مرحلة ما بعدإقرارالكوتة الحركة النسوية تعتبره مجرد خطوة أولى و تستعد للحسم الإنتخابي



محمد كريزم
2004 / 11 / 22

بعد أن إستطاعت الحركة النسوية الفلسطينية التي إستماتت في الدفاع عن أحد حقوقها المتمثل في إقرار المجلس التشريعي للكوتة النسائية في الإنتخابات المقبلة, و تحقيق هذا الإنجاز الكبير, إلا أنها مازالت تشعر أن هذا النجاح سيظل منقوصاَ طالما لم يتوج ببذل المزيد من الجهود الحثيثة و العمل المتواصل من أجل تحقيق الأهداف المتوخاه من وراء هذا الإقرار.

و هناك العديد من الأسئلة المطروحة على بساط البحث و النقاش التي تدور حول أفضل الطرق و الأليات الممكنة لإستثمار هذا الإنجاز و تحويله إلى مكسب حقيقي من خلال الإلتصاق أكثر فأكثر بالقاعدة النسوية التي تكاد تكون بعيدة عن مجريات الأمور, توازياَ مع ترتيب البيت النسوي و تقوية دعائمه و بلورة خطاب قادر على التعاطي مع الواقع الراهن .

صوت النساء إستطلعت أراء نخبة من الشخصيات النسائية البارزة لمعرفة ملامح العمل النسوي لمرحلة ما بعد إقرار الكوتة و ذلك في هذا التحقيق.

إعادة تقييم و تنظيم للصفوف



السيدة نادية أبو نحلة رئيسة طاقم شؤون المرأة في غزة أوضحت أن ما تم إنجازه على صعيد إقرار الكوته النسائية في المجلس التشريعي لم يأتي من فراغ و إنما جاء عبر مراكمة لعمل طويل و شاق للحركة النسوية لتأكيد التواجد النسائي في أعلى الهيئات القيادية الرسمية , و المشاركة في كافة مجريات الحياة اليومية و التأثير في إتجاهاتها العامة , لكنه في حقيقة الأمر هذا ليس سوى شيء بسيط بالنسبة للقضايا الأخرى الأكثر أهمية و حيوية و التي تتطلب نضالاَ كبيراَ .

و أشارت أبو نحلة إلى أهمية إستخدام كل الأدوات و الوسائل و على رأسها الكوتة من أجل تحقيق المزيد من الإنجازات و النجاحات على صعيد إستعادة حقوق النساء و إرساء مبادىء المساواة و العدالة , و إستكمال مهمة البناء الداخلي , و توسيع قاعدة التنسيق و التنظيم , منوهة إلى الحملة الوطنية التي قامت بها الحركة النسوية لمتابعة مجمل القضايا الملحة و تكللت مساعيها في الفترة الأخيرة بنجاح بفضل توحد النساء و تنظيم صفوفهن و تحملهن لمسؤولياتهن بأمانة و إخلاص .

و أضافت أبو نحلة أن الحركة النسوية تعرف ماذا تريد ؟ و أين بوصلة إتجاهها ؟ و ماهي مطالبها ؟ ففي الفترة الراهنة و المقبلة سيتم تحشيد النساء و حثهن على تسجيل أسمائهن في مراكز تسجيل الإنتخابات , من أجل إنتخاب الذين سيرفعون صوتهن عالياَ , مشيرة إلى أن كل العاملين في الهيئات و المؤسسات النسوية يعملون حالياَ بهذا الإتجاه , إضافة إلى أن طاقم شؤون المرأة يعمل جاهداَ في الأونة الأخيرة على تدريب النساء اللواتي يرغبن بترشيح أنفسهن للإنتخابات , و تعريفهن بكيفية إدارة حملاتهن الإنتخابية وكسب الرأي العام المحلي , لكنها عبرت عن أسفها لقلة عدد النساء الراغبات بالترشح , و دعتهن إلى أخذ زمام المبادرة فالوقت ينفذ بسرعة

و أكدت أبو نحلة على إستمرار وجود الروافع و العوامل المساعدة إلى جانب النساء , و هنا يقع على عاتق الأحزاب السياسية واجبات و مسؤوليات لابد من القيام بها , فالنساء الفلسطينيات إرتبط إسمهن بتاريخ الحركة الوطنية , و بالتالي النساء و الرجال في فلسطين هم في مركب واحد , محذرة في نفس الوقت من عملية إقصاء النساء من قوائم الأحزاب , لذا مطلوب في المرحلة الحالية تكثيف الضغوط على الأحزاب و إقناعها بأهمية وجود العنصر النسائي في قوائمها , و أن يطبق مبدأ التمثيل النسبي عند إعداد القوائم الإنتخابية , و ستكون هناك زيارات للأحزاب و التحاور مع قيادتها و التعرف على رؤيتها فيما يتعلق بالقضايا النسوية و التأكيد عليها بأهمية تضمين النساء في قوائمها , إلا أنها عبرت عن تخوفها بهذا الشأن نظرأ لتغليب مصالح الأحزاب على المصالح الأخرى , في حين أن التحالفات الحزبية و ما يجري وراء الكواليس يشكل خطراَ على مصالح النساء.

