هل الصراع جسدي أم طبقي؟



مكارم ابراهيم
2011 / 11 / 22

كثير من القراء العرب أيدوا موقف الفتاة الصغيرة المصرية علياء المهدي عندما تعرت على الانترنيت واعتبروا تعريها ثورة ضد االكبت الجنسي والكبت الاجتماعي واحتجاج على القيم الشرقية الدينية لكونها تعيش في مجتمع عربي إسلامي متزمت بقيود دينية قاسية تفرض على المراة لبس الحجاب او النقاب او التستر بملابس بحيث لاتظهر اجزاء ا واضحة من جسدها.
ويحرم عليها ايضا اقامة علاقات جنسية خارج اطارالزواج الشرعي .
والمؤيدون لسلوك الفتاة علياء المهدي يستندون على حجة انها استخدمت جسدها العاري بالذات كمادة في احتجاجها على القيم الاجتماعية باعتبارها نفس المادة التي يستخدمها رجال الدين في قمع المراة المسلمة من خلال فرض الحجاب او النقاب او تغطية الجسد.
ولكن هذه الحجة غير قوية لانه اذا افترضنا ان علياء امراة تريد ان تقود ثورة نسائية ضد الكبت الجنسي وضد فرض التستر كالحجاب والنقاب في مجتمعها الشرقي المحافظ فلماذا تستخدم صور عديدة مختلفة مع رجل في اوضاع مثيرة لماذا لم تستخدم جسدها بشكل شعار او رمز بصورة واحدة كما تستخدم الاحزاب شعار سياسي واحد او رمز معين يطرح فيه فكره ؟
بالتاكيد ان علياء المهدي فتاة صغيرة حسب قياساتنا العصرية وانا استغرب بالفعل لسلوك بعض اللادينين الذين يصفقون لتعري علياء امام العالم وعلاقتها مع رجل اكبر منها في السن وفي نفس الوقت يدينون علاقة زوجية بين فتاة صغيرة اسمها عائشة مع نبي المسلمين محمد قبل 1400 عاما مضت فاي تناقضات اخلاقية هذه .
شخصيا اعتقد ان المسالة لاتتجاوز اكثر من كون الفتاة علياء فتاة مراهقة صغيرة ارادت اغاضة امها او ابيها اسرتها او زميلاتها فقامت بالتعري لان هذا السلوك طبيعي جدا من قبل المراهقين ولوكانت علياء امراة بالغة واستخدمت صورة رمزية واحدة فقط وليس عدة صورة في مواضع مثيرة مع رجل لكان تحليلي يختلف تماما وكنت اعتبرتها حينها احتجاجا على الكبت الجنسي والاجتماعي في المجتمع المغلق.
ولكن دعونا نترك الطفلة علياء المهدي ونذهب الى المراة الدنماركية التي تعيش في مجتمع اسكندنافي متفتح متطور وتقدمي وكما يقال عنه ايضا بانه مجتمع ديمقراطي علماني متحرر حققت فيه المراة حريتها ومساواتها مع الرجل.
فالمراة الدنماركية استخدمت ايضا جسدها في التعبير عن احتجاجها ضد المجتمع وضد الرجال رغم ان المراة الدنماركية لم يفرض عليها يوما من الايام لبس الحجاب او النقاب او التستر بل على العكس فالمراة الدنماركية يمكن لها ان تستلقي في اي حديقة عامة وتكون عارية لتاخذ حمام شمسي اثناء شهر مايو وتموز لتعطي لجسدها لون برونزي وحتى انها احيانا اذا استصعبت الذهاب للحدائق العامة او لساحل البحر فتجدها تتعرى في حديقة البناية التي تسكن فيها بحيث انك بمجرد ان تفتح شباك المطبخ ترى امامك امراة عارية في حدية البناية .

ولكن مع ان المراة الدنماركية التي لم يقمع جسدها بالحجاب والنقاب والتسترويمكنها ان تكون عارية في اي وقت تشاء, الا انها لم تحقق المساواة المطلوبه مع الرجل الدنماركي فمازال الرجل الدنماركي حتى هذه اللحظة ياخذ راتبا اكثر من المراة الدنماركية على الرغم من امتلاكهم على نفس الكفاءات العلمية كما انه في هذا العام ولاول مرة استطاعت المراة الدنماركية أن تصل الى منصب رئيسة الوزراء بعد مئة عام من حصولها على حق المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات وعلى مرور عقود طويلة على خروجها عارية في مظاهرات احتجاجية.

