وعي المرأة العربية المعاصرة



ساسي سفيان
2004 / 12 / 17

عاشت المرأة العربية في كل ظروف التاريخ العربي القديم في الخطوط الخلفية التي كان الرجل يتقدمها رغم أن السياسات القديمة والحاضرة قدمت وتقدم ببعض البلدان مسؤولية (الملكة ) للمرأة وأحياناً ( الأميرة ) المرشحة لاحقاً لشغل منصب الملكة إذ من معاني ذلك تقبل كل وجهاء الرجال في البلاد المعنية يكونوا راضون أن تحكمهم امرأة ولكن ليست كل امرأة وبقدر ما تشعر المرأة ذاتها أن حققت بهذا المجال الكثير من طموحاتها لكن نقطة الضعف الكبيرة عندها ما تزال تدور حول تصديق تقييمها الإيجابي من قبل الرجل الذي يخفي تربصه بها إفساداً أو على الأقل همزاً بين زملائه بأحيان لا ينكرها متابع .
ففي العصر الحديث الذي أجازت المؤسسات المدرسية اختلاط الذكور والإناث في مرحلة الروضة ثم مرحلة الدراسة الابتدائية وكذلك المرحلة الثانوية فهذا ما أزاح قدر من حياء و خجل الفتيات من الجنس الخشن بقدر ما شجع على تجرأ الشباب على التقرب اللامحافظ إلى الفتيات ومثل هذه الوشائج التي آل إليها العديد من المجتمعات العربية التي شجعت على مشاركة المرأة في الكثير من الأعمال و الممارسات الاقتصادية و السياسية و إلى غيرها منن مناشط الحياة اليومية وتحت مظلة ( المساواة بين المرأة والرجل ) التي يدعي الرجل أمام أكثر النساء أن المساواة حق للمرأة ، وهذه الحالة رغم انتشارها في البلاد العربية والإسلامية على نطاق غير شامل لكن فيها ما يشير إلى أن الشرق لم يفقد التقاليد و العادات التي جبلوا عليها الرجال و النساء تماماً إذا مازال الأمل يراود علماء الدين ، المفكرون و المربين ومن يهمهم الأمر أن تبقى المرأة في منزلة المحميات التي لا يجب أن ينال منها النظام العالمي الجديد بمتغيراته اللامحدودة و السريعة مهما تعددت أساليبه من أجل استدرجها لتقع طعماً لمآربه الانتهازية ومن تلك الأساليب محاولات إقناع المرأة لدخول إلى معترك السياسة .
فلقد نجح العولمة من خلال تعميم النظرة الغربية للمرأة لتكون شعار المرأة العربية المعاصرة عالمها مما ساعد على إغواء جماهير من النساء الذين لعب بمقدرتهن رجالات السياسة بوقت لم تكن فيه أغلب البلدان التي تم فيها ذلك بحاجة إلى انخراط النساء في الحياة السياسية بهذه الكثرة التي تلاحظ فيها تطبيق أيديولوجيات سياسية متقلبة تبغي من الإيقاع بالمرأة المحلية استجابة لخطط إعفائها التي يضع خطوطها الأخيرة الرجال الذين يساندون حكوماتهم – وكيفما اتفق .
وهكذا فقد خرجت المرأة وهي أنثى عن خط الحفاظ على احترام وكرامة نفسها وقبلت أن تكون تابعة للرجل السياسي المحنك الذي لا يفهم من معنى تحرير النساء إلا مبدأ لتقيم منه علاقات شائنة معه وتحت ادعاءات معتنقات العمل السياسي المعاصر.
والمرأة التي يستهدفها السياسي من خلال توضيب وعيها لتكون سياسية في زمن السياسات السلبية فهو يعلم أنها لن تستطيع عمل المستحيل الذي لم يستطيع القيام به هو ، لهذا يمكن التذكير كم إجراءات و قوانين قام باتخاذها سياسيون ضد ما يعبر عنه بحقوق المرأة ،
لقد خدعوا المرأة حين طلبوا منها أن تكون سياسية ، ومن بين بنات جنسها ومع زملاءها في المدرسة أو الكلية أو المصنع أو المحلي التجاري لكن المآلان لم تبقيها حتى في طليعة النساء الأميات .
ولعل في مثال المرأة العربية العاملة النقابية السياسية والطالبة السياسية التي يتطلب منها أن تكون مجاملة لزملائها الذكور والذي يحررها ، أن المرأة السياسية هي أضعف بكثير مما يعتقد في مواجهة الرجل السياسي فلقد حان الوقت أن تكف كل فتاة وكل امرأة عن الدوران حول نفسها وتصدق أنه يقر بمساواتها معه سياسياً.
المرأة وعواقب الجهل بالقانون :
تقدمت بخطوات ثقيلة ورجلاها لا تستطيعان أن تحملا جسدها امرأة تقدمت بها السن وثيابها تدل على أنها من ذوي الدخل المحدود ، أدت التحية بنبرات خافتة وكانت العبرة محتقنة في جوفها وما إن رددت عليها التحية حتى جلست على الكرسي كجثة هامدة وقالت أنقذيني يا أستاذة وسقطت دموعها على وجهها الأصفر الشاحب ومسحت بيدها القاسية وجنتيها مكفكفة دموعها عن خديها وقلت لها إهدنى واخبريني ما هي مشكلتك.
