نساء المواقف الصلبة - إلى مكارم إبراهيم



هيفاء حيدر
2012 / 1 / 4

إذا كان الماء والتراب يشكل طينة تجبل منها أجسادنا نحن بني البشر ،فإن ما يصبغ تلك اللمسة الخفية لإذكاء الروح في كل مساحة هذا العالم المترامي الأطراف لحياتنا هو ذاك الكم الكبير من المواقف التي تمليها علىنا مسيرة عمرنا نحن النساء من ساعة الميلاد إلى لحظات الزمن اللامتناهي الذي لا نعرف به في أي أرجاء لهذه المعمورة ستأخذنا أقدامنا ولا كيف ستهتدي بنا الأقدار إلى فضاء من الهدوء المفقود من حياتنا ربما ضاعت بعض مركباته اللغوية من على اللوح المحفور القابع في أعلى السموات السبع.
إلى الصديقة العزيزة مكارم إبراهيم ،في غفوتها على سرير المرض،كم يعز علينا أن تطول غفوتك وأن نفتقد صوتك ،هو الغياب المؤقت الذي نأمل أن لا يطول أكثر ،قلة قليلة من بنات جنسنا اليوم تلك التي تهب القسم الكبير من حياتها للفكر وإعمال العقل في زمن ضاقت به مساحات الرأي وتقلصت الرؤى إلى أبعد ما يمكن من الأمكنة المعزولة والتي تقصي النساء أكثر وأكثر،وأقول قلة من النساء ،ليس لأن نصفنا الآخر من الرجال قد أكمل مهمة التغيير والتطوير والتحديث في عالمنا العربي حيث نعيش بوادر خريف صاخب بل لأن النساء ما زلنا مستهدفات ليس في نمط تفكيرهن وحسب بل حتى بما يقمن به من انجازات ما زال ظل الحياة يرمي بثقله علينا وعلى أدوارنا المتعددة والتي لا تنتهي ربما مع انتهاء دورة الحياة.
لكل ذلك يعز علينا أن تغفو مكارم ،وأن ترقد على سرير أصم ،وأن يخبو صوت كانت وتيرته تعلو وتعلو وهي تدافع عن حق شعرت ولو عن بعد إنه قد مس لإنسان ما ليس بالضرورة أن ينتمي لأي تقسيم عرفناه .
كنت أجد بكل صديقاتي ورفيقاتي وما زلت اللواتي أتفق معهن وتلك التي أختلف في الرأي والتفسير معهن ،سنداً وقوة ودافع لي ولنا، في أن لا نستكين أمام أي هجوم لأي فكرة نيرة وتقدمية نطرحها،أو أية مواقف نعمل جاهدات على تكريسها على أرض الواقع من جديد ،عن عالم بتنا نتحسس به الخوف على مصير قضايا شعوبنا ،الخوف الكامن بداخلنا من جهة وذاك الخوف القادم لنا مع هبوب رياح التغيير القادمة من البعيد من جهة أخرى ،وأكثر من ذالك فإننا معشر النساء كم من الأوقات نقف مكاننا لنقول الى متى علينا أن نتحمل عبء كل الجلابيب البيضاء والسوداء التي تحتل العقول وترمى على أجسادنا كي نبقى في المكان عينه ساكنات لا نتحرك،هل ما زال هناك من المزيد كي نواجهه؟
ولكل ذلك نحن اليوم أحوج إلى وجودك صديقتنا مكارم في أن تعودي الى قرائك ومتابعينك إلى من أحبو فكرك والى من كانوا يحبون أن يعاكسونك الرأي حيناً ويخالفونك حيناً آخر، وأنت كنت تزدادين إصراراً أن لا مهادنة في الطرح وتدافعين عن أرائك وأفكارك بقوة.
هي لحظات أدعو الله أن تستجيبي للدواء وأن يعود جسدك ينبض بالحياة وقلبك يمتلئ بالدف كي تعودين للكتابة ،لا نريد لقلمك أن يأخذ استراحة أكثر ،ونحن نعيش زمن لا كغيره من الأزمان لا تلك التي عبرت ومضت ولا تلك التي نستعد لاستقبال عالم جديد ندعوا الله أن لا يعيد عالمنا العربي وشعوبنا إلى العيش تحت ظلال الجلابيب والفتاوى والتدخل في حياتنا أكثر. .
لك كل الأمنيات الطيبة بالشفاء العاجل فما زال على هذه الأرض حياة نستحق أن نعيشها رجالاً ونساء بعالم وفضاء حدوده السماء التي نرسم لها شكل أجمل وأحلى.