سعاد عبد الرحيم:المراة التي نطقت وقالت(لا لحقوق المراة)



سيدة عشتار بن علي
2011 / 11 / 29

انصرف الاهتمام بالقضايا التي تهم الناس في التساوي على مستوى الكرامة والحقوق منذ1949حين انعقدت اول المؤتمرات الدولية التي دارت فكرتها حول ازالة جميع انواع التمييز بين البشر:بين العبيد والاحرار,بين النساء والرجال....وفي عام 1967بدات تصدر الاتفاقيات الدولية الصريحة الخاصة بحقوق المراة حيث اصدرت الامم المتحدة(اعلان القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المراة)الذي لم يكن الزاميا,لذلك لم يحظى بالترحيب من قبل الكثير من الدول وخاصة منها دول العالم النامي,مما جعل الامم المتحدة تعتمد عام 1975سنة دولية للمراة.....ثم استمرت اللقاءات والمؤتمرات وتتالت حتى كان مؤتمر بيكين 5+الذي عقد في صيف 2000تحت شعار(المراة عام2000=المساواة بين الجنسين والتنمية والسلام في القرن الحادي والعشرين).وقد دار مؤتمر بيكين حول ضرورة رفع التحفظات الموضوعة امام اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المراةCEDAWوالمصادقة عليها لما في بنودهامن مواد ذات اهداف انسانية ورامية الى احترام الانسان وحقوقه في شخص كائن عانى احقابا طويلة من الاضطهاد والوسم بالدونية ,وهو المراة
فكيف يمكن ان نعرف اتفاقية السيداو???
هي احدى الاتفاقات الدولية التي صادقت عليها الدول العربية بما فيها المغاربية,وتتالف من ثلاثين بند,اما عن محتوى هذه الاتفاقية التي صدرت سنة1979 فهي تدعو الى المساواة في الحقوق بين المراة والرجل,في جميع الميادين المدنية والسياسية والثقافية
وقد صادقت الدول العربية على هذه الاتفاقية مثل غيرها من الدول مع تقديم تحفظات على بعض البنود والمواد فماهي المواضع التي ابدت بعض الدول العربية والاسلامية تحفظاتها??
المادة9:تهم جنسية الاطفال وتدافع عن مبدا اكساب الابن جنسية الام
المادة 15:تهم المساواة بين الجنسين امام القانون مثل الحق في ابرام العقود
المادة16:تهم مبدا عدم التمييز فيما تنتظم به علاقات الزواج وقوانين الاسرة
فمواضيع التحفظات نجدها غالبا تشمل مواضيع حياتية راهنة يتعلق بعضها بتشريعات الاسرة,ومنها ما يتعلق بالحضانة والوصاية والولاية والقوامة والارث وجنسية الابناء وزواج الاطفال وتعدد الزوجات والحق في الطلاق والنفقة
لقد قامت الامم المتحدة بافراد اتفاقية السيداو للقضاء على جميع اشكال التمييز الذي يمارس على النساء بشكل واسع حتى انه اصبح يشكل انتهاكا لمبادئ المساواة في الحقوق والواجبات واحترام كرامة الانسان,وبعد ملاحظة ودراسات كثيرة لما يجري على ارض الواقع,وتفاعلت العديد من الدول العربية خاصة المغاربية منها مع ما ورد في هذه الاتفاقية فقامت كل من تونس والجزائر والمغرب بسحب تحفظاتها,اذ قام المغرب برفع كل تحفظاته على السيداو في10ديسمبر2008بمناسبة ذكرى الاعلان العالمي لحقوق الانسان الا ان الورقة المغربية مازالت قيد الاعداد ولم تتخذ بعد بعدها القانوني التوثيقي,اما بالنسبة لتونس فالامر مختلف لانها التزمت باتخاذ كل التدابير التشريعية والتنفيذية لالغاء كل اشكال التمييز ضد المراة وفق ما جاء في الاتفاقية
,رغم ان المصادقة على اتفاقية السيداو ورفع التحفظات عنها من قبل من قبل دول المغرب الاوسطMaghreb centralوالمغرب الكبيرle grand Maghrebيعتبر خطوة هامة نحو المسار التحديثي للمؤسسات والتشريعات الدولية والمحلية الا ان هذه الاتفاقية تتعرض هذه الايام لهجمة ترى في حصول المراة على حقوقها خطرا يهدد قيم المجتمع
كيف???
