أطعمتك من ثديها لثلاث سنين و لم تضج منك و عندما ذهبت للمدرسة للتعلم حملت الخبز والجعة من منزلها لاجلك وذهبت بهما كل يوم بدون توقف لمدرستك و الان أصبحت رجلا و اتخذت لك زوجة وأصبح لك منزل، صن ابنك من الحسد وكما انشأتك امك انشئه خشية ـ وهذا حقها ـ أن ترفع يديها لله و هو يصغي لدعائها )). كأن الحكيم (اني) يتكلم عن أمي و أختي و زوجتي منذ الاسرة الثانية عشر و الأم تقوم بنفس الدور بكفاءة و دون ملل أو تقاعص فكيف هي ناقصة عقل .
اسماء تاسوع هليوبليس (مجمع الالهة ) يضم تم (إله الشمس ) و شو (إله الهواء )و تفنوت (ربه الرطوبة اى الماء ) وسب (إله الارض ) ونوت (ربة السماء ) واوزيرس (رب الحياة الاخرى ) وإيزيس (ربه الحكمة و السحر و العلم ) وست (رب الشر ) و نفتيز ( أخت إيزيس و اوزيريس و زوجة ست ) المجمع يضم أربعة ربات و اربعة ارباب و رئيس الاله الاكبر (تم ) بمعني ان تمثيل النساء كان مساويا للرجال و كل منها له دور و اضح ، هذا هو فكر المجتمعات الزراعية التي احترمت المرأة و قدستها علي قدم المساواة مع الرجل .
نتيجة الثانوية العامة هذه السنة تحجز فيها الانسات اغلب المراكز الاولي، ثم يذهبن الي الجامعات (لا فرق بين جامعة قمه او قاع ) فيتلقفهن الاخوان السلفيين الذين عملوا بجد علي احتلال الجامعات والاتحادات الطلابية و التنظيمات الشبابية و أغلب كراسي هيئات التدريس فيفصلون الشباب عن الشابات و يطالبون اى شاب و شابة يتحركان معا باثبات انه (محرم ) و تجلس الانسات في اماكن بعيدة عن الزملاء ثم يضيق عليهن ليتحجبن حتي المسيحيات يتخفين في ازياء لا تكشف هويتهن و يزاح اى طالب لديه افكار تقدمية من الصورة و تظهر نتيجة الاختبارات فنجد الانسات اوائل الثانوية في المؤخرة و الشباب الغير منضمين لقطيع السلف ايضا في المؤخرة و لا يضوى علي القمة الا جهلة السلف لانهم يطلقون اللحي و يرددون الادعية قبل كل امتحان تم تسريبه لهم .. آنستي انا آسف لما تلقين من عنت منذ ان تضعين قدمك في عش الافاعي رغم ان العديد منكن لا يخرجن خاليات الوفاض بل و في يدها عريس الغفلة .
عندما تذهب الانسة الي العمل لأول مرة بعضهن بسبب الحاجة، أخريات للحصول علي عريس، والقلة لاثبات الذات يواجهن بشعور انهن فوق الاحتياج الوظيفي و ان من الافضل ان يبقين في المنزل لرعاية الاطفال وان من الافضل ان تمتهن عمل بعيد عن التعامل مع الجمهور وان من الصعب إيكال اعمال جادة لهن لانها ستتزوج و تحمل و تلد وتأخذ اجازات طويلة لهذا السبب، بالتدريج تنزوى الانسات ويظهر الرجال ينالون الترقيات و البعثات و السفريات للخارج و اغلب مميزات الوظائف، السيدة لا تتدرب لا تختبر يفرض عليها ستار من العزل لو كان حظها جيد، لأن في الغالب يرفض تشغيلها، أعلي نسبة بطالة بين السيدات .. السيدة التي تحتاج للعمل عليها ان تجد سبل دفاعية انثوية لكي تستمر .. ماذا حدث لتفقد المرأة ما اكتسبته خلال النصف الاول من القرن الماضي .. إنه صعود التيارات المتخلفة من رجال تخيلوا أنهم الافضل و ان النساء ناقصات العقل ..آسف سيدتي انهم فقط جهلة لا يعلمون .
