متلازمة العلاقة بين المرأة والرجل في العالم العربي



لينا جزراوي
2011 / 11 / 30

متلازمة العلاقة بين المرأة والرجل ،،،، في العالم العربي ،،،،
جلسة خاصة جدا ،،،،، تستحق أن تخرج للعلن.

في احدى نقاشاتنا الساخنة وجدالاتنا المفيدة مع نخبة من الرجال والنساء ،،، المثقفين والمثقفات ،،، بدأت أضع يدي على الجرح أو على موضع الألم بالنسبة لجدلية العلاقة بين المرأة والرجل في مجتمعات تقليدية ،،، كنا قد أتفقنا في بداية الحديث على أن نتحرر تماما من فكرة التقاليد ودور المرأة التقليدي والصورة النمطية المقبولة والمتوقعة لها من قبل الشريحة العريضة في المجتمعات العربية ،، ونشرح تماما موقع المرأة في المجتمع الآن ،،، وموقع الرجل في المجتمع الآن ،، وصورة العلاقة بينهما ،،،، وكنت مترددة بين أن أسمي المقالة "جدلية العلاقة بين المرأة والرجل ،،، أم رهاب العلاقة بين المرأة والرجل " لأصل الى نتيجة في نهاية الجلسة تثبت لي أن العنوان الأنسب للمقالة هو "متلازمة العلاقة بين المرأة والرجل في العالم العربي" .شيء يشبه متلازمة دارون ،،، أو أي حالة مرضية مازال الطب النفسي والعلم عاجز عن فك شيفراتها وفهمها تماما .
كل امرأة في الجلسة حملت في داخلها حلما وماض، وكل رجل تأهب واستعد لمعركة بدت لي لوهلة أنها ستكون حامية الوطيس ،،،،
بدأت النساء بالحديث عن الحلم وعن الماضي بتجرد حسب الاتفاق ،،،، وكل امرأة حملت فكرة وفردتها أمام الحاضرين بشفافية مطلقة ،،، وكانت تحمل في داخلها ثورة لأن ثمة أشياء تحتاجها وتجتاحها ، لم تتحقق ، كل امرأة كانت تتوق لاقناع من حولها بعقلها وعقلانيتها ، وبقدرتها على النجاح وعلى الخروج من عنق زجاجة المجتمع الضيقة لو أتيحت لها الفرصة ، تحدثنا عن الكاريزما الشخصية التي تشكل شخصية الرجل الشرقي ،، وشخصية الرجل الغربي ،، وكيف صيغت هذه القيم ؟؟؟؟ لتجعل الثاني ينظر للمرأة ويتعامل معها انطلاقا من عقلها ، فكرها ، وفهمها للواقع قبل هويتها الجنسية كأنثى ،،
بعكس النموذج الأول ، للرجل الشرقي الذي يعرفها انطلاقا من هويتها الجنسية،،، ثم يأتي العقل والفكر والفهم ،،، وقد لا يأتي أبدا،، ووافق الرجال .
قررت النساء أن تبدأن حصة التشريح ،،،،، تشريح واقع المرأة وربطه بالماضي وترسباته ،،،،
فعدنا بذاكرتنا للماضي ،،، لماض لم يكن فيه للمرأة أي فرصة للاختيار بل فرض على أغلب النساء أشكالا وصورا وأطرا تحدد مسيرة حياتها ومضمونها، كانت العفة والجمال والأخلاق أهم القيم الأنثوية ، فلا العلم ولا المعرفة ولا الشخصية ولا الارادة الذاتية كانت من أولويات القيم التي تسعى الأسرة والمجتمع لاضافتها للأنثى آنذاك ،،، الأولوية كانت لقيم تخدم الهدف الأسمى الذي يجب أن تنشأ عليه المرأة في شرق عربي تقليدي وهو الزواج والانجاب فقط.
انتقلنا للخوض في آليات اختيار الزوج وشريك الحياة ضحكنا كثيرا ونحن نتذكر أحلام الصبا والمراهقة ، ففارس الأحلام والذي سيقتحم حياة الأنثى ويطير بها الى حيث لا قيود ولا قوانين ولا محرمات ولا ممنوعات ، فهذه السلطة التي ستحررها من تلك السلطة،، وكان هذا هدف الزواج بالنسبة للفتاة ،، التخلص من سلطة للانتقال الى سلطة أخف وطأة ، لو أسعفها القدر في اختيارها ، وبضغط من المجتمع والعائلة اتفقنا ،، ووافقنا الرجال ،،،، أن كثيرا ما تلجأ الفتاة العربية ،،، الى الانقضاض على فرص الزواج المتاحة من أجل التمتع ببعض سلطة ولو أنها سلطة ديكورية وخجولة ولا تتجاوز مصروف البيت و صناعة جنتها الخاصة ،،، فنقل هذا الكرسي من هنا الى هناك ،، واختيار الألوان وترتيب المنزل ، هذا لو سلمنا بأنها امتلكت سلطة القرار فعلا دون تدخل الزوج وأهله ، فلهم الحق في ذلك باعتراف السلطة االمجتمعية الأبوية.
