وفي ميدان التحرير الحُرة تُضرب



عمار مها حسامو
2011 / 11 / 27

يأكل الإنسان ليعيش تحت تأثير خلاياه الجسمية و جهازه العصبي وليس رغبة بالأكل ، ويشرب تحت ذاك التأثير أيضاً ويتغوّط ليس رغبة بالتغوط بل إنها حاجة تقع تحت تأثير الأعصاب والعضلات .
وكذلك الجنس ... تنمو أعضائنا الجنسية التي اعتدنا على إخفائها منذ الطفولة وتبدأ تلك الأعضاء بالعمل والقدرة على الإستجابة في مطلع الشباب مع نمو الغدد المسؤولة عن ذلك ومباشرتها بإفراز الهرمونات الجنسية .
تبقى تلك الهرمونات الفعّالة حبيسة الجسد إلى الزواج فالممارسة دونه من المحرمات .
يحتل الجنس " الموضوع الجنسي " المرتبة الأولى في القُدسية والتحريم عند المجتمعات الشرقية و يليه التطاول على الآله وفكرة الخلق .
لا حديث عن الجنس ولا معلومات عنه في إطار المدارس أو غير ذلك ومن المعيب جداً ممارسته دون الزواج ويفرض عليك إخفاء أعضائك الجنسية منذ بدايات الطفولة الأولى بعد أن شاهدها " والديك ، طبيبك والدّاية " وبعد ذلك فمشاهدة أعضائك حصراً لطبيبك ، زوجك و أنت أيضاً .
المُدوِنة علياء ماجدة مهدي فتاة مصرية ذات العشرين عاماً طالبة في الجامعة الأميركية في القاهرة - قسم الإعلام - تعشق الفن والتصوير نشرت صورتها وهي عارية على التويتر فما لبث أن تحول عدد مشتركيها في التويتر من عدّة مئات إلى أربعة عشر ألفاً وأغلبهم من الذكور .
مصر الثورة التي فاجئت الجميع بثورتها ضد نظام محمد حسني مبارك فاجئتنا مقدماً بما يحدث من تحقير للمرأة المتجلي في الإنتخابات النيابية كالإستعاضة بصورة زوج المُرشحة أو بالوردة عن صورة المُرشحة ذاتها فهي عورة ، و في المؤتمر النسائي الأول لحزب النور والذي رُفِع فيه عنوان " دور المرأة المصرية في الحياة السياسية " المنعقد في السادس عشر من شهر تشرين الأول 2011 في الإسكندرية حيث كانت تخلو المِنصَّة من أنثى وفيما عبّر الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السّلفية في مصر أنه لا يجوز للمرأة أن تكون نائبة في البرلمان لأنه نوع من أنواع الولاية لكنه قد فُرض علينا و لن نترك 65 % من مقاعد البرلمان لغير الإسلاميين ، كذلك علياء فاجئت الجميع بنشر صورها وهي تُعبّر عن جسدها و أن لها كامل الحق في أن تتباهى به فلك الحرية الكامة أن ترى صورها العارية ولك الحرية أن ترفض أيضاً .
علياء ثارت على العادات والتقاليد البالية التي رافقتنا منذ النفس الأول .
فإذا كان المولود ذكراً عُريَّ من ملابسه وبدأ الأهل والأقارب بإلتقاط الصور له وهم فرحين بمشاهدة عضوه الذكري الصغير وإن كان المولود أنثى لُبِّست كامل ملابسها لتذهب إلى الطبيبة كي تثقب لها أذنتيها لترتدي الأقراط .
علياء أثبتت للجميع أنها إنسانة حُرة وليست بعورة تُقتل برصاص أبيها ، زوجها أوحتى أخيها إذا شكَّ فيها ، تُطلّق متى شاء زوجها ، يهجرها متى يشاء ، يضربها ، تُباع بصفقة تجارية من الطِراز الرّفيع مقابل مبلغ من المال تحت اسم مهذب " الصِّداق " ، يخونها زوجها مرّة ومرّتين وثلاث وبكامل الشّرعية ، تُمنع من قيادة السيارة ، لا يجوز لها تولي منصِب سياسي أو قضائي ، شهادتها بشهادة نصف ذكر ، مرتبها الشهري أقل من مرتب الذكر الذي تساوى معها بالوظيفة والخبرة ، معيار شرفها عبارة عن عدّة خلايا حيوية .... علياء إنسانة حُرة أرادت أن تعيش كإنسانة وليس كعورة تُدعى بـ " الحُرمة " .
في الخمسينيات من القرن المنصرم خرجت مجموعة من النسوة في الدِنمارك بمظاهرة نسائية عارية ، يُطالبنَّ فيها بالمساواة مع الذكر في المُرّتب ، التّرشح ، التصويت والإنتخابات .
الفكرة ليست بالتعري فالمرأة الدِنماركية بإمكانها أن تكون عارية متى شاءت لكنها أرادت أن تقوم بإيصال رسالة إلى المجتمع أنها حُرة ولها ما للذكر من حقوق وبذلك فقد وصلت المرأة الدِنماركية لرئاسة مجلس الوزراء لأول مرة بعد مرور عقود طويلة على خروجها عارية .
ما قامت به علياء لم يكن عبارة عن مراهقة جنسية أوثورة جنسية فهي لم تثور لأنها أنثى تمتلك عضو تناسلي أنثوي بل أنها أطلقت العنان لثورة فصورتها لم تكن عبارة عن صورة جنسية تُدرج تحت عنوان " + 18 " كانت رسالة ثوريّة على العادات و التقاليد البالية ، ثورة ضد مفاهيم الشرقية ، ثورة على مفهمومي العيب والحرام ، فصورتها كانت كعود الثِقاب الذي أطلقه محمد البوعزيزي في ثوراته .
ردّة فعل المجتمع المتطرفة متوقعة جداً فهناك من دعا لرجمها وهناك من تعاطف وتعرى متضامناً معها ، وهناك أيضاً على صفحات الفيسبوك من أسس لصفحة " كلنا علياء المهدي " و ثانية " الشعب يريد إعدام علياء المهدي " وكم تزعجني الثانية ، وتقدّمت الكاتبة نفيسة عبد الفتاح عضو اتحاد كتاب مصر ببلاغين للنائب العام ضد علياء مهدي وبذريعة أنها تخدُش الحياء العام والمجاهرة بالفسق و نشر الفاحشة إبّان نشرها لصورها وهي عارية ، وكذلك قدّم الإئتلاف العام لخريجي الشّريعة والحقوق في مصر بلاغ آخر للنائب العام يطالب بإقامة الحد الشرعي على علياء كي تمسي عبرة للآخرين وسعياً من الإئتلاف بالمحافظة على صورة الثورة ، احرقوا أجسادكم إن كنتم تحتقروها .
علياء لم تذهب إلى فراشك ولم تأتيك بعد منتصف الليل لتنزع من يديك تلك المجلة التي تخفيها تحت الوسادة ، فهي لم تغتصبكَ ... فلِمَ إذاً هذا التهجم .
الحرية لا تُوهب لكنها تُنتزع ، علياء ماجدة مهدي الثّائرة السِّلمية ، ثارت دون عنف و في ميدان التّحرير " ميدان الحُريّة " الحُرة تُضرب .