شهادة النساء في الكتاب المجيد



راغب الركابي
2011 / 9 / 17

نريد هنا مواصلة البحث الذي بدأناه في الحلقة الماضية والذي يتبنى تفكيك الرؤية التراثية للدين ، وتفكيك الرؤية التراثية التي يتبناها رجال دين ذوي نزعات ارثوذكسية ، تلك النزعات التي خلقت في ذهننا كهنوت خاص وتقديس غير مفترض لمعظم التراث ورجاله بحيث غدو جميعاً هم المقدس وهم التابو ،
مما أربك في أذهاننا ووعينا صورة الدين كما قررها الكتاب المجيد .
في الحلقة الماضية من بحثنا تناولنا النص رقم 11 من سورة النساء ، الذي كان تفسيره التاريخي التراثي أحد النقاط المظلمة في تعمد ظلم المرأة وإنتهاك حقوقها ، تفسيراً أسسه عقل الجزيرة والتصحر الذي كان يمارس أقسى أنواع الكبت تجاه المرأة ، ولهذا جاء تفسير فقهاء التراث في سياق هذه الممارسة القبلية الجافة المتصحرة ، ولكي يجعلوا من تفسيرهم ذو دلالة وقبول في الذهن العام قالوا : بان النبي محمد والإمام علي قالا : إن النساء نواقص العقول ونواقص الإيمان ونواقص الحظوظ - ومن اجل بيان ذلك قالوا : إن الإمام علي بن ابي طالب قد علل هذا النقصان بقوله : - أما نقصان حظوظهن فإن الله أعطى للذكر مثل حظ الأنثيين !!!! وأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام أيام حيظهن !!!!! وأما نقصان عقولهن فشهادة الرجل الواحد بشهادة إمرأتين !!!!! - وقد جاء هذا في نهج البلاغة : الذي هو كتاب يُنسب للإمام علي مع إن هذه النسبة فيها الكثير من عدم الصحة ، ونهج البلاغة كما هو معلوم للباحثين كتاب مجهول السند التاريخي ، وماقام به المتأخرين لوضع رواة للكتاب فهي محاولة غير ناجحة من الناحية العلمية وهي ليست سوى محاولة لإيجاد سُلم خبري يمكن الأطمئنان إليه ، أي إنها نزعة لمحاولة كسب الوقت في حال المحاججة في إثبات صحة الكتاب ونسبته للإمام علي ، هذا من جانب ومن جانب آخر كتاب نهج البلاغة فيه حشو وتناقض وتكلف زائد لاينسجم وروح علي - ع - وعقله ، كما إن في بعض خطبه نوع مخالف لكتاب الله على نحو صريح منها هذا القول الذي ذكرناه قبل قليل ومنه قوله في المرأة : إنها شر وشر مافيها إنها لابد منها - ومعلوم إن الشر لا ينتج الخير فلو كان الرجل هو الخير فهو نتاج للمرأة فهي الحاضنة له ولا يمكن ان تكون المرأة شر والرجل الخارج منها خير هذا كلام لايستقيم من الناحية العقلية والمنطقية ، وهناك خطبة مملة وغير مفهومة لعلي يذكر فيها الكركدن ذلك الحيوان الضخم ، وفي أخرى يصف الطاووس ، وفي أخرى نقد لأهل الكوفة وفي أخرى مدح لهم ، وهذا الكلام لايمكن نسبته لعلي على أي نحو ، نعم ربما بعض الحكم من الكلمات القصار والتي تتناول الجانب الأخلاقي فلاضير من نسبتها إلى علي - ع - ولأنها حكمة لذلك فهي ضآلة المؤمن ونسبتها إلى أي واحد منهم لا يضر ولايحتاج لإثبات صحة الحكمة سنداها التاريخي يكفي ان تكون دلالتها بينه ..
* وهنا نحن نود رسم صورة واضحة ما أمكن للكتاب وعدم تبنيه لظلم المرأة لا في مسألة التركة ولا في قضايا أخرى سنأتي عليها تباعاً إنشاء الله .
جاء في سورة البقرة كلام اعتبره أهل التراث من رجال الدين قرينة على إن المرأة ناقصة عقل في النص 282 قوله تعالى : ( .... واستشهدوا شهيدين من رجالكم ، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ... ) .
هذا النص يجب ان ننظر إليه في سياقه التاريخي وسباقه الموضوعي ، أعني إن النص تحرك في دائرة الواقع الذي كان سائداً ، ولهذا فهو من هذه الوجهة نص مقيد بفترة زمنية وموضوعية ذات شروط محددة ، أي إنه ليس نصاً مطلقاً يمكننا إعتباره حكماً لكل زمان ومكان ، وذلك لأن النص تحرك في دائرة مغلقة كانت لاترى للمرأة دور في الحياة غير دورها كأنثى للرجل في البيت ، وهو منطق كان يفرض على المرأة عدم الخروج وعدم الإختلاط في الحياة ، ولهذا جعل الله شهادتها هذه تجري ضمن سياقها الموضوعي لكي يتقبلها إنسان الجزيرة العربية أنئذآك ، وهذا يعني إن الله أراد ان يحرك المرأة في داخل الحياة ويجعل من وجودها أساسياً ولكن جعل ذلك ضمن شروط موضوعية تحقق لها ضمن كرامتها ، التي بينها بقوله - ولقد كرمنا بني آدم - والتكريم لجنس بني آدم وليس للذكر دون الأنثى كما هو واضح من لغة النص ، كما إن الله أراد لها ان تكون محترمة في حركتها فلا تخدش بإي قول ، على نحو : كيف لها وهي الموجودة في البيت ان ترى وتشاهد وتحكم على ما يجري في مجتمع الذكور ؟ هذه الحيثية نظر لها الله بعين الرعاية وتكريماً لها تبنى مفهوم المرأة الثانية في توكيد الشهادة وإثباتها أي إنه مارس دفعاً نفسياً لتحقيق غرض كون المرأة جزء من الحياة العامة لا خارجها ، فهو رد غير مباشر لما يمكن أو يتصور من اقوال ، في كيف خرجت ولماذا خرجت ؟؟ ، كما هو دارج في لغة الأعراب وحتى في زمننا هذا يوجد الكثير من هؤلاء المتخلفين الذين لا يرحمون المرأة في كل حال ،، وهذا أرآه أنا من باب تكريم المرأة حتى في زمن الأنسداد والحجر ، أي إن لها ان تدلي برأيها في كل الظروف ، ولكن هذا كما قلنا حكم مقيد في زمن وشرط محدد وليس هو حكم لكل زمان ومكان ، أي إن شهادة المرأة الواحدة اليوم هي عين شهادة الرجل بنفس الدرجة وبنفس الوثاقة ، ذلك لأن المرأة اليوم هي مشاركة في الحياة وصانعة الحياة بل هي أصل الحياة ، وبالتالي فهي والرجل سواء في قول الحقيقة والإدلاء بها حين مشاهدتها ..

وللحديث بقية