قالت لي: أنا امرأة لا أملك أي شيء سوى ثيابي وعيالي، متزوجة رجلا يعمل "فراشا" في إحدى الدوائر الحكومية وبسبب الضغوط المادية فكر زوجي في استخراج سجل تجاري باسمي لتحسين دخله ولكي يستطيع أن يغطي مصاريف معيشتنا، ولا يخفى عليك أن راتبه ينتهي عند تسلمه وفعلا جعلني أوقع على أوراق استخراج السجل التجاري وقام زوجي أجيره على شخص أجنبي الجنسية مقابل أجرة شهرية قدرها مائة دينار ولا أخفي عليك أن المبلغ كان يساعدنا في سد حاجاتنا اليومية وبعد ثلاث سنوات غادر المستأجر البحرين تاركا المحل محملا بالديون! فانهالت القضايا و أنا معرضة للحبس لعدم سداد المبالغ المطلوبة والحقيقة إنني عاجزة عن الدفع فماذا افعل؟! هذه القصة واحدة من آلاف القصص المتشابهة التي قد تختلف في وقائعها إلا إن النتيجة واحدة فبسبب جهل المرأة بالقانون وثقتها بزوجها تعرضت هذه المرأة وغيرها لذات المشكلة فإن جهل المرأة بحقوقها القانونية يؤدي إلى عدم إمكانية حماية نفسها، والسبب في جهلها لحقوقها يعود إلى عدم مشاركتها في عملية صنع القرار ووضع التشريع ومن الواضح أن القوانين الخاصة بالمرأة تعكس أوضاعها الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.
فقد أحرزت المرأة البحرينية حقوقها المدنية والتجارية والسياسية والثقافية الكاملة إلا أن واقع الحال أن اكثر المالكين والتجار والرأسماليين هم رجال فنلاحظ أن اغلب النساء اللاتي يملكن سجلات تجارية هي سجلات اسمية فقط يستخرجه الرجل الموظف باسم المرأة التابعة له المرأة لأن القانون يحظر عليه العمل في التجارة لذلك يقيده في إدارة السجل التجاري باسم أخته أو أمه أو جدته أو زوجته ومن ثم يحصل على توكيل رسمي منها بإدارة المشروع إدارة فعلية وقد يربح هذا المشروع وقد يخسر فإذا ربح المشروع يدخل الربح في جيبه أما اذا خسر فتتحمله المرأة وحدها وبالتالي تدخل في مشاكل قانونية وفي مشاكل قضائية لجهلها بالقانون وهذا لم يأت من فراغ بل من تبعية المرأة للرجل وسيطرته عليها داخل المنزل فلا تزال المرأة غير قادرة على اتخاذ قرارها بنفسها وهذا الواقع لا نجده داخل مؤسسة الأسرة فقط بل في كل مؤسسات المجتمع المدني والحكومي.
على سبيل المثال نجد في المؤسسات الاجتماعية والمهنية لا تكون حاضرة في مجالس إدارتها بعدد الرجل فعددها لا يتجاوز الواحدة أو الاثنتين على الأكثر وهذا يعكس واقع الفكر لدى الرجل العربي وهيمنته على مناصب صنع القرار ووجود المرأة في هذا الموقع ليس لكفاءتها بل ليقولوا للعالم الخارجي والدولي انهم أناس تقدميون ويؤمنون بحقوق المرأة والدليل على ذلك وجود هذه المرأة العضو في مجلس الإدارة في حين أن واقع دورها لا يكون مؤثرا في صنع القرار فهو دور شكلي فإذا كان وضع المرأة في إدارة مجالس المجتمع المدني بهذه الصورة فما هو حالها في المؤسسات الحكومية؟ إن أكثر النساء العاملات في سلك الوظائف الحكومية نجدهن في وظائف الكتبة ونسبة بسيطة تصل إلى مركز صنع القرار لذلك نجد الأعلى وقد ينعدم وجودها في بعض المناصب وبخاصة في المجالات الدبلوماسية والقضائية والوزارية. لذلك حقوق المرأة في الأسرة لم تتبدل كثيرا إذ أنها لا تزال تعد وسيلة للمتعة والإنتاج و لا تزال تضرب وتهان إضافة إلى أن قاعدة مبدأ تعدد الزوجات غير محظورة إلا في تونس وهذا المنع القانوني لم يفرض بعد في بقية الأقطار العربية و لا يزال الرجل متمتعا بحقه المطلق في الطلاق أي إن الوطن العربي لم يشهد تشريعا جديدا لأوضاع المرأة. كما أن الدساتير والتشريعات العربية اكتسبت اللمسات الديمقراطية والليبرالية في بعض موادها اكتسابا وليس نتيجة تطور ذاتي داخلي للعلاقات الاجتماعية مما جعل الالتزام بتلك الدساتير أمرا شكليا وينطبق هذا على قضية حقوق المرأة مثلا بالأقطار العربية تبنت في غالبيتها ما جاء في مواثيق الأمم المتحدة (الإعلان العالمي الصادر في عام 1967 م للقضاء على التمييز ضد المرأة) وضمنته التشريعات المختلفة ومع ذلك بقيت الفجوة كبيرة بين الواقع والمعلن والأكثر من ذلك جاء بعض دساتير الدول العربية يمنع تقلد المرأة مناصب قضائية أو سياسية.
إن وضع المرأة العربية يطرح نفسه كمشكلة إنسانية والإشكال الأنوثي المطروح في عصرنا يدور جوهريا حول أشكال ومضامين العلاقة بين الرجل والمرأة فهذه العلاقة المحتومة بيولوجيا ليست كذلك اجتماعيا وثقافيا بل هي قابلة للتغيير والتطوير وأن إبقاء المرأة في حالة العلاقة الطبيعية دون السماح لها بالارتقاء مع شريكها إلى حال العلاقة الثقافية والاجتماعية يؤدي إلى تقهقر اجتماعي .