عن عليا المهدي و عرينا



مازن كم الماز
2011 / 11 / 27

- لا أعتقد أن الوصف الصحيح لما أحاول أن أفعله هنا هو أن أدافع عن عليا , هذا غير صحيح و غير ممكن , بينما يسرح قتلة الشباب المصري و السوري و اليمني و يتمتعون بما نهبوه منهم و بينما تمتلئ كتب "التاريخ" بأمثال هؤلاء أيضا على أنهم "أبطال" أو أوصاف من هذا القبيل , فإن عليا بكل تأكيد لا تحتاج لأي دفاع , على من يبحثون عن مجرمين بحق أنفسهم و بحق البشرية عليهم أن يفعلوا ذلك بعيدا عنها , بعيدا جدا
- أحاول أيضا أن ألتقط بدقة رسالة عليا , لا يحق لأحد أن يشوه ما أرادت أن تقوله , هل هو عمل يائس , محبط , أم عمل يدل على الحس المرهف , صحيح أن شخص واحد لا يمكنه أن يقوم بثورة , لكن يمكنه أن يجبرنا على أن نقف أمام المرآة كي نرى حقيقتنا , ما فعلته عليا هو أنها عرتنا تماما من أقنعتنا , عرتنا كأطفال أمام أنفسنا , وحدها العيون العمياء لا يمكنها اليوم أن ترى
- لم أكن قادرا من قبل على تخيل القبح و البذاءة و الإسفاف الذي قد يبلغه أشخاص يدعون أنهم "مؤمنون" , "أخلاقيون" , الخ و يتهمون غيرهم بالقبح و البذاءة , على الرغم من كل شيء , كانت صدمتي كبيرة في أن أسمعهم يرددون تلك البذاءات بهذه الحماسة دون أن يشعروا بأنفسهم , هل هو انفجار ارتكاسي انعكاسي لكل مخزون القمع تجاه الذات و الجسد و إنكار الأنا و التماهي بالأنا الأعلى للجلاد تجاوز قدرة الوعي "الرسمي" عند هؤلاء على كبح كل ما في ذلك المخزون القمعي الذي انفجر فجأة من بذاءة و إسفاف تناقض الوصفة الأخلاقية التي يدعي ذلك الوعي و تلك الأنا الأعلى المتحكمة به أنه "متفوق" على الآخرين و يملك الحق بمحاسبتهم و قمعهم بسببها , لقد كشف جسد عليا كم أن هذا الوعي و أناه العليا منحطة أخلاقيا , منحطة في كل ما يخص الإنسان , الفظيع اعتبار ذلك القبح الاستثنائي في فحشه و بذاءته دليلا و برهانا على "أخلاقهم" و "انعدام أخلاق" عليا , هل هناك أخلاق أكثر فجورا من هذا , كلمة لكل من تلذذ بأن يظهر قبحه الداخلي في مواجهة عليا , بقدر ما أكره عبوديتكم , لا يمكنني إلا أن أعشق الإنسان فيكم , أرجوكم لا تقتلوا هذا الإنسان داخلكم و داخل أي شخص آخر
- ما زلت أحاول أن أفهم كيف يعطي أي إنسان لنفسه الحق في إهانة إنسان آخر بهذه السفالة و الوضاعة , لنفهم القضية يجب القول أولا أن كل من أهان عليا كان يتقمص في تلك اللحظة أحط الأشخاص في تاريخ البشرية , الحجاج , قراقوش , "قضاة" محاكم التفتيش , كل محاكم التفتيش على امتداد التاريخ الإنساني , و سائر الجلادين و القتلة , لأنه في مجموعة البشر الأحرار و المتساوين لا يهين الإنسان أخاه الإنسان , في مجموعة البشر الأحرار و المتساوين الجميع يعامل كل شخص آخر على أنه إنسان ند له , حر مثله و يساويه , كرامة كل إنسان و حريته في مجموعة البشر الأحرار و المتساوين هي من كرامة و حرية أي إنسان آخر في هذه