عاهرة واأفتخر


مكارم ابراهيم
2011 / 11 / 2

نشرت الكاتبة فاطمة خير الدين مقالة تحت عنوان "عاهرة وأفتخر"(1) وكان ردود افعال القراء مختلفة جدا مابين المشجع لها والرافض تماما لرؤيتها .
فقد طرحت الكاتبة فكرة وجودها كامراة سافرة تعيش في بيئة اسلامية محافظة جدا وتختلف عن بقية النساء ولهذا ينظر اليها نظرة غير لائقة بحيث انهم يدعونها بالعاهرة لانها تختلف عن بقية النساء في ذلك المجتمع المحافظ .وتريد الكاتبة من عنوان مقالتها هو التاكيد على انها تريد الحرية التامة في اللبس والحياة والتفكير واذا كان الثمن لكل ذلك هو تلقيبها بالعاهرة فهي تفتخر بهذا اللقب اذن.
ولكن البعض لم يدرك خلفية استخدام الكاتبة لهذا العنوان فهي لاتقصد ربط الحرية بالعهر كما اعتقد العديد من القراء.

بداية أود ان أشير الى نقطة هامة جدا وهي عندما يعيش المرء في بيئة يسلك سلوكا مغايرا للغالبية ينظر له نظرة فضول اولا ثم ريبة وشكوك واحيانا تصل الى العنصرية والتحقيرلهذا الشخص. وهذه النظره طبيعية جدا في المجتمعات الصغيرة النائية المغلقة كالارياف والقرى وحتى في بعض المناطق البعيدة عن مركز العاصمة ومن ضمن العاصمة.
وهذا ليس فقط في المجتمعات الاسلامية, بل في كل المجتمعات المغلقة التي لها قوانينها الخاصة وترفض ان يسلك احد افرادها سلوكا مخالفا. مثلا ان يكون المرء مثليا حيث يرفضك الغالبية في جميع المجتمعات عموما الغربية او الاسلامية او المسيحية او اليهودية . او تبني جامع في دولة اوروبية او تبني كنيسة في دولة اسلامية .
او تكون إمراة سافرة في مجتمع اسلامي محافظ, او تكون امراة محجبة في مجتمع مسيحي او لاديني, او ان تكون اجنبي في بلد ليس بلدك, او تكون غني في مجتمع فقير, او تكون فقير في مجتمع غني, او تكون ابيض البشرة في مجتمع افريقي, او تكون افريقي في مجتمع ابيض. او تكون مثقف جدا في بيئة أمية , أو العكس اي تكون بدون شهادة اكاديمية في بيئة الجميع لديهم شهادات اكاديمية وهكذا....

وهذا كما ذكرت آنفاٌ ليس فقط في المجتمعات الاسلامية, بل حتى في المجتمع الاسكندنافي المتقدم .

ففي المجتمعات الاسكندنافية مثل السويد والدنمارك والنرويج مايعرف بقانون جنتا Jante Low تتالف من عشرة قوانين وتعود بالاصل الى رواية كتبها الكاتب النرويجي الدنماركي الاصل اكسل سانديموسة Aksel Sandemose،تحت عنوان " لاجيء يشرع بطريقه En flykting korsar sitt spår " ونشرت عام 1933. (2) وقانون الينتا او الجنتا هو قانون عالمي وجميعنا لنا ذنب في وضعه لاننا جميعا نتعامل مع بعضنا وفق هذا القانون.

في هذه الرواية يتحدث الكاتب اكسل سانيموسة عن شاب ينتقل الى العيش في قرية ينتا الصغيرة حيث الجميع يعرف بعضه البعض والكل يسلك نفس السلوك ونفس العادات وله نفس الثقافة ولكن هذا الشاب كان غريبا عنهم والغريب يعتبر احيانا شاذاٌ. ولهذا كان ينظر له بريبة كبيرة وعنصرية وتلصق به كل المصائب التي تحدث في تلك القرية .

باختصارالرواية تتحدث كيف أن المرء يجاهد للحصول على موقعه في البيئة التي يعيشها وبالاخص عندما تختلف عنه في اشياء كثيرة. وهذا القانون يستخدم اليوم في مجال العمل في الدول الاسكندنافية لوصف شخص جاء من طبقة اجتماعية اخرى ويحاول ان يظهر للاخرين بانه ينتمي لطبقة الاجتماعية مماثلة لهم .