و طالبت أبو نحلة النساء توحيد صفوفهن و الإلتفاف حول برنامج واضح المعالم خارج إطار المصلحة السياسية إنطلاقاَ من أولوية المصلحة النسائية بالدرجة الأولى , لذا لابد أن يكون من يمثل جمهور النساء في المجلس التشريعي أو المجالس البلدية هن نساء كونهن الأقدر و الأصلح للتعبير عن أنفسهن بشكل ملائم و مناسب , مشيرة في نفس الوقت إلى وجود خلل في العلاقة مابين الحركة النسائية و قاعدتها و لابد من جسر هذه الهوه و ترميمها جيداَ على الرغم أن , هناك شريحة من القاعدة النسوية قد يصعب التعامل معها نظراَ لتوافر جملة من العوامل الثقافية و الإجتماعية , فاليوم النساء أمام تجربة فرز مقاعد جديدة تتطلب منهن أن يكن على قدر المسؤولية

و اضافت أبو نحلة أن أقصر الطرق لوصول النساء إلى المجلس التشريعي يتمثل في إيجاد إصطفاف نسوي متميز و قادر على العطاء و التفاني في العمل , فالمصالح النسائية لا يدافع عنها سوى النساء و تجربة المجلس التشريعي السابقة ماثلة للعيان , فهي بلا شك تجربة سيئة بحيث أن من حظي بثقة النساء من أعضاء التشريعي لم يفعل شيئاَ لهن

و أشارت أبو نحلة إلى تبلور خطاب نسوي جرىء, قادر على إيصال رسالته للمجتمع, و التعامل مع المعطيات على الأرض بصلابة و حس المسؤولية إبتداءاَ بالقوانين المجحفة بحق المرأة و مروراَ بالتمييز بين الجنسين و إنتهاءاَ بالحالة الإجتماعية و الثقافية السائدة إضافة لقضايا أخرى متعددة.







ملامح مستقبلية للعمل النسوي



السيدة أم عمر النتيل من قيادات الحركة النسوية قالت أن الكوتة هي ثمرة نضال نسوي خاضته النساء الفلسطينيات من أجل الوطن حتى يكن لهن مكاناَ و دوراَ في التحرير و إعادة البناء و التعمير و التنمية, ناهيك عن كونها مكسباَ معنوياَ للمرأة الفلسطينية التي تعيش أوضاعاَ صعبة على كافة المستويات , و يمكن القول أن إقرار الكوتة مجرد إستحقاق ضئيل , فنسبة 20% لا تذكر بالنسبة لنصف المجتمع الذي تمثله المرأة التي أهملت حقوقها بنفسها طوال السنين الماضية ما جعلها ترضى بالشيء القليل , و بالتالي توجب على النساء تنظيم أنفسهن و الإنطلاق نحو المطالبة بحقوقهن بوعي و إدراك , و تثبيت المكتسبات على أرض الواقع و عدم تضييع أي فرصة تلوح في الأفق .



و إستعرضت أم عمر ملامح المرحلة المقبلة على صعيد العمل النسائي بعد إقرار الكوتة, حيث ستكثف اللقاءات مع الشخصيات الحزبية و مسؤولي التنظيمات و الفصائل , من أجل وضع إستراتيجية تتوافق مع روح و جوهر قرار الكوته , كذلك سيتوالى عقد المؤتمرات الشعبية وورش العمل و الندوات التي جميعها يصب في خانة التوعية و التثقيف بهدف ترجمة ما تضمنته الكوته من نسبة 20% على أرض الواقع , مشيرة إلى أن العمل التوعوي سيطال شوارع و أزقة المخيمات و القرى و الحارات و المناطق في المدن و التجمعات السكنية القريبة و النائية على حد سواء , و إيصال رسالة للجميع مفادها أن المرأة لها حقها في المشاركة السياسية و صناعة القرار

و أكدت أم عمر على الشراكة الحقيقية بين الرجال و النساء , فالنساء بحاجة للرجال , بل أن كلاهما بحاجة للأخر , ما يستدعي حقاَ لوجود روافع من أجل تمكين النساء من الإستفادة من مزايا إقرار الكوتة , و خصت بالذكر أئمة المساجد و الوعاظ و المثقفين و رجال الإصلاح و الموجهين الوطنيين و التربويين و كل من يمكن أن يكون عوناَ للنساء في هذه المرحلة الصعبة و المصيرية

و أولت أم عمر في حديثها أهمية كبيرة لإنضاج القاعدة النسوية , و النزول للمرأة البسيطة و المكافحة أينما وجدت , و مخاطبتها بلغة سهلة و الأخذ بيدها من حالة التقوقع و الإنغلاق التي تعيش فيها إلى حالة التبصر و الوعي , و تعريفها بأهمية وجودها و صوتها , لاسيما و أن الحركة النسوية تناضل في الفترة الراهنة من أجل مجموعة من القوانين التي تمس المرأة .