المجموعة , و الجميع , الجميع دون أي استثناء , هو و بشكل طوعي تحت سيف النقد الحر العقلاني للآخر أيا يكن هذا الآخر , هذا كما أزعم هو تعريف مجموعة البشر الأحرار و المتساوين , من أهان عليا كان يهين إنسانيته أولا , من أهان عليا كان يتلذذ بعبوديته و يهين و يسخر من كرامته و حريته و كينونته هو كإنسان , كان يفعل ذلك كعبد لقوة يتماهى في هذه الحالة بساديتها المعادية له كما لكل إنسان
- لنفهم القضية بشكل أفضل إليكم هذا المثال - لنفترض أنني عضو في مجموعة من 100 إنسان , و أن واحدا من أفراد هذه المجموعة قال لل 98 الآخرين أن يشتموني أو حتى أن يقتلوني لأني لم ألتزم برأي ذلك الشخص أو عارضته حتى , أي لأني أشكل كما يقول ذلك الفرد "خطرا" على المجموعة ككل , تصوروا هذه التفاهة – أن أكون خطرا على ال 99 الباقين , لكن لنكون منصفين , فإن ثورتي و تمردي و رفضي لآراء ذلك الفرد الذي يتحكم بالمجموعة خطر حقيقي على هيمنته على أفرادها , لا أفهم أية أخلاق تلك التي تحتاج لتغطي وجه المرأة أو جسدها طول الوقت و أي "أخلاقيون" أولئك الذين ينسون أخلاقهم عند أول وجه امرأة يرونه "و فوق هذا يسمحون بتنصيب أنفسهم قضاة على غيرهم لأنهم أخلاقيون لهذه الدرجة" , و أي إيمان هذا الذي لا يصمد أمام خصلة من شعر امرأة , و أي إله أو جحيم يتوعد به البشر لا يكفي لردع المؤمنين به من غواية جسد عار يتمايل أمامهم , و أية جنة يستحقها هؤلاء المؤمنين إذا كانوا أصلا يساقون بالعصا ليؤمنوا و يصلوا و يصوموا , طبعا ليس من دون مقابل "فعليهم أن يطعموا الأنبياء و القديسين و رجال الدين و السلاطين و الطغاة و الرأسماليين أو الإقطاعيين أو ملاك العبيد الذين اختارهم إلههم ليأكلوا ما ينتجه هؤلاء المؤمنين في هذه الحياة الدنيا الفانية في مقابل أن يقوم إله هؤلاء الأنبياء و القديسين بإطعامهم بعد أن يموتوا" , يذكرني هذا بالتهمة الأكثر تفضيلا لنظام بشار الأسد , "إضعاف الروح الوطنية" , أي وطن هذا و أي روح وطنية تلك التي يكفي لإضعافها أن يقول شخص أو عدة أشخاص أنه يشعر و كأنه يعيش في الجحيم و ليس في وطنه بينما "الملايين" تهتف في الساحات بحياة الديكتاتور حتى لو كان ذلك يعني موتها و جوعها و عريها , مثل هذا الوطن هو بكل تأكيد , الذي هو في الواقع وطن ذلك الديكتاتور و جنته بينما هو جحيم كل ضحايا ذلك الديكتاتور , لا يستحق في المقام الأول أن يسموه وطنهم إلا على سبيل الهراء , المحامية التي تقدمت بشكوى ضد عليا قالت أنها تزدري الأديان لأنها لا تؤمن بالحياة بعد الموت , أي إيمان هذا الذي يمكن فرضه على البشر بقرار من المحكمة , مثل ذلك تماما ما يسمى ب "التحريض على الفسق" , "التحريض على الزندقة" , أي أخلاق و أي إيمان ذاك الذي لا يستطيع أن يحتمل سماع أي نقد مهما كان تافها أو جديا , أي إله ذلك الذي يشبه طاغية مجرم كبشار الأسد , تلك الأخلاق هي أخلاق العبيد , ذلك الإيمان ليس إلا "إيماننا" بأننا عبيد ,