أما العلاقة العاطفية بين الجنسين فقد كان لها نصيب من جلستنا ،، حيث أجمعنا رجالا ونساءا ، بأنها ركيزة أساسية من ركائز الحياة الزوجية ،، فاناث ذلك الزمان لم يمتلكن أية معلومة ، أو يمتلكن الجرأة لاستقاء بعض المعلومات عن العلاقة بين الزوجين ،،، شكلها ،، طبيعتها ،، أهميتها ؟؟؟؟ كن يعرفن أن ثمة علاقة ما ستشكل عائلة ،، وثمة طفل سيأتي الى هذا العالم بعد الزواج ،، لكن لم توجه لمحاولة فهم آلية هذه العلاقة وارتباطها بالعاطفة من جهة وبالغريزة من جهة أخرى ،، فهي من المحظورات ،،،، محظور الاقتراب منها ،، مختومة بالشمع الأحمر، لذلك اتفقنا على اشتراك الأغلب رجالا ونساءا في أزمة عاطفية أطلقنا عليها اسم " أزمة الرغبة العاطفية " لكن تأثيرها على المرأة أكبر ، لأنها تسجنها داخل اطار الرصانة والفضيلة ، فتذهب الأنثى لبيت الزوج ،،، بيت الحرية المفترض ،،، تذهب لرجل مطلوب منه أن يدير دفة حياتها وتتأرجح معه يمينا ويسارا فان كان متدينا التزمت بتعاليم الدين وبدأت بعمليات التبشير والهداية ،، وان كان يساريا اقتنعت بنفس الفكر وبدأت تؤكد على مبادئه وقيمه باعتبارها منزلة من سماء ماركس ولينين ،، وان كان ليبراليا يؤمن بالسوق الحرة وبالانفتاح على اللآخر عامت على عومه وأصبحت الليبرالية رسالة سماوية تؤمن بها ، وتتبناها شكلا وسلوكا وهي بحسب ما نشأت عليه مسيرة لا مخيرة ،، وعليها أن تسجد شاكرة لهذا القدر اختياره و ممنونة لمنحه السخي .
لكن ثمة ربيع عربي ، مجتمعي ،،يبدو أنه لا يفرق بين امرأة ورجل وقد يحقق المساواة المنشودة ،،، فتستمد المرأة العربية هذه الأيام ، منه قوة وطاقة للمطالبة بنصيبها ،، والرجل الشرقي مثله مثل أي قائد عربي ،،، فالقيادة لا تفرق بين أن يكون قائد دولة أم قائد أسرة أم قائد مؤسسة ،،، في الشرق يستميت القائد في الدفاع عن سلطاته عندما تصفعه حقيقة تقول حان وقت الحرية ،،،،،،، أريد حريتي.
وقد بدأت معالم شخصية جديدة تلوح في الأفق لقد فرض على العالم العربي قيما جديدة ،، تسرب منها الكثير الى داخل مسام امرأة اليوم ،،، فهو خليط من فكر جديد وثقافة جديدة دفعتها الى طرح عدة تساؤلات لم تكن مشروعة في الماضي ،، لكنها شرعت اليوم ،،،تساؤلات حول العقل والتحليل والفهم ، العلاقات والرضا والتمرد والتغيير ،،،،والحرية ،،،،
فقيم الماضي لم تعد تناسب عقل امرأة اليوم،، ولم تعد تقنعه ،،،
قالت لي احدى المشاركات في الجلسة " أشعر بأن حياتي جافة بلا رشة فرح حقيقي ،،،أبحث عن مساحة تخفف عني متطلبات عائلتي التي تغرقني بالاكتئاب، ترى كيف هو مذاق الحرية؟ "
وأضافت أخرى " أصبح كل شيء آلي في حياتنا ،،، فهو يريدني آلة تعمل من دون تذمر ،، ما أن يضغط فيها زر التشغيل ، لنجد أنفسنا في النهاية وقد أطفأ الزواج كل شيء متقد في حياتنا ، فقد حولني هذا الضغط الى جسد بلا روح ،أعمل مثل رجل آلي بلا عواطف ، الى أن ينقضي العمر،،، وأنا أعيش منتظرة هذه النهاية لأنه يبدو لي أن هذه النهاية هي الراحة الوحيدة المتبقية أمامي ،،، في الدوامة التي أعيشها "
ووصلنا لنتيجة مفادها أن في حياة كل امرأة شرقية من ينصب نفسه وصيا عليها ،،، ذلك الذي يعرف مصلحتها أكثر منها لأنه الأكثر اضطلاعا وخبرة وحكمة ،،، وصاحب تجربة ،،،
ولذلك التسلط أيضا زمنا ورديا ،،، انتهى باعتقادي ،، فامرأة اليوم برغم كل ما تظهره من قبول ورضا ظاهري ،، الا أنها في داخلها بدأت تدرك ذلك الفخ الذي نصب لها ،، وبدأت شعاعات الفجر الأول تشرق في داخلها لتتساءل وتحلل وتطالب بحقوق لم تتجرأ على التفكير بها من قبل ،،، فكيف كان من الممكن أن تفكر بهذه الحقوق في ماض ، أقنعت فيه بأن هذا هو أفضل الموجود وأن المرأة في كل مكان من العالم ،،، تشبهها ،،