عندما تقرر سيدة ان تسافر للعمل او للسياحة او حتي للحج فان عليها لكي تستخرج جواز سفرها ان تاتي بموافقة و ليَها (اب، زوج، اخ، ابن ) و تعرض علي بوليس الآداب فالسيدة متهمة بشكل دائم، انها اما ستعمل في شبكة دعارة او انها عضو مؤسس، ولكي تنفي عن نفسها هذا عليها البينة .. ان تثبت انها محترمة .. عندما تقام صلاة جماعية في مؤسسة حكوميه يؤم الصلاة السيد الفراش، و تتوارى السيدة وكيلة الوزارة للمؤخرة خلف ساتر .. اى احترام وتقدير للمراة اكثر من هذا واى تكريم يقدمه اصحاب اللحي و الجلباب القصير، آسف سيدتي انهم غلاظ بدو متوحشون لا يعرفون مكانتك .
هذه الوقائع تحدث دائما، يتزوجان (عن حب ،او طمعا من احدهما ، او بسبب صفقة أو لأنها اعجبته ) وبعد ان ترزق بطفل او اكثر يجد انها لم تعد مناسبة .. الحل .. يتزوج اخرى .. يطلقها غيابي ..يعذبها حتي تطلب الخلع .. و في كل الاحوال يتخلص من العلاقة بسهولة، وهي تنزف خوفا علي اطفالها فترضي ان تكون زوجة ثانية او ثالثة او رابعة .. او تتنازل عن كل حقوقها و ترضي بنفقة ضئيلة، وتلاقي الامرين لتربي طفلها .. الرجل المفترى يتحكم في الزوجة و الاطفال طبقا لنزواته ..وما يتخيله عدلا والسيدة المظلومه لا تجد من ينجدها و عندما يقرر المجتمع ان يحميها ببعض التعديلات في القوانين يخرج علينا ذوى اللحي و الجلباب القصير يهددون بجهنم التي يملكون مفاتيحها يدفعون اليها من يريدون .
المرأة منذ ولادتها وحتي وفاتها عرضة للظلم و التهميش و العقاب علي كونها امرأه، تبدأ الطفلة تصخب في حيوية فتقول الام عيب البنت المؤدبة صوتها منخفض، تلعب رياضة فينكشف جسمها فيقول الاب ممنوع المسخرة دى، تتكلم في التليفون بصوت منخفض فيعارض الابوين .. تجلس للراحة فتأمرها امها بتحضير العشاء لاخيها، تتفوق في الدراسة و تكتم فرحتها لأن المحروس ابن الجيران كان مجموعه اقل، تتزوج فتصبح مسئولة عن الطعام و نظافة المنزل و غسيل الملابس، ويعاقبها زوجها لانها لم تلاحظ ان زرار القميص مقطوع .. دائما عليها تقديم المبررات و الاعذار لا حقوق لها الا ما يقدمه رجل .. آسف سيدتي.
السيدة المسلمة في هذا الوطن الظالم تعاني من ظلم فرضه عليها الرجل لدرجة أن مشايخهم وفقهاءهم يسمحون بزواج طفلة في السابعة او التاسعة من رجل كامل يفوقها باربعين سنة في العمر ويسمحون لولي امرها بان يبيعها لهذا المريض نفسيا، المراة المسلمة لا يؤخذ بشهادتها و لا ترث إلا نصف الرجل و اذا لم يخلف الأبوين ذكورا ورث فيهم كل من يمت لهم بصلة، المرأه المسلمة لا رأى لها و لا قيمة و هي من سقط المتاع حتي في الجنة .. حيث يتمتع الرجل بحور عين يتفنن في وصف محاسنهن وعددهن و تفجرهن الجنسي في حين ان السيدة التقية التي لاقت العذاب في ارضها ستجد نفس الإهمال و التجاهل هناك .. بصراحة انا اعجب من السيدات المسلمات المستسلمات لقهر ذوى اللحي كيف لازالوا مسلمات .
حفيداتي ( ماعت و نوت و نهيل ) لا تستسلمن لقهر الاباء و الامهات و اذا ما اعترضوا فقولي انما هي نصيحه الجد.