تزوجتُ اثنتينِ لفرطِ جهلي



عادل بشير الصاري
2011 / 12 / 12

تتردد في بعض كتب الأدب والتاريخ أبيات من الشعر تنسب لأعرابي تزوج اثنتين متوهما أنه سينعم بحبهما وحنانهما ، وسيصير بينهما خروفا مدللاً ينعم بين أكرم نعجتين ، فإذا به بعد فترة يُفاجأ بأنه صار نعجة لا حول له ولا قوة بين أخبث ذئبتين بحسب قوله ، كلٌ منهما تريد الاستئثار به وتملَّكه ، فرضا إحداهن يهيج سخط الأخرى عليه ، وليله يمضيه في سماع العتاب واللوم من هذه وتلك .
قال الأعرابي :
تزوجتُ اثنتينِ لفـرطِ جـهلي بما يشـقى بـه زوجُ اثنـتيـنِ
فقلتُ أصـيرُ بينهما خـروفـاً فأنـعمُ بين أكـرمِ نعـجـتيـنِ
فصرتُ كنعجةٍ تُضحي وتُمـسي تداولُ بين أخـبـثِ ذئـبتـينِِ
رضا هـذي يهيِّج سخطُ هـذي فما أعرى من إحدى السخطتـينِِ
وألقى في المعيـشةِ كـلَّ ضُـرٍ كذاك الضـُرُّ بـين الضَّـَرتينِ
لهـذي لـيلـةٌ ولـتلك أخـرى عتـابٌ دائـمٌ فـي اللـيلتـينِ
فـإن أحبـبتَ أن تبـقى كـريماً من الخيراتِ ممـلوءَ الـيديـنِ
فعِـشْ عَـزِْباً فإنْ لم تسـتطعهُ فَضَرْباً في عِـراضِ الجحـفلـينِِْ
لقد خلُص الأعرابي من هذه التجربة الفاشلة إلى أن العزوبة أفضل من الزواج ، وفهم أن من أراد العيش الهنيء وراحة البال فلا يفكرنَّ في الزواج لا بواحدة ولا باثنتين ، وفي هذا مبالغة لا مبرر لها وخروج عن الحد المعقول ، ذلك أن خطأ هذا الأعرابي يكمن في جمعه بين زوجتين ، ولو انه اقتصد وحكَّم عقله فتزوج ـ كسائر خلق الله الطيبين البسطاء ـ بواحدة لما حدث له ما حدث .
وحكاية هذا الأعرابي تدفع المرء إلى التأمل والتفكر في قضية تعدد الزوجات التي تشيع في كثير من المجتمعات الإسلامية ، فأنا لستُ من الذين يؤمنون بإباحة تعدد الزوجات بإطلاق ، ولا أرى له مسوغا منطقيا سوى مرض أو عقم الزوجة الأولى ، وما عدا هذين المسوغين فليس فيه من حكمة وحسن تدبير، ذلك لأن العيش مع أكثر من امرأة هو لعمري ضرب من ضروب الانتحار ، ولن تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة إلاَّ وبالاً على العقل ، وإجهادا للقلب ، وإتلافا للأعصاب .
ولقد نظرتُ مليًّا في أحوال بعض المتزوجين بأكثر من زوجة فأيقنتُ أن الشهوة للنكاح هي الدافع الرئيس لهذا الأمر ، لكنهم لا يصرَّحون بذلك وإنما هم يبررون زيجاتهم بأسباب أكثرها واهٍ ، منها ذهاب نضارة الزوجة الأولى وذبول أنوثتها ، وعدم عنايتها بالزوج وحقوق الزوجية .
على أن من هؤلاء مّن يضفي على زيجاته طابعا دينيا وخلقيا ، فتراه يبررها للناس على أنها فعل من أفعال الخير والإحسان ، ومنَّة له على من تزوج بهن ، إذ لولاه لبقين عوانس أو سقطن في مهاوي الرذيلة ، ولله في خلقه شؤون وغرائب .