المرأة المغربية والتهميش السياسي



فاطمة الزهراء المرابط
2012 / 1 / 4


إن قضية "مشاركة المرأة في العمل السياسي" تحتل حيزا مهما من النقاش والجدال خلال الفترة الراهنة، التي لا يزال فيها الرجل العربي عامة والمغربي خاصة، يطرح تساؤلات عديدة حول قدرات المرأة وطموحاتها، تساؤلات نابعة من الخوف من المنافسة النسائية في المجال السياسي مستندا إلى عدة معتقدات وتقاليد بالية للوقوف في وجه طموح المرأة السياسي، هذا المجال الذي يعتبر حكرا على الرجل والمرأة مجرد كائن ضعيف متطاول عليه.
على الرغم من أن المرأة المغربية تمكنت من نفض غبار التقاليد والعادات البالية، وعرفت تطورا ملموسا وحضورا متميزا في مختلف المجالات، حيث ارتفعت نسبة وعي وتعليم وتشغيل المرأة بشكل ملحوظ، لكن تواجدها في المجالس الجماعية ظل ضعيفا مقارنة مع القطاع الخاص الذي تسجل فيه المرأة نسب مرتفعة من القوى العاملة خاصة في قطاع صناعة الملابس الجاهزة وقطاع الحضانات ورياض الأطفال، إلا أن هذا التطور ظل حبيس فئة معينة من النساء بسبب مجموعة من الظروف والعوامل الاجتماعية التي تعيشها المرأة المغربية كالتقاليد والموروثات الاجتماعية والسيطرة الذكورية التي يتشبع بها المجتمع المغربي شأنه شأن كل المجتمعات العربية الأخرى، وهي عوامل تحصر دور المرأة داخل الأسرة والبيت (طاعة الزوج، تربية الأطفال، الأشغال المنزلية،...)، لأن المرأة كيفما كانت تظل في نظر المجتمع مجرد كائن ضعيف وقاصر لا يبلغ سن الرشد أبدا، غير قادر على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات المصيرية، وقد كرست هذه الأفكار بشتى الطرق والوسائل داخل المجتمع المغربي إلى أن أصبحت واقعا ثابتا في حياة المرأة، غير أن هذه النظرة الاجتماعية المهمشة للمرأة لم تقف في وجه طموحها ورغبتها في التحرر الفكري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، بحيث بذلت كل جهدها من أجل التمرد على هذه الوضعية المزرية التي تطبع واقعها اليومي، فاقتحمت مختلف مناحي الحياة العامة وحققت إنجازات ومكتسبات مهمة كسرت بعض الحواجز والضغوط المفروضة عليها.
وتعتبر مشاركة المرأة المغربية في العمل السياسي ضعيفة مقارنة مع مشاركة الرجل بسبب غياب ثقافة المساواة بين الجنسين ودور الأحزاب في تغييب المرأة والحد من مشاركتها السياسية، بحيث أن الدعوة للمساواة بين المرأة والرجل هو مجرد شعار مناسباتي ترفعه الأحزاب لتلميع صورتها مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، واستغلالها في الدعاية الانتخابية وحصد أكبر عدد ممكن من أصوات المنتخبين وهي وضعية لا تصل إلى مستوى تطلعات المرأة، لأن ممارسة هذه الأخيرة للسياسة تعترضها مجموعة من العراقيل والصعوبات أهمها: عدم استقلالية المرأة من الناحية المادية واعتمادها على دعم الأسرة وتبعيتها اجتماعيا واقتصاديا للرجل (الأب، الزوج، الأخ، الابن) والتزامها بعدة مسؤوليات اتجاه الأسرة، لأن الممارسة السياسة تأخذ حيزا كبيرا من الوقت والاهتمام، هذا دون أن ننسى النظرة التي يوجهها المجتمع لهذه الفئة من النساء (زوجة مهملة، أم فاشلة في تربية صغارها، امرأة تعاني الفراغ العاطفي، امرأة مُسْترجلة، عديمة الأخلاق،...) وتصل هذه النظرة إلى التشكيك في قدرتها على تحمل المسؤولية (ناقصة عقل ودين) إلى جانب إخضاعها لعدة اكراهات وضغوط نفسية، مما يولد لديها الشعور بالإحباط والاستلاب نتيجة تبخيس جهودها وطمس إمكانياتها هذا من جهة.
ومن جهة أخرى تعاني المرأة من التهميش السياسي، بسبب غياب قوة ضاغطة على المؤسسات والأحزاب السياسية لتحسين وضع المرأة، وبسبب استسلام المرأة وعدم قدرتها على منافسة الرجل على المناصب القيادية الأولى رغم نشاطها الملحوظ داخل الأحزاب أو التيارات السياسية، بحيث يهيمن الرجال على كل المناصب السياسية القيادية في حين تلعب المرأة دورا ثانويا داخل الأحزاب، ومازالت المرأة تعاني من هذه الوضعية لحد الساعة، بحيث اقتصر دور المرأة سياسيا على التعبئة والتأطير والأعمال التضامنية والإعلامية البسيطة، ومازالت تعتمد على نظام "الكوطا" من أجل الصعود إلى المناصب السياسية من أجل الرفع من تمثلية المرأة في الأحزاب والبرلمان والحكومة، وهذا عنف آخر وتهميش تتعرض له المرأة في المجال السياسي، وقد تأثرت المرأة المغربية بهذه الوضعية وبالتهميش السياسي الذي يمارس عليها داخل الأحزاب السياسية، الأمر الذي جعل نسبة مهمة من النساء يتراجعن عن الانخراط في الأحزاب خلال السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من رغبة المرأة في خوض غمار تجربة الممارسة السياسية، إلا أن المرأة تشعر بخيبة الأمل من طريقة تعامل الأحزاب السياسية مع قضاياها، ووضعيتها ونشاطها داخل هذه الأحزاب، لذلك تجد المرأة نفسها شيئا فشيئا خارج اللعبة السياسية، خاصة وأن تعامل الأحزاب مع المرأة باعتبارها مجرد آلة تنفيذية ووسيلة احتياطية تسخر أثناء الحملة الانتخابية، من أجل حشد الجماهير وتعبئة الأصوات المؤيدة للأحزاب، هذه الوضعية جعلت الكثير من الناشطات السياسيات يتراجعن عن نشاطهن الحزبي، إلا أن هذه العراقيل التي تعترض المرأة أثناء الممارسة السياسية لم تمنع المرأة الفاعلة سياسيا وحزبيا، من العمل بإصرار كبير على طرح وفرض مختلف القضايا التي تشغلها وتعاني منها وتطالب بتطوير وتحسين مكانتها داخل الأحزاب السياسية.