- ننتقل الآن إلى النقطة الثانية المهمة جدا التي يكرهنا لأجلها ذلك الفرد الذي يتحكم بال 98 % من مجموع البشر الذين نعيش بينهم , أسأل كل من تقمص شخصية قضاة محاكم التفتيش و نصب نفسه قاضيا على علياء , هل أنت مستعد لتدين و ترفض و تناضل ضد القتل من أي طرف مورس و أيا تكن الجهة التي تأمر به , هل أنت جاهز لترفض القهر , القمع , الظلم , الاغتصاب , السرقة , الاستغلال , أيا يكن من مارسها و يمارسها , أيا كان من يبررها , الجواب بسيط جدا للأسف , فأخلاق العبيد التي "تدين" ما فعلته علياء و التي تفرض علينا من خلال تدريب و تقديس يومي لا تتناقض أبدا مع القتل و الظلم و الاغتصاب و الاستغلال ما دام وقع على "بشر" مثلنا , هذه الأخلاق ليست أكثر من تدريب على الخنوع , لكن من يحاول أن يبرر الاستغلال و القهر و الظلم و الإكراه ضد أي إنسان فإنه في الواقع يبرر ممارسة كل ذلك عليه هو شخصيا , إن هذا الاستسلام و الخنوع الصامت المفروض بسياط رجال الدين و الشرطة و البلطجية و الشبيحة هو في الواقع صك عبوديتنا و انتهاك حريتنا و إنسانيتنا قبل أن يكون انتهاكا لحرية و إنسانية تلك القلة المتمردة على ال 1 % التي تملك كل شيء حولنا و تحكمنا و تفرض علينا بماذا نؤمن و تفرض علينا أن نقتلع أية وسوسات قد تراودنا للحرية , للتفكير بحرية أو حتى محاولة أن نفهم و نرى ما يحدث لنا و حقيقة ما يقوله هؤلاء , هذه الأخلاق ليست فقط تدريبا مستمرا على ألا نعامل الآخرين كبشر , بل أيضا تدريب ناجح غالبا للأسف لأن نتنازل عن إنسانيتنا , من أهان علياء فقد أهان إنسانيته , من دعا "لمعاقبة" علياء فإنه في الواقع يقتل إنسانيته , من ينكر على الآخرين حريتهم إما أن يكون ديكتاتورا أو بلطحي لديكتاتور أو عبدا خانعا لذلك الديكتاتور , من ينكر على الآخرين حريتهم , أقصد من العبيد , فإنه ينكر و ينفي حريته هو و حتى أمله بأن يعيش حرا ذات يوم , لنفهم أكثر حياة البشر في مجموعة من البشر الأحرار و المتساوين يمكن أن نأخذ النبي محمد كمثال هنا , عندما "ثار" الشارع المسلم "مدافعا" عن النبي محمد لم يفعل ذلك لأنه إنسان , أو لأنه أحد أفراد البشرية التي يفترض أنها تتشكل من عدد لا نهاية له من بشر أحرار و متساوين , لم يفعلوا ذلك لأن كرامته قد انتهكت كإنسان , بل فعلوا ذلك لأنه فوق البشر الآخرين , لأنه "مقدس" , لأنه "مقدسهم" الذي فتحوا عيونهم و تدربوا على تقديسه , و كذلك أيضا فعل من أراد أن يهين محمد يومها , لنفس السبب تماما , لأنه ليس "مقدسه" بالولادة و بالإرث , لا يستطيع أحد حتى اليوم , من بيننا , أن يناقش محمد من وجهة نظر إنسانية بحتة , هل أمر أو مارس هو شخصيا القتل , الإكراه , السرقة , الاغتصاب , الخ , ضد بشر آخرين , "مسلمين" أو غير مسلمين , الأمر الذي كان يفترض , لو كنا جماعة من البشر الأحرار و المتساوين , أن نفعله في حالة علياء أيضا , البعض رد قائلا , لماذا لا تأمروا "نساءكم" , زوجاتكم و بناتكم و أمهاتكم بالتعري أيضا تضامنا مع عليا , "نساءكم" , لا يمكن للمرأة أن توجد وفق هذا الرأي أو المنطق إلا كتابع , يخضع لغيره , كشيء مملوك لغيره , و هنا من المؤكد أن المالك "المنطقي" و "سليم العقل" لا يقبل أن يشاركه آخر في ما يملك , ذلك الجسد "ملك" و "حق" له وحده , لا يستطيع صاحب هذا الرأي أن يرى شكلا و معنى آخر للعلاقة بين البشر إلا الخضوع , و التبعية , علاقة سيد – عبد , لكن المرأة كما الرجل في مجموعة البشر الأحرار و المتساوين هي وحدها من تملك جسدها , أذكر هنا ذلك القول المأثور عن عمر بن الخطاب الذي استفزني لدرجة أنني أصبحت أعتبره شعاري في حياتي , و أرجو أن يبقى كذلك حتى مماتي , "متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" , لكن عمر بن الخطاب هذا هو نفسه الذي بينما كان "يتفقد" أحوال "رعيته" ذات ليلة سمع امرأة تنشد راغبة إما ببعض الخمر أو بحبيبها الوسيم , كان رد عمر بن الخطاب يومها "لا و الله و عمر حي" , ليقرر بعدها نفي حبيب تلك المرأة بعيدا , السؤال الذي يطرح نفسه هنا – من هو عمر ليقرر مصير حب هذين العاشقين , و أي معنى لما قاله أولا إذن , كم أود أن أؤذن في الناس – متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرار , لكن ليس على طريقة عمر بن الخطاب بالتأكيد
- لكننا مع ذلك حيوانات سيرك رائعة حقا , بعد أن كان صاحب السيرك يستخدم مخالبنا كي نقتل بعضنا بعضا و نريق دماء بعضنا البعض و لو حتى ليضحك هو فقط على مشهد اقتتالنا و موتنا الكوميدي بالنسبة له , ها نحن اليوم و قد استخدمنا تلك المخالب أخيرا لندافع عن أنفسنا ضده , لنريق دمه هو , ها هو ذا يقف حائرا يترنح من الجروح التي ألحقناها به , و يستغيث حتى بمهرجي هذا السيرك لكي يدافع عن نفسه و ربما لكي يعيدنا إلى داخل تلك الأقفاص البائسة , لكننا مع ذلك ما زلنا خائفين من السوط الذي يحمله , و ما زال خيالنا لا يمكنه تصور عالم حقيقي خارج تلك القضبان التي ولدنا و عشنا داخلها , مع ذلك هناك اليوم فرصة حقيقية لكي نحطم قيودنا , و نحطم تلك القضبان , و إلى الأبد بالفعل , هنا تساعدنا جرأة عليا و شجاعتها , علينا أن نطيح بكل تلك القيود , التي تكبلنا , تكبل عقولنا و أجسادنا و أرواحنا , لا يمكن للأسف الاحتفاظ ببعض منها , مهما كانت ,
- أنا شخصيا ذهبت إلى المرآة و نظرت فيها , لم يعجبني جسدي العاري كي أكون صريحا معكم لكني لم أعد أكرهه , أشعر براحة غريبة لأني في هذا العمر اكتشفت جسدي حقا , صدقوني لا ضير من النظر في المرآة , الناس الذين يريدون أن يعرفوا أنفسهم حقا , دون عقد أو تابوهات , ليس أمامهم إلا أن يفعلوا ذلك , شكرا عليا على هذه الفرصة لنفتح عيوننا أخيرا , إن الحقيقة هي مثل الجسد العاري , هذا الجسد العاري هو حقيقتنا , و لا يمكننا أبدا أن نهرب من هذه الحقيقة