تصريحات سعاد عبد الرحيم مرشحة حزب النهضة والمهيئة لرئاسة وزار المراة تطرح العديد من نقاط الاستفهام حيث تقول في تصريح نشرته قناة ابو ظبي الاولى:(حركة النهضة خطابها موحد من السبعينات الى الان,وقانونها الداخلي واحد)وهذا يتنافى مع ما اكده زعيم حزب النهضة في حديث صحفي استمع وشاهده كل التونسيين حيث قال ان برنامج النهضة برنامج قابل للتطور مستشهدا بالنموذج التركي للدولة الاسلامية,معلنا ان العلمانية لا تتعارض مع الدين,بل انه ذهب الى ابعد من ذلك حين قال فيما معناه:لو كان بورقيبة موجودا في وقتنا الحالي لما اختلفنا معه,فزعيم النهضة لم يتوانى عن التاكيد في عدة مناسبات قبل الانتخابات ان حزبه سيلتزم بمقومات المجتمع المدني,وان المكتسبات التي حققتها المراة التونسية ستكون في امان ولن يقع المساس بها,فالحراك السياسي والفكري والاجتماعي داخل البلاد والتطورات الدولية قادت هذه الحركة ذات التوجه الديني الى محاولة مسايرة حركة التاريخ ونبذ الجمود والثبات حتى انه اصبحت تدفع عن نفسها تهمة السعي الى مراجعة مكتسبات المراة التونسية ,معبرة عن تمسكها بها,معتبرة اياها جزءا من مكاسب الحداثة التونسية التي لا تتناقض مع مقومات الهوية العربية الاسلامية ,حتى اننا نذكر كيف انطلقت اعمال مشتركة في اطار هيئة18اكتوبر للحقوق والحريات بين معظم تيارات المعارضة بما فيها التيار الاسلامي( النهضة),وقد تم الاتفاق داخل هذه الهيئة على اطلاق حوار عام ومفتوح حول جملة من القضايا الخلافية قصد التوصل الى وضع عهد ديمقراطي يلتزم الجميع باحترامه,ومن بين هذه القضايا مسالة حقوق النساء,والمساواة بين الجنسين التي تمثل ركنا من اركان النظام الديمقراطي
فاين هذه الالتزامات والوعود من تصريحات مرشحة النهضة??!! فهي لم تتردد في القول بصريح العبارة وبثقة مالك القرار انه يجب الحد من حرية المراة التونسية
سيدتي الفاضلة الحرية حق انساني,وهبة الطبيعة للانسان الذي يناضل في سبيل الحفاظ عليها,ويضحي بالغالي والنفيس من الدم والروح من اجلها,فانى لك ان تقرري بكل برودة اعصاب سلب هذا الحق??الغريب هو صدور هذا الكلام عن امراة المفروض ان تكون معايشة وتحس بمعاناة بنات جنسها,لكن يبدو ان اغراء السلطة,وبريق الكرسي الوهاج يسلب العقول,ويقتل الاحساس
تقول السيدة الفاضلة:(اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المراة لا تمت بصلة الى عاداتنا وتقاليدنا بصلة)!!ما الذي يمت بصلة الى عاداتنا اذن?العبودية?!اضطهاد الفئات المستضعفة وتسليط السيف على رقابها??!
لا اعتقد ان هناك تعارض بين الحفاظ على الهوية والانتصار لحقوف النساء, الا في عقول الذين يعتقدون ان الهوية ظاهرة ثابتة وجامدة,لان التطور والحركة سنة طبيعية,ولا نهوض لامة او شعب جمدت هويتها وغرقت في الانغلاق رافضة اخضاع تراثها لمحك النقد الموضوعي والعلمي,فتحرر المراة والانسان بصفة عامة من الجرم اعتباره غريبا عن هويتنا,فالحرية وحقوق الانسان لا وطن ولا هوية لها,بل هي هبة الله والطبيعة لبني البشر
ما رايك في القيود المفروضة على النساء العربيات,في دول الخليج مثلا??هل تجدين في تلك المجتمعات مثلا اعلى يحتذى به في الرقي والفضيلة??!
