القوارير بين الرفق والقلوب المريضة



عباس ساجت الغزي
2011 / 12 / 17

القوارير بين الرفق والقلوب المريضة
حواء تلك القارورة الرقيقة التي خلقها الله شريكة ادم في الحياة وكانت لها نسبة النصف من الشراكة فقد رافقت ادم في السماء ساعة الخلق وتلقت معه التعليمات الربانية وتحملت عواقب الخطأ والعقاب الإلهي حين دلاهما الشيطان بغرور و أكلت مع ادم من الشجرة التي نهاهما الله عنها حين ناداهما بالشراكة الم أنهكما عن تلكما الشجرة .
وبانت لهما عوراتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة وكان العقاب بالتساوي بناء على نسبة الشراكة التي كانت بينهما ، فلم تك وحدها من تخفي عوراتها وكان ذلك مستهجَنًا في الطباع, مستقبَحًا في العقول.
وكانت عاقبة إتباعهم هوى النفس ووساوس الشيطان الذي زين لهما أعمالهما وأوهمهما بأنه ناصح لهما وان في هذه الشجرة سّر عظيم وهو الخلود لذا منعهم الله عنها وكان يجرهما إلى العصيان والرذيلة بغرور لأنه يعلم أن الله خلقهما بشفافية وطيب قلب وكيف لا وقد نفخ فيهما من روحه الطاهرة .
وأخرجهما الله من الجنّة النعيّم إلى الأرض الدنيا بعقابه اهبطوا بعضكم لبعض عدو وهنا أشار الله في كلمة بعضكم لبعض إلى نشوء الذرية منهما بعد أن تكون الأرض لهما المستقر والمتاع فيها ولكن الله حدد الفترة التي يقضونها هناك إلى حين يعني إلى انتهاء آجالكم .
ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم الله بإعمالكم في الحياة الدنيا فمن تاب وأصلح فان الجنّة بانتظاره ومن ظلم نفسه فانه من الخاسرين .
ومن تلك المقدمة نفهم أن الله خلقنا في الحياة الدنيا ليختبرنا أينا أحسن عمل لا لنطلق العنان لأنفسنا بارتكاب الفواحش والمحرمات والذنوب التي تبعدنا عن الرحمة الإلهية والمغفرة الربانية .
وما دعاني للخوض في هذه التذكرة هي القارورة الشريكة في الحياة وكما وصفها نبينا (ص) حين قال : ( رفقا بالقوارير ) فالمرأة نصف المجتمع فهي ألام والزوجة والأخت والبنت ولكل من تلك منزلة عظيمة عند الله قدرها لها لتنال بها درجة من العلو والكرامة .
لكنها اليوم في بعض المجتمعات تعاني من الاضطهاد والعنف والتهميش وغياب الحقوق وكبت الحريات في ظل مجتمع ذكوري أعطى لنفسه السلطة في التحكم وهو بذلك خالف تعاليم الشراكة منذ نشأة الخلق .
وبدأ يصادر كل حقوقها في الحياة بالقوة والإكراه متهما إياها بالضعف ونقص العقل رغم أنها تقضي أكثر احتياجاته بدلا عنه وتشير عليه في كثير من الأمور التي تحيره وتصعب عليه وتقوم برعاية أسرته التي يعجز عن تربية واحد من أبنائها وتدير شؤون المنزل وتوفر له الراحة بعد عناء .
وما يخصنا في القول المرأة المسلمة التي باتت في حيرة من أمرها بين التناقضات الشرعية والعرفية التي تسيدها الرجل من التعليمات إلى التنفيذ فالعقوبة فكان هو الخصم وهو الحكم وهو الجلاد .
فهو يضع التقاليد العرفية وهو من يجبر المرأة على الخروج عنها تنفيذ لرغباته ونزواته وشهواته ثم يعاقبها في مقام أخر كونها خرجت عن المألوف ويحكم عليها كونها ارتكبت محرم هو من دعاها إليه ترهيبا أو ترغيبا .
وبين سطوة الرجل وانقياده إلى غرائزه ومناصرة المجتمع له وبين غياب الوعي والوازع الديني عند البعض تعيش المرأة في ضياع وخوف من المجهول فهي أيضا محكومة بغرائز تغلب وتتمرد عليها في بعض الأحيان فتنساق إلى الرغبات وينتهي مصيرها إلى القتل وغسل العار .
ومن المشاكل التي تعاني منها المرأة في معظم المجتمعات مصادرة الحقوق في العيش فلا يحق لها إكمال الدراسة أو اختيار الوظيفة ولا اختيار شريك حياتها وفي اغلب الأحيان تمنع من حرية التعبير عن الرأي في مواضيع مهمة ومفصلية في حياتها فتكون حياتها مرهونة برغبات من هو سيد الموقف .
إذا كانت المرأة ضعيفة كما يقال فالرجل من أضعفها وهو من صادر نسبة النصف في الشراكة لحسابه وإذا كانت المرأة ناقصة كما يقال فذلك لان الرجل أكثر مكرا ودهاء وحيلة وهي أكثر رقة وشفافية .
كثيرا من المجتمعات المتخلفة والجاهلة التي لأتفقه حقوق الله في خلقه تتاجر بالمرأة وكأنها سلعة تباع وتشترى أو بضاعة للتداول بين الناس متناسين قول الله سبحانه وتعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } .
وأنت أيها الرجل المعتز برجولتك حد الخلود وتستشهد بتفضيلك اعلم انه زين لك حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة اعلم أن هذا كله ابتلاء لك في الحياة الدنيا وان الله عنده حسن المآب أي الجنّة إن حفظته في حقوق خلقه .
وأوصيك أيتها القارورة أن تحفظي نفسك من مرديات الدهور وغير الزمان وان تصوني عفتك بوجه الذئاب التي تزين لك سوء الأعمال والفعّال وان تقتدي بالنساء الطاهرات اللاتي خلدهن التاريخ ونلن الجنّة بصبرهن وإيمانهن وان تكوني معينّة للرجل على الدهر وليس على نفسك إلا ما احل الله لك فعينيه فان جهاد المرأة في بيت زوجها .

عباس ساجت ألغزي