و حبذت أم عمر النظام المختلط كوسيلة عملية لوصول النساء إلى المجلس التشريعي و الهيئات البلدية , و عولت أهمية بالغة على الأحزاب السياسية التي تقع على كاهلها مسؤوليات وواجبات كثيرة تجاه المرأة , و في حال تنصلها من إستحقاقاتها فعلى المرأة أن تأخذ حقها بيدها و تنزيل قوائم نسوية تضم مجموعة من النساء القادرات على العطاء و التمايز

التغني بالنصر غير كاف

أوضحت الشاعرة و الكاتبة الصحفية دنيا الأمل إسماعيل أن إقرار الكوتة النسائية في المجلس التشريعي لا يمكن أن يكون أخر النضالات النسوية, إنه فقط مجرد خطوة صغيرة على طريق طويلة, و على الحركة النسوية أن لا تفرح كثيراَ فالمعركة لم تبدأ بعد, مشيرة إلى أن النساء في فلسطين لديهن خبرات صادمة, و يعرفن كيف تسير الأمور, و أبرز مثال يتكرر بشكل دائم فالقوانين الحالية لا تحمي النساء رغم التعديلات التي تطرأ على القوانين التي هي بالأساس مطلب نسائي.

و أشارت إسماعيل إلى أن المشكلة تكمن في كيفية تحويل هذا الإنتصار إلى سياسة عامة و مستمرة, غير مرتبطة بمصالح أحزاب أو توجهات أو إنتماءات تنظيمية, لذا ينبغي الإهتمام فعلياَ بالإتجاهات الثقافية التي تحكم المجتمع نساءاَ و رجالاَ فيما يتعلق بجدلية الحياة , حيث يتم النظر في أخر قائمة المشكلات و نسيان الغوص عميقاَ في الرؤى و التوجهات و في السلوك العام الذي تراكم عبر سنوات طويلة من تهميش النساء و خنق أصواتهن و إزاحتهن إلى ركن الجمال و التجميل و الديكور في الإعلام و الأحزاب و السياسة و الثقافة .

و دعت إسماعيل إلى تحويل نصر الكوتا إلى نقطة إنطلاق نحو عمل أعمق يتجاوز التدريب الآني إلى بناء الثقافات رغم ما يدور حوله من إختلافات , و التي أصرت على تسمية هذا الإنجاز بالنصر المؤزر للنساء اللواتي يعشن في مجتمع موسوم بعار التهميش و نار الإحتلال , لذا هو فعلاَ نصر كبير , لكن يجب عدم نسيان الأخطار المحدقة بالنساء رغم فرحتهن بهذا الإنتصار , فهذا الخراب الإجتماعي و التقافي مثل أولوية للنساء قبل الرجال كونهن يتحملن نتائجه السلبية قبل غيرهن

و توقعت إسماعيل أن تبدأ معركة ما بعد الكوتة مع بدء الإنتخابات و سيتضح كيف تلعب الثقافة الشعبية الدور البطولي في إختيارات الناخبين و الناخبات, و كيف تصبح الثقافة العشائرية و العائلية حكماَ لايمكن الفرار منه, و كيف يفرض منطق القوة و المال حججه و أسانيده, و كيف أن غياب ثقافة التحالفات النسوية بغض النظر عن الإنتماء الحزبي ستفسح المجال للعب الإنتخابية بشكل جيد, و أنحت إسماعيل باللائمة على الحركة النسائية كونها تكتفي بالإنتصارات الصغيرة التي تحتاج إلى جهود مضنية و مكثفة حتى تتحول إلى نصر كبير و مؤثر.



التصاق بالقاعدة



أما صباح أبو عرمانة, ناشطة نسوية و مستشارة وزيرة الشؤون الإجتماعية إمتدحت هذا الإنتصار الكبير للحركة النسوية, الذي جاء ثمرة عمل دؤوب و جهد متواصل, ووصفته بالتمييز الإيجابي لصالح المرأة, ووسيلة شرعية لمواجهة الواقع السلبي, بحيث يمكن النساء من الإندماج و المشاركة في دوائر صنع القرار, و يهيىء المجتمع الفلسطيني لتقبل فكرة و مبدأ تواجد النساء في شتى الأماكن و مجالات الحياة لاسيما السياسية منها على قدم المساواة مع الرجل مما يعجل بالمساواة الفعلية بين شرائح و فئات المجتمع.

و أوضحت أبو عرمانة أن الحركة النسوية حددت أهدافها بدقة, و إتفقت على أليات عمل موحدة مبينة على تقاسم الأدوار و المهام تمهيداّ للمرحلة المقبلة التي ستشهد أعمال مكثفة على عدة محاور