أصالة دور المرأة في المجتمع الکوردي



نزار جاف
2004 / 12 / 31

کثير من الرحالة و المستشرقين الذين جابوا الشرقين الاوسط و الادنى أو کتبوا بصدد شعوبها، لفت أنظارهم الدور الرئيسي و الحيوي الذي تضطلع به المرأة الکوردية في مجتمعها. حيث أنها تتمتع بقدر کبير من حرية الحرکة و التعبير و المظهر، خصوصا إذا قارناها بمثيلاتها من المجتمعات الشرقية التي تعيش الى جانب المجتمع الکوردي. وقد تحدث في هذا الصدد " جی. دي . أدموندز" في کتابه " کرد، ترک ، عرب" حيث يبدي ملاحظاته بشأن حرية المرأة الکوردية الاوسع و الاکبر ضمن النطاق الاسري و الدائرة الاجتماعية، فالمرأة الکوردية کانت تجلس في صدر الدواوين الى جانب الرجال و تشارک بصورة طبيعية في النقاشات الجارية و تعرب عن آرائها بکل حرية و أمان. وقد أورد أمثلة حية على ذلک حين ذکر " عادلة هانم " زوجة عثمان باشا الجاف ، التي کانت في کثير من الاحيان تجلس في موضع زوجها الحاکم و تمارس صلاحياته بکل إقتدار کما وکانت تجلس في المجالس الادبية التي کانت تقرأ فيها القصائد الشعرية أو تناقش فيها مختلف الامور. وإذا کانت النساء من المجتمعات الاخرى تلعب دورها في العمل المضني في الحقول و المنازل لکنها تحرم کاملا من أن تلعب نفس الدور في المجالس و الدواوين الليلية حيث جلسات السمر التي کان الرجال يرفهون فيها عن أنفسهم ولم يکن هناک من دور للمرأة سوى تقديم خدماتها کمجرد نادلة لتوزيع صحون الطعام أو أقداح الشاي! لکن الامر يختلف تماما في المجتمع الکوردي إذ إنها کانت " ولازالت " تجلس في حلقات السمر الليلية و ترفه عن نفسها بمنتهى الحرية والانشراح، ومساحة الحرية المکفولة للمرأة الکوردية تتسع دائرتها في بعض المناطق أکثر حين تظهر بعض الممارسات و الاعراف الاجتماعية المتبعة في مناطق عديدة من کوردستان و لاسيما في منطقتي بشدر في کوردستان الجنوبية و هوشار في کوردستان الشرقية حيث يتبع العرف الاجتماعي " ردوکوتن" أي " الذهاب بمعية" وبموجبه تهرب الفتاة التي تحب شابا معينا و لايوافق أهلها أو أهله على زواجهما، مع من تحب و تلجأ مع حبيبها الى عشيرة اخرى طالبين الاستجارة، وبعد أن يمضي ردح من الزمن على بقائهما في کنف تلک العشيرة المجيرة، تلجأ العائلتان ذاتا العلاقة بالمشکلة الى حل المشکلة بموافقتهما على ذلک الزواج . وتعتبر الموافقة هذه مقدسة و لايحنث بها " کما يفعل الکثير من أجل جر الفتاة المسکينة الى المصيدة ومن ثم قتلها غسلا لوهم العار" وحين يرجع العاشقان الى موطنهما الاصلي يمارسان حياتهما بصورة إعتيادية . هذه الممارسة و ذلک القدر من الحرية التي ألمحنا أليها آنفا، تؤکدان على الاصالة لدور المرأة الکوردية وأن لهذ?ه الاصالة جذورا تأريخية موغلة في القدم الى حقب زمنية قبل الاسلام بکثير، وهو الذي يفسر عدم مقدرة الاسلام " برغم تأثيره القوي جدا في المجتمع الکوردي" على طمسه أو لجمه تماما.
کاتب و صحفي کوردي
مقيم في المانيا