قصة نبية



كامي بزيع
2011 / 12 / 26

كثيرة هي الشعوب التي آمنت بالمرأة النبية ، التي انقذت شعوبها، والتي علت بامتها الى المجد. الى اليوم يمكننا ان نستشف قوة وسطوة المراة الحاكمة، الحكيمة رغم انها قد تعرّف على انها الساحرة او العرافة حتى يقال ان السحر هو للمراة وليس للرجل ، في كثير من المجتمعات الانسانية، طبعا قبل ان يطالها الحيف والهوان والمذلة ، وهذه واحدة من نبيات الجرمان القدماء ، والتي برغم مكانتها العظيمة لم يصلنا من حياتها الا نتفا .
اسمها فيليدا Veleda ويعني الرائية، وكانت تتمتع بشهرة كبيرة بفضل قواها الاعجازية والتي كان يرى بها الجرمان إلهة متجسدة في صورة انسان ، فالآلهة تتجسد في كائنات بشرية حية ، وخصوصا تتجسد الروح الالهية في الجسم البشري الانثوي ، لذلك يتوقع من "المراة الالهة" ان تبرز صفاتها عن طريق المعجزات .
قدس الجرمان نساءهم، ووضعوهم بمصافي النبيات، بل انهم اعتبروهن الهة، لان الالهة لديهم لم تكن فوقية ، انما هي مخلوقات بشرية من لحم ودم.
وفيليدا هي اشهر النبيات التي وصلت الى مصاف الالهة . التي كانت تعيش في برج يطل على نهر ليب أحد فروع الرين قرب مدينة كولونيا الالمانية ، كان يستشيرها ابناء شعبها الباتاف في سائر شؤون حياتهم ومعاشهم .
وكانت " فيليدا " تعيش في برجها وحيدة تستمع لما يوحي لها خرير الماء وتتنبأ بما سيحصل في المستقبل ، وكان الناس يعتقدون أنها إحدى الالهات التي اوتيت من المعرفة والالهام ما لم يعرفه الحاكم فسباسيان Vespasian" نفسه الذي كان يستشيرها في شؤون حكمه ، فكان لها القرار الاول والاخير.
وقد حكمت شعبها بصفتها نبية قديسة ابتداء من القرن الاول للميلاد، وذاع صيتها حتى طبق الآفاق، وحين أرسل أهالي كولونيا يطلبون عقد معاهدة مع الرومان ، كانت هي الوسيط ولكن لم يسمح للسفراء بالمثول أمامها وإنما كانت المفاوضات تجرى عن طريق أحد الوزراء الذي كان يتكلم بلسانها، وينقل إليهم أقوالها المقدسة ، وهي التي كانت ملمة بشؤون السياسة والناس والسماء. فيليدا المرأة النبية ، التي كانت كاهنة قبيلة البروكتر Bructeri وحكيمتها ، والتي كانت المحرضة الاولى للتخلص من ظلم الرومان ، لم تأت من فراغ بل من نظرة الشعوب حينذاك الى المرأة عموما ذلك أن احترام الرجال للنساء كثيراً ما كان يذهب لأبعد من مجرد النظرة الى كائن انساني ، فقد كانوا يعبدون النساء باعتبارهن آلهات يتمتعن بالحياة بكل قوتها وعنفوانها.
لذلك اعتبر الجرمان نساءهم مقدسات ويأخذن بجدية كبيرة كل ما تقوله النساء ومما يرين أو يسمعن ، وهن محل الثقة في القول والفعل.
كانت هذه النبية القديسة هي روح انتفاضة الباتافيين ، التي ساعدت شعبها على التخلص من السيادة الرومانية، حيث انتفضت القبائل الجرمانية بقيادة زيفيليس على الرومان في عموم بلاد الغال ، ولان الحرب اقوى من الحياة ومن النبيات ومن الاباطرة ، فان النبية الجرمانية فيليدا تاهت تنبؤاتها وحكمتها كما غيرها الكثيرات الكثيرات...
لقد اختلفت الروايات في نهاية الالهة الجليلة، فمنهم من قال ان الرومان اعتقلوها عام 77 ميلادية بعدما سيطروا على البلاد، ونقلوها الى روما لاستغلالها في مشاريعهم المستقبلية، او اذلالا لشعبها المقاوم، وكتب تاسيتوس عام 98 ميلادية ان فيليدا قد ماتت منذ زمن طويل . فيلدا هي احدى نبيات العصر الغابر في اوروبا ولا شك ان شرقنا يحفل ايضا باسماء كبيرة من نبيات ، الهات او ربات قديسات، حاكمات اغفل التاريخ عن احقاقهن، فلماذا لا نعيد كتابته من جديد!