وهناك الكاتبة (3) Annette Münch كتبت رواية تحمل عنوان قانون الجنتا او الينتا لوفن تتحد ث فيه عن ازدياد حوادث العنف بين الشباب في اوروبا بسبب كوننا مجتمعات صغيرة مغلقة وفجاة اختلطنا بشعوب وثقافات اخرى تختلف عن ثقافاتنا وحدث الاصطدام بيننا وخاصة بين الاجيال الثانية من الشباب .
فعدم تقبل المختلف لنا في السلوك والفكر والملبس وحتى احيانا بالشكل والعرق يولد البغض والكراهية والعنصرية وبالتالي يؤدي الى حوادث العنف والارهاب.
واندرس بريفيك الارهابي النرويجي كان مثالا واضحا على هذه الظاهرة وهي عدم تقبله للاخرين المختلفين عنه في الفكر والسلوك كالمسلم والماركسي فقد اعتبرهم أعداء ويجب القضاء عليهم .

في اوربا يعتبر الجيل الثاني للشباب الاجنبي الضحية الكبرى لظاهرة العنصرية التي تمارس ضدهم لانهم مختلفين عن الشعب الاصلي الاوربي .
وممارسة العنصرية والتهميش ضد هؤلاء الشباب من خلال عدم اعطائهم اماكن التطبيق العملي او من ممارسات الشرطة معهم ادى الى نشوء البغض لديهم للمجتمع الذي يعيشونه بحيث أدى بهم الامر الى تاسيس مجتمع خاص بهم خارج اطار المجتمع الحقيقي الذي يعيشون فيه.
وماحدث في انكلترا قبل اشهر مثال واضح للتهميش للشباب الانكليزي الذي غضب من تعامل الحكومة والمجتمع معه معاملة قمعية بعدم توفير اماكن عمل له واحترامه كجزء من المجتمع ولهذا كانت ردة فعله عنيفة.

أن عدم تقبل المجتمع للافراد الذين يختلفون عنه في الثقافة والعرق يولد البغض والكراهية بين الطرفين بحيث يحاول كل منهما ان يهاجم الاخر ويحتقره وربما يؤدي ذلك لاستخدام العنف والعمليات الارهابية .
كما يحدث في مصر بين الاقباط والمسلمين. فالتهميش ليس فقط للمراة السافرة في المجتمعات الاسلامية لان تهميش المراة واضح في غالبية المجتمعات عامة وهو جزء من عملية تحقير وتهميش الطبقة الوسطى والطبقة العاملة والكادحة وللاجانب والاقليات وللشعوب ذات الثقافات المختلفة كردية امازيغية اشورية والعديد . وكل ذلك يؤدي الى نشر البغض بين افراد المجتمع الواحد ونشر العنصرية .

هذه هي سياسية الانظمة البرجوازية قبل كل شئ بهدف السيطرة على المجموعات البشرية المخالفة لها . كما هي حالة عداء الحكومة الامريكية للاتحاد السوفيتي والشيوعية التي تختلف عن نظامها الراسمالي .
ولهذا كان يستوجب عليها محاربة الشيوعية وتهميشها كليا وتشويه صورتها للقضاء عليها وكي تبقى الراسمالية هي الوحيدة التي تتحكم بثروات الشعوب. فالاقوى يحاول دوما ان يكون الكل تحت سيطرته وبامرته ويفرض عليهم شروطه .

باختصار عندما يتواجد المرء في مجتمع صغير مغلق ( قرية, ريف , جبل , منطقة بعيدة عن مركز العاصمة او منطقة ذات قومية معينة) مثل الغيتو الصيني او الافريقي في الولايات المتحدة الامريكية فان اي شخص غريب يدخل تلك المنطقة ستسلط عليه الاضواء مباشرة ويراقب كل تحركاته لان سلوكه وملبسه وشكله مختلف ويعتبر خارج المجموعة الاجتماعية الكلية .
وإذا كانت ظاهرة العنصرية وتحقير المختلف موجودة في المجتمعات الاوروبية المتقدمة فكيف إذا لانتوقع وجودها في المجتمعات الاسلامية؟
الحل الوحيد امامنا هو احترام الاختلاف وتقبل ثقافة الاخر المخالف لنا مهما كان متعارضا مع مبادئنا.
مكارم ابراهيم
المصادر:
(1)مقالة الكاتبة فاطمة فخر الدين
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?ecom=1&aid=281855
(2)قانون الجنتا
http://www.janteloven.dk/
(3) الكاتبة انيتا مونك
http://www.barnebokkritikk.no/modules.php?name=Reviews&rop=showcontent&id=646