نصف -دزينة- من النساء



ريما كتانة نزال
2011 / 10 / 9

لجأت المخرجة الفلسطينية " ليلى عباس" في فيلمها المسمى " خمس فناجين وفنجان" الى إجلاس المثلث على رأسه، بهدف إيصال وجهة نظرها وحكمها بنخبوية وعزلة الحركة النسائية الفلسطينية. وقدمت "عباس" وجهة نظرها النقدية من خلال نصف دزينة من الفناجين المملوءة بالزوابع المثيرة للجدل. إنه بيت القصيد، إثارة الجدل سواء تم على خلفية استحسان العمل أو استهجانه، والأعمال الفنية التي لا تثير الجدل والتفاكر تكون عاجزة عن الوصول لغاياتها وتغدو كأنها لم تكن.
تدور فكرة الفيلم القصير حول جلسة نسائية في مؤسسة نسائية لنقاش التعديلات القانونية المراد إدخالها على قانون الأحوال الشخصية، في الوقت الذي تقوم فيه المرأة السادسة على خدمتهن. التعديلات قيد النقاش لا بد من الانتهاء فورا مع المداخلات الشفهية المساندة للتعديلات.. بهدف وضعها أمام الرئيس "محمود عباس" وبما يمكنهن من إقناعه في اللقاء المفترض التالي للجلسة. التحضيرات تأتي على نقاش الأولويات النسوية والمقارنات ما بين واقع المرأة الفلسطينية والمرأة العربية او الأجنبية والتعقيدات المتوقعة أمام القانون إلى جانب بعض الثرثرات النسائية الجانبية.
تغرق النسويات بالنقاش، وما بين نقاش محتوى القانون الذي يرغبن به، تمر بعض الجمل والعبارات التي تطبع الجلسات النسائية عادة، ثرثرة ما حول أحداث مسلسل تركي يتم عرضه على التلفزيون، وبعض النميمة عن خيانة أحدهم لزوجته المعروفة من المتحاورات.... وفي الحوار الدائر، يُظهر منطق المرأة ذات الحجاب بعض التباينات المحددة مع الوجهة العامة لباقي المتحاورات، بينما الخادمة، القائمة على مد الحوار بفناجين القهوة، والتي من المفترض ان تكون معنية بالقانون أكثر من غيرها، لا تشارك بالنقاش وربما غير مكترثة به وتبدو متعبة ومقموعة.
التباينات الاساسية هي التي تظهر من بين السطور بين المتحاورات مع الخادمة، المشتركة معهن في الانتماء لفصيلة النساء، والحاضرة جسديا في ذات المكان، والغائبة عنه عمليا بالرأي والطموح والواقع. الطاولة المحدودة تنوب عن الخادمة المقهورة وما تمثله من أكثرية مغلوبة على أمرها. وكأن العمل الفني يريد أن يقول بأن الوضع مختلف على الصعيد النسائي عنه في باقي القوانين والقطاعات الاجتماعية، وحسب المثل الشعبي "حونتها حمرة"، وهنا يتم الابتعاد عن الموضوعية والسياق العام ويبرز السؤال التالي: ألا يستقيم النقاش للقوانين، قانون العمل او الاستثمار او الضريبة او الشباب او قانون الاحوال الشخصية، بحضور ممثليه، أو بالأحرى بحضور مصالحهم ومطالبهم وطموحاتهم وآمالهم بحماية القانون لحقوقهم وبرفع الظلم والتمييز عنهم..
والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه بقوة في هذا المجال حول التباينات التي يفتعلها العمل الفني لدى غرزها على أساس الشكل والمظهر: هل مصلحة المرأة المحجبة تختلف عن مصلحة المرأة غير المحجبة بقانون يرفع الميْز والظلم عنها.. وأليست كرامة وإنسانية النساء واحدة.. وألسن موحدات في دفاعهن عن أنفسهن في وجه الإقصاء والحصار والإبعاد عن مراكز القرار والمشاركة.. وألا يجمع النساء، بحجاب ودونه، الغنية والفقيرة، المتعلمة والجاهلة، العاملة والمزارعة والموظفة وربة البيت والطالبة، ألا تجمعهن المعاناة من عدم المساواة ومن التمييز المبني على الجنس.. وهل أصبح غطاء الرأس هو المعيار الذي يفرق او يوحد النساء وقضاياهن ومصالحهن..ألا يتعرضن جميعا للطلاق التعسفي وللحرمان من الحضانة والنفقة والميراث.. وكذلك من آثار ونتائج تعدد الزوجات بغض النظر عن طبقة المرأة الاجتماعية وعن مناديلهن وجلابيبهن وكعوبهن العالية.. مع استيعاب وجود فرز آخر على الصعيد الاجتماعي والمكانة الطبقية المختلفة تفرق النساء عن بعضهن مع أمثالهم من فئات المجتمع الأخرى واضعة مستوى جديد من التحالفات الاجتماعية والأطر.
لست ضد وضع العيوب التي تشكو منها الحركة النسائية أو غيرها تحت المجهر الفني وغيره من العيون، لكن لا بد وأن يتم تناوله على قدم المساواة مع أداء الحركات الاجتماعية الفلسطينية الأخرى، وذلك على الرغم من ان الانعكاسات السلبية للواقع العام تنعكس على المرأة بشكل أكثر وضوحا وفجاجة، لكن الكثير من التركيز على المرأة، يأتي أحيانا بنتائج معاكسة للغاية المستهدفة والمتركزة على علاج العيوب والفجوات. لكني أقف بقوة ضد افتعال التقسيمات والتصنيفات التي تبعد وتنزع النقاش عن سياقه الموضوعي المفيد، وتطلق الاحكام الجائرة بتسرع وبشكل اطلاقي لا يفيد أحد، ويقلل من شأن المرأة وأدوارها المتعددة التي تضطلع واضطلعت بها في الماضي والحاضر.