ان انتقال المرأة من سلطة الأب الى سلطة الأخ ،، ثم الى سلطة الزوج وأهله ، لم تعد تجدي مع امرأة اليوم ، لقد سقطت كل السلطات من عقلها سقوطا مريعا في ظل الانفتاح على الثقافات وتبادل التجارب المؤدية للحرية في العالم ، وفي ظل الربيع العربي تحديدا، ففي عرف المجتمع الحديث بات واضحا أن الحقوق تنتزع ولا تمنح وقد أدركت امرأة اليوم هذه الحقيقة ، فعندما تنتفض الشعوب مطالبة بحقوقها عليها أن تلتفت بأن المرأة العربية أيضا ستنتفض مطالبة بحقوقها ، واذا كان الرجل العربي قد ثار على جلاديه مطالبا بالتحرر ، فالمرأة العربية قد عانت من الاستعباد أضعاف الرجل ، مرة وهي داخل دولة الزوج ، ومرة هي والزوج ومؤسستهما داخل دولة النظم الشمولية ،، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا ينكر المجتمع العربي على المرأة حقها في أن تكون جزءا من المطالبين بالحقوق والحريات ،،، ويقاومها أو على الأقل يؤجلها ولا يعترف بها؟؟؟؟؟
قلنا في مجال المقارنة بين تربية الأنثى وتربية الذكر في مجتمعاتنا ،،
بأن الرجل بتربيته الحرة الطليقة ،، ينشأ واسع الاضطلاع ، ذو خبرة عريضة واتقان مبهر لفن العلاقات وفن النقاشات ويتمتع بمهارات الاتصال والتواصل ، وفن ادارة الحياة ، وهو لا يلتفت الى مشاعر الشريكة ولا يعير أهمية لما يدور في ذهنها من أفكارا وتوجسات وتغييرات لماذا ؟؟،، لأنه مع اتقانه لكل المهارات والفنون السابقة للاتصال والتواصل ، لا يمارس مهاراته هذه مع الشريكة ،،، يمارسها مع كل امرأة يقابلها أو يتعامل معها في حياته ، الا شريكة حياته ، فتضيق دائرة الفهم والحوار عندما يتعلق الأمر بدائرته الصغيرة ، لأنه يخشى أن يفقد مصادر قوته وامتيازاته ويفتح على نفسه بابا لا حاجة له به ،، ولسان حاله يقول ، طالما هي قانعة راضية منغمسة في هذا الدور فلا داع لأن تدرك أنها تفقد انسانيتها عندما تخفي وتعقلن مشاعرها ، لنصل الى نتيجة متفق عليها ، بأن المرأة الشرقية تعيش حياتين ،،،الأولى تكون فيها الصورة التي يريدها عليه المجتمع ،،، وتقبل به ،، تلعن الشيطان وتتذمر بداخلها ،،، وتقبل بالمتاح والمعروض على قلته ،،،، وحياة أخرى ،،، تكون فيها نفسها ،، كتابا مفتوحا تخاطب عقلها وجسدها وتحاورهم وتحاول أن تلحق مافاتها ومابقي لها لتحققه من أهداف وطموحات ،،، رغم أنف القيود.
فهي حتى اللحظة مازالت امرأة حكيمة ، عقلانية ، متوازنة ، وهي بهذا تتميز عن المرأة الغربية التي تجاوزت قضية التنازل والتضحية على حساب انسانيتها،،، لكن وعلى الرغم من هذه الصفات الا أن بوادر شخصية نسوية جديدة ستفرض نفسها على كل أنواع السلطات في مجتمعاتنا ،،، وعلى الرجل الشرقي كما على الدولة والمجتمع ، أن يعيدوا النظر في أمر حقوق النساء وتحقيق المساواة الكاملة الغير منقوصة ، فكل الاجراءات قابلة للتطبيق والحراك النسوي قد يأخذ صورا جديدة ستفاجىء العالم كما فاجأه الربيع العربي ،،، ثمة ربيع نسوي قريب جدا.

انتهت جلستنا ، بحالة من الحنق والامتعاض لدى مثقفينا من الرجال ، وحالة من الفرح والرضا لدى مثقفاتنا من النساء ، لنعترف أن ،،،،،،،،،
في داخل عقل كل رجل شرقي ، ولو كان مثقفا ،، رجلا،، وفي داخل عقل كل امرأة شرقية ، مجتمع.
وقررت أن أغير عنوان المقالة ،،، من جدلية العلاقة بين المرأة والرجل الى متلازمة العلاقة بين المرأة والرجل ،،، لأنها في الحقيقة علاقة مازال العلم عاجز عن سبر أغوارهاووضعها في الاطار الصحيح الذي يناسبها ،، الى أن نصل الى اطار يرضي جميع الأطراف .