مجتمع الختان النفسي



ليلي عادل
2004 / 12 / 16

الحديث عن الجنس في مجتمعنا هو من المحرمات , ولكل فتاة وصبي بالتأكيد أسئلة و استفهامات تخص هذا الموضوع لكن ليس كل عائلة تعرف كيف تتعامل مع هذا النوع من الاستفهامات و ترد عليها بموضوعية و تحافظ على المستوى المطلوب من البراءة لدى الطفل , وأغلب العوائل تنهر أبنائها و تقمعهم إذا ما تطرقوا لمثل هذه المواضيع و حاولوا أيجاد أجوبة لتساؤلاتهم , و قد يتعرضون للضرب جراء ذلك , فيكتسب هذا الموضوع الحيوي و الذي تتوقف عليه استمرارية الجنس البشري , صفات أخرى مثل العيب و الحرام , وتترسخ مع الأسف هذه الصفات بذهن الطفل و تبنى على أساسها مفاهيمه المستقبلية للحياة و للعلاقات الإنسانية, فضلا" عن سلامة صحته النفسية و الفيزياوية .
ان عدم الإجابة على تساؤلات الطفل تترك في ذهنه فراغات تظهر مستقبلا على شكل توقفات ..اقل من التأمل وإعمال الخيال , أما معاقبة الطفل و نهره عن الكلام بهذا الموضوع فيولد لديه إحساس بالذنب يستمر معه في الكبر كلما حاول معرفة شيء عن الجنس من خلال صديق او كتاب او أي مصدر آخر خارج المنزل , و عند وصوله لمرحلة النضوج الجنسي و يبدأ بالإحساس بغرائزه يتعمق لديه الشعور بالذنب و يتطور بأن يصبح شعورا بالخزي إذا ما استجاب للرغبة الملحة عليه , مع عدم وجود النصح و الإرشاد الصحيح للتعامل مع حاجات الجسد , ربما يجد الصبي تسامحا و بعض تشجيع من المجتمع لكن ما تعانيه الفتاة فيما يخص هذا الموضوع هو كارثة , فالعائلة تعلق شرفها و مكانتها برقبة هذه الفتاة رغم المعاملة الدونية من قبل العائلة و الإهمال الكامل لاحتياجاتها النفسية و الجسدية فيتحول هذا القمع الى عقدة مستقبلية تؤدي الى حرمانها من الإحساس بالمتعة و اللذة في علاقاتها الجنسية و إحساسها بالذنب و العيب كلما قامت باتصال جنسي مع الشريك والزوج
وبذلك لن تستطيع ان تحيا حياة طبيعية و ان تكون علاقة زوجية متكاملة و متكافئة و يبقى في داخلها الإحساس بالغبن والظلم والحرمان من معرفة الإشباع الحقيقي لهذه الغريزة البشرية .
قبل أسابيع لفت انتباهي خبر نشر في إحدى الصحف عن عدد ضحايا و مرضى الإيدز في السعودية وهو عدد كبير من المسجلين رسميا" , و يمكننا تخيل العدد الحقيقي إذا ما أخذنا في الحسبان ما يواجهه المريض في بلد مثل السعودية من حجر اجتماعي و قسوة الدولة لذا فمن المتوقع ان العدد الأكبر هو غير المعلن من اللذين يفضلون الموت في أسرّتهم على الاعتراف بمرضهم لغرض العلاج بسبب الإجراءات التي تتخذها الدولة تجاه من تثبت أصابته بالمرض و ما تتسم به من قسوة و تجريم …و بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الإيدز قامت إحدى الإذاعات بأجراء استفتاء لآراء المواطنين العرب في موضوع الثقافة الجنسية و أهمية إدخالها كمناهج دراسية بهدف حماية الأجيال الجديدة من الوقوع بسبب جهلهم ضحية لذلك المرض, وكانت الآراء معبرة عن ضيق و انغلاق العقل العربي و تمسكه بالوهم , فقد رفض الكثيرون هذه الفكرة و اعتبروها …عييييب..اما البعض الآخر وهم من المتمسكين بوهم اننا كاملون , محصنون من الوقوع بالخطأ , فقد استغربوا اهتمام الإذاعة بمثل هذا الموضوع و طرحه على المستمع العربي ,و تساءلوا : ما علاقتنا بهذا المرض ؟؟؟
هذا النهج العربي الذي يتهرب من الحقيقة التي تصدمه و يرسم صورة مثالية لحياته و يصدقها و يحاول التبجح بها أمام العالم , النهج الذي يحث على إخفاء الأخطاء و العيوب مهما كبرت و استشرت في المجتمعات والوقوف ضد الاعتراف و الكشف لغرض الإصلاح و توفير مستقبل أفضل لأجيال قادمة .