اذا فكما نلاحظ فان موضوع قمع الجسد بالحجاب والنقاب والتستر لايمكن ان نبني عليه حجة وسبب للاحتجاج والمطالبة بالتحرر فمسالة تحرر المراة اذن لاعلاقة لها بالجسد بل تتعدى ذلك العنصر وهذا مايتجاهله الكثيرون وحتى الوطنيون والنساء للاسف الشديد .
فتحرر المراة لايرتبط بتعري الجسد او تحرر الجسد , لان المراة تعاني مثل الرجل تماما من الاضطهاد الطبقي الذي يفرضه النظام الحاكم والاثرياء واللصوص فالتحرر للرجل والمراة لايجب ان ينطلق من الجسد بل يجب ان ينطلق من الفكر والوعي ومن منطلق الاضطهاد الاقتصادي هذا هو الاضطهاد الفعلي الذي يعاني منه الرجل والمراة في المجتمع الاسلامي او العربي وحى في المجتمع الغربي والاوروبي والامريكي.

ولو لاحظنا الاحتجاجات في اوروبا والولايات المتحدة الامريكية لم يكن سببها القمع الجسدي فالنساء في الغرب لايفرض عليهن الحجاب و النقاب ولم تكن الاحتجاجات من اجل الحصول على اقتراع ديمقراطي لان الحكومات في الغرب تتغير كل اربع سنوات الاحتجاجات كانت بسبب القمع الاقتصادي الفقر والبطالة. ونفس الاسباب كانت الاحتجاجات في تونس ومصر.

فالمشكلة التي تعاني منها جميع المجتمعات تمثلت في المطالبة بالتحررالاقتصادي اي الصراع كان ضد النظام الراسمالي والبنوك الذين يسرقون جهد الكادح وجهد الانسان البسيط . الاطفال في افريقيا يباعون في حقول الكاكاو ويعملون كالعبيد ويستغلون ماديا وجسديا ويغتصبون مقابل ان يصنعوا لنا نحن المترفين قطعة الشوكولا.
ان علياء المهدي ومؤيديها ضحية الاعلام الذي يسوقهم ببرامج تافهة ويبعدهم عن الصراع الحقيقي وعن جوهر التحرر ويصور لهم بان تحررهن هو جسدي بالتعري ويصفق لهن وكانهن تحررن بالفعل وحصلن على حقوقهن كاملة .
علياء المهدي بتعريها على الانترنيت لن تحقق شيئا من الحرية ولا المساواة مع الرجل.
فبتعريها لن تاخذ راتبا يساوي راتب الرجل حتى لو كانت لها نفس كفاءاته .
وبتعريها تحتاج الى عمر اطول من عمرها كي تحصل على منصب رئيسة لمصر.
فالصراع مع انظمتنا ليس هو صراع جسدي بل هو صراع طبقي وهذا مادفع الشباب في تونس ومصر وفي وول ستريت وانكلترا واليونان والبرتغال الى الثورة والاحتجاج .

أن الاعلام الذي تتحكم به حكوماتنا زرع فينا الانحطاط الاخلاقي افقدنا بوصلة البصيرة وجعلنا نسلك الطريق الخاطئ للحرية فبدلا من ان نسلك طريق اسقاط انظمتنا الحاكمة نسلك طريق التعري على الانترنيت ونتصور ان مشكلتنا وفقرنا وبطالتنا وجوعنا وبيع اطفالنا ونسائنا في سوق البغاء العالمية هي مشكلة جسدية سببها تغطية الجسد بقطعة قماش, كلا مشكلتنا ليست بتغطية الجسد او تعريه, مشكلتنا هي الصراع الطبقي الصراع مع انظمتنا المافيوية التي تسرق ثروات ارضنا وتبيعها .

ولكي تحصل علياءعلى حريتها الحقيقية وعلى مساواتها مع الرجل عليها المشاركة الثورية النضالية مع اخيها الرجل وتنظر له كانسان وليس كذكر وتنظر لنفسها كانسان وليس كانثى لها اعضاء تناسلية مختلفة عن اخيها الذكر.
علينا ان نستفيق من هذا التخدير الاعلامي الراسمالي الذي يفرض علينا من قبل انظمتنا الرجعية فالحرية الحقيقية تاتي بخلع رداء الاستعباد االاعلامي لضمائرنا والاستعباد الاقتصادي لعملنا وليس بخلع رداء عادي عن اجسادنا .
مكارم ابراهيم