بصفتي امراة تعيش وتعايش ما يجري داخل هذا الوطن الجريح,اريد ان ابسط القليل القليل من حقيقة وضع المراة التونسية,والتي تعتبر محظوظة وفق ما كانت تروجه سلطة بن علي السابقة,والتي اتخذت من ورقة المراة وسيلة لتلميع هذه السلطة,فما حقيقة وضع النساء في تونس??
ان اوضاع النساء التونسيات وخاصة منهن المنتميات الى الطبقات والفئات الشعبية وهن الاغلبية,سيئة على كافة المستويات رغم القوانين والتشريعات الرامية ظاهريا لتحسين هذه الاوضاع,فمشكلتها اقتصادية بالاساس وهذا ما ولد وضعا اجتماعيا مترديا,لان الفاقة والجوع يضطرانها الى خوض غمار الحرب مع الحياة في سبيل البقاء والاستمرار,وكلنا نعرف كيف ان الالاف من النساء يقتحمن المخاطر ,ويخرجن للعمل في سبيل الانفاق على عائلاتهن سواء كانت هذه المراة عازبة او متزوجة,فلا يجب تغطية الحقيقة والواقع لاظهار صورة شريفة للمجتمع التونسي:كم من فتاة بائسة تكابد الويلات وتعمل تحت طائلة الاستغلال لتوفر قوت عائلة كثيرا ما يكون اغلب افرادها من الرجال!!وكم من زوجة تخرج مع الفجر لتعود اخر النهار قصد توفير لقمة العيش لابناءها,فتجد زوجا نافشا ريشه,مطالبا بحقه في عرق جبينها,بل يعنفها ايضا,او يفقئ عينيها,وان لزم الامر يقتلها بكل برودة اعصاب!!,وليس هذا مغالاة,او تجن على الحقائق,فكثيرا ما كانت القنوات التونسية تعرض مثل هذه الماسي التي طالما عذبت نفوسنا متابعتها,فالواقع مرير ,والحقييقة قاسية
ان الفقر والوضع الاقتصادي المتردي هو المسؤول الحقيقي على الانحطاط القيمي والاخلاقي,وليست المراة,بل هي الضحية التي تتحمل الوزر الاكبر من بلاوي الواقع,فهي التي تقع تحت طائلة استغلال ارباب العمل فتعمل الساعات الطويلة بازهد الاجور,وهي التي تتحمل اعباء العمل المنزلي ,وتربية الاطفال,وهي التي تتعرض للامتهان النفسي والجسدي,وتتحمل اعباء ذلك بمفردها,فلئن جرم القانون الجزائي العنف الزوجي فهو لم يرتق الى اعتبار العنف المسلط على النساء داخل الاسرة ,وفي الفضاء العمومي ممارسة تمييزية وامتهانا لكرامة الانسان,كما ان القانون المتعلق بالتحرش الجنسي يتسم بعدم الدقة في تحديد هذه الجريمة وعدم الصرامة في عقابها,هذا بالاضافة الى التمييز في الاجور بين النساء والرجال,فالمراة في القطاع الخاص المتزايد حجمه باستمرار يتلقين ادنى الاجور,وحسب ارقام البنك الدولي فان معدل الاجر العام للنساء يقل عن معدل الاجر العام بنسبة14%وتصل هذه النسبة الى18%في القطاع الخاص,ولم توجد اي مساعي من الدولة لتحسين الاجور وظروف العمل في المهن التي تشغل غالبها النساء,بل ان الدولة والاعراف على حد سواء استغلوا الوضع الدوني للنساء لتكثيف استغلالهن,مما كان يجعلها لقمة سائغة لشتى انواع الامتهان,وما تلك المكاسب المزعومة للمراة التونسية الا واجهة انيقة كان الهدف منها تلميع صورة نظام الحكم امام الراي العام العالمي,فقد كانت في الغالب مجرد حبر على ورق,ذلك ان المطالبة بتلك الحقوق والذود عنها يتطلب الكثير من المصاريف والوقت والوعي لاثباتها,وهو ما لم تنعم به المراة التونسية التي بالكاد يكفي اجرها لسد رمقها ورمق عائلتها,كما ان الساعات الطويلة التي تقضيها في العمل تمنعها من السعي والحركة في سبيل تحصيل هذه الحقوق,هذا ان علمت بوجودها اساسا لان مطالب البطن لا تمنحها الفرصة في البحث والاطلاع عليها او مجرد معرفتها,لان نسبة الامية في اوساط الفقيرات والريفيات لا يستهان بها,فحسب احصاء لسنة2004بلغت الامية31%في صفوف الاناث مقابل14%في صفوف الذكور,ووصلت نسبة الامية في الوسط النسائي غير البلدي الى46,4%مقابل22,6%في الوسط النسائي البلدي
هذه هي اذن حقيقة وضع المراة التونسية,وهي بعيدة كما راينا عن شروط المساواة التامة بين الجنسين,وهو وضع يعكس النظام الاجتماعي القائم والذي يعيد بانتظام انتاج شروط اضطهاد النساء وخاصة الملايين منهن من بنات الطبقات والفئات الشعبية الفقيرة,فاين هي الحرية والمكتسبات التي تريد سعاد عبد الرحيم انتزاعها??الم يكن من الاجدر ان تنادي بالجدية في تطبيق تلك القوانين الحبرية الداعية لرفع كل اشكال التمييز ضد بنات جنسها??
اليس النظر الى بؤس الفئات الفقيرة والمهمشة في المجتمع التونسي هو الاجدر بالبحث والدراسة ومحاولة ايجاد الحلول عوضا عن ترديد خطابات جامدة لا تمت بصلة لتاريخية الانسان ولحركة التحول الاجتماعي??
اليس الالتفات الى ظاهرة البطالة ,والفقر الذي يغرق فيه افراد هذا الشعب هو ما يجب ان يكون عوضا عن تسليط الضوء على الانثى التي مثلت ولازالت عقدة مستعصية الحل في الاذهان المريضة??
انصرفوا سهوا او عمدا عن الوفاء بالوعود التي ادلوا بها في سبيل انتشال هذا الشعب من بؤسه وراحوا يبحثون عن كيفية حماية الشرف الذي اختزل في اجساد بائسة,فطفت على السطح اصوات الذين يحملون بدواخلهم امراض نفسية مستعصية,وانفجر المكبوت,وفاحت رائحة العفن المخزون منذ قرون,فهذا لا يريد ان يرى جنس الانثى وهو يدب على الارض الا وقدتحلى بالسواد من الراس الى القدمين,واخر يوافق بامتعاض المتسامحين على القبول بتعرية وجهها والمسامح كريم,واخر يريد ان يملك منهن مثنى وثلاث ورباع في كوخه الماجور,ليطعمهن ما تيسر من الكسيرة اليابسة والبقيلة الذاوية
ان مشاكل النساء ليست متاتية من حصولهن على بعض حقوقهن او من الحرية المزعومة التي حصلن عليها,بل من عدم استكمالهن لتلك الحقوق,اضافة الى غياب مناخ اقتصادي واجتماعي وثقافي وسياسي مناسب لتحررهن تحررا حقيقيا,ومن هذا المنطلق تطرح قضية المساواة بين الجنسين وقضية تحرير المراة كجزء لا يتجزا من عملية التغيير السياسي والاجتماعي في مجتمعنا,وبصورة اوضح وادق كجزء لا يتجزا من المسالة الديمقراطية,لان انتهاك حقوق المراة هو انتهاك لكرامة الانسانية,ولا يمكن التذرع باي خصوصية دينية او ثقافية او عرقية لتبرير اللامساواة بين الجنسين او بمعنى اصح اضطهاد الفئات المستضعفة من النساء,كما انه لا نهضة لمجتمع ولا تقدم له ونصفه مشلول,ولا ديمقراطية في غياب المساواة التامة بين افراد المجتمع,ومن لا قدرة له على الاقتناع بالمساواة بينه وبين الكائن الانساني الذي هو المراة لن يقدر حتما على الاقتناع بالمساواة في اي مجال من المجالات
ين متخوفين على حقوق المراة,وبين مطمئنين عليها امام ازدواجية خطاب السلطة الجديدة ماهو مصير التونسية??ما مصير حقوق الانسان??ما مصير الديمقراطية التي غرقت تونس بالدماء من اجلها